التفسير الشامل ( 137) تفسير سورة هود من الآية ( 102) إلى آخر السورة

التفسير الشامل ( 137) تفسير سورة هود من الآية ( 102) إلى آخر السورة

مشاهدات: 525

  بسم الله الرحمن الرحيم

   تفسير سورة هود من الآية ( 102 ) إلى ( آخر السورة )

   لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

قوله تعالى :

﴿ وَكَذلِكَ أَخذُ رَبِّكَ ﴾ يعني كما أخذ الأمم السابقة كذلك يأخذ كل أمة ظالمة ، فليتنبه كفار قريش فقال ﷻ ﴿ وَكَذلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ القُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ ﴾  قال   ﴿ وَهِيَ ظالِمَةٌ ﴾ لأنه ﷻ لكمال عدله  لا يظلم أحدًا ﴿ وَكَذلِكَ أَخذُ رَبِّكَ ﴾ بالعذاب ؛ إذا أخذ أحدًا بالعذاب  ﴿ وَكَذلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ القُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَليمٌ شَديدٌ ﴾ مؤلم  شديد ، و لذا ثبت قوله ﷺ : ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته ، ثم قرأ ﴿ وَكَذلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ القُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَليمٌ شَديدٌ ﴾ )

 

﴿ إِنَّ في ذلِكَ ﴾  أي ما جرى مما جرى للأمم السابقة  ﴿ إِنَّ في ذلِكَ ﴾ مما قُصَّ عليك   ﴿ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً ﴾  لعلامَة  ﴿ لِمَن خافَ عَذابَ الآخِرَةِ ﴾ لِمَن خافَ عَذابَ الآخِرَةِ : مما يدل على أن من خاف عذاب الآخرة ؛ خاف عقاب الله في الدنيا ، و خاف من مخالفة أمر الله فقال هنا : ﴿ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِمَن خافَ عَذابَ الآخِرَةِ ذلِكَ يَومٌ مَجموعٌ لَهُ النّاسُ  ﴾  أي يوم القيامة ، يجمع الله ﷻ فيه الأولين و الآخرين ﴿ قُل إِنَّ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ (49) لَمَجموعونَ إِلى ميقاتِ يَومٍ مَعلومٍ ﴾ و قال ﷻ ﴿ هذا يَومُ الفَصلِ جَمَعناكُم وَالأَوَّلينَ ﴾ ﴿ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِمَن خافَ عَذابَ الآخِرَةِ ذلِكَ يَومٌ مَجموعٌ لَهُ ﴾ اللام هنا للتعليل : للأَجَل : أي ذلك مجموعٌ لأجْلِه الناس  ﴿  ذلِكَ يَومٌ مَجموعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَومٌ مَشهودٌ ﴾ تشهده الملائكة و الأنبياء و المؤمنون .

 

﴿ وَما نُؤَخِّرُهُ ﴾ أي يوم القيامة  ﴿ إِلّا لِأَجَلٍ مَعدودٍ ﴾ أي إلا لوقت محدد لا يعلمه إلا الله ﷻ ﴿ يَسأَلونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرساها قُل إِنَّما عِلمُها عِندَ رَبّي ﴾  فقال هنا ﴿ وَما نُؤَخِّرُهُ إِلّا لِأَجَلٍ مَعدودٍ ﴾

 

﴿ يَومَ يَأتِ لا تَكَلَّمُ نَفسٌ إِلّا بِإِذنِهِ ﴾ يوم يأتي ذلك اليوم ، وهنا لم يأتِ بالياء و هذه لغة من لغات العرب يحذفون الياء و يأتون  بالكسرة من باب التخفيف و قد وردت قراءة : ( يوم يأتي ) بوجود الياء ﴿ يَومَ يَأتِ لا تَكَلَّمُ  ﴾ أي لا تتكلم  ﴿ لا تَكَلَّمُ نَفسٌ إِلّا بِإِذنِهِ ﴾ نعم ؛ فلا يتكلم أحد إلا بإذن الله ﷻ كما قال ﷻ ﴿ رَبِّ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَما بَينَهُمَا الرَّحمنِ لا يَملِكونَ مِنهُ خِطابًا ( 37 ) يَومَ يَقومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمونَ إِلّا مَن أَذِنَ لَهُ الرَّحمنُ وَقالَ صَوابًا ﴾  ﴿ يَومَ يَأتِ لا تَكَلَّمُ نَفسٌ إِلّا بِإِذنِهِ ﴾ و هذا يدل على أن الأمر كله لله و لا أحد يستطيع أن يتقدم بشئ إلى الله ، لا شفاعة و لا سوى ذلك إلا بعد أن يأذن الله ﷻ و لو قيل إنهم يتكلمون كما ذكر ﷻ عن هؤلاء كما مرَّ معنا ﴿ ثُمَّ لَم تَكُن فِتنَتُهُم إِلّا أَن قالوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشرِكينَ ﴾ فالجواب عن هذا : من أنه يؤذن لهم في بعض المواقف أن يتكلموا ، لكن لن يتكلم أحد إلا بعد أن يأذن الله ﷻ له .

 

 

                                                     

﴿ فَمِنهُم شَقِيٌّ وَسَعيدٌ ﴾ فيفترق الناس يوم القيامة إلى شقيٍ و سعيد ؛ إلى شقي : من شقي بسبب أعماله ، و من هو  سعيد بسبب أعماله ،  و كل ذلك بتوفيق من الله ﷻ  إذ هدى السعيد ، و كل ذلك بحكمته و عدله ، لما شقي من شقي بسبب ذنوبه .

 

﴿ فَأَمَّا الَّذينَ شَقوا ﴾  فَأَمَّا الَّذينَ شَقوا :  بسبب ما أتوا به من الأعمال الخبيثة ﴿ فَأَمَّا الَّذينَ شَقوا فَفِي النّارِ لَهُم فيها زَفيرٌ وَشَهيقٌ ﴾  ﴿ زَفيرٌ وَشَهيقٌ ﴾ اختلف العلماء ؛ الزفير و الشهيق ما هو ؟ الزفير و الشهيق هل هو ما يدخل في الجوف  أو ما يخرج منه ؟ قيل بهذا و قيل بهذا بالنسبة إلى الزفير و الشهيق ، و قيل الزفير : هو الذي يخرج عند التنفس ، و الشهيق هو الذي يُسحَب إلى الصدر ، و قيل المقصود من الزفير هو ما يكون في الحلق ، و الشهيق ما يكون في الصدر ، و قيل ضد ذلك ، و على كل حال ، هذا كله يدل على ماذا ؟ حتى إن بعض العلماء قال : إنه – الزفير و الشهيق – كصوت الحمار حينما يصيح أول أمره ثم ينتهي صياحه إلى آخر أمره ، هذا يدل على ماذا ؟ على أنهم في النار – نسأل الله السلامة والعافية – هم بين صوتٍ شهيقٍ  زفيرٍ سيءٍ مذموم  و هم  في ذلك يحزنون ؛ صوت منكر مما يدل على أنهم مع هذا العذاب تصدر منهم هذه الأصوات ﴿ لَهُم فيها زَفيرٌ وَشَهيقٌ ﴾ 

 

﴿ خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ ﴾  ﴿ ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ ﴾ معلومٌ أن خلود هؤلاء في النار مستمر ، فلماذا قال ﴿ ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ ﴾ المراد من ذلك : المبالغة و إلا فإنهم باقون فيها ، و لذلك العرب إذا أرادت أن تقول لشيءٍ مؤبد ؛ يقولون : ما لامت السماوات و الأرض  ، أو     ما زال الليل والنهار ، مما يدل على أن هذا الأمر مستمر ( ما دامت السماوات و الأرض ) و قال بعض العلماء :  ﴿ ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ ﴾ أي : سماوات يوم القيامة و أرض يوم القيامة و ليست السماوات و الأرض التي في هذه الدنيا ، و على كل حال ؛ فالقول الأول هو الأظهر   ﴿ ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ ﴾ استثناء  ﴿ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ ﴾ فدل هذا من ظاهر الآية من أن هؤلاء ؛ من أنهم يخرجون من النار بعد فترة من الزمن ؛ لأنه قال : ﴿ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ ﴾ ولْتعلم  أن هذه الآية من الآيات التي يمتحن الله بها عباده ، و هي متشابه ، فإذا رُدَّ المتشابه  إلى المحكم صار كله محكمًا ، و لذا هذه طريقة الراسخين في العلم ، أما طريقة أهل الزيغ والضلال فكما قال ﷻ  ، كما مر معنا في سورة آل عمران ﴿ هُوَ الَّذي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في قُلوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ وَابتِغاءَ تَأويلِهِ وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرّاسِخونَ فِي العِلمِ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنا ﴾ إذا ردوا المتشابه إلى المحكم صار الكل محكمًا لكن أهل الزيغ يأخذون بالمتشابه و يدعون المحكم الكثير و يبنون  في ذلك على أهوائهم ، فقال ﷻ  هنا ﴿  إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ  ﴾  هنا خلاف بين أهل العلم ما هو  هذا الاستثناء ، و ما ماهية هذا الاستثناء ؟ و الذي يظهر : أن أرجح ما يُقال في هذا ، من أن قوله ﴿  إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ  ﴾

إما أن تكون ؛ ما : بمعنى من ( إلا من شاء ربك ) أي من أهل الملة ممن عصى الله ﷻ  فعذبه بقدْرِ ذنبه ثم المَرَدّ إلى الجنة ؛ وليس للجميع ، و قال  بعض المفسرين  و هذا  أظهر من السابق و إن كان السابق أيضًا يدخل فيه ضمنًا و هذان القولان هما أرجح ما يظهر لي في هذا

 

                                                     

   ﴿  إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ  ﴾ بمعنى أن بقاءهم في هذه النار بمشيئة الله ﷻ  ؛ فالأمر كله بمشيئة الله ﷻ  ، و هو ﷻ  شاء أن لا يخرجوا منها ، لماذا ؟ للأدلة الأخرى ، منها كما قال ﷻ : ﴿ إِلّا طَريقَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها أَبَدًا ﴾  ﴿ وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها أَبَدًا ﴾  فكل شيءٍ بمشيئته فبقاء و خلود هؤلاء في النار بمشيئة الله ﷻ و هو شاء أنهم لا يخرجون من النار ، و لذا ماذا قال بعدها ؟

﴿ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُريدُ ﴾ و لذلك قال فعّال على وزن فعّال ﴿ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُريدُ ﴾ فهو يفعل ﷻ مايريده و من ثم هذه النار ؛ هل تفنى يوم القيامة بعد أن تبقى ما تبقى من السنوات ؟ فبعض ما ذُكِر من الآثار عن بعض السلف من أنهم قالوا إنها تفنى ، لم ؟ لأن الله ﷻ كما جاء في ذلك الحديث قال ( سبقت رحمتي غضبي ) كما ثبت هذا الحديث و غيره مما يشابهه ، ذكر بعض السلف بعض الآثار مع العلم أن أكثر السلف يقولون إن النار لا تفنى أبدًا ، لكن البعض ؛ لبعض الآثار قال : إنها تفنى بعد ما يقدره الله ﷻ من زمان و من ثم فإن الألباني رحمه الله  قال : أتيتُ على الآثار التي ذُكِرَت من أن النار تفنى فهي ضعيفة كلها فلا يصح منها شيء ، فإن كان كما ذكر الألباني

 رحمه الله ، فيصبح القول إذًا ، فيصبح القول إجماعًا للسلف من أن النار لاتفنى و تبقى أبد الآباد ، لو صحّت هذه الآثار أو صحّ بعضها فنقول : هذا قولٌ لبعض السلف و من ثمّ فإن المعَوّل عليه و المتعين أن نعود إلى ما تدل عليه الأدلة و الأدلة دلّت على ماذا ؟ على أن أهل النار – و هم أهل الكفر – لأن العصاة مهما عَظُمت ذنوبهم و هم من أهل التوحيد ، إن شاء الله رحمهم فلم يدخلوا النار ، و إن شاء عذبهم ؛ لكن يعذبهم بقَدْر ذنوبهم ثم المَرَدّ إلى الجنة ، لكن الحديث من أنها تبقى ويبقى أهلها فيها أبد الآباد هم من كُتِب عليه الخلود و هم أهل الكفر ، قال هنا : ﴿ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُريدُ ﴾

 

﴿ وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدوا ﴾  سُعِدوا بتوفيق الله ﷻ إذ وفقهم للأعمال الصالحة ﴿ وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدوا فَفِي الجَنَّةِ خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ ﴾ و الكلام في ما دامت السماوات و الأرض كالكلام  في السابق  ﴿ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ ﴾ سبحان الله ، هذا مايؤكد مما ذكرْتُه من القول الأخير ؛ من أنه لما قال فيما يتعلق بأهل النار  ﴿ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ ﴾ بمعنى أن بقاء أهل النار مخلدين بمشيئة الله ، لكن الله شاء أن يبقوا فيها مخلدين ؛ ذكر أيضًا أن بقاء أهل الجنة ، إنما هو بمشيئة الله ﷻ ، و كل شيءٍ بمشيئته لكنه شاء ﷻ أن يبقى أهل الجنة مخلدين فيها و لذا قال ﴿ وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدوا فَفِي الجَنَّةِ خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ ﴾ على القول الأول الذي قيل فيما يتعلق بالأشقياء من أنهم هم العصاة ؛ بمعنى أنهم يُعذبون في النار ثم يكون المصير إلى الجنة ، فما هو الاستثناء المتعلق على هذا الرأي بالنسبة إلى أهل الجنة ؟ فالجواب عن ذلك :  ﴿ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ ﴾ أي : إلا من شاء ربك : و ذلك قبل أن يدخلوا الجنة كما يكون في الموقف و ما شابه ذلك  ثم يكون مآل أهل الجنة بعد الموقف إلى الجنة  ﴿ وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدوا فَفِي الجَنَّةِ خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ ﴾

 

 

 

 

                                                     

 

 

و حتى ينفي ما قد يُتوهم من أنهم لا يُخَلَّدون يعني أهل الجنة ماذا قال ؟  ﴿ عَطاءً غَيرَ مَجذوذٍ ﴾ يعني غير منقطع ، فهو غير منقطع ، فهو باقٍ لأهل الجنة ، و هم باقون فيها ، و لذا قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كانَت لَهُم جَنّاتُ الفِردَوسِ نُزُلًا (107) خالِدينَ فيها لا يَبغونَ عَنها حِوَلًا ﴾ لا يبغون عنها أي تحوّل ، يريدونها فقط .

 

﴿ فَلا تَكُ في مِريَةٍ ﴾ يا محمد لا تك في شك  ﴿  فَلا تَكُ في مِريَةٍ مِمّا يَعبُدُ هؤُلاءِ ﴾ أي مما يعبده قومك  ﴿ ما يَعبُدونَ إِلّا كَما يَعبُدُ آباؤُهُم مِن قَبلُ ﴾ قال هنا من قبل ، و أصل الكلام : من قبلهم يعني من قبل آبائهم لكن هنا حُذف المضاف إليه للدلالة عليه ﴿ فَلا تَكُ ﴾ يا محمد ﴿ في مِريَةٍ  مِمّا يَعبُدُ هؤُلاءِ ما يَعبُدونَ إِلّا كَما يَعبُدُ آباؤُهُم ﴾ من باب الاقتداء بالآباء السابقين ، كما قال تعالى عنهم في سور أخرى ﴿ إِنّا وَجَدنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِم مُقتَدونَ ﴾   فقال هنا : ﴿ وَإِنّا لَمُوَفّوهُم نَصيبَهُم غَيرَ مَنقوصٍ ﴾ ﴿ وَإِنّا لَمُوَفّوهُم نَصيبَهُم ﴾  من العذاب  ﴿ غَيرَ مَنقوصٍ ﴾ لا يُنقص منه شيء فلا تستعجل لهؤلاء و لا يحْزُنك حال هؤلاء .

 

﴿ وَلَقَد آتَينا موسَى الكِتابَ فَاختُلِفَ فيهِ ﴾  هذا يدل على ماذا ؟ تسلية للنبي ﷺ إن كان قومك قد اختلفوا في القران و قالوا  فيه ما قالوا  أيضًا هناك نبي و هو موسى عليه السلام ؛ اليهود صنعوا مثل ما صنعت قريش ﴿ تَشابَهَت قُلوبُهُم ﴾ و لذا ماذا قال ﷻ ﴿ وَلَقَد آتَينا موسَى الكِتابَ ﴾  يعني التوراة ﴿ فَاختُلِفَ فيهِ ﴾ اختلف فيه من ؟ اليهود كما اختلفت كفار قريش في ماذا ؟ في القرآن ﴿ وَلَولا كَلِمَةٌ سَبَقَت مِن رَبِّكَ ﴾ سبقت من ربك كلمة من أنه لا يستأصلهم بالعذاب لاستأصلهم في هذه الدنيا   ﴿ وَلَولا كَلِمَةٌ سَبَقَت مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَينَهُم ﴾ لقضي بين أهل الإيمان و بين أهل الشرك في هذه الدنيا ﴿ وَإِنَّهُم لَفي شَكٍّ مِنهُ مُريبٍ ﴾ لفي  شك  :  ريب  ﴿ مِنهُ مُريبٍ ﴾ أكَّد ذلك ﴿  مُريبٍ ﴾ بمعنى أن شكهم قد تغلغل فيهم فأصبحوا أصحاب شك يترددون و من ثم فإن قوله تعالى –  و هذا ظَهَرَ لي الآن  –  لأن بعض العلماء قال : إن الله ﷻ بعد ما أهلك فرعون ما استأصل بعد فرعون أمة بالعذاب  ؛ ما استأصلها و إنما عمَّ العذاب على آل فرعون و من كان قبله أما ما بعد فرعون فإنه لم يحصل ذلك لا في بني إسرائيل و لا  في غيرهم و قالوا مستدلين بقوله ﷻ ﴿ وَلَقَد آتَينا موسَى الكِتابَ مِن بَعدِ ما أَهلَكنَا القُرونَ الأولى بَصائِرَ لِلنّاسِ ﴾ الآن ظَهَر لي من هذه الآية من أن هذا دليل أيضًا ؛ لأنه لما ذكر ما يتعلق بموسى مع قومه مع بني إسرائيل قال ﴿ وَلَولا كَلِمَةٌ سَبَقَت مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَينَهُم وَإِنَّهُم لَفي شَكٍّ مِنهُ مُريبٍ ﴾

 

﴿ وَإِنَّ كُلًّا ﴾ أي من  هؤلاء و من  جميع الخلق  ﴿ وَإِنَّ كُلًّا لمّا لَيُوَفِّيَنَّهُم رَبُّكَ أَعمالَهُم ﴾ كل إنسان سيأخذ جزاء عمله  ﴿ وَإِنَّ كُلًّا لمّا لَيُوَفِّيَنَّهُم رَبُّكَ أَعمالَهُم إِنَّهُ بِما يَعمَلونَ خَبيرٌ ﴾ فهو خبير بظواهر الأمور و ببواطنها .

 

 

                                                      

 

﴿ فَاستَقِم ﴾  يا محمد  ﴿ كَما أُمِرتَ ﴾  كَما أُمِرتَ :  مما يدل على أنه ﷺ أُمر بماذا ؟ بالاستقامة على ما أُمر ، إذًا هنا فيه ماذا ؟ فيه الردُّ على أهل البدع الذين يبتدعون في دين الله ﷻ ﴿ فَاستَقِم كَما أُمِرتَ وَمَن تابَ مَعَكَ ﴾ أي و لْيستقم من تاب معك وقُدِّم ﷺ  تشريفًا له ﴿ وَلا تَطغَوا ﴾ أي انتبهوا ، أُمِرتم بالاستقامة أيضًا احذروا من الطغيان ، دل هذا على أن عدم الاستقامة طغيان ، و لذا ماذا قال عن الكفار ؟﴿ وَنُقَلِّبُ أَفئِدَتَهُم وَأَبصارَهُم كَما لَم يُؤمِنوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُم في طُغيانِهِم يَعمَهونَ ﴾ فبين هنا من أن عدم الاستقامة طغيان و دل هذا على ماذا ؟ دل على أن الطغيان متفاوت لأن الكفر و النفاق أعظم الطغيان ، بقاء الإنسان موحدًا لكنه غير مستقيم أيضًا فيه نوع من الطغيان ﴿ وَلا تَطغَوا ﴾ و لذا و العلم عند الله لم يقل و لا تطغى لأن الأمر هنا في أول الأمر من باب ماذا ؟ من باب تشريفه ﷺ  في الاستقامة ، ماذا قال ﴿ فَاستَقِم ﴾ على وجه الإفراد ﴿ كَما أُمِرتَ ﴾ ثم عطف عليه الأتباع ﴿ وَمَن تابَ مَعَكَ ﴾ لكن لماذا في الطغيان قال ﴿ وَلا تَطغَوا ﴾ دل هذا على أنه حاشاه ﷺ  أن يقع منه طغيان ﴿ وَلا تَطغَوا إِنَّهُ بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ ﴾ و هذا يدل على ماذا ؟ بما أنه عليم و بصير بما نعمل يترتب على ذلك الخوف من عذابه و التحذير  في الوقوع فيما يخالفه و الحرص على  طاعته ﷻ

 

﴿ وَلا تَركَنوا ﴾ أي : و لا تميلوا  ﴿ وَلا تَركَنو إِلَى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ﴾ لا يجوز أن يركن إلى الظلمة أو أن يساعدوا و أن يعانوا على ظلمهم و هذا يضمل الكافر و يشمل حتى المؤمن الظالم لا يجوز لأحدٍ أن يعينه على باطله و لذا قال ﴿ وَلا تَركَنو إِلَى الَّذينَ ظَلَموا ﴾ و هذا  عام و هذا هو الصحيح خلافًا لمن حصره على ماذا ؟ على الكفر ﴿ وَلا تَركَنو إِلَى الَّذينَ ظَلَموا ﴾ و من ثمَّ فإن الإنسان لو ركن إلى من ظلم من باب المداراة بمعنى أنه – قَرُب منه – ليس الميل ؛ الميل الذي

 يتبعه ، لا و إنما قَرُب منه من أجل أن يأخذه بطريقة أو بأخرى  “مداراة ” بحيث يصَوِّب حاله من الباطل إلى الحق أو من الضلالة إلى الهدى فهذا حسن ، لكن إذا كان المقصود  البقاء معه دون إنكار و دون مدارة و إنما جلوس معه مداهنة أو من غير مداهنة فإن هذا يحل به ما أوعد الله به هنا        ﴿ وَلا تَركَنو إِلَى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ﴾ المس يدل على ماذا ؟ يدل على شدة العذاب ﴿ فَتَمَسَّكُمُ النّارُ وَما لَكُم مِن دونِ اللَّهِ مِن أَولِياءَ ﴾ يأتون إليكم بالنفع ﴿ ثُمَّ لا تُنصَرونَ ﴾

 

﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ  ﴾ أي في أطراف النهار ،  و الطرف يكون في أوله و في آخره ، فدخل في ذلك صلاة الفجر ، و دخل في ذلك صلاة العشي : يعني الظهر و العصر ﴿ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيلِ ﴾  الزُّلَف يعني الساعات  ﴿ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيلِ ﴾ يدخل في ذلك صلاة المغرب و العشاء ، فجمعت هذه الآية جميع الصلوات الخمس ﴿ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيلِ إِنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ و من ثم فإن من عليه سيئات فليكثر من الحسنات و من ذلك : الصلوات ،  و لذلك جاء رجل كما ثبت إلى النبي ﷺ و قال يا رسول الله إني قبلت امرأة ، قبَّل امرأة فأتى فقال أقم علي الحد فقال ﷺ  أصليت معنا ؟ فقال الرجل نعم فقرأ عليه الصلاة والسلام هذه الآية ﴿ إِنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ ﴾

﴿ ذلِكَ ذِكرى لِلذّاكِرينَ ﴾ ذلك بمعنى النهي عن الركون إلى الظَّلَمة و أيضًا إقامة الصلوات ﴿  ذِكرى لِلذّاكِرينَ ﴾

 

                                                     

 و أيضًا ذِكْر الصلاة هنا يدل على ماذا ؟ يدل على أن الصلاة تنهى الإنسان عن الفحشاء و المنكر ، و من ذلك أنها تنهاه عن الركون إلى الظلمة إذا قام بهذه الصلوات على شروطها و على واجباتها ﴿ ذلِكَ ذِكرى لِلذّاكِرينَ ﴾ ما الذي بعدها ؟

 

﴿ وَاصبِر ﴾ و اصبر في جميع أحوالك : على الأذى ، على أقدار الله المؤلمة ، على طاعة الله و من ذلك الصلاة ، عن معصية الله   ﴿ وَاصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ ﴾ دل هذا على ماذا ؟ على أنه ﷻ لا يضيع أجر من أحسن عملًا ، و دل هذا على أن الصبر و الصلاة : توصلان العبد إلى الإحسان و يكون محسنًا ، و لذا في قصة يوسف ﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ ﴾ هذه العبادة ﴿ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ ﴾ و أيضًا يدل على أن الصبر و الصلاة كما ذُكر هنا من أنه يستعان بهما كما قال ﷻ ﴿وَاستَعينوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ ﴾  فقال هنا ﴿ وَاصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ ﴾

 

 ﴿ فَلَولا كانَ مِنَ القُرونِ مِن قَبلِكُم أُولو بَقِيَّةٍ ﴾ هلَّا  كان من القرون من قبلكم  الذين ظلموا أنفسهم فأهلكهم الله ، هلَّا كان فيهم  أولوا  بقية ، يعني أولوا بقية من الأعمال الصالحة ، أصحاب أعمال صالحة ، مثا ما يقال بقية السلف : يعني أن هؤلاء سائرون على ما سار عليه الأخيار  ﴿ فَلَولا كانَ مِنَ القُرونِ مِن قَبلِكُم أُولو بَقِيَّةٍ يَنهَونَ عَنِ الفَسادِ فِي الأَرضِ إِلّا قَليلًا مِمَّن أَنجَينا مِنهُم ﴾ سبحان الله لما ذَكَر ما يتعلق بهلاك الأمم السابقة ؛ بيَّن هنا هلَّا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ؟ الجواب : لا لم يكن هناك ،  إلا قليلًا ، هل كانت هناك بقية صالحة في الأمم السابقة تنهى عن الفساد ؟ الجواب : لا  إلا قليلًا ﴿ مِمَّن ﴾  من هنا بيانية ، يعني لأن الذي نجا فقط مَن ؟ الذين هم أولو بقية  ﴿ مِمَّن أَنجَينا مِنهُم ﴾ و لذا ماذا قال ﷻ ﴿ نَجَّينا صالِحًا وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ بِرَحمَةٍ مِنّا ﴾ ﴿ نَجَّينا هودًا وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ ﴾ ﴿ نَجَّينا شُعَيبًا وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ ﴾ فقال هنا ﴿ مِمَّن أَنجَينا مِنهُم ﴾

 ﴿ وَاتَّبَعَ الَّذينَ ظَلَموا ما أُترِفوا فيهِ ﴾ اتبعوا الترف  ﴿ وَاتَّبَعَ الَّذينَ ظَلَموا ما أُترِفوا فيهِ ﴾ اتبعوا ترف الدنيا ﴿ وَكانوا مُجرِمينَ ﴾ أصحاب إجرام إذ بَعُدوا عن دين الله ﷻ ﴿ وَاتَّبَعَ الَّذينَ ظَلَموا ما أُترِفوا فيهِ وَكانوا مُجرِمينَ ﴾ كما قال ﷻ ﴿ فَلَمّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ فَتَحنا عَلَيهِم أَبوابَ كُلِّ شَيءٍ حَتّى إِذا فَرِحوا بِما أوتوا أَخَذناهُم بَغتَةً فَإِذا هُم مُبلِسونَ ﴾ فقال ﷻ ﴿ وَكانوا مُجرِمينَ ﴾

 

﴿ وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرى بِظُلمٍ وَأَهلُها مُصلِحونَ ﴾ لكمال عدله ﷻ  ما يهلك القرى بظلم منه ﷻ  لكمال عدله و هم أصحاب صلاح إنما يهلكهم إذا كانوا ظَلَمَه كما قال تعالى ﴿ وَما كُنّا مُهلِكِي القُرى إِلّا وَأَهلُها ظالِمونَ ﴾ و بعض المفسرين قال إن الباء هنا باء سببية في كلمة بظلم يعني و ما كان ربك ليهلك القرى بظلم أي بسبب شرك لأن الظلم هنا الشرك :  بشرك و أهلها مصلحون ، يعني إذا كان بعضهم يؤدي الحقوق و لو كانوا كفارًا فإنه لا يعذبهم ، و الصحيح أن هذا شامل في الشرك و في غير الشرك ، يعني يكون معنى الآية على الصحيح ﴿ وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرى بِظُلمٍ وَأَهلُها مُصلِحونَ ﴾ و ما كان ربك ليهلك القرى بظلم منه لتلك القرى الصالحة لِمَ ؟ لكمال عدله ﴿ وَما كُنّا مُهلِكِي القُرى إِلّا وَأَهلُها ظالِمونَ ﴾

 

 

                                                     

﴿ وَلَو شاءَ رَبُّكَ ﴾ كل شيءٍ بمشيئته لذا ماذا قال ﷻ عن أهل الجنة وعن أهل النار ؟ ﴿ خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ ﴾ قال   ﴿ وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ﴾ أي جماعة واحدة متفقة في الدين  ﴿ وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ﴾ لكن لحكمة منه جعل منهم ماذا ؟ ﴿ فَأَمَّا الَّذينَ شَقوا ﴾  ﴿ وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدوا ﴾ أشقياء و سعداء ﴿ وَلَو شاءَ رَبُّكَ  لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالونَ مُختَلِفينَ ﴾ مختلفين من ؟ من أعرض عن دين الله و لذلك النبي ﷺ كما ثبت بذلك الحديث لطُرُقه و شواهده ( افترقت اليهود على إحدى و سبعين  فرقة و النصارى على اثنتين و سبعين فرقة و هذه الأمة على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) قالوا يارسول الله ما هي ؟ قال : ( على ما أنا عليه و أصحابي )  و في رواية : ( الجماعة ) ولذا ماذا قال هنا : ﴿ وَلا يَزالونَ مُختَلِفينَ ﴾ ﴿ إِلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ  ﴾  من رحم ربك  هم الذين اتبعوا الدين وهم أهل السنة الذين اتبعوا النبي ﷺ واتبعوا أصحابه ( على ما أنا عليه و أصحابي ) قال هي ( الجماعة ) ﴿ إِلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ  ﴾ دل هذا على أن أهل الاجتماع هم أهل الرحمة ﴿ إِلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُم ﴾ و لذلك خلقهم أي خلق أهل الاختلاف للإختلاف وخلق أهل الرحمة للرحمة ﴿ وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلعَبيدِ ﴾ جعل هؤلاء مختلفين لحكمته و عدله ، و هؤلاء متفقين على الدين لفضله و رحمته ﷻ و أولئك المختلفين لحكمته و عدله و قد مر معنا ذلك مفصلًا في قوله ﷻ   ﴿ كَما بَدَأَكُم تَعودونَ ﴾ و كما قال ﷻ فيما يتعلق بالقدر لمن أراد التوسع في ذلك ﴿ سَيَقولُ الَّذينَ أَشرَكوا لَو شاءَ اللَّهُ ما أَشرَكنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمنا مِن شَيءٍ ﴾ ﴿ وَلا يَزالونَ مُختَلِفينَ ﴾ ﴿ إِلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُم ﴾ و لذلك  خلقهم ، و بعض العلماء يقول : ﴿ وَلا يَزالونَ مُختَلِفينَ ﴾ ﴿ إِلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ ﴾ لا يزالون مختلفين في هذه الدنيا في أطماعها ﴿ إِلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ ﴾ أي إلا من أعطاه القناعة هذا و إن كان يمكن دخوله لكن ليس هو محل الآيات ؛ لأن الآيات حتى السابقة لا تدل على ذلك على كل حال لا شك أن القناعة خير عظيم و رحمة من الله لكن ما يكون هذا التفسير تفسيرًا للآية .

﴿ وَلِذلِكَ خَلَقَهُم ﴾   ﴿ وَتَمَّت كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾ قضى ﷻ بكلمته الكونية ﴿ لَأَملَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ ﴾ أي من الجن ﴿ وَالنّاسِ أَجمَعينَ ﴾ بسبب ما جرى من اختلاف بينهم ﴿ وَلا يَزالونَ مُختَلِفينَ ﴾

 

﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ﴾ يعني يا محمد أنباء الرسل السابقة التي ذُكرت في هذه السورة ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ ﴾ من أخبار  ﴿ الرُّسُلِ ﴾ لِمَ؟ ما الفائدة  ﴿ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ﴾ تسلية لك وتثبيت لك حتى لا تحزن لصنيع قومك ﴿ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ في هذِهِ ﴾ يعني في هذه السورة  ﴿ وَجاءَكَ في هذِهِ الحَقُّ ﴾ كل ما فيها حق  ﴿ وَجاءَكَ في هذِهِ الحَقُّ وَمَوعِظَةٌ ﴾ فيها موعظة لمن أراد الاتعاظ و العبرة ،  الترغيب و الترهيب ﴿ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ ﴾ من يربد أن يزداد إيمانًا انظر ذكر الموعظة ثم ذكر شأن من يريد زيادة الإيمان هو متعظ لكن لزيادة الإيمان  ﴿ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ ﴾

 

﴿ وَقُل لِلَّذينَ ﴾ قل يا محمد لهؤلاء الذين أعرضوا عنك  ﴿ وَقُل لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ اعمَلوا عَلى مَكانَتِكُم ﴾ اعملوا على حالتكم و على تمكنكم ﴿ إِنّا عامِلونَ ﴾ على حالتنا و على طريقتنا و هذا يدل على ماذا ؟

 

 

                                                     

يدل على أن صاحب السنة و على أن المؤمن لا يلتفت إلى كثرة المخالفين و لا يغترّ فينساق معهم أو أنه يُداهن لهؤلاء و لذا ماذا قال تعالى :  ﴿ وَلا تَركَنوا إِلَى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ  ﴾ فقال هنا ﴿ إِنّا عامِلونَ ﴾

 

﴿ وَانتَظِروا إِنّا مُنتَظِرونَ ﴾ يعني و انتظروا ما أخبرتكم به ﴿ إِنّا مُنتَظِرونَ ﴾ نحن منتظرون أيضًا و مرتقبون لأمر الله ﷻ ليحكم بيننا وبينكم .

 

﴿ وَلِلَّهِ غَيبُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ﴾ أي ما غاب في السماوات و في الأرض ،  هو ﷻ له  و متصرفٌ فيه و مالكه و من ذلك أنباء الرسل ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ﴾ و كما قال تعالى لما ذكر قصة نوح  ﴿تِلكَ مِن أَنباءِ الغَيبِ نوحيها إِلَيكَ ﴾ و ذكر بعد قصة موسى ﴿ ذلِكَ مِن أَنباءِ القُرى نَقُصُّهُ عَلَيكَ مِنها قائِمٌ وَحَصيدٌ ﴾ ﴿ وَلِلَّهِ غَيبُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ ﴾ الأمور كلها ترجع إلى الله ، ترجع إلى الله ﷻ  في الآخرة فيعلم أصحاب السعادة حالهم ، و أصحاب الشقاء حالهم و أيضًا له الأمر كله في هذه الدنيا مما يتعلق بشؤون الخلق من صحة من عافية من مرض من يسر من عسر من ابتلاء من كرب ﴿وَلِلَّهِ غَيبُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ ﴾ فإذا كان الأمر كله لله فليُلْجأ إلى الله إذًا ﴿ فَاعبُدهُ ﴾ فاعبده فإن عبادة الله سبيل لك بإذن الله إلى الخير ﴿ وَتَوَكَّل عَلَيهِ ﴾ توكل عليه فيما يتعلق بأمور دينك وبأمور دنياك ﴿ فَاعبُدهُ  وَتَوَكَّل عَلَيهِ وَما رَبُّكَ ﴾ نفي هنا ؛ لكمال علمه ﴿ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ ﴾ أي عما يعمله الناس قلّ أو كثر و هذا لكمال علمه ﷻ