التفسير المختصر الشامل الدرس ( 22) تفسير سورة البقرة من الآية (229) إلى (232)

التفسير المختصر الشامل الدرس ( 22) تفسير سورة البقرة من الآية (229) إلى (232)

مشاهدات: 478

التفسير المختصر الشامل ( 22 )

تفسير سورة البقرة

من الآية ( 229) إلى الآية (  232)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) }

{ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ }  :

أتت هذه الآية بعد تلك الآية التي بيَّن فيها الله أن المطلقات أن عدتهن ثلاثة قروء فقال عز وجل :

{ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا }

وكانوا في الجاهلية كان الواحد منهم إذا طلق زوجته فله أن يطلقها بما شاء فإذا قارب انتهاء عدتها راجعها فبين عز وجل هنا فقال { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ }  بمعنى أن الزوج إنما يملك من هذا الطلاق يملك رجعة الزوجة مرتين فإن طلقها الثالثة فانتهت عدتها فإن طلقها الثالثة فإنها لا تحل له

{ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ }  :

ولذلك قال عز وجل بعد هذه الآية { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }

 { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } بأن تمسك الزوجة وتمسك بالمعروف على ما جاء في الشرع ، وعلى ما تعارف عليه الناس بحيث  لا يخالف أحكام الشرع

{ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } التسريح بمعنى الفراق ، أي تفارقوهن بإحسان

كما بين عز وجل :

{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }

{ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } :

وصف التسريح بالإحسان لأنه في الغالب أن الرجل إذا طلق زوجته ربما يظهر عيوبها ، وربما يظهر ما كان منها ،  ولربما زاد على ما ليس فيها من تلك العيوب فبين عز وجل أن الفراق يكون بإحسان

ولذا خالف بين الوصف في الإمساك وفي التسريح

فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان

{ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ } أي لا يباح لكم { أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } : يعني من المهر

فلا يجوز للزوج إذا طلق زوجته أن يأخذ من مهرها ولو كان كثيرا

ولذلك قال عز وجل :

{ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا }

فلا يجوز له أن يضر بها أو أن يعضلها من أجل أن تفتدي ليعود إليه مهره

ولذلك قال عز وجل { وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ } إلا في حالة واحدة { إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } كزنا أو ما يشابهه كما سيأتي معنا إن شاء الله في سورة النساء

{ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } :

فبين هنا أن العلاقة الزوجية من ضمن حدود الله وأنه لا يجوز للإنسان أن يستهين بها فإذا كرهت المرأة زوجها فقط تكون الكراهية منها  أما إذا كانت الكراهية منه أو كانت الكراهية مشتركة بينهما فإنه لا يجوز له أن يأخذ شيئا إنما يأخذ في حالة واحدة وهي متى ما كرهت المرأة زوجها يعني الكراهية من قبلها هنا يأتي ما يسمى بالخلع

ولذلك :

النبي عليه الصلاة والسلام قال لتلك المرأة (( أتردين عليه حديقته ؟ ، فقالت : نعم يا رسول الله ))

{ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } ففي حالة الخلع في حالة الخلع هنا قال { إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ }

{ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ }

الحدود كما سلف ما يتعلق بالنكاح

مما يدل على أن أحكام الشرع هي حدود الله ويجب على المسلم ألا يتعداها

ولذا قال : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ }  أي فيما افتدت به هذه المرأة لكي تخلص نفسها

ولا يلزم الزوج إذا كان الرجل يحب هذه المرأة وهو يعشقها ولا يستطيع أن يتخلى عنها فهنا لا يلزمه من حيث الشرع كما قال العلماء لا يلزمه من حيث الشرع وإنما عليها أن تصبر

هذا قول لبعض أهل العلم ولربما أن يكون في هذا محل نظر باختلاف الأحوال والأزمان وما شابه ذلك

لأن بعض النساء قد تقول : أموت ولا أمكث مع هذا الرجل

وعلى كل حال فالمسألة تحتاج إلى نظر من حيث المحاكم لأنها تتعلق بالمحاكم

{ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } أطلق والأفضل له أن يطلقها من غير أن يأخذ منها شيئا هذا هو أعلى ما يكون من الإحسان

فإن رغب أن يأخذ شيئا فإنه يأخذ أقل من مهره

وهذه هي المرتبة الثانية

فإن لم فيأخذ مهره

أما إذا أخذ أكثر من مهره فالآية تدل على أنه يجوز له أن يأخذ أكثر من ذلك لأنه قال { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ }

وبعض أهل العلم يقول : لا يجوز له أن يأخذ بناء على زيادة لما قال عليه الصلاة والسلام : (( أتردين عليه حديقته ))

فيه رواية قال : (( أما الزيادة فلا ))

وهذه لو صحت مع أن بعض أهل العلم يحسنها هذه لو صحت فإنه لا يجوز له أن يأخذ أكثر من مهره

لكن يدل على الجواز إطلاق هذه الآية مع ضعف الحديث

والإمام مالك رحمه الله قال : ” ليس هذا من أخلاق أهل المروءة ” ولم يحرمه رحمه الله

فدل هذا على أنه يجوز له أن يأخذ أكثر من مهره

نعم في بعض الأحيان قد يحتاج الزوج أن يأخذ أكثر من مهره

لم ؟

لأنه ربما دفع إليها مهرا في زمن كانت المهور قليلة وهو يريد أن يتزوج فلو أخذ مثل مهره فإن هذا المهر يحتاج إلى أن يزيد عليه أضعافا مضاعفة وعلى كل حال :

مع هذه الأحوال كلها فينبغي للمسلم أن يتذكر تلك العلاقة التي بينهما وعليه أن يسقط شيئا من هذا المهر

وإن أحسن فإنه لا يأخذ شيئا

{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا } أي لا تتجاوزوها

في الآيات السابقة فيما يتعلق بالصيام ، وما يتعلق بالجماع في ليلة الصيام ماذا قال تعالى ؟

{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا } بعض أهل العلم يقول : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا } المقصود من ذلك المحرمات

وهنا { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا } يعني الواجبات

ولربما أن يقال من أنه عز وجل نهى في الآية السابقة عن قرب الحدود فإن أبى الإنسان فإنه لا يجوز له أن يتعدى حدود الله عز وجل

{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ } وهذا شامل ومن ذلك ما سبق آنفا

{ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } ظالمون لمن

ظالمون لأنفسهم

ولذلك قال عز وجل { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ  } إلى أن قال { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }

ولذلك :

قال عز وجل بعدها في الآيات { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }

{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 { فَإِنْ طَلَّقَهَا } يعني الطلقة الثالثة لأنه قال قبلها { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } الذي يستحق فيه الزوج أن يراجع زوجته هنا { فَإِنْ طَلَّقَهَا } يعني الطلقة الثالثة ودل هذا لما ذكر ما يتعلق بالخلع دل هذا على أن الخلع ليس بطلاق ، وهذا هو القول الصحيح فإنه لو خالع زوجته فإنه لو شاء أن يعود إليها له أن يعود إليها بعقد جديد وبمهر جديد وبرضاها هنا فإن الخلع السابق  لا يعد طلاقا

حتى على قول شيخ الإسلام لو أنه بدلالة هذه الآية لو أنه خالعها وصرح بلفظ الطلاق حال الخلع قال : طلقتك وهو يريد الخلع فإن مثل هذا لا يعد طلاقا ولا تحسب عليه طلقة

{ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} يعني من بعد هذه الطلقة الثالثة {حَتَّى تَنْكِحَ} أي تتزوج ومع الزواج لابد أن يجامعها لأنه إنه لم يجامعها صار التيس المستعار الذي حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام بل لعن التيس المستعار

{ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } لابد وهنا لفظة النكاح

لفظة النكاح قد يكون لها أكثر من معنى لكن هنا { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } يعني حتى يتزوج بها ويجامعها في قبلها

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت قال لتلك المرأة قال :

(( أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ))

قالت : نعم يا رسول الله

قال : (( لا ، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ))

والعسيلة كما جاء في الحديث الآخر مصرحا كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام العسيلة هي الجماع

{ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }

{ زَوْجًا غَيْرَهُ } : دل هذا على أن السابق كان زوجا ، وهنا يدل على ما يذكر من أن لفظة الزوج في القرآن إذا أطلقت تطلق حينما يكون هناك وفاق بين الزوج وبين زوجته

أما إذا لم يكن هناك وفاق فإنه لا يطلق عليها زوجة إنما يطلق عليها امرأة وهذا الكلام ليس صحيحا على إطلاقه

لم ؟

لأنه قال هنا { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وهنا فراق ، الله عز وجل قال

{ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ } فتلك المقولة التي تقال ليست صحيحة على إطلاقها

{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}

{ فَإِنْ طَلَّقَهَا } : يعني الثاني بعد أن تزوجها وجامعها { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } يعني على هذه الزوجة وعلى زوجها الأول { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } بشرط أن يكون هناك غلبة ظن ومن باب أولى أن يكون هناك يقين { إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ }

وهذا يدل على أن المراد من الزواج المراد منه الرحمة والرأفة والمودة وقد دلت على ذلك الآيات الكثيرة منها قوله عز وجل { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً }

 

وهذا يؤكد أيضا ما قاله العلماء الذين رجحوا القول الذي لابد في الرجعة أن يريد الإصلاح قال تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا }

أما إذا لم يرد الإصلاح في الرجعة فإنها يعني الرجعة لا تصح

كذلك هذا يؤكد ما سبق لأنه قال عز وجل { إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ }

{ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } : لقوم عندهم علم

وأيضا يدل على ماذا ؟

يدل على فضيلة أهل العلم لأنهم يعلمون حدود الله

وفيه فضل من الله عز وجل على أهل العلم إذ بين لهم حدوده عز وجل

{ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } وأتى بكلمة ( قوم ) وتلك حدود الله يبينها لمن يعلم

يعني : يمكن أن يكون الأسلوب لو كان في غير القرآن لمن يعلم

لكن لما قال { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } دل على أن العلمية متمكنة في هؤلاء

فهذا يدل على ماذا ؟

على أن من راعى حدود الله فإنه يكون من أهل العلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) }

{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } :

{ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } : يعني قارب على انتهاء العدة لأن البلوغ يطلق على مقاربة الشيء كما هنا ويطلق على الوصول للشيء للآية التي ستأتي ؤبعدها { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ }

{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } البلوغ هنا قبل انتهاء العدة

{ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }

سبحان الله !

هنا قال : { أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }

وصف التسريح هنا بالمعروف في الآية السابقة { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }

بعض أهل العلم يقول { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } هذا اسم لكن لما كان الأسلوب تغير وأتى بصيغة الأمر { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } هنا تغير الوصفان

والذي يظهر : مع أن ذلك له وجهة الذي يظهر لي :

أنه قال هنا { أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } بمعنى أنك إذا لم تستطع أن تأتي بالمقام الأعلى وهو الإحسان أثناء الفراق فالواجب عليك :

أن تفارقها بمعروف ولا تنقص عن هذا القدر لأن هذا هو الواجب فإن زدت فهو خير

{ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا }

{ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا }  كما يفعل أهل الجاهلية فإنهم كما سلف يطلقون المرأة فإذا قارب انتهاء عدتها راجعوها وهكذا

{ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا }  وهذا يدل على ماذا ؟

يدل على أن هذا الصنيع إضرار بهذه المرأة

ومن ثم :

فإنما يصنعه بعض الناس من أنه يدع زوجته كالمعلقة التي كأنها لا زوج لها فإنه يكون بهذا الصنيع قد فعل أمرا محرما

{ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }

الظلم هنا على النفس حالة ماذا ؟

حالة ما إذا طلقها وقارب انتهاء عدتها راجعها إضرارا بها فهذا ظلم للنفس

أيضا ما سبق لما ذكر ما يتعلق بالخلع قال { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

{ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا }

يعني كحالة من يستهزأ هم لا يستهزءون لأن الاستهزاء بآيات الله كفر

{ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }

والصحابة رضي الله عنهم :

أو من في عصره عليه الصلاة والسلام لا يستهزءون بالآيات وإنما المقصود لا يكون حالكم في قضيتكم مع المرأة من حيث الطلاق ومن حيث الرجعة والاستهانة بالطلاق لا يكون كحال من يتخذ آيات الله هزوا  { وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } وهذا يدل على ماذا ؟

يدل على أن أحكام الشرع يجب على المسلم أن يأخذها بقوة وبعزيمة

{ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ }  اذكروا كل نعم الله عليكم من النعم الدينية والدنيوية

ثم ذكر بعد ذلك ما يتعلق بالنعم الدينية التي هي أعظم ما يكون { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ }

الكتاب : القرآن

الحكمة :  السنة

إذا اجتمعا وقد مر معنا فيما مضى من آيات  { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }

{ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ }

دل هذا على ماذا ؟

دل على أن شرع الله أن الشرع كله وعظ خلافا لما يتصور انظروا فيما يتعلق بأحكام الطلاق هنا بين الوعظ

مما يدل على أن الوعظ ليس كما يتصوره البعض بحيث يحصره في قضية قبر أو في قضية جنة أو نار

ولاشك أن هذه وعظ لكن الوعظ الشرع كله

ولذلك قال عز وجل عن قوم هود عليه السلام { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ }

أيضا التوحيد وعظ وسيأتي معنا أدلة كثيرة فيما يتعلق بهذا الأمر

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } أمرهم بتقوى الله

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } واتقاء الله عز وجل ذكره هنا يدل على ماذا ؟

يدل على أن الإنسان مأمور بتقوى الله في كل الأحوال

وأيضا فيه تذكير لأن بعضا من الناس يظن أن ما يكون بينه وبين زوجته يظن أنها من الأمور المباحة أو التي لا يترتب عليها ثواب ولا يترتب عليها عقاب ، لا

ولذلك قال { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا } من باب التنبيه وهو تحذير

{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فهو عالم بكل شيء

ومن ذلك ما يجري بين الزوج وزوجته في البيت لأن بعضا من الناس ربما أنه يتسلط على زوجته ويرى ضعفها وقد لا يكون لها أهل أو ما شابه ذلك

فقال تعالى : { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعُروفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232) }

{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } هنا البلوغ كما سبق { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ }  يعني : { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } يعني انتهت عدتهن

{ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ } أي لا تمنعوهن مَن ؟

الخطاب للأولياء أولياء المرأة فلربما أن الرجل يطلق زوجته الطلقة الأولى أو الطلقة الثانية ثم تنتهي عدتها هنا لا حق له في الرجعة لأن العدة قد انتهت لكن له وتسمى هذه البينونة الصغرى تختلف عن البينونة الكبرى

البينونة الكبرى كما في قوله تعالى { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } البينونة الكبرى لابد فيها من زوج آخر كما سبق ومع عقد النكاح لابد أن يجامعها

هنا :

ربما أنه يطلق المرأة ثم تنتهي عدتها ولم يراجعها في العدة

هنا بينونة صغرى

تعود إليه بعقد جديد وبمهر جديد فقال عز وجل هنا { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ } الخطاب للأولياء ، الخطاب للأولياء لأن سبب هذه الآية :

أن معقل بن يسار زوج أخته لرجل فطلقها فلما انتهت عدتها أراد أن يتزوج بها بعقد جديد وبمهر جديد فغضب معقل بن يسار

قال : أكرمتك وزوجتك وإذا بك تصنع بأختي ما تصنع إلى أن نزلت هذه الآية وكانت ترغب فيه ويرغب فيها فقال عز وجل { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ } وهذا يدل على ماذا ؟

يدل على أن هذا الفعل من أولياء النساء محرم

لأنه يمنع النساء حقهن

إذاً هذا فيما يتعلق ببينونة صغرى

فما ظنكم بأب أو بولي من عم أو أخ إذا به يمنع المرأة من حيث الأصل من الزواج

فهذا من أعظم ما يكون من العضل

ولذلك قال { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ } يعني أن يتزوجن

بعض أهل العلم ممن يرى أن عقد النكاح أنه يكون من غير ولي قال أضاف النكاح ونسب النكاح إليها

أن ينكحن لكن يقال المقصود هنا { أَنْ يَنْكِحْنَ } لأنهن أردن الزواج بهذا الزوج الذي هو كان زوجها في السابق  ، وليس معنى ذلك أن عقد النكاح تبرمه المرأة بنفسها أو أن يزوجها امرأة أخرى ، لا

{ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ } لأنها راغبة في الزواج به فأسند لفظ النكاح إليها هي وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام ( لا نكاح إلا بولي )

{ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } مع أنه ليس بزوج لها لكن باعتبار ما مضى لكي يذكر الأولياء من أن هذه المرأة وذلك الرجل كانت بينهما ما بينهما من عشرة زوجية

ولذلك :

وصف الرجل بأنه زوج مع أنها بانت منه بينونة صغرى

{ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعُروفِ} أي ما كان بينهم من رضا بالمعروف

المعروف الذي أتى في الشرع ، وذلك أيضا برضا هذه المرأة

لكن لو أن المرأة رفضته فإن لها الحق

{ ذَلِكَ } أي هذا الأمر الذي مر  { يُوعَظُ بِهِ } وصفه بأنه وعظ ، وعظ للأولياء

دل هذا على أن الشرع كله وعظ

{ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }

هذا من باب الحث حث هؤلاء من باب تذكيرهم بأنهم من أهل الإيمان بالله وباليوم الآخر حثهم على أن يتلطفوا مع هذا الزوج وأن يزوجوا موليتهم بهذا الزوج الذي كان زوجا لها

{ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ }

فيما قبله قال { ذَلِكَ يُوعَظُ } قال العلماء { ذَلِكَ يُوعَظُ } لأنه في معنى الجمع وهو أولى من قول { ذَلِكَ } بمعنى أنه راجع إلى النبي عليه الصلاة والسلام

{ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ }

ذلكم بمعنى أنكم إذا رضيتم بتزويج هذه المرأة من زوجها السابق

{ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ }

أزكى بمعنى أن نفوسكم تزكو وتقبل على الله وتنفذ شرع الله وتزداد إيمانا

فهنا هذا الأمر إذا فعلتموه وهو تزويج هذه المرأة بزوجها { ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ } أطلق أزكى لكم جميعا { وَأَطْهَرُ } أتى بكلمة { وَأَطْهَرُ } لأن في هذا الفعل في هذا الصنيع إذا امتثلتم أمر الشرع هنا تكون فيه زكاة لقلوبكم ويكون هناك خير لكم

أيضا { وَأَطْهَرُ } تبتعد عنكم الشرور والشكوك والوساوس

لم ؟

لأنه إذا رفضتم هذا الأمر ربما يقع في قلوبكم أيها الأولياء من أن هناك علاقة سرية بين المرأة وبين زوجها السابق

ولربما مع وساوس الشيطان ربما تكون هناك علاقة سرية بين هذه المرأة وبين زوجها الأول

ولذلك قال { ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }

أثبت العلم له عز وجل وهي صفة من صفاته عز وجل

{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } وإذا كان هو عز وجل يعلم وعلمه محيط بكل شيء { وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } لأن أصلكم الجهل والنقص وما شابه ذلك

فهنا عليكم أن تلتزموا بما أمركم الله به

وهذا يفيدنا بفائدة وهي أن كل أمر من أمور الشرع يكون خيرا ولو جهلت ما جهلت من عواقبه

ولذلك قال { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } وهذا شامل لكن من بين ذلك ما ذكر في هذه الآية