التفسير المختصر الشامل الدرس ( 23 ) تفسير سورة البقرة من الآية (233) إلى (239)

التفسير المختصر الشامل الدرس ( 23 ) تفسير سورة البقرة من الآية (233) إلى (239)

مشاهدات: 481

التفسير المختصر الشامل ( 23 )

تفسير سورة البقرة :

من الآية ( 233) إلى الآية (  239)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)  }

{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }

ذكر هنا ما يتعلق بالرضاعة

لم ؟

لأنه ربما أن الطلاق يقع ولا يكون هناك زواج ولا وفاق فهنا قد يكون هذا الطلاق الذي أعقب النكاح قد يكون بينهما ولد

فقال تعالى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ } خبر في سياق الأمر يعني ليرضعن

والوالدات يرضعن

وهل هو على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب ؟

قولان لأهل العلم

ولكن الصحيح :

أنهن يرضعن أولادهن على سبيل الوجوب فيما لو أن هذا الطفل لم يرتضع من ثدي غيرها وخشي عليه الهلاك فيلزمها أن ترضعه وإلا فالأصل كما سيأتي في سياق الآيات يدل على أن هذا على سبيل الاستحباب

{ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }

حولين : يعني سنتين

كاملين : من باب التأكيد والحث على أن تكملوا هذين العامين

وإنما ذكر هنا الحولين مع أنه يجوز أن يحصل الفطام قبل الحولين إذا حصل نزاع بين الرجل وبين المرأة في إرضاع هذا الطفل فإن المتعين ماذا ؟

المتعين يكون هذين الحولين

{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } :

فتمام الرضاعة بسنتين

فإن حصل نزاع فيعاد إلى هذين الحولين

وأخذ أهل العلم من هذه الآية من أن الرضاع المحرم بمعنى أن امرأة أرضعت طفلا ليس طفلها أرضعت طفلا أجنبيا فيقولون : الرضاع لا يكون محرما يعني تثبت الحرمة به لا يكون إلا في الحولين

{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } :

ومسألة إرضاع الطفل في السنتين قبل الفطام أو بعد الفطام خلاف بين أهل العلم مع أن شيخ الإسلام يقول متى ما فطم الولد ، ولو قبل سنتين فإنه حينها إذا أكل الطعام وفطم عن الرضاع فإنه لو أرضع فإنه لا يكون محرما ، والمسألة محلها في الفقه ، ومن أراد التوسع فليعد إلى ما شرحناه في كتاب الفقه

{ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ }

 { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ } يعني على الأب { رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } رزق من وكسوة من ؟

المرضعة المرضعة

يعني إذا طلقها فيلزمه أن يعطيها الأجرة الرزق والكسوة بناء على هذا الرضاع

لكن لو كانت المرأة في حبال الزوج

يعني :

هي زوجة قد تكون مثلا رجعية أو أنه لم يطلقها فبعض أهل العلم يقول : لها أجرة

ولكن شيخ الإسلام يقول : الصحيح أنه لا أجرة لها

لم ؟

لأن النفقة عليها تكون عوضا عن هذا الإرضاع بدليل هذه الآية  { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } أي ما تعورف عليه

وهذا يختلف باختلاف الأحوال وباختلاف الأزمان

وهذا يدل على ماذا ؟

يدل على أن النفقة مع وجود الأب ، إنما تجب على الأب ولا تجب على الأقارب

ولذلك :

قال عليه الصلاة والسلام لهند لما قالت إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما  يكفيني

قال : (( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ))

لكن لو أن الأب ليس موجودا وهنا النفقة تكون على من ؟

تكون على الأقرباء

على كل حال :

{ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا }

{ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا } يعني إلا طاقتها وقدرتها

ومن ثم :

فإن بعضا من الناس ربما يطلق على العبادات ، وعلى الشرع من أنه تكليف ، وقد قال شيخ الإسلام بعضهم يطلق على العبادات وعلى الشرع بأنه تكليف

وهذا خطأ

بل إن بعضهم يقول إنما أمر الله الناس بالعبادة من أجل أن يختبرهم

وبعضهم قال : من أجل أن يثيبهم

قال :

والصحيح أن أوامر الشرع وما جاء به الشرع ليس تكليفا وإنما هي غذاء للقلوب وللأرواح

قال وأما ما ذكر هنا { لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا }

وكقوله تعالى { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } فهذا نفي ، نفي أن يكون هناك تكليف في أحكام الشرع

قال : وإن كان بعض العبادات قد تكون فيها بعض المشقة كقوله تعالى

 { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ } لكن تلك المشقة نادرة وفي عواقبها الخير والراحة والسرور والغذاء

فخلاصة القول :

أن أحكام الشرع لا يطلق عليها تكليف وإنما الشرع أمر بهذه العبادات كما أن الإنسان سيثاب عليها إن ائتمر بها وسيعاقب عليها إن تركها أيضا هي غذاء للأرواح وللقلوب

لكن لو قيل : بعض العلماء علماء السلف يطلقون التكليف أحيانا

فنقول إطلاق التكليف من باب الرد على أهل الكلام الذين أتوا بهذه المصطلحات

{ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ } من بين ذلك : المضارة { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } لا تضار والدة يعني الأم

{ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ } يعني الأب { وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ }

{ لَا تُضَارَّ } : هذا الفعل إذا أتى وما يشابهه يسمى الفعل المضعف

{ لَا تُضَارَّ } : قد يكون على وزن اسم المفعول

يعني : لا تضارر

بمعنى : لا يوقع الضرر بهذه الأم

إذ إن هذا الولد ربما أنه ارتضع من غيرها فلا يشق عليها

وأيضا :

لا يضارر هذا الأب بحيث يطلب منه نفقة أكثر

أو بمعنى :

اسم الفاعل لا تضارر

يعني : لا يقع الضرر من الأم بالأب

ولا يقع الضرر من الأب بالأم

{ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}

{ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } من هو هذا الوارث ؟

بعض أهل العلم قال هو الصبي

بمعنى أن الصبي إذا كان الأب غير موجود فإن نفقة هذه المرضعة ، إنما هي من مال الصبي يتولى ذلك وليه لكن الأشهر والأظهر { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } يعني على وارث الصبي

على وارث الصبي

إذا لم يكن الأب موجودا قلنا إذا كان الأب موجودا فالذي يتكفل بالنفقة الأب

{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } بدلالة حديث هند الذي مر معنا

هنا قال { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } :

بمعنى :

أن الوارث لهذا الصبي فيما لو قدر أن لهذا الصبي مال وورثه أناس فإن النفقة تكون عليهم على حسب إرثهم

حتى لو كبر

بمعنى :

لو أن الإنسان مثلا في غير قضية الرضاع

مثلا كان فقيرا وكان أقرباؤه الذين لو مات كانوا سيرثونه وكانوا أغنياء فإن النفقة تقسم عليهم

فالنفقة تقسم عليهم

تصور :

مثلا لو أن له أختا شقيقة وله عم الأخت كم لها ؟

لو مات ؟

النصف

الباقي للعم

إذاً :

النفقة مشتركة بينهما

تصور :

لو أن الوارث أم مثلا وأخ هنا :

الأم كم عليها ؟

الثلث

ثلث النفقة

الباقي على الأخ الذي هو أخ لهذا الصبي

{ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا } أي الأب مع الزوجة { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا } يعني فطاما

الفصام هنا هو الفطام

{ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا }

{ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا } اتفقا وتشاورا لابد أن يتشاورا وأن يسأل أهل الخبرة هل في فطامه قبل السنتين فيه مصلحة أم لا ؟

فإن كان فيه ضرر فلا يلتفت إلى تراضيهما ولا  إلى مشورة أحد

{ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا }

لا إثم عليهما

{ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ } أي أن تبحثوا عن مرضعات لهن

{ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ }

يعني إذا سلمتم الأجرة لهؤلاء المرضعات

{ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ }

أمر بتقوى الله في جميع الأحوال ، ومن ذلك ما يتعلق بأمر الرضاع وما يتعلق بحال هذا الصبي وما يتعلق بالمضارة التي ربما تكون بين الزوجين

 { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا } من باب التنبيه

{ أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فالله عز وجل محيط وعالم وهنا إثبات اسم البصير لله عز وجل

ومنه صفة البصر

كما تليق بجلاله وبعظمته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْروفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) }

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ } :

لما ذكر ما يتعلق بالفراق حال الحياة ذكر ما يتعلق بالفراق بعد الموت

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ } :

لما بين حال الفراق في حال الحياة بين الفراق بعد الموت { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ } يعني يموت أحدكم ( وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا ) ويذرون أي يتركون أزواجا ، وأطلق هنا الأزواج فدل هذا على أن المرأة متى ما مات عنها زوجها ولو كانت صغيرة

فتلزمها العدة

ولو عقد عليها ومات بعد العقد ولم يدخل بها ولم يخل بها فإن العدة تلزمها ولها الميراث كما حكم النبي عليه الصلاة والسلام في امرأة وهي ” بروع بنت واشق “

لما مات عنها زوجها ولم يدخل بها فهو عليه الصلاة والسلام جعل لها الميراث ولها الصداق وعليها العدة

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا } مطلقة ، انتبه أي امرأة مات عنها زوجها فإن هذه العدة تلزمها

{ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ } أي ينتظرن

أي عليهن أن ينتظرن

{ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا }

هذا إذا لم تكن حاملا

فإن كانت حاملا فكما قال عز وجل { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ }

بمعنى أنها لو كانت حاملا في الشهرالتاسع فمات عنها زوجها وبعد دقيقة وضعت حملها فهنا انتهت عدتها ولها أن تتزوج كما في قصة ” سبيعة الأسلمية “

فدل هذا على أنه متى ما مات عنها زوجها ولم تكن حاملا لأنها إذا كانت حاملا فلابد أن تضع الحمل سواء طالت المدة أم قصرت لأن مدة الحمل قد تزيد على أربعة أشهر وعشر ليال فدل هذا على أن الحكم متعلق بماذا ؟

متعلق بوضع الحمل ولو تعدد لابد هذا المتعدد من الحمل أن ينزل كله

فلو كانت حاملا في ثلاثة فلا تنتهي عدتها إلا بوضع الحمل الثالث

وهذا هو الراجح

خلافا لذلك القول الذي يجمع بين الآيات يقول { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } 

نجمع بينها وبين قوله { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ }

من أنها تعتد أطول الأجلين فعلى حسب الأطول تعتد به

ولكن الصحيح :

ما ذكر هنا ، لأن الآية فصلت فيما يتعلق بالحامل وفيما ليست بحامل

{ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } وذكر الأنفس من باب أن هذا حق للزوج فلا يجوز لها قبل هذه العدة أن تتزوج

{ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا }

{ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا }

لماذا هذا التنصيص على هذا العدد ؟

لأن أربعة أشهر يتخلق فيها الجنين وينفخ فيه الروح كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه حدثنا الصادق المصدوق من أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعون يوما نطفة ثم علقة مثل ذلك ثم مضغة مثل ذلك

فهذه أربعة أشهر

وذكر العشر هنا من باب التأكيد

فلربما أن بعض الشهور قد تنقص أيامها ولا يدركها الإنسان

ومن ثم :

فإنه في مثل هذا العصر ؛ لأن المقصود بالأربعة أشهر والعشر هنا المقصود من ذلك :

أنه يكون برؤية الهلال

فهنا في مثل هذا الزمن الناس لا يتراءون الهلال إلا في رمضان ، ومن ثم فإن المرأة لو مات عنها زوجها فلا تأخذ بما يكون في التقويم فقد تكون بعض الشهور ناقصة مثلا تسعة وعشرين يوما فلا تأخذ بذلك وإنما تكمل ثلاثين يوما

لقوله عليه الصلاة السلام ( فأكملوا العدة ثلاثين ) لأنه لم ير الهلال لكن لو أن وليها تراءى الهلال وما شابه ذلك فتأخذ برؤية الهلال

إن لم يكن فلا تأخذ بالتقويم

قال هنا { أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } ولم يقل وعشرة ،  { وَعَشْرًا } من باب ماذا ؟

من باب أن عدة المرأة المتوفى عنها زوجها لا يحصل إلا بدخول الليل ، ليلة الحادي عشر

بمعنى :

لو أن عدتها مثلا في يوم الأحد ستنتهي عدتها في يوم الأحد عشرة الأيام والأربعة أشهر ستكون في يوم الأحد فلا تخرج إلا بعد أذان المغرب

فلابد من دخول الليلة الحادية عشرة

{ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } بلغن أجلهن البلوغ هنا الانتهاء

{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } يعني أنتم أيها الأولياء

{ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْروفِ } من التزين لأن المرأة إذا توفي عنها زوجها فإنه مع العدة فإنه مع العدة ما الذي يلزمها ؟

الإحداد ، والإحداد هو ترك ما يدعو إلى نكاحها من التطيب والزينة وما شابه ذلك

والتزين يختلف باختلاف الناس وعصور الناس

فالشاهد من ذلك أنه يلزمها الإحداد ولاعلاقة من حيث انتهاء العدة بالإحداد

فلو أن المرأة قصرت فلم تحد على زوجها ومضت هذه المدة فقد انتهت عدتها لكنها آثمة لأنها تركت الإحداد لأن بعضا من الناس ، ربما يقول والله هي لم تحد على زوجها لم تنته عدتها ، لا ، بمرور هذه المدة انتهت عدتها ولو فرطت في الإحداد هي آثمة لكن العدة قد انتهت

وقوله عز وجل { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ } يدل على ماذا ؟

يدل على أن العدة تبتدئ من حين الوفاة فلو أن المرأة لما مضى على زوجها مثلا من حيث الوفاة قد يتوفى وهي لا تعلم فأخبرت بعد شهرين من أنه زوجها قد مات قبل شهرين وهي لا تعلم إذاً كم يبقى عليها شهران وعشر

تصور :

لو أنها أخبرت بعد أربعة أشهر وعشر من أن زوجها قد توفي قبل خمسة أشهر

عدتها قد انتهت

فعدة الوفاة من حين الوفاة ولو لم تعلم المرأة

وعدة الطلاق من وقت الطلاق

فلو أن زوجها طلقها مثلا قبل شهرين ومرت عليها حيضتان

فأخبرت أن زوجها قد طلقها قبل شهرين

هنا كم يبقى عليها ؟

حيضة واحدة

{ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أيها الأولياء { فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْروفِ }

{ بِالْمَعْروفِ } أي ما تعورف عليه من حيث الشرع وأيضا ما تعارف عليه الناس بحيث لا يكون هناك مخالفات شرعية لأن المرأة ربما بعد هذا الإحداد ربما تزيد عن التزين المطلوب شرعا فتسرف في ذلك

وهذا يدل أيضا الخطاب موجه للأولياء { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } من أن الولي عليه أن يكون وليا على موليته وعلى النساء اللواتي تحته بحيث يلزمهن بأحكام الشرع ولذلك الخطاب وجه إليه

 { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْروفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ  } خبير ببواطن الأمور الخفية أتى باسم الخبير وهو من أسمائه عز وجل لأن مثل هذه العدة هي خفية عن حال الناس فإنها وإن خفيت على حال الناس فأنقصت المرأة أو ما شابه ذلك أو تزينت بزينة لا تظهر للناس فإن الله خبير

ولذلك قال عز وجل { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } وهنا ذكر الخبير

فهو خبير بما يعلمه العباد من أجل أن يخاف هؤلاء عقاب الله لأن قوله

{ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } يتضمن الوعد والوعيد فوعد من الله سيثيب من طبق هذه الأحكام ووعيد من الله وتخويف من الله أن يعاقب من فرط في هذه الأحكام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) }

{ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أي لا إثم عليكم { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } هنا لما ذكر ما تعلق بالمتوفاة عنها زوجها في حال العدة ربما أن غيرها يطمح فيها ويطمع فيها ويريد الزواج بها وهنا { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } كما أن هذه الآية أتت بعد ما يتعلق بحال الوفاة أيضا تشمل حال الطلاق

{ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ }

تعريض بمعنى : أنه يقول والله مثلك لا يفرط فيها بحيث يذكر شيئا من  صفاتها أو يذكر والله مثلا شيء من صفاته أنا رجل كريم أنا رجل كذا فهذا تعريض

فالتعريض لمن فارقها بوفاة أو فارقها ببينونة كبرى وهي في العدة الكبرى كم ؟ ثلاث طلقات فهنا جائز

لكن التعريض بالمرأة الرجعية حرام لا يصح ولا يجوز التعريض ولا التصريح من باب أولى

فلو أن رجلا طلق زوجته طلقة أو طلقتين له أن يراجعها قبل أن تنتهي  عدتها

لو أتى إنسان وعرض بخطبتها

فإن هذا لا يجوز

لأن المرأة الرجعية زوجة لها ما للزوجات من الحقوق وعليها ما على الزوجات من حقوق

بعض الناس ربما يظن أن المرأة الرجعية لا حقوق لها

وسيأتي بيانه إن شاء الله في سورة الطلاق

{ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ } خِطبة خِطبة النساء بخلاف خُطبة الكلام الملقى على الآخرين

{ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ } أي أضمرتم { فِي أَنْفُسِكُمْ } أضمرتم في أنفسكم الرغبة في مثل هذه المرأة

 { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ }

يعني علم عز وجل أن هؤلاء النساء ستذكرونهن وذلك لحاجتكم إلى الزواج بهن فأباح لكم التعريض

{ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا } فلا يأتي إنسان ويقول لها تصريحا : سأتزوج بك إذا انتهت عدتك وأيضا يدخل فيه ما قاله بعض أهل العلم من أنه يقول : سأجامعك وإذا انتهت عدتك أظهرت هذا الأمر

ولذلك هذا ليس بنكاح وإنما هو زنا

{ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا }

ما هو القول المعروف ؟

التعريض فقط

{ إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا } هذا هو القول المعروف هذا هو القول  المعروف ما عدا التعريض هو التصريح ليس بقول معروف وإنما هو قول منكر { إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ } عقدة النكاح عقدة وضم وجمع لأن بين الزوجين مودة ورحمة

{ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } الكتاب يعني العدة ووصفت العدة بالكتاب لأنها أمر مكتوب مفروض عليكم لأنه ربما في حال التعريض ربما أن المرأة تنقص من العدة ، وربما يستبقون الأمر ويتزوج بها قبل انتهاء عدتها ومن تزوج امرأة في عدتها فنكاحه باطل

لا يصح

وما يترتب على ذلك من جماع يكون زنا ويلزمه أن يطلقها بل يلزمه أن يفارقها لأنه ليس بنكاح صحيح ، يلزمه أن يفارقها

{ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } إذا انتهت العدة فلا إشكال في ذلك

{ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ }

يعلم كل ما يجول في النفس فعلى المسلم أن يحذر من عقاب الله عز وجل

لأنه ربما يعزم الإنسان عزما يريد الفعل { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) } فهو يغفر الذنب ربما أن الإنسان يصرح مثلا فيقع تضعفه نفسه فيقع في الذنب هنا الله غفور ، وحليم : حليم لا يعاجل عباده بالعقوبة بل إنه يمهلهم عز وجل ليتوبوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) }

{ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً }

هذا صنف من صنف المطلقات ما الذي يترتب على الطلاق من حقوق للزوجة على زوجها

{ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } لا إثم عليكم { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ــ يعني الجماع ــ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } أي لم تفرضوا مهرا بمعنى أن الرجل طلق زوجته قبل أن يجامعها ولم يفرض لها ومع قوله عز وجل  { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ } يعني الدخول

لكن لو خلا بها تأخذ هذا الحكم على الصحيح قد قضى الخلفاء بأن من أرخى سترا وأغلق بابا فقد وجبت العدة ولها المهر

لكن هنا لم يجامعها ولم يخلو بها ولم يفرض لها صداقا

ولذلك :

انظر { أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } دل هذا على أن الصداق فريضة وواجب على الزوج ولا يصح نكاح من غير صداق إلا فيما يخص النبي عليه الصلاة والسلام

كما قال عز وجل {  خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ }

ولذا قال عز وجل عن ما يتعلق بهذا المهر { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً }

{ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } عقد عليها لكن لم يفرض لها ماذا ؟

لم يفرض لها صداق ولم يجامعها ولم يخلو بها هنا يمتعها بما تعورف عليه على حسب غناه وعلى حسب فقره

{ وَمَتِّعُوهُنَّ } أي تعطى ما تستمتع به حسب المعروف وحسب حالة الزوج { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ } يعني الفقير { قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ } ما يتعارف عليه في كل زمن وفي كل عرف حسب حالة الغني وحسب حالة الفقير

{ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ  } قال هنا { حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } أي هذا واجب على أهل الإحسان وصفوا بالإحسان لأن هذا فرض عليهم وهذه المتعة واجبة في حق هذا الصنف من المطلقات لأنه لا صداق لها

لكن ليعلم :

ليعلم :

أنه لو لم يفرض لها صداقا وخلا بها أو جامعها فلها صداق أمثالها فلها صداق أمثالها

{ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) }

{ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } هذا صنف آخر { مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } وأيضا قبل الخلوة كما مر معنا كلام الخلفاء الأربعة من أغلق بابا وأرخا سترا فقد وجبت العدة ووجب الصداق

ولذلك :

بعض الناس ربما أنه يعقد على امرأة ويعقد عليها ما يسمى بالملكة ثم إذا به لم يدخل بها يأتي إلى بيت أهلها ويجلس معها مثلا وحده في المجلس أو في المكان ويغلق الباب فهنا لو طلقها فالمهر كامل في حقه

لكن :

إذا لم يخلو بها وطلقها هنا لها نصف المهر وهو ما ذكر هنا { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } ومعه الخلوة { وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } لأنه لم يحصل جماع ولم يحصل خلوة

لو حصل جماع أو خلوة وجب المهر كاملا { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ } من ؟ أي الزوجة  { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } وكما سلف عقدة النكاح يدل على ماذا ؟

يدل على أن النكاح أنه عقد وثيق وتواصل بين الزوجين

{ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } الصحيح الذي هو الزوج لأنه هو الذي يملك عقدة النكاح يملك الطلاق خلافا لمن قال إنه هو الأب أو إنه هو الولي { إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } سبحان الله !

مع الفراق يحصل الشح ولربما النزاع ولربما الخصام ولربما التطاول فذكرهم بالعفو من الجانبين بمعنى أن المرأة تعفو عن هذا النصف أو تعوف عن شيء منه

أو أن الرجل يكمل لها المهر كاملا أو يزيدها بمعنى أنه يزيدها على النصف { إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } لما ذكرهم بالعفو ذكرهم بفضيلة هذا العفو وهذا شامل ليس في ما يتعلق بالزوجين شامل ومن ذلك يدخل الزوجان { وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } فالعفو يوصل إلى تقوى الله عز وجل

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم قال (( وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ))

{ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } وقال { أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } رجاء التقوى

بمعنى أن الإنسان يعمل العمل الصالح من العفو ومن غيره ويرجو ثواب الله فلا يتكل على عمله من عفو أو غيره

{ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ }

لا تنسوا يعني تذكروا  { وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } الفضل بأن يتفضل بعضكم على الآخر فإن هناك علاقة سابقة بينكما

{ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }  فهو عالم بكل شيء ومن ذلك ما يكون بين الزوجين مما ذكر من أحكام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) }

{ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى }  ذكرت هذه الآيات المتعلقة بالمحافظة على الصلوات من أجل أن يتذكر العبد أن أعظم الوسائل ، ومن أعظم ما يجمع شتات الأسرة ، ومن أعظم ما يجمع بين الزوجين الصلاة

فمن حافظ على الصلاة فإنه سيكون في استقرار

ولذلك أتت هذه الآيات بعد ما يتعلق بالطلاق

وأيضا قال  { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى  } لأن بعضا من الناس قد تشغله بعض هذه الأمور المتعلقة بالدنيا من النزاع أو ما شابه ذلك فيشتغل عن الصلاة فالصلاة لها أهميتها

ولذلك قال { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ } أي جميع الصلوات { وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى  } 

الصلاة الوسطى أقوال كثيرة وقد بينت الخلاف ومع أدلته في شرحي على السنن لكن الصحيح ونكتفي بالراجح هنا الصحيح أنها صلاة العصر لما ثبت في الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( شغلونا ــ يعني ــ المشركين في غزوة الخندق ــ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر))

فدل هذا على أن الصلاة الوسطى هنا هي العصر

{ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ }  :

قوموا لله لوجه الله

قانتين أي مطيعين وخاشعين ومن ذلك ترك الكلام في الصلاة لأنه كان جائزا في أول الإسلام كما في حديث زيد بن الأرقم فنزلت هذه الآية قال (( فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ))

{ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ }  وهذا يدل على ماذا ؟

يدل على أن عبادة الله وأن طاعة الله عز وجل هي سبب لكل خير

قال تعالى { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا }

{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }

{ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } لعظم هذه الصلاة تصلى على أي حال ولا يجوز لأحد أن يخرج الصلاة عن وقتها لأي عذر من الأعذار مهما كان هذا العذر لو لم تكن مستقبلا للقبلة لو لم تكن مستطيعا للوضوء

صل ولا تخرجها عن وقتها

وما يفعله بعض من المرضى يقول : والله لم أصل ثلاثة أيام أو أربعة أيام لأن سريري ليس مستقبل القبلة أو لم أستطع أن أتوضأ

صل على حسب حالك ولا يجوز أن تؤخر الصلاة

{ فَإِنْ خِفْتُمْ }  لم يقل فإن خفتم من عدو أو من سبع أو من سيل أو ما شابه ذلك شامل

فاي إنسان خاف من أي شيء ولم يستطع أن يصلي الصلاة باستقرار فهنا يصلي على حسب حاله ويأتي بما يستطيع من الأركان والواجبات { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا } يعني فصلوا رجالا يعني تمشون على أرجلكم

{ أَوْ رُكْبَانًا } يعني على الدواب أو في السيارات كما في هذا الزمن

{ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ } حصل أمن { فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ }

{ فَاذْكُرُوا اللَّهَ } يعني صلوا هذه الصلاة { كَمَا عَلَّمَكُمْ }

{ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ } أي أدوا هذه الصلاة بأركانها وبواجباتها وبشروطها

{ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ }

فالله عز وجل علمنا هذه الصلاة وما يتعلق بها ولم نكن نعلم من ذلك شيئا وكذل علمنا أشياء كثيرة فالآية عامة { فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } وهذا يؤكد على ماذ ا ؟

يؤكد على أن الإنسان من حيث أصله فيه الجهل ومن ثم فإن الإنسان لو أعطاه الله علما من العلوم فإنه لا يرى لنفسه قدرا أو مكانة ، فالله عز وجل هو الذي علمه