التفسير المختصر الشامل الدرس ( 25 ) تفسير سورة البقرة من الآية (249) إلى (255)

التفسير المختصر الشامل الدرس ( 25 ) تفسير سورة البقرة من الآية (249) إلى (255)

مشاهدات: 502

التفسير المختصر الشامل ( 25 )

تفسير سورة البقرة

من الآية ( 249) إلى الآية (  255)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}

{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ } يعني خرج ، خرج من ديارهم لمحاربة عدوهم وهو جالوت { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ } أي مختبركم  { بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ } وهذا النهر ليس هناك دليل صحيح على تعيينه

{ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ }

{ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } نهاهم عن الشرب

لم ؟

لأن الشرب إذا استساغوا الشرب ربما يركنون إلى الراحة

وإنما أجاز لهم أن يطعموا منه غرفة { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } يعني ليس على طريقتي وليس  متبعا لي { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ } اختلف

{ فَمَن شَرِبَ } وقال { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ } من باب التنويع في السياق وأيضا من باب ماذا ؟

من باب أنه يطعم فقط بمجرد ما يصل إليه من باب التقليل لأنه استثنى

{ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ }

ومن قوله عز وجل عن طالوت :

{ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ } دل هذا على أن المشروب طعام ، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه فيما يتعلق بماء زمزم قال ( طعام طعم )

ومن ثم :

أخذ بعض أهل العلم من أن الماء يجري فيه الربا لأن العلة عندهم في  جريان الربا هو الإطعام ، ولكن الصحيح كما سبق معنا أن يكون مكيلا مطعوما أو موزونا مطعوما

ومن ثم فإن الماء لا يجري فيه الربا إلا إذا كان مصنعا

وسبق بيان ذلك في درسنا في الفقه لمن شاء التوسع في ذلك

{ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } بمعنى الماء الذي يصنع فإنه إذا استبدل إنسان قارورة ماء مصنع بقارورة ماء مصنع ، فيجب أن يكون الوزن واحدا فإن اختلف حصل الربا

{ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً } غرفة تختلف عن غَرفة غَرفة مصدر يعني وهو الاغتراف ، أما هنا غُرفة يعني بمقدار ما يملأ اليد

{ إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ } يعني الماء الذي يكون ملئ اليد { إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ }

{ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } :

شربوا أي شرب الأكثر ، وهذا إن دل يدل على ما قاله لهم نبيهم

{ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } لأنهم لما شربوا هنا ستكون التولية

ولذلك قال { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي }

{ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ }

قال البراء كما في صحيح البخاري قال : ” إن عدد من مع طالوت كعدد من كان مع النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر “

قال : ” ولم يتجاوز معه إلا مؤمن “

{ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا } أي قال بعضهم { لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ } ليس لنا قدرة على هؤلاء

{ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ } أي يوقنون وهم أصحاب العلم وهم أصحاب العلم

ولذلك في قصة قارون { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا }

وهذا يدل على ماذا ؟

يدل على أنه في ثنايا المحن والفتن يجب أن يخرج أهل العلم ، وأن يبينوا للناس ، وألا يخوض في أمور الفتن الجهال أو المستعلمون فتكون هناك شرور

{ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ } وبعض أهل العلم يقول

{ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا } أي من شرب { لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ }

وعلى كل حال يحتمل هذا ويحتمل هذا
{ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ } والظن هنا بمعنى اليقين كما في قوله تعالى ومر معنا في أول السورة { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ } وذكروا هنا الملاقاة  لم ؟

لأن الحال حال قتال وجهاد ومعلوم أنه في القتال سيكون هناك موت وإذا ماتوا سيلقون الله عز وجل

{ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ } كم هنا تكثيرية

{ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ }

بأمر الله لا بحولها ولا بقوتها

ولكن :

كما قال عز وجل :

 { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }

{ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }

والأدلة على ذلك كثيرة

وفي ذلك عبرة

انظر إلى غزوة بدر مع قلة عدد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وكثرة المشركين إلا أن الله عز وجل نصرهم على عدوهم

{ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }

معهم عز وجل معية خاصة تقتضي النصرة والتأييد والإعانة والتسديد ومن ذلك أنتم إن صبرتم على مواجهة هؤلاء الأعداء فإن الله معكم وسينصركم

لم ؟

لأن الله عز وجل سيخذل هؤلاء الأعداء

ولذلك :

ماذا قال عز وجل :

{ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا }

{ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) }

{ وَلَمَّا بَرَزُوا } أي ظهروا { لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا } دعوا الله لأن هذا الموطن موطن يجب أن يدعو الإنسان فيه ربه لأنه محتاج إلى الله في كل حال فما ظنكم في حال الشدة ؟

ولذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قوله (( من أحب أن يستجيب الله له في الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء ))

{ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا } وتأمل حال النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر كان يدعو الله حتى إن رداءه سقط من شدة دعائه لربه عز وجل

{ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا }

أفرغ : كلمة أفرغ تدل على أنهم محتاجون إلى أن يعينهم الله عز وجل بالصبر

{ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } فإن هؤلاء قوم كافرون ، وقد وعد الله عز وجل بأن ينصر أولياءه على أعدائه الكافرين

{ قالوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }

نظيره ما قاله عز وجل :

قال عز وجل في سورة آل عمران { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَومِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) }

هنا قال :

{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) }

{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ  } بأمر الله عز وجل { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ }  كان من ضمن الجيش ( داود عليه السلام ) وقد ذكرت قصة طويلة من أن أبا داود أنه خرج معه أبناؤه ، وكان داود كان يصيب إذا رمى وأنه كانت السباع وما شابه ذلك تسلم عليه ، قصة طويلة لكنها لم تثبت ، بمعنى أنه ليس لها سند صحيح فيما نعلم

{ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ }  دل هذا على أن داود بعد موسى بل بين داود وموسى مسافة من السنوات

{ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ } لأن الملك في بني إسرائيل فانتقل هذا الملك إلى من ؟

إلى داود عليه السلام

في سورة النمل :

 { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) }

 الآيات التي  في سورة النمل كما سيأتي بإذن الله

{ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ } :

وهي النبوة والعلم

{ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ }

ولذلك ماذا قال عز وجل ؟

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) } 

ألان له الحديد

وقال عز وجل عن داود عليه السلام { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ }

علمه كيف يصنع الدروع التي تقي في الحرب

كما سيأتي في الآيات المتعلقة بداود عليه السلام

{ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ }

لولا أن يدفع الله عز وجل الناس بالناس لفسدت الأرض

بمعنى :

إذا لم يقم أهل الإسلام بمجاهدة الأعداء لفسدت الأرض

لولم يقم المصلحون بالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر لفسدت الأرض

ولذلك :

قال عز وجل :

 { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا }

بل قال بعض العلماء : إن وجود المؤمن المطيع يدفع الله عز وجل به إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر يدفع الله به الشر عن أهل المعاصي

{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ } ومن ذلك ما يتعلق بالمدافعة المدافعة مدافعة أهل الباطل ، وأهل البدع بالعلم الشرعي الصحيح فإن هذا من أعظم الجهاد في سبيل الله ، ومن أعظم نصرة دين الله لأنه يكون في جهاد مستمر إذ دفع الشبه الواهية عن دين الله عز وجل حتى لا يغتر بها أهل الإسلام

{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } فضل الله عز وجل على العالمين

والعالمون : كل ما سوى الله فضله عليهم عز وجل عظيم إذ شرع لهم ماذا ؟

شرع لهم ما يدفعون به الشر عن أنفسهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) }

 { تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ } :

الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام محمد  { تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ } السابقة

{ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ } :

هي حق وهي آيات في هذا القرآن العظيم الذي نزل بحق والذي اشتمل على الحق

ومن ذلك :

ما أخبرت به عن حال طالوت وجالوت وداود وما يتعلق بهذه الآيات وفي هذا رد على كفار قريش الذين زعموا من أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرسل من قبل الله وأن هذا القرآن قد افتراه

ولذلك أكد بقوله { وَإِنَّكَ }  يامحمد { لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } لأنهم قالوا كما في الآية الأخرى { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) }

{ تِلْكَ الرُّسُلُ }  :

{ تِلْكَ الرُّسُلُ } قالها بعد قوله { وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } يعني أنت يا محمد من ضمن من أرسل { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ } لست الأول فهنا  من سبقني من الرسل

{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } اجتمعوا في الرسالة لكن الله فضل بعضهم على بعض ولو قيل النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه قال لا تفضلوا بين الأنبياء

فالجواب عن هذا :

من أنه لا تعارض بين ذلك وبين هذه الآية وإنما نهي في الحديث نهيت الأمة من أجل ألا تفضل الأمة بعض الرسل من باب التنقص لرسول آخر

أو من باب العصبية للنبي عليه الصلاة والسلام

أو ما شابه ذلك من هذه الأسباب ، وهي أسباب كثيرة لكن لا تعارض بين الآية وبين الحديث

 { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } ثم بين عز وجل وذكر التفاصيل

{ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ }

من المتكلم ؟

الله عز وجل ، الله كلم الرسول

ولذلك بعض المبتدعة الذين ينكرون كلام الله قالوا لبعض القراء لو نصبت كلمة الله { مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ }  حتى يكون المتكلم من ؟

موسى

يكلم الله

قال يا أحمق ماذا تصنع بقوله تعالى { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ }

يعني : لو جعلت منصوبة تلك الآية تثبت أن الله كلم موسى
{ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ }  كموسى والنبي محمد عليه الصلاة والسلام كما ثبت في المعراج :

لما أسري به وعرج به

وكذلك إن صح حديث أبي ذر عند ابن حبان ( كلم آدم )

(( لما سئل عن آدم قال : نبي مكلم ))

{ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } ولاشك أن بعض الأنبياء أفضل من بعض

 ولذلك أعظم الأنبياء فضيلة النبي محمد عليه الصلاة والسلام ثم إبراهيم

ثم موسى لأنه أول أنبياء بني إسرائيل

ثم بعد ذلك توقف بين أهل العلم بين فضيلة عيسى مع نوح ، وذلك للأدلة التي ذكرت في النصوص الشرعية

{ وَآتَيْنَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ } أي الدلائل الواضحة ومن ذلك الإنجيل

ومن ذلك ما يكون منه بإذن الله من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص

{ وَأَيَّدْنَاهُ } أي قويناه { بِرُوحِ الْقُدُسِ } وهو جبريل وقد مر معنا التفصيل أكثر وذلك الخلاف بين أهل العلم في قوله تعالى :

 { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ }

{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ  } أي لو شاء عز وجل ما حصل قتال بين أتباع هؤلاء  الرسل

{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا }

سبب هذا القتل أنهم اختلفوا

وهذا يدل على ماذا ؟

يدل على أن الأمة متى ما كانت مجتمعة على كتاب الله فإن الرحمة والخير تكون بينهم ومتى ما اختلفوا واختلفت آراؤهم هنا ما الذي يحصل ؟

ينشأ من ذلك البغي والتطاول ومن ثم القتل

ولذلك :

انظر إلى ما مضى من آيات :

  { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ }

 فلما حصل الاختلاف حصل الاختلاف في الآراء فحصلت البغضاء والشحناء ومن ثم حصل القتل كما ذكر عز وجل هنا
{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ } قامت عليهم الحجج { وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ } كما في الآية السابقة { فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) }

{ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ } وأعاد مرة أخرى لأنه لا يمكن أن يجري شيء في الكون إلا بأمر الله { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } ما يريده عز وجل يفعله بخلاف المخلوق قد يريد شيئا ولكنه لا يستطيع أن يفعله لعجزه ونقصانه لكن الله هو الكامل { وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }

ومما أراده عز وجل ما مضى من هذا الاختلاف ليعلم الله من يطيعه ممن يخالفه

{ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } وفي هذا إثبات صفة الإرادة لله عز وجل قال تعالى { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) }

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ } نودي أهل الإيمان بالنفقة وآيات النفقة مرت معنا وبيان فضل النفقة وما مقدار النفقة

{ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ }

{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى }

بين هنا أن تلك النفقة هي نجاة للإنسان يوم القيامة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ } من رزق الله ليس بحولكم ولا بقوتكم

{ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ } نكره لتعظيمه وهو يوم القيامة { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ } يعني لا فداء

الإنسان إذا أراد أن يفدي نفسه قدم شيئا من ماله فكان بيعا

{ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ } يعني صداقة حميمة

{ وَلَا شَفَاعَةٌ } لا أحد يشفع لأحد إلا بإذنه عز وجل وبرضاه عن المشفوع له

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ }

لا فداء فيه

ولذلك ماذا قال عز وجل في أول الآيات { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ }

{ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ } ولا صداقة حميمة

ولذلك ماذا قال عز وجل { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ }

لأن أهل التقى في يوم القيامة ينفع بعضهم بعضا بأمر الله إذ يشفع بعضهم لبعض

 

ولذلك :

الرجل الذي اتخذ ذلك الصاحب قال : {  يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي }

{ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ }

 ولذلك :

قال عز وجل هنا { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

قال بعض أهل العلم : الحمد لله إذ لم يقل والظالمون هم الكافرون لأن الإنسان لا يسلم من الظلم من ظلم نفسه ومن ظلم الآخرين

{ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } فكما أن الشرك ظلم كذلك شقيقه الذي هو الكفر ظلم

قال عز وجل عن لقمان { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }

كذلك الكفر { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } وأعظم الظلم أن تصرف العبادة لغير الله عز وجل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) }

{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } هذه هي آية الكرسي :

أعظم آية كما ثبت بذلك الحديث الصحيح

لأنها تضمنت ما لله من الأسماء والصفات { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } أي لا معبود بحق إلا هو

{ الْحَيُّ } الذي له الحياة الكاملة

ومن كانت له الحياة الكاملة فهو الذي يتوكل عليه وهو الذي يدعى وهو الذي يعبد قال تعالى { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ }

{ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }

فكيف يدعى المخلوق الذي مصيره إلى الموت

كيف يستغاث به ؟

كيف  تصرف له العبادة ؟

ولو كان له من المكانة

لو كان نبيا مرسلا

لو كان ملكا مقربا

والحي اسمه عز وجل الحي يتضمن الصفات الذاتية التي له عز وجل والصفات الذاتية متعلقة بذاته كالسمع والبصر وما شابه ذلك

{ الْقَيُّومُ } :

الذي قام بنفسه ولا يحتاج إلى غيره ولا يقوم أحد من خلقه إلا به فلا قيام لأحد ولو كان ما يكون { وَمِنْ آيَاتِهِ }  حتى لو كانت السموات { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ }

قال تعالى { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ }

هناك حذف من ليس كذلك يعني غيره لا يقوم على أحد

وإذا كان هو عز وجل القيوم الذي لا قيام للمخلوق إلا به عز وجل فيجب أن يتعلق القلب بالله وأن يطلب الخير من الله

وأن يسأل الله أن يدفع عنه الضر لا أن يدعو مخلوقين ولا أهل قبور وما شابه ذلك

من دعاء أولئك يدعون النبي عليه الصلاة والسلام ويستغيثون به أو يدعون الحسن والحسين أو ما شابه ذلك ممن هؤلاء فهؤلاء مخلوقون

والقيوم يتضمن الصفات الفعلية :

والصفات الفعلية كالاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا

صفات فعلية يفعلها عز وجل متى ما شاء

يفعلها عز وجل متى ما شاء

{ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } :

ومر معنا عند قول الله عز وجل { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } ما هو اسم الله الأعظم

ومن بين ما ذكر هناك من أنه الحي القيوم

وبعضهم قال : هو الله ولا تنافي بينهما

ودليل هذا هذه الآية لأنه لما قال ( الله ) ذكر الحي القيوم وسبق بيان الراجح من أن كل اسم بمفرده أو أسماء اجتمعت تدل على الصفات الذاتية والفعلية لله عز وجل فهو الاسم الأعظم وبهذا تجتمع الأدلة كما سبق

{ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ }  السنة النعاس أي مقدمة النوم

{ وَلَا نَوْمٌ } أي مستغرق

لم ؟

ارجع لما قبلها لكمال حياته ولكمال قيوميته عز وجل

ولذلك : انتبه إذا نفى الله عز وجل عن نفسه شيئا فلتنفه مع إثبات كمال الضد { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } لكمال حياته وقيوميته { وَمَا رَبُّكُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } لكمال عدله

وهكذا

فالنفي المجرد ليس مدحا

لم ؟

لأنك ربما تقول ولله المثل الأعلى : هذا العمود لا يظلم

لم ؟

لو قلت لا يظلم وسكت ليس مدحا لأنه جماد أصلا

أو تقول فلان لا يأخذ حقه باعتبار أنه ضعيف

لكن مع النفي لابد أن تثبت كمال الضد

{ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ }

قاعدة مهمة :

{ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } : لكمال حياته وقيوميته

{ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } كل ما في السموات وما في الأرض فهي ملكه عز وجل

ولذلك :

ماذا قال بعدها مبينا عظمة الله { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } استفهام تضمن النفي مع التحدي

{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} الجواب : لا أحد

وهذه الآية تبين ما في الآية السابقة

لما قال عز وجل { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ } نفي الشفاعة إلا بإذنه

والشفاعة لا تكون أبدا إلا بإذنه عز وجل وبرضاه عن المشفوع له قال تعالى { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } وإذنه ما معنى ذلك

معنى ذلك لا يأتي أحد كحال ملوك الدينا

ربما أحد من ملوك الدنيا قد يكون عنده وزير أو مقرب ربما يدخل عليه مباشرة ويقول أشفع عندك لفلان من أن يكون كذا أو يحصل كذا أو يعطى كذا

الله لا يأتي أحد إليه حتى لو كان النبي عليه الصلاة والسلام

فإنه لا يشفع مباشرة حتى يستأذن من الله فيأتي عند العرش ويحمد الله بمحامد يفتحها الله عز وجل عليه ثم يقال له : ” يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع “

هذا معنى الإذن

بخلاف ملوك الدنيا لأن ما عندهم ؟ عندهم النقص

لم ؟

لأنه ربما في أمور الدنيا لأن الشفاعة مبنية على جلب النفع وعلى دفع الضر

بمعنى :

أنه ربما يأتي وزير إلى أحد ملوك الدنيا ويشفع مباشرة فيقبل شفاعته

لم ؟

لأن هذا الملك يحتاج إلى هذا الوزير من أجل أن تكون هناك منافع لمملكته أو أنه يدفع مضار عن مملكته وهكذا

أما الله فهو الملك المالك الحي القيوم

مهما عظمت منزلة المخلوق فإنه لا يشفع إلا بعد أن يستأذن الله عز وجل ولذا قال { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ }

هذا لكمال حياته عز وجل وقيوميته

يعلم كل شيء

{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ }

{ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } ما يكون في يوم القيامة { وَمَا خَلْفَهُمْ } أو الدنيا وقيل العكس

أو يعلم ما يقدمون وما سيعملون

وعلى كل حال :

فهو عالم عز وجل بكل شيء مما يكون من الأحوال في الدنيا وفي الآخرة

ويعلم أحوال البشر والخلق مما عملوه ومما سيعملونه

{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ }

فلا يفوته شيء

وكل محتاج إليه

فهو يعلم حاجتك وحاجتي وحاجة فلان

وإذا كان كذلك وأيقن العبد بذلك وكما سلف قلت لكم إن التفقه في أسماء الله وفي صفاته يزيد العبد إيمانا وإقبالا على الله

{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ }

ما أحد يحيط بعلمه إلا بما شاء مما ذكره عز وجل من علمه مما يخبر به أنبياءه { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ }

{ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ } وبما علمهم عز وجل كما قال عز وجل { فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ }

{ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }

ولذلك :

 الخضر لما كان مع موسى وهو على السفينة فأتى عصفور ونقر في البحر نقرة قال : ” يا موسى ما علمي وعلمك عند علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور من هذا البحر “

{ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ }

كما أن علمه عز وجل واسع كذلك الكرسي :

الكرسي كما جاءت بذلك الآثار عن السلف من أنه موضع القدمين لله عز وجل

وليس هو العرش كما قيل

وليس هو علم الله

اختلف :

هنا في الآية ذكر العلم ثم ذكر الكرسي

وإنما الكرسي يختلف عن العرش

كرسي الله :

هو أعظم من السموات والأرض { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ } والعرش أعظم من الكرسي

جاء في الأحاديث كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام : (( ما السموات عند الكرسي إلا كخردلة في فلاة ـ في صحراء ـ وما الكرسي عند العرش إلا كخردلة في فلاة ))

فهذه مخلوقاته

فما ظنكم بالخالق عز وجل

{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ }

{ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا } لا يثقله ولا يعجزه حفظ السموات والأرض

بل ما قامت السموات والأرض إلا بأمره { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ }

{ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ }

{ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }

 له العلو المطلق :

علو الذات لما أتت تلك الجارية فسألها النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم أين الله ؟

قالت : في السماء

 قال : (( أعتقها فإنها مؤمنة ))

فالله في العلو :

علو الذات

وعلو الصفة

وعلو القهر

وهو العلي { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }

والعلو أنكره من أنكره حتى زعموا أن الله عز وجل قد حل في كل مكان تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا

إذا سئلت أين الله قل في السماء يعني في العلو لا تحيط به السموات ولا تقله لأنها محتاجة إليه

بل هو عز وجل قد استوى وارتفع استواء يليق بجلاله وبعظمته على العرش

{ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } :

فهو علي لعظمته

وهو عظيم بعلوه عز وجل

وختم الآية بهذين الاسمين العلي العظيم :

ليبين عظمة الله عز وجل

ولذلك :

هذه الآية آية الكرسي هي أعظم آية لأن من أسمائه عز وجل العظيم

ولذلك :

النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه قال عليه الصلاة والسلام عن آية الكرسي : (( لا يقرأ بها مسلم دبر كل صلاة فلا يمنعه من دخول الجنة إلا الموت  ))

أعظم آية

لم ؟

لأنها ذكرت ما يتعلق بأسماء الله وصفاته

فانتبه :

إذا مر بك اسم أو صفة من صفات الله فتمعن فيها وتدبر فيها فأعظم ما يتدبر في القرآن والله كما قال ابن القيم يقول لو أن العبد تفقه في معاني أسماء الله عز وجل لحسن ظنه بالله

نعم ولعلها مقدمة لما سيأتي من آيات بإذن الله نمر في تلك الآيات على بعض الأسماء وبعض الصفات