التفسير المختصر الشامل تفسير سورة آل عمران من الآية (21) إلى (28) الدرس ( 33)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة آل عمران من الآية (21) إلى (28) الدرس ( 33)

مشاهدات: 432

التفسير المختصر الشامل ( 33 )

تفسير سورة آل عمران

من الآية ( 21) إلى الآية (  28)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ٢١ } [آل عمران:21]

 

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ }

 

هذا هو شأن اليهود مع أنه لا لم يذكرهم تصريحا لكن هذا هو حالهم ، ليشمل حالهم وحال من يتصف بصفاتهم

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ } أتى بصيغة الفعل الضمارع لأن حالهم حال مستمر على الكفر

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ } ويشمل الآيات الكونية والآيات الشرعية

{ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ }

قتل الأنبياء أصلا كله ظلم لكن ذكر بغير حق من باب التشنيع بحال هؤلاء لأن الأنبياء على حق ومن يقتلهم فهو على ضلال فليس لهؤلاء حجة في قتلهم كما قال تعالى { وَمَن يَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ } قال : { لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ } مع أنه ليس له برهان ؛ لأن توحيد الله ظاهر والشرك بالله عز وجل ظلم

{ وَمَن يَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓۚ }

قال هنا : { وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ } أتى بصيغة الفعل المضارع مع أنهم قتلوا

بعض أهل العلم يقول { وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ } أتى بصيغة الفعل المضارع حتى يستحضر القارئ فعلهم الشنيع الذي وقع في الماضي

ونقول هذا الكلام أيضا هو حق ولكن أيضا أتى بصيغة الفعل اللمضارع لأن ديدن هؤلاء اليهود هو الحرص على قتل الأنبياء ولذلك أتى بصيغة الفعل المضارعه لأنهم كانوا حريصين على قتل محمد عليه الصلاة والسلام ، ولذلك وضعوا السم في تلك الشاة كما جاء بذلك الحديث في السنة النبوية

{ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ}  انظر هذه جريمة ثالثة

لما اعتدوا على ما يتعلق بحق الله :

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ }

{ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ } اعتدوا على رسل الله عز وجل

الآن يعتدون على أتباع الرسل

{ فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ }

أيضا هم :

اعتدوا على أتباع الرسل ، وأتباع الرسل وهم أصحاب العلم ، وأصحاب الدعوة إلى الله ، هؤلاء ورثة الأنبياء كما قال عليه الصلاة والسلام

(( والعلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ))

من باب بيان أن هؤلاء لم يرثوا ما لدى الأنبياء من أموال وإنما ورثوا العلم

ولذا قال فمن أخذه أخذ بحظ وافر

{ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ } يعني بالعدل

{ مِنَ ٱلنَّاسِ }  سبحان الله ! بمجرد ما ذكر كلمة القسط يدل على أن هؤلاء معتدون ، كيف تقدمون على قتل من يأمر الناس بالقسط ؟

ومن أعظم القسط الذي هو العدل هو التوحيد

وتأمل ما مضى من آيات { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ }

أولوا العلم : { وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ }  نشروا هذا العدل الذي هو التوحيد والعلم الشرعي فكيف يأتي هؤلاء ويقتلون هؤلاء الدعاة إلى الله عز وجل الذين أخذوا العلم من الكتاب ومن السنة

{ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ }

قال { مِنَ ٱلنَّاسِ } مما يدل على مزية وفضيلة لأهل العلم إذ أقاموا العلم على وجهه الصحيح

{ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ٢١ }

البشرة هي الخبر السار إذا أطلق هذا الكلام البشرة الخبر السار الذي تتغير به لون البشرة فإن قيد إن أطلق قيل يا فلان بشرى

هي بشرى سارة كما قال تعالى { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ }

قيدت على بشرة سارة

فإذا قيدت على أنه سوء فتكون البشرة بشرى سوء كما هنا { فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ٢١ } عذاب مؤلم لهؤلاء ، لم ؟ لأن هؤلاء فعلوا فعلا شنيعا وتلذذوا بقتل الأنبياء وبالاعتداء على شرع الله وبالاعتداء على من نشر هذا الشرع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ٢٢}

{ أُوْلَٰٓئِكَ }  أشار إليهم بإشارة البعد مما يدل على أن هؤلاء خسروا وبعدوا عن الخير

{ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتۡ } أي بطلت { أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا }

{ فِي ٱلدُّنۡيَا } يعني لو أسلموا لكانت لهم حقوق أهل الإسلام من الإرث ومن تغسيل الميت وتكفينه والصلاة عليه وما شابه ذلك ، وكذلك حبطت أعمالهم فيما يتعلق بالنفقة التي ينفقونها يكون لهم أجر ، ولأن من عمل صالحا في الدنيا فكما قال عز وجل لأنهم لو عملوا أعمالا صالحة من النفقة ، وما شابه ذلك فهي محبطة

ولذا قال عز وجل { مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ } 

في هذه الدنيا

{ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ }

أما في الآخرة فكما قال تعالى : { وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا٢٣ }

ومر بيان أكثر من دليل حول هذا

{ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ } يعني مع هذا العذاب ومع حبوط العمل ليس لهم ناصر ينصرهم ويدفع عنهم هذا العذاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ كِتَٰبِ ٱللَّهِ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ٢٣ } [آل عمران:23]

{ أَلَمۡ تَرَ } يا محمد وأيضا لكل من يكون الخطاب له صحيحا ممن يصح خطابه من أهل العقول النيرة الطيبة الذين يعتبرون

{ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ } ذكر هذه الآية من باب التنديد بحال هؤلاء أهل الكتاب فإنهم أعطوا الكتاب ولم يقوموا به حق القيام ، ولم يكونوا من أولي العلم الذين أشهدهم الله عز وجل بل صاروا من أعداء أهل العلم ومن أعداء الرسل ومن أعداء دين الله

{ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا } أي حظا { مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ } أي من التوراة والإنجيل { يُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ كِتَٰبِ ٱللَّهِ }

{ يُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ كِتَٰبِ ٱللَّهِ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ} يدعون من أجل أن أن يحكم بينهم كتاب الله سواء قيل التوارة أو الإنجيل فإن الإنجيل أتى بتصديق ما في القرآن وإن كان الأظهر من حيث السياق أنهم يدعون إلى القرآن كما قال تعالى : { نَبَذَ فَرِيقٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ كَأَنَّهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ }

مر معنا قيل القرآن وقيل التوراة وعلى كل حال هنا يدعون إلى القرآن إلى كتاب الله ليحكم بينهم

{ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ } { يَتَوَلَّىٰ } ينصرف وقال { ثُمَّ } :

يعني أن هؤلاء كانت أمامهم فسحة من الزمن ليتفكروا وليتأملوا لكن الموفق من وفقه الله ، والمهتدي من هداه الله

{ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ } لأن هناك من أسلم كعبد الله بن سلام

{ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ } يعني ينصرف { فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ }

يعني لو أن الإنسان انصرف وهو غير معرض يمكن أن يعود

لكن قال هنا { ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ } هذا شأنه كشأن أسلافهم

قال عز وجل عن هؤلاء اليهود وعن أسلافهم كما مر معنا في سورة البقرة  { وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ٨٣ }

وتأمل : سبحان الله !

هؤلاء يدعون إلى كتاب الله فإذا بهم ينصرفون وهم معرضون لكن أهل الحق وأهل العلم وأهل الإيمان قال تعالى : { إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ٥١ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَخۡشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقۡهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ٥٢ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ وَغَرَّهُمۡ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ٢٤ } [آل عمران:24]

{ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ } ذلك التولي وذلك الإعراض { بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ } : مجرد قول    { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ } وهي الأيام كما قالوا هم عبدنا فيها العجل قالوا سبعة أيام وقالوا أربعين يوما وقال بعضهم : إنما هي أيام قليلة

ولذلك أتى هنا بكلمة { مَّعۡدُودَٰتٖۖ }

في سورة البقرة قال { إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ }

فكلمة { أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗ } من حيث المعنى

{ مَّعۡدُودَةٗ  } يعني هذا جمع قلة لكنه غير محدد بأيام

قال هنا { مَّعۡدُودَٰتٖۖ }جمع قلة لكنه محدد إما على قول هؤلاء بأنها سبعة أيام أو على قول أولئك بأنها أربعون يوما

المهم أنهم اجتمعوا في أنهم لم يمكثوا ممن عبد العجل إلا أياما ما قليلة

وأيضا كلمة معدودات ومعدودة إذا كان الجمع مؤنثا لا يعقل فإنه يجمع هكاذ أيام : جمع مؤنث لا يعقل

فهنا يجمع أيام معدودة وأيام معدودات

كذلك الشأن : جبل : جبال شاهقة  جبال شاهقات ، أنهار جمع لكنه لا يعقل مؤنث أنهار جارية ، أنهار جاريات

{ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ وَغَرَّهُمۡ } هذه مصيبة الإنسان حينما يقع الغرور في نفسه فإذا اغتر افترى ، وقد قال عز وجل   { وَقَدۡ خَابَ مَنِ ٱفۡتَرَىٰ }

{ وَغَرَّهُمۡ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ } الذي غرهم هذا الافتراء { قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ } فاطمأنوا

ولذا قال عز وجل : { أَفَأَمِنُواْ مَكۡرَ ٱللَّهِۚ فَلَا يَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ٩٩  }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 { فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَٰهُمۡ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِ وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ٢٥ } [آل عمران:25]

{ فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَٰهُمۡ } أتى بالفاء هنا  من باب أن هذا مفرع على ما سبق { فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَٰهُمۡ }

ما حال هؤلاء ؟ { فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَٰهُمۡ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِ }

وهو يوم القيامة لا شك فيه ، سيأتي

قال تعالى : { ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۗ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثٗا٨٧ }

{ فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَٰهُمۡ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِ }

سبحان الله ! ليسوا هؤلاء أهل علم  ، فكيف يكون هؤلاء راسخين في العلم لأن الراسخين في العلم في أول السورة لما رأوا زيغ ممن تتبع المتشابه

قالوا : { رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ٨ }

لم ؟ يخشون من ذلك اليوم

ولذلك { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِۚ }

قال هنا { فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَٰهُمۡ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِ وَوُفِّيَتۡ } أي  جوزيت { كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ }  من خير أو شر  { وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ } لا أحد يظلم فهؤلاء لا يظلمون

{ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ } { إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَيۡ‍ٔٗا }

{ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖۖ } { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعَٰلَمِينَ }

{ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعِبَادِ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ٢٦ } [آل عمران:26]

{ قُلِ } يا محمد لهؤلاء المالك للملك الذي يملك الخلق ويملك ما يملكون وما في أيديهم ملك لله ، ولم يتوصلوا إليه لا بحولهم ولا بقوتهم ولا بذكائهم إنما هو من الله يعطي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء

وفي هذا التنبيه على ماذا ؟

التنبيه على أن هؤلاء وهم أهل الكتاب هؤلاء لما جرى ما جرى من انتصار النبي عليه الصلاة والسلام على كفار قريش في غزوة بدر

التنبيه من أن الملك يؤتيه من يشاء

وأيضا التنبيه على ماذا ؟

على ما قاله المنافقون قالوا : إن محمدا يزعم من أنه سيملك ملك فارس والروم وأحدنا في الحرب لا يستطيع أن يجد مكانا يقضي فيه حاجته

لأن النبي عليه الصلاة والسلام بشر هذه الأمة كما في صحيح مسلم قال : (( إن الله زوى لي الأرض  .. ))

ليس معنى ذلك على الصحيح أنه قوي بصره عليه الصلاة والسلام فرأى بل زويت الأرض (( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ))

وأيضا فيه التنبيه :

على أنكم أيها اليهود من أنكم جعلت فيكم النبوة وجعل فيكم الملك فلم تقوموا به حق القيام

{ وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا }

هذا الملك سيزول منكم ، ولذا قال تعالى { قُلِ ٱللَّهُمَّ }  يعني يا الله

أصلها اللهم أي يا الله ، لكن قال اللهم أتي بالميم عوضا عن ياء النداء يعني يا الله ، اللهم

{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ }

{ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ } الخلق كله ملك له ، ما يملكون

{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ

ولذلك هذه الكلمة لا يجوز أن تطلق إلا على الله

ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه : (( إن أخنع )) يعني أوضع وأحقر وأذل (( إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك لا مالك إلا الله ))

ولذلك : كلمة ملك القلوب أو ملك الإنسانية أو ما شابه ذلك هذا لا يطلق إلا على الله ، فهو المالك ، وإن كان الإنسان قد يملك ملكا نسبيا باعتبار معين لكن لا يطلق عليه مثل هذه الألفاظ العظيمة التي لا تطلق إلا على الله

{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ }

لا أحد يعترض على قضاء الله وقدره ولا أحد يستغرب كيف وصل الملك إلى هذا وكيف نزع الملك من هذا ، فالله عز وجل يهب ويملك من يشاء

{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ }

ولذلك سليمان عليه السلام قال { وَهَبۡ لِي مُلۡكٗا لَّا يَنۢبَغِي لِأَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ }

وهو نبي دعا الله عز وجل دل هذا على أن الملك بيد الله

ولذا قال تعالى { تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ }

{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ }

تنزع لأن من ملك يتمسك ويتشبث بهذا الملك فينزع الملك منه كما ينزع الجلد من على البهيمة

يعني : بشدة وبقوة باعتبار ماذا ؟ باعتبار لا يريد هذا المخلوق أن يذهب عنه هذا الملك ولو جرى ما جرى ،ولذلك قال { وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ }

{ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } وإذا كان هو عز وجل مالك الملك ويعطي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء فكيف يستبعد الإنسان رحمة الله إذا كان في ضيق كيف يستبعد الإنسان شفاء الله إذا كان في مرض كيف يستبعد غنى الله له إذا كان في فقر إذا كان في بؤس فالله عز وجل على كل شيء قدير

{ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ  }

{ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } تعزه بشتى أنوع العز ومن أعظم العز الطاعة ومن ذلك العلم الشرعي فأنتم أيها اليهود والنصارى نزع منكم هذا العلم باعتبار ضلالكم

{ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } بالمال بالملك وبالطاعة بالعلم

{ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ  } وقال هنا  { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } لأنه هو العزيز ، ولذلك في الآيات السابقة مما يدل على أن من أنوع العز العلم { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ١٨ }

فما اعتز المخلوق إلا من عزة الله ومن قدرة الله وفي أول السورة { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ٦ }

{ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ } تذله بأن يكون ذليلا للمخلوقين ، بأن تنزع منه الطاعة ينزع منه الخير

فهي شاملة

{ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ }

{ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ } : فالخير بيده عز وجل ولذا قال تعالى { تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ١ }

{ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ }

ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في دعاء الاستفتاح في قيام الليل قال : (( والخير بيديك والشر ليس إليك ))

فالشر لا ينسب إلى الله من باب التأدب مع الله

ووإلا فالله عز وجل خالق الخير وخالق الشر قال تعالى : { ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ  } { إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ٤٩ }

والله لا يخلق الشر لذات الشر وإنما يخلق الشر لمنافع متعددة منها :

أن الإنسان لما يصاب بضر أو ما شابه ذلك فإن فيه نفعا له من حيث  تكفير السيئات من حيث الرجوع إلى الله

غيره ينتفع إذا رأى مثل هذا الرجل كيف كان غنيا أو كان متسلطا فنزل به الضر فأصبح ضعيفا فإن هذا ولا شك يترتب عليه حكم ومنافع وخيرات

{ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ } { بِيَدِكَ }  إثبات صفة اليد لله بما يليق بجلاله وعظمته ، وهي بالنسبة لنا هي أبعاض وأجزاء لكن لا نقول إنها أجزاء وأبعاض لله وهذا ما يسمى كاليد وكالقدم وما شابه ذلك مما له من صفات يسميها بعض العلماء بالصفات الخبرية بمعنى أن النصوص الشرعية أخبرت بها فنخبر بها دون أن ندخل في التفاصيل ويكون ذلك على ما يليق بجلاله وبعظمته لا تشابه يد المخلوقين فهو عز وجل ليس كمثله شيء كما قال تعالى { لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ }

إذن يثبت لله صفة اليدين بما يليق بجلاله يثبت لله من أن له يدين تليقان بجلاله وبعظمته ، ولا تحرف ولا تؤول لا تحرف هم يسمونه تأويلا لكنه تحريف ، لا تحرف على أنها النعمة أو أنها القدرة لأنها لو كانت كذلك { قَالَ يَٰٓإِبۡلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ } أي بقدرَتَي لا يليق

أو بنعمَتَي لا يليق ، فدل هذا على أنها تثبت بما يليق بجلاله وبعظمته

{ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ٢٦ } على كل شيء قدير يعطي الملك من يشاء ينزع الملك ممن يشاء ، يعز من يشاء ، يذل من يشاء ، فهو على كل شيء قدير ولذا قال { بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ }  وإذا كان الخير بيد الله فكيف يرجى غير الله كيف يدعى غير الله كيف يسأل غير الله ، ولذا النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه قال ( من لم يسأل الله يغضب عليه )

فقال هنا { بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ٢٦ }

مهما عظمت أملاك أهل الدنيا فإنها زائلة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ٢٧ } [آل عمران:27]

{ تُولِجُ ٱلَّيۡلَ } أي تدخل الليل { فِي ٱلنَّهَارِ }

 { وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ } بمعنى أن هذا يذهب وهذا يأتي وهذا يقصر وهذا يطول ، وهكذا

{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُغۡشِي ٱلَّيۡلَ ٱلنَّهَارَ } يغطي الليل النهار { يَطۡلُبُهُۥ حَثِيثٗا } بسرعة الليل يطلب النهار والنهار يطلب الليل كل يريد أن يكون في وقته

ولذا قال تعالى { لَا ٱلشَّمۡسُ يَنۢبَغِي لَهَآ أَن تُدۡرِكَ ٱلۡقَمَرَ وَلَا ٱلَّيۡلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِۚ وَكُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ٤٠ }

{ تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ } هذا يدل على عظمة الله وعلى قدرة الله  ، وهذا من رحمة الله لأنه لو جعل الوقت كله لو جعله ليلا أو جعله نهارا لتعطلت مصالح الناس

لكن سبحان الله ! { قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلَّيۡلَ سَرۡمَدًا } يعني مستمرا { قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلَّيۡلَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِضِيَآءٍۚ أَفَلَا تَسۡمَعُونَ٧١ قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِلَيۡلٖ تَسۡكُنُونَ فِيهِۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ٧٢ }

{ تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ } ولذلك ذلكم الرجل الذي جادل إبراهيم لما قال إبراهيم { رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡيِۦ وَأُمِيتُۖ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأۡتِي بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَۗ  }

مهمات عظمت قوة المخلوق فإن قوته ضعيفة

{ تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ } تخرج الحي من الميت

{ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ } يعني تخرج الحي من الميت بمعنى أنك تخرج الحي كالنخلة مثلا من الحبة وتخرج الميت من الحي تخرج النواة التي هي البذرة من النخلة أو من الشجرة عموما

كما قال عز وجل { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ٩٥ }

وكذلك كما أنه يخرج الميت الجامد من الحي كذلك يخرج عز وجل المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن والسيرة تشهد بهذا كم من صحابي وله ولد ليس بمسلم والعكس

ولذا قال عز وجل : { أَوَ مَن كَانَ مَيۡتٗا }  ميت ماذا ؟

ميت الإيمان ما عنده إيمان

{ أَوَ مَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ }

{ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ } بمعنى : أنك ترزق من غير مقدار

وترزق من تشاء فتوسع على من تشاء ابتلاء هل يشكر أو لا ؟ وتضيق على من تشاء ابتلاء هل يصبر أم لا ؟

{ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ } ومن حيث لا يحتسب الإنسان قال تعالى :

{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ }

{ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ } ومن ذلك ما مضى من قضية الملك ، من قضية العز والذي لمن يشاء عز وجل

{ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ } بمعنى أن الملك بيدك وأن المقادير من فضلك عز وجل

ولذا انظر ثبت في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام :

يعني : من كان في ضائقة بشتى أنواع الضوائق والضراء والبأساء فلا يقنط ، يلتجئ إلى الله من له هذه الأسماء العظيمة والصفات العظيمة وهذه الأفعال العظيمة فكيف يقنط العبد من رحمة الله وكيف يستبعد أن يحصل له خير أو أن أن يبعد عن الشر

ولذا : ثبت في الحديث الصحيح من أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( من قال هذا الدعاء ولو كان عليه مثل جبل يعني باليمن دين لقضاه الله عنه اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ، تولج الليل في النهار ، وتولج النهار في الليل ، وتخرج الحي من الميت ، وتخرج الميت من الحي ، وترزق من تشاء بغير حساب أسالك رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك ))

لو رحمك المخلوق مرة ما رحمك في المرات الأخرى

فدل هذا على عظم الله عز وجل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ٢٨ } [آل عمران:28]

{ لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ }

{ لَّا يَتَّخِذِ } هذا فيه نهي أن يتخذ أهل الإيمان الكفار أحبابا لهم

ولذا كما سيأتي في نفس السورة  { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ } وإنما على العبد أن يتولى من ؟ أن يتولى الله ورسوله وأهل الإيمان{ وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ٥٦}

{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا١٤٤ }

بل من المتعين من أن أهل الإيمان يتبرءون من أهل الكفر

ولذلك : إبراهيم عليه السلام ماذا قال عز وجل عن أتباعه

{ قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ }

إلا إذا كان الإنسان سيحسن إلى الكافر الذي ليس بمحارب له فقد جاءت النصوص في بيان ذلك

ومر معنا

{ لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ }

يعني : أن الله عز وجل تبرأ منه وهو بعيد عن دين الله عز وجل ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء

ولذا قال تعالى : { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا١٤٤ }

{ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ }

قال في شيء

انظر إلى الوعيد { إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ } بمعنى : أنتم تتخذون منكم وقاية بحيث لو كنتم بين هؤلاء وخفتم على أنفسكم مع العلم لا يجوز للمسلم أن يساكن الكافر ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( أنا بريء ممن ساكن الكافر ))

وقال : (( لا تتراء نارهما ))

بمعنى : أنه لو أشعل المؤمن نارا يكون بعيدا عن نار ذلك الرجل بحيث لا يرى أحدهما نار الآخر من حيث البعد

لكن : لو أن الإنسان ابتلي ببيئة فيها كفار فهنا لا يجوز له أن يحبهم وأن يتولهم ، بل يكون معهم بمثابة التقية ، التقية قد ذكر شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية من أن الرافضة أخذت بهذه الآية على التقية

ولذلك قال : ” في جبنهم وذلهم ربما يحفظون القصائد والأحاديث النبوية ما لا يحفظها غيرهم في الثناء على الصحابة من أجل أن يظهروا لأهل السنة أنهم أحباب لهم “

كل ذلك من أجل خوف ، مع أن أهل السنة ما كانوا يحاربونهم ولا يؤذونهم ومع ذلك لجبنهم

قال رحمه الله وليس معنى ذلك في قوله تعالى { إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ }

ليس معنى ذلك أن الإنسان يظهر خلاف ما يبطن

بمعنى لا يظهر الكفر لهؤلاء لا بالعمل ولا بالقول

لم ؟ لأن الإنسان لا يجوز له أن يظهر الكفر قولا أو عملا إلا إذا أكره إلا إذا أكره حالة الإكراه

قال تعالى { إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ }

لكن في مثل هذه الحال هم لا يكرهونه فيقول رحمه الله فهمت هذه الآية فهما ليس بسليم ، بل يكون حاله كحال مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه

ومؤمن آل فرعون لم يظهر خلاف ما يبطن بل كان يدافع عن موسى عليه السلام فدل هذا على أن هذه الآية لا يؤخذ منها أن المؤمن إذا كان في بيئة فيها كفار ويخشى على نفسه لا يجوز له ـ لا يؤخذ من هذه الآية ولا يجوز له أن يظهر خلاف ما يبطن

بمعنى أنه يظهر الكفر ومخالفة الدين مع أنه لم يكره ، إنما الذي يظهر حالة واحدة حالة الإكراه إذا أكره ، إذا كان في حالة إكراه يظهر الكفر قولا ، ولكن قلبه مطمئن بالإيمان ، لكن في مثل هذه الحال فلا يخشى على نفسه حتى لو خشي على نفسه ويكون حاله كحال مؤمن آل فرعون

{ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ }

{ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ } قال شيخ الإسلام كما في بيان تلبيس الجهمية قال بعض المفسرين يختصر فيقول ويحذركم نفسه يعني عقوبته وبطشه

ويقول : تفسيرها بهذا التفسير فقط نقصان  ، وإنما يجب أن تثبت النفس لله عز وجل  ، وإذا حذركم الله نفسه يتضمن ذلك أنه يحذركم عقوبته

وقال رحمه الله : الجهمية وهم طائفة ضلوا قالوا : ” إن كلمة النفس التي لله بمعنى الغير “

فيقول ما هذا الضلال ؟ يعني :  ويحذركم الله غيره ؟

{ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ } أي كتب على غيره الرحمة ؟

ويقول رحمه الله النفس هي بمعنى هي نفس الله بمعنى ذات الله أي نفس لها أسماء وصفات ، وليس معنى هذا كما ذهب بعض أهل الإثبات يقول وهو قول ضعيف من أن النفس صفة لله يقول هذا خطأ

يقول أهل السنة والجماعة ممن تقدم كالإمام أحمد وغيره إنما ذكروا النفس فيما يتعلق بالصفات من باب أن يردوا على الجهمية

وإلا فقوله عز وجل { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ } أي نفس الله وليست صفة

لأنه لو كان كذلك هل يقول ويحذركم الله صفته

{ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ } كتب على صفته الرحمة

قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه : (( فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي )) هل يصح أن يقال ذكرته في صفتي ؟ فالنفس هي ذات الله  ، نفس الله التي لها أسماء وصفات

{ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ }

{ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ } يعني المرجع والمآل فكل يعود إلى الله

ومن ثم فإن من خالف دين الله وما ذكر هنا فيما يتعلق بالعقيدة من محبة الكفار فإن الله عز وجل يحذركم نفسه ويتضمن ماذا ؟

التحذير من عقوبته ولكن لا يحصر المعنى بالعقوبة فقط

{ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ } ومن ثم : فإذا كان المرد والمرد ولا شك إلى الله عز وجل والمصير إليه فإنه سيجازي كلا بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر