التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأنعام من الآية (1) إلى (17) الدرس (90)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأنعام من الآية (1) إلى (17) الدرس (90)

مشاهدات: 684

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الأنعام من الآية ( 1 – 17 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله ربِّ العالمين وأَصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنشرع بعون من الله عزوجل في تفسير سورة الأنعام وسورة الأنعام هي مكية عند أكثر العلماء بمعنى أنها كلها عندهم تكون مكية وبعض العلماء قال: هي مكية إلا بعض الآيات لكن الجمهور يرون أنها نزلت كلها بمكة جملة واحدة مع سبعون ألف ملك وقد جاءت آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لكنها لا تخلو من ضعف ومن ثَم فإن هذا هو رأي الجمهور وهذه السورة سورة الأنعام قال بعض العلماء لها متعلق بما سبق في السورة الماضية فإن قوله  عزوجل ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  ) ذكر بعدها أول آية في سورة الأنعام ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ )    فإن عزوجل  لما ذكر آخر آية في سورة المائدة مما يتعلق بالقضاء والفصل يوم القيامة حَمِد الله عزوجل نفسه كما قال تعالى ( وَقُضِي بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)  وقال بعض العلماء إنما قوله عزوجل ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ)  أتى بذلك على صورة الإجمال ثم جاءت سورة الأنعام مُفصلة لهذا الملك الكامل التام لله عزوجل ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ)   ذكر الله عزوجل في هذه السورة حمده بأنه خلق السموات والآراض ومرَّ معنا في سورة الفاتحة من أنه حَمِد نفسه عزوجل  لأنه رب العالمين ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ومرَّ معنا في سورة الفاتحة ما يتعلق بهذا الحمد ولماذا حمد نفسه (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) فحمد نفسه لأنه خلق السموات والأرض والمتأمل في هذه السموات والأرض يجد فيها العبرة مما يدعوه إلى أن يحمد الله عزوجل (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) جعل هنا تنصب مفعول واحد ومن ثم تكون بمعنى خلق أي خلق الظلمات والنور ومن ثم فإنه والعلم عند الله خالف بين اللفظين خلق وجعل باعتبار تغير الأسلوب في هذا الكلام حتى يكون الإنسان حاضر القلب ثم أيضاً والعلم عند الله لما قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) فإنه عزوجل فرغ من خلق السموات والأرض لكن بالنسبة إلى الظلمات والنور فهو عزوجل خالق النور والظلمة هذه الظلمة وهذا النور يتجدد بمعنى أنه يكون حسب ما أراد الله عزوجل ومن ثم تأتي إلى معنى الظلمات والنور، والظلمات قال بعض المفسرين الظلمات الليل والنور النهار ولكن هذا تفسير ليس بذلك الكمال وإنما الصحيح الظلمات الحسية كظلمة الليل وظلمة البحر وما شابه ذلك والظلمات المعنوية المتعلقة بظلمة الكفر والشرك والشبهات والنور أيضاً يشمل النور الحسي وهو نور النهار ويشمل النور المعنوي الذي هو نور الإسلام ونرو الهداية ونور العلم وقلنا بهذا العموم لدلالة ما سيأتي بإذن الله في هذه السورة لأنها ذكرت الظلمات وذكرت النور من هنا أفرد عزوجل النور وجمع الظلمات وذلك لأن النور بأنه طريق واضح وهو الطريق إلى الله عزوجل لكن الظلمات جمعها باعتبار أنها متشتتة صاحبها إلى طرق وإلى سبل تأوي به إلى الهلاك (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )  ثم هذه الآيات التي ذكرها الله عزوجل  (الَّذِينَ كَفَرُوا ) بين هنا أن أهل الإيمان يتعظون بهذه الدلائل وبهذه فتزيدهم إيماناً ومرَّ معنا في سورة آل عمران ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ) الآيات لكنه هنا ذكر أهل الكفر باعتبار أنهم لا يعتبرون ولا يتعظون (   ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) وأتى بكلمة ثم مما يدل عل أن هناك زمناً فاصلاً بين هؤلاء وبين هذه الآيات ولم يتمعنوا فيها ولم يتدبروا فيها لأن قلوبهم معرضة (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) أي يساوون غير الله بالله وهذا هو الشرك بالله عزوجل ولذا ذكر عزوجل في بعض الآيات من أنهم رأوا الدلائل غير ما ذكر هُنا ومع ذلك هم بربهم يعدلون قال تعالى ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ) ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ) ثم ذكر عزوجل هنا الدلائل المتعلقة بماذا؟ بهذا الإنسان الذي خَلْقُه يدل على عظمة الله وهو آية من آيات الله قال تعالى) وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ))  هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ) أي أصلكم من طين وهو أبونا آدم قال تعالى 🙂 وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ) وذكر عزوجل آيات تبين خلق بني آدم من حيث الأطوار كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى في أول سورة الحج وفي أول سورة المؤمنون قال هنا( وَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ) وذكرهم بأصلهم السابق من أنهم خُلِقوا من طين ومع ذلك ذلكم الطين جعله الله عزوجل لحماً وعظماً ودماً وجعله يتكلم ويتحرك إلى غير ذلك من الدلائل التي تدل على عظمة الله عزوجل إذ أنشأه هذه النشأة ولذلك قال هنا(الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ) بعض العلماء ماذا قال: هذا ما مضى من حياة الإنسان والأجل الثاني ما تبقى وقيل أجل الأجل الأول لمن مضى أي ممن مات في الماضي وأيضاً ممن سيكون في هذا الزمن وما يليه وقالوا أقولاً والذي يظهر من خلال هذه السورة سيأتي معنا في قوله تعالى( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ) من أن الأجل الأول هو أجل كل إنسان قدره الله عزوجل له في هذه الحياة الدنيا ثم الأجل الثاني بعد موت الإنسان وبعد موت البشر من موتهم إلى أن يجمهم الله عزوجل ولذا قال هنا ( ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ ) وفي هذه الدنيا( وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ) قال عنده مما يدل على ماذا؟ على أنه أمر لا يعلم به إلا الله عزوجل ( وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ  ) أي تشكون مع تلك الآيات مع هذه كلها فإنهم يشكون في ماذا؟ في قدرة الله عزوجل ومن ثم مما يدل على أن الأرجح ما ذكرناه في ما يتعل في معنى الأجلين ولا مانع من دخول ما ذكر آنفاً لكن الأظهر من حيث السياق من أن هؤلاء ينكرون ماذا؟ ينكرون البعث فكان ذكر الأجل المتعلق بالدنيا والأجل المتعلق بالآخرة يكون دليلاً قاطعاً وحجة ساطعة على هؤلاء ( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ) لما بين  عزوجل من أن هذه دلائل تدل على عظمة الله وعلى ربوبية الله بين لهم هنا من أن المعبود في السموات وفي الأرض هو الله قال تعالى  ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) وليس معنى ذلك ما يقوله من يقول من الجهمية من أن الله عزوجل حلَّ في كل مكان وأنه عزوجل كما يقولون تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً يقولون إن الله ليس في العلو وهذا ضلال مبين لأن الآيات المتعلقة والدالة على علو الله عزوجل كثيرة جداً أتت مما يقرب من عشرين طريقاً كل طريق يتضمن آيات ونصوصاً كثيرة حتى قال بعض السلف عن النصوص التي تدل على علو الله عزوجل تصل إلى ألف دليل وبعضهم قال إلى ثلاثة آلاف دليل ذلك الألف أو تلكم الثلاثة تندرج تحت العشرين الطريق الذي ذكرته أنفاً ( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ) سبحان الله وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم وعلو الله لا يتنافى مع معية الله عزوجل لأن المعية من مقتضياتها العلم ولذا ماذا قال بعدها ( يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) ذكر العلم وقد مرَّ معنا من أنه لا تنافي بين علو الله وبين معية الله عزوجل وفصلنا ذلك تفصيلاً واضحا جلياً عند قوله تعالى ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ) يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تخفون وما تجهرون به قال تعالى (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ( وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ) أي ما تكسبونه من الأقوال والأعمال ومن ثم يحاسبكم عزوجل (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) وما تأتيهم هنا ما نافية وأُكد النفي بمن قال (ما تأتيهم من آيةٍ تدل على صدقك يا محمد وما تأتيهم والخطاب لكفار قريش ولمن شابههم ممن ضلَّ عن سواء السبيل (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) وقد أعرضوا عنها وقال كانوا عنها معرضين مما يدل على أن الأعراض كان لهم من حيث الزمن الماضي وهم مستمرون على ذلك ( إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) ( فقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ) انظر قال لما ذكر الإعراض بعض الناس قد يعرض ولكنه لا يكذب بالحق لكن هؤلاء أعرضوا ثم تدرج بهم الحال إلى أن كذبوا بالحق فقد كذبوا بالحق وهو الشيء الواضح الذي أتي به النبي صلى الله عليه وسلم  ( فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) أي أخبار ( مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) أي ما يستهزءون بهذا الدين وسيأتيهم ما ذكر الله عزوجل لهم مما أعدَّ لهم من العذاب مما ذكره في هذا القرآن قال تعالى: ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ) لكن ما ينفع حينها الندم فقال هنا ( فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ ) أي عقوبة ما كذبوا به قال هنا يستهزءون دل هنا على أنهم تدرجوا أيضاً لما أعرضوا كذبوا بالحق فوصل بهم الحال إلى أنهم استهزأوا وقال هنا ( فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) وذكر الاستهزاء هنا باعتبار أن الاستهزاء سبب في حلول العذاب إذاً كل من استهزأ بما جاء به الشرع فإن هذا العقاب يكون عقاباً له ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ) هنا قال ألم يروا – ألم يروا تُحتمل أن تكون علمية بمعنى أنهم سمعوا في هذا القرآن هلاك الأمم السابقة ويُحتمل أن تكون بصرية ولا تعارض بينهما باعتبار أنهم يمرون على ديار من عذبهم الله عزوجل ولذلك قال عزوجل ( وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) والآيات في هذا المعنى كثيرة ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا ) كم هنا للتكثير يعني كثيراً ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ )  من قرن أي من جماعة من جماعات كُثر وهذا يدل على أن القرن كما يكون معناه من حيث الزمن يكون ومن حيث الجمع ومن حيث الفئة ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ ) أنتم يا كفار قريش مكنا للأمم السابقة الذين هم أعظم منكم قوة وأعظم منكم مالاً وسعة ورغداً ومع ذلك لما أتاهم عذابُ الله عزوجل ما أتهم إلا لما كفروا بدين الله فكيف يكون حالكم ولذا قال عزوجل (أوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا  ) وقال تعالى  ( وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ ) أي عشر ( وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ )  والآيات في هذا المعنى كثيرة فقال هنا يحذر كفار قريش ليتمعنوا وينظروا في حال الأمم السابقة ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ ) مكناهم في الأرض من حيث الملك من حيث السلطة من حيث القوة ما لم نمكن لكم وهنا تغير الأسلوب وهذا يسمى بالالتفات من باب التنبيه لهؤلاء وغيرهم يعني كان الأسلوب أسلوب غائب ثم أسلوب خطاب ( أَلَمْ يَرَوْا) هنا غائب أسلوب يدل على الغيبة ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ )  ( وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ ) أي المطر ( مِّدْرَارًا ) أي متدفقة مما يدل على سعة الأرزاق ( وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ ) مما يدل على أنهم أصبحوا في نعيم يتلذذون بماذا؟ الخضرة وبالمياه ( وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ) فأهلكناهم ليس ظلماً وإنما بسبب ذنوبهم فما الفرق بينكم وبينهم ( فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ) أي وخلق الله وأنشأ من بعدهم قرناً يخلفونهم ولذا قال الله تعالى في سورة المؤمنون ( ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنۢ بَعْدِهِمْ قُرُونًا ءَاخَرِينَ ) ( مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ) فبين هنا وقال عزوجل ( فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ) ولذا في نفس هذه السورة ماذا قال عزوجل ( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ ) وقال تعالى في آيات كثيرة منها ( وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم) ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ ) هنا قال عزوجل ( وَلَوْ) وهنا حرف امتناع الله عزوجل لم يُنزل عليهم هذه الآية لِمَ؟ لأن هؤلاء من طبيعتهم بل إن طبيعتهم الصدود والإعراض فهم لم يعرضوا عنك يا محمد لأنهم يكذبونك ولكن من باب العناد والجحد والطغيان ولذا في الآيات التي ستأتي معنا ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) ولو نزلنا عليك يا محمد كما اقترحوا كتاباً كما قال عزوجل ( أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا  أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا  ) فقال هنا ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ ) القرطاس هو ما يكتب عليه من ورق ونحوه ( فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ) وقال هنا بأيديهم مع أن اللمس يكون باليد لكن من باب التأكيد أن هؤلاء لن يؤمنوا بك يا محمد ( فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا ) أي هذا ( إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) هذا سحر واضح وبيّن وجلي ولذا مع أنهم قالوا إن سحر مبين إلا أن هؤلاء هذه طبيعتهم ولذا ماذا قال عزوجل ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ) والآيات في هذا المعنى كثيرة فقال هنا ( فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ )  ( وَلَوْ نَزَّلْنَا ) يعني لم ينزله الله عزوجل لِمَ؟ لأن حال هؤلاء سيقولون هذا سحر مبين ( وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ) يعني هلاّ يكون معه ملك ويكون ملكاً على صورته بحيث يقول إنك يا محمد صادق كما قال عزوجل ( وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ) يعني يشهد بصدقك يا محمد فقال عزوجل ( وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ ) يعني لو أنزلناه على صورة الملك ثم لم يؤمنوا ( لَّقُضِيَ الْأَمْرُ )   يعني أتى عذابهم ( ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ )  أي لا يمهلون وهذه سنة الله عزوجل في الأمم إذا أتتهم الآيات إذا سألوها ولم يؤمنوا من أن الله عزوجل ينزل عليهم عذابه ولذا قال تعالى ( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ) ( وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ  وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا )   لِمَ ؟ لأن صورة المَلك لا يستطيع أحد أن ينظر إليها على صورتها ولذلك قال تعالى ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ) أي لخلطنا عليهم ما يخلطون فإنهم لو آتاهم هذا الملك سيكون على صورة البشر فإذا كان على صورة البشر إذاً سيعودون إلى الخلق السابق من أنهم وقعوا في ما لَبسَّوا به على أنفسهم ( وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ) أي ولخلطنا عليهم ما كانوا يخلطون باعتبار أنهم لن يروا هذا الملك إلا على صورة البشر ولذا ماذا قال عزوجل في هذه السورة لما سيأتي معنا وكما قلت لكم يتمعن القارئ في السورة في أولها وفي ثناياها وفي آخرها وذكرت ذلك في السور السابقة ولذا ماذا قال تعالى ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ) لأن صدود هؤلاء وإعراض هؤلاء إنما كان طغيان في القلب لا عن بحث عن الآيات فهم يعلمون عن صدقك يا محمد ( لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ) هنا فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم لما كذبه قومه ( لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ )  وقال برسل من باب التنكير باعتبار أنهم كُثر ( لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ ) أي أحدق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون أي نزل العذاب على من استهزأ بأولئك الرُسل فحال قومك كحال هؤلاء لِمَ؟ لأنه ذكر علة وسبب نزول العقوبة وهي الاستهزاء فمن استهزأ بهذا الدين فإن العقاب يكون نظير هذا العقاب ( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) قل سيروا في الأرض ( ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) سيروا قل يا محمد لهؤلاء سيروا في الأرض وتمعنوا فيها ( ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) وهم يسيرون ويذهبون إلى اليمن فيرون ماذا؟ آثار ديار عاد ويذهبون إلى الشام فينظرون إلى آثار قوم لوط وما شابه هؤلاء ومرَّ معنا قال عزوجل ( وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) فقال ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا ) لم انظروا ما هو نظر فقط مجرد لا ليس نظراً مجرداً وإنما نظر به اعتبار ( ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) ومرَّ معنا في سورة آل عمران بعض الفوائد المتعلقة بقوله ( سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ) وقال هنا ( ثُمَّ انظُرُوا ) في بعض السور ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا ) بالفاء فالفرق بينهما والعلم عند الله من أن الفاء تأتي سببية يعني سيروا في الأرض لسبب ماذا؟ لسبب النظر في آثار أولئك من أجل ماذا؟ من أجل نظر اعتبار لا نظر له وغلفة فيكون الفاء هنا سببية للسير وأما ثم ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي لأي سير تريدون من تجارة أو نحوها ( قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) يعني لا تغفلوا أثناء هذا السير لذلكم الغرض من تجارة أو نحولها ولا تغفلوا من النظر إلى ماذا؟ إلى النظر نظر اعتبار وتفكر في حال من كذَّب فعاقبهم الله عزوجل ( قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أمر الله عزوجل نبيه صلى الله عليه وسلم  بأن يقول قل وكَثُر الأمر منه بكلمة قل من باب ماذا؟ من باب تذكير وتنبيه وتحذير هؤلاء لأنهم كذبوا فقال عزوجل ( قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أمره أيضاً أن يجيب قل لله لِمَ؟ لأن مثل هذا السؤال ماذا أجيب عليه بهذا الجواب لا أحد يستطيع أن ينكره فهم لا ينكرون ذلك ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )  فقال تعالى ( قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ ) لأنهم لن يكذبوا ( قُل لِّلَّهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) كتبها تفضلاً منه عزوجل ( كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ومرَّ معنا الحديث عن إثبات النفس لله عزوجل والحديث عنها هل هي ذات نفس الله أم أنها صفة عند قوله تعالى ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) كما في سورة آل عمران فقال تعالى هنا ( قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ ) هنا اللام لام قسم أي والله لجمعنكم وأكد ذلك ينون التوكيد باعتبار ماذا؟ أنهم ينكرون البعث ( لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ) لم يقل في يوم القيامة قال إلى لِمَ؟ لأن هذا الجمع يكون في القبور ثم بعد القبور يبعثون ثم بعد ذلك يكون الجمع ( لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) ولذا أقسم الله عزوجل على ذلك في سورة النساء كما مرَّ معنا ( اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا )  ( كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ) أي لا شك فيه ( الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) فسبب الخسران ماذا؟ هو عدم الإيمان وسبب عدم الإيمان إنما هو من الطغيان لا من تكذيب لك يا محمد بنقص أو بعدم وجود الآيات الدالة على صدقك ولذا قال هنا ( الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ ) من باب ماذا؟ من باب أن يبين أنه عزوجل سيعاقب هؤلاء وذكر قبلها الرحمة لأن الله عزوجل سيرحم عبادة المؤمنين ( وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) ( وَلَهُ مَا سَكَنَ) بعض العلماء يقول السكون هو السكون المعروف أي ضد الحركة فتكون الحركة دلت عليها كلمة سكن ( وَلَهُ مَا سَكَنَ ) أي وله ما سكن وتحرك وقال بعض العلماء ( وَلَهُ مَا سَكَنَ ) أي ما سكن في الليل والنهار ويمر عليه الليل والنهار فيشمل الخلق كله ولا شك سواءً على الرأي الأول أو على هذا الرأي فإنه  عزوجل له مالك ماذا ؟ ما سكن في الليل والنهار وذكر منها ما سكن بالليل والنهار لأنه لما قال هناك في أول الآيات ( قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ ) ذكر هنا ما يتعلق بمن يتحرك وبمن يسكن فقال هنا ( وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) سميعٌ يسمع كل شيء وعليمٌ بكل شيء ومن ذلك يعلم حال هذا الساكن الذي سكن في الليل والنهار ويعلم   عزوجل أحوال خلقه سميعٌ   عزوجل لكل حركة ولما يصدر من ما يكون في هذا الليل وهذا النهار وهذا يدل على عظمة الله   عزوجل فواجبٌ الإيمان به ( وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ ) يعني بعد الآيات السابقات قل أغير الله؟ استفهام إنكاري وأيضاً بعد تعجب ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ) قال قل أغير الله وقَدَم هنا غير الله على الولي باعتبار أنه لا يُتخذ من هؤلاء الذين يعبدونهم لا يتخذ عليه الصلاة والسلام ولياً وإنما وليه الذي أخلص له العبادة هو الله عزوجل ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ) ثم بَيَّن مما يدل على أنهم لن ينكروا ( فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي مبدعهما على غير مثال سابق. فهل ءآلهتكم فطرت السموات والأرض وقال ( فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) لأنهم يؤمنون بأن الله هو فاطر السموات والأرض ومن ثَمَّ فيلزمكم أن تتخذوه وليَّـا  ( فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ) أنتم المحتاجون هو الغني العظيم ( وَهُوَ يُطْعِمُ)  يطعم خلقه ( وَلَا يُطْعَمُ ) لغناه عزوجل بينما ءآلهتكم منها ما هو يطعم ومنها ما هو جمادات لا يأكل ولا يشرب قال تعالى ( اللَّهُ الصَّمَدُ) أي الذي تصمد له الخلائق كلها في قضاء حوائجها (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ) إذا ما الذي بعدها قل يا محمد ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) أي بعدما مضى من الآيات إذا أمرت أن أكون أول من أسلم ( وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) واقل هنا ولا تكونن من المشركين من باب ماذا ؟ من باب التأكيد على أن من قال قولاً على أنه فقط إسلام وهو يتخذ مع الله أولياء فإن إسلامه غير صحيح.

( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ولذا في آخر السورة أمتثل ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) الآية هنا ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) أيضاً يُفيد بماذا؟ يفيد من أن الامر بالإسلام يدل على النهي عن الشرك وتأمل هنا ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ) هذا سياق خبر لكنه يتضمن الطلب قال ( وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) هذا طلب فعطب الطلب على الخبر ذلكم الخبر يتضمن الطلب من باب التنويع في الأسلوب بحيث يكون الإنسان حاضر القلب وأيضاً كما قلت لكم الأمر بالإسلام نهي عن ماذا؟ عن ضده وهو الشرك ولذا أتى في جملة الشرك بالنهي الصريح  ( وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) قل يا محمد تأمل سبحان الله كلمته قل كثيرة في سورة الأنعام من باب ماذا؟ من باب إظهار لهؤلاء أن محمد صلى الله عليه وسلم لم يأتِ من تلقاء نفسه وإنما أتى من قبل الله والله عزوجل هو الذي يُلقنه الحجج التي تدحض شبهاتكم فقال هنا  ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) سبحان الله هذا فيه ماذا؟ التحذير إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بأن يقول لهم إني أخاف عذاب الله إن عصيت الله إذا ما حالكم أنتم؟ ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) عظيم في كيفيته وفي كميته ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) ( مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ) من يصرف عنه هذا العذاب فقد رحمه أي فقد رحمه الله وصرف العذاب إنما هو برحمه منه عزوجل ولذا تأمل ما قبلها من آيات ( كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) لكن في الآيات الآتية بإذن الله ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ) فلعل الإطلاق هنا والعموم ( كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) وذكر بعدها صرف العذاب مما يدل على أن ذكر الحلف لما أقسم بأن يوم القيامة سيكون ذكر أيضاً من رحمته ماذا؟ صرف العذاب. ( مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ) ( وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ) فهو فوز مبين واضح جلي ولذا ماذا قال تعالى ( فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) وإذا زحزح عن النار فقد صُرِف عنه عذاب الله عزوجل. ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ) سبحان الله قال هنا ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ) مما يكون من عذاب الله عزوجل في هذه الدنيا أن يصيب العبد بضر ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ) الضر الذي هو لا يلائم الإنسان مما لا يوافق طبيعته وحالته ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ) فلا رافع ولا كاشف لهذا الضر إلا هو فقال هنا ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ) ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم ولذا من يأت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب من الحاجيات أو دفع الضر هذا يُرد عليه بهذه الآية وبأمثالها وهذا تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم ( وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تتضمن ( وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ )

الخير الذي يلائم الإنسان تتضمن من أنه إن أراد أن يمسك بخير فلن يدفعه أحد ولذا في سورة يونس قال تعالى ( وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ( وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سبحان الله ختم الآية بقوله ( فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يعجزه شيء ومن ذلك إن أراد أن يُوقع بك الضر مَا استطاع أحد أن يكشفه إنما الذي يكشفه هو الله. الله الذي على كل شيء قدير وإن أراد أن ينزل بك خيراً فإن الذي يأتي بك هو الله وحده الذي هو على كل شيء قدير.