سورة الأنعام من الآية (122) حتى الآية (135)
الدرس ( 99 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
قوله تعالى (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا) (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا) هنا بين ماذا؟ من أن حالكم أنتم يا أهل الإيمان حال من هو حي بينما أولئك الكفار هم في ماذا؟ هم في حالة موت استغرقوا وانغمسوا في ماذا؟ في الضلالة لكنكم أنتم أحياء أنتم أحياء وعندكم نور ولذا ماذا قال عز وجل قال في أول السورة (وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ) والموتى على قول كما مر معنا والموتى أي الكفار شبهم بالموتى باعتبار أن قلوبهم ميتة قال هنا (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ) أي هو ميت ميت ماذا ميت القلب لكن الله عز وجل أحياه بنور هذا القرآن (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ) أحياه دل هذا على ماذا؟ دل هذا على أن الدين وعلى أن الاستقامة على شرع الله حياة، أما الإعراض عن دين الله فهو موت (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) يمشي به في الناس لديه نور نور ماذا؟ نور هذا الدين، فإنه يمشي به بين الناس فيفرق بين الحق والباطل بين الخطأ وبين الصواب بين السنة وبين البدعة بين الإسلام وبين الكفر ولذا هذا يؤكد ماذا؟ يؤكد أن مجادلة أولئك مجادلة باطلة لمَ؟ لأن معكم الحياة ولأن معكم النور (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) وهذا يدل على ماذا؟ على أن من رُزق الاستقامة ومن رُزق نور هذا الدين فإنه منحة من الله قال (فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ)
أيستوي حال هذا الحي الذي معه النور مع حال هذا الميت الذي هو في الظلمات (كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ) في الظلمات كما قال عز وجل في نفس السورة (مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)
قال قبلها (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ۗ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَ ۚ) وقال هنا في الظلمات وجمعها لمَ؟ لأنها ظلمات ظلمات الكفر، ظلمات الشُبه، ظلمات الشك، ظلمات البدع، ظلمات الأهواء، لكن هنا أفرد ماذا؟ أفرد النور لمَ؟ لأن طريق الله واحد وهذا يقرر ما ذكرناه في أول السورة (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) جمع الظلمات هناك وأفردها هناك وكذلك أفرد النور هنا وجمع الظلمات هنا وايضاً قررنا هناك من أن النور يشمل النور الحسي والمعنوي والظلمات تشمل الظلمات الحسية والمعنوية والسياق هنا نور ماذا؟ نورٌ معنوي والظلمات ظلماتٌ معنوية مع أن هذا النور المعنوي يظهر ماذا على بشرة الإنسان فإن نور الطاعة يظهر عليه كما أن ظلمات القلب لهؤلاء يظهر عليهم ولذا يقول العلماء علماء السلف كشيخ الإسلام رحمه الله وتلميذه ابن القيم وأمثال هؤلاء يقولون إن صاحب البدعة إن صاحب البدعة يكون في وجهه يكون في وجهه قبح ولذا قالوا تأملوا وجوه الرافضة فإنه كلما زادت البدع عندهم وأظلمت قلوبهم بهذه البدع وبهذه الخرافات ظهرت على وجوههم ، ولذا ماذا قال عز وجل عن صحابة النبي صلى الله عليه واله وسلم (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ )
قال هنا (كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ ) ليس بخارجٍ من هذه الظلمات لأنه لا مخرج له إلا بأمر الله عز وجل ولا طريق للوصول إلى الله عز وجل إلا بما جاء به محمدٌ صلى الله عليه واله وسلم وبما شرعه (لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ) (كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أي كما زين للكافرين في الأمم السابقة زين لهم الكفر كذلك هؤلاء الذين في عصرك يا محمد زين لهم الكفر ومر معنا الحديث مفصلا في قوله تعالى (كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) في الآيات السابقات وبينا هناك بيانا شافيا في قوله تعالى (كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) قال هنا (كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا)َ وكذلك يعني يا محمد هذا كله تسلية للنبي صلى الله عليه واله وسلم أي كما قال هنا (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا ) أي في الأمم السابقة كما أنه عز وجل جعل في الأمم السابقة الرؤساء منهم الأكابر من أنهم مجرمون يمكرون بهذا الدين كذلك الشأن في حالك مع قومك من صناديد كفار قريش، قال هنا (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا) ليمكروا فيها لكن هذا المكر من أجل إبطال دين الله عز وجل قال عز وجل (وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ ) لمَ؟ لأن وبال هذا المكر يعود إليهم لأن الله مطلعٌ على مكرهم، قال تعالى (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ). فقال هنا عز وجل عن هؤلاء (وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) وما يشعرون ومر معنا من أنه قال هنا (وَمَا يَشْعُرُونَ) ولم يقل وما يعلمون لأن قوله وما يشعرون أخص أنواع العلم يعني شيءٌ خفي كما يقال للشاعر هذا شاعر لأنه يعلم بخفايا أوزان الشعر فدل هذا على أن هؤلاء يمكرون وما يظنون أن مكرهم يكون عائداً عليهم لكن هم لا يشعرون بذلك لا يشعرون بذلك، (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ) سبحان الله هذا حال الطغاة المجرمين، طلبوا الآيات طلبوا الآيات وقالوا لولا نزل عليه آيةٌ من ربه إلى غير ذلك مما مر في هذه السورة وما ذكره –
عز وجل في سورٍ أخرى، ماذا قال عز وجل وإذا جاءتهم آيةٌ كانشقاق القمر قالوا يا محمد أجعل هذا القمر ينشق نصفين ولذا ماذا قال تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) رأوا الآيات أمامهم ومع ذلك قالوا هذا سحرٌ مستمر فقال هنا (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ) إذاً ليس الأمر متوقفاً فيما يتعلق بإيمانهم ليس متعلقاً بآية بأن تنزل آية الإشكال في ماذا؟ الظلمة في ماذا؟ في قلوب هؤلاء (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ) إذاً يقولون هذه الآية لن نؤمن بها إلا إذا أوتينا مثل ما أوتي رسل الله بحيث يرسل إلينا، كيف تكون أنت يا محمد، كيف تكون رسولاً من بيننا؟ ولست بأعظمنا ولست بأكثرنا مالا، ولا بأعظمنا شرفا وما شابه ذلك (حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ) ولذا انظر ماذا قالوا لم يقولوا حتى نؤتى مثل ما أوتيت لأنهم لم يثبتوا رسالته صلى الله عليه واله وسلم وإنما قالوا نؤتى مثلما أوتي رسل الله فماذا قال عز وجل (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ) فهو عز وجل يعلم من يصلح لهذه الرسالة حتى يقوم بها ومن لا يصلح لها، فمحمدٌ صلى الله عليه واله وسلم يصلح للرسالة الله أعلم حيث يجعل رسالته، لكن هؤلاء مجرمون ولذا ماذا قال بعدها (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) هؤلاء مجرمون وهذا يشمل كل مجرم ولم يقل سيصيبهم قال (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ) أرادوا العلو فصغرهم الله صغار أي ذل وهوان لأن من أراد التكبر يريد أن يكون كبيرا لكن الله عز وجل يذله ويصغره (صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ) بما أنهم مكروا ذلكم المكر عاقبهم الله عز وجل بعذابٍ شديد (وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ) أي بسبب مكرهم بما كانوا يمكرون (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ) إذاً ليس الأمر متعلقا بما طلبوه لكن الهداية بيد الله عز وجل فإنه لما ذكر (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ) ليس كل شخص يستطيع أن يأتي بالهداية لنفسه، ولا أحد يستطيع أن يضل نفسه إنما الذي يقدر على ذلك هو الله عز وجل ولذا قال (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ) أن يهديه (يَشْرَحْ) أي يوسع (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَام) لأن الصدر إذا انشرح فإنه يقبل على الله.
ولذا لما ينشرح الصدر أكثر وأكثر تكون الطمأنينة، ولذا ماذا قال موسى عليه السلام ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) والنبي صلى عليه واله وسلم ماذا قال الله له (أَلَمْ نَشْرحْ لَكَ صَدْرَكَ) إذاً قال عز وجل في آيةٍ أخرى (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ) الهداية مع النور فهو على نورٍ من ربه ولذا لما قال عز وجل مبيناً أن هذين يجتمعان قال (مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) وقال تعالى (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ)الآية فقال هنا (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ) وصرح هنا بسم الله باسم الله (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) يوسع هذا الصدر،(وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ) (وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ) لمَ؟ لأنه لا يستطيع أحدٌ أن يهدي أحدا، ولن يستطيع أحدٌ أن يضل أحد إلا بأمر الله عز وجل. (وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا) وانظر إلى كلمة الصدر تدل على ماذا؟ تدل على أن المعول على ما في الباطن ولذا إذا صلح الباطن كما قال صلى الله عليه واله وسلم في الصحيحين ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب، ولذا قوله صلى الله عليه واله وسلم كما جاء في الصحيح التقوى ها هنا التقوى ها هنا معناها من أن التقوى إذا كانت في القلب ظهرت على الجوارح لا أن يقال إذا فعل الإنسان ذنباً قال التقوى ها هنا هذه حجة باطلة إنما إذا امتلأ القلب بتقوى الله ظهر ذلك على الجوارح ولذا قال هنا قال(وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا) حرجا أي أشد الضيق حرجا (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ) أي كأنما يتصعد في السماء حاله إذا أراد الهداية صعبٌ عليه، حاله كحال من يريد أن يصعد إلى السماء فمن يريد أن يصعد إلى السماء يتكلف ذلك ولا يستطيع كذلك من أراد لنفسه الهداية فإنه لا يستطيع إذا أراد الله أن يضله فحاله كحال من يريد أن يصعد في السماء (كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) كذلك كما صنعنا بهؤلاء يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون فهؤلاء لما لم يؤمنوا جعل الله عليهم الرجس جزاءً وفاقا ،لأنهم لم يقبلوا شرع الله عز وجل وإلا فمن أقبل على الله عز وجل فالله أكرم منه قال (كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) ولم يقل عليهم لكي يشمل الجميع، والرجس فيه أقوال هل هو الشيطان، هل هو العذاب، وقيل غير ذلك ، فيشمل من أن هؤلاء متى ما أعرضوا عن دين الله ومتى ما لم يؤمن العبد بالله عز وجل فإن الله عز وجل يجعل عليه الرجس يتولاه الشيطان وإذا بالذنوب يفعلها الذنب تلو الآخر ثم بعد ذلك يحصل له الرجس العذاب الذي يحصل له في الدنيا من الضنك والهم والضيق وتعسير الأمور
إلى غير ذلك مما يكون في قبره ومما يكون في محشره (كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) (وَهَٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا) (وَهَٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا) هذا الذي جئت به يا محمد هو صراط ربك مستقيما أي لا اعوجاج فيه فهو الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولذا قال عز وجل كما ذكر عز وجل في آخر السورة (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ). فقال هنا (وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ) بينا الآيات ووضحناها (قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) إذاً واضحة الآيات واضحة وبينة ومن اتضحت له الآيات ما الذي يلزمه؟ يلزمه التذكر أن يعمل، أن يفعل، أن يُقبل على الله فليست البينات خفية ولذا قال قد فصلنا أي بينا الآيات مما ذكره عز وجل في هذه السورة ومما ذكره في هذا القرآن لقومٍ يذكرون، ما جزاؤهم في الآخرة (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ) الجنة وسميت بدار السلام لأن من يدخل فيها يسلم من الآفات ويسلم من الخروج منها ويسلم من كل ما يكون مما لا يلائمه ولا يناسبه فهي دار السلامة (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ) تدل على القرب لأن أعظم نعيمٍ يكون في الجنة رؤية الله عز وجل وهؤلاء لما سلم الله عز وجل أبدانهم وظواهرهم وبواطنهم مما وقع فيه أهل الكفر وأهل الضلال كافأهم الله عز وجل بدار السلام (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم) الولاية الخاصة الولاية الخاصة التي تقتضي ماذا? التأييد والنصرة والتوفيق والتسديد (وَهُوَ وَلِيُّهُم) هكذا (بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) دل هذا على أن من عمل العمل الصالح فالله وليه بسبب ما كانوا يعملون وهذا يدل على أن العمل الصالح يقرب العبد إلى ولاية الله عز وجل وكلما كان العمل من العبد أكثر وأصلح كلما كانت الولاية له من الله أعظم وأعظم ولذا قال (وَهُوَ وَلِيُّهُم) بما أي بسبب (بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا) أي واذكر يوم منصوب بفعل مقدر(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا)أي يحشر الخلق جميعا من الجن والإنس (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ) يا معشر المعشر الجماعة(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ) قد استكثرتم من الإنس، أصبح الأتباع لكم من الإنس أصبحوا كثرا كما قال عز وجل (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ) شياطين الإنس والجن (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنس وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم) قال هنا قد استكثرتم من الإنس كيف ؟ فإن الجن يقدمون للإنس ما يريدونه مما يكون للكهان مما يسترقه الجن من ما يكون فيلقونه في أسماع الكهان والسحرة وكذلك ما يكون حسب التوهم من أن الجن يحفظون الإنس في الأودية وما شابه ذلك قد استكثرتم من الإنس فأصبح الإنسي يستعيذ بالجني ولذا قال تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) هذه آية تفسر الآية الأخرى كلتهما في سياقٍ واحد (وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم) انظر (وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم) لما تولوهم صاروا أولياء لهم بطاعتهم (وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ) لم يُجب الجن على السؤال لمَ؟ لأنهم لم يستطيعوا أن يجيبوا فأجاب عنهم من؟ أولياؤهم الإنس؟ (وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ) يعترفون (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ) أي في الدنيا مما يكون بين السحرة والجن مما يكون كما كانوا في الجاهلية إذا أتوا إلى واد قالوا نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه فأنزل الله عز وجل (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا). (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ) استمتع الجن بكثرة الأتباع من الإنس والإنس استمتعوا بأن مآربهم ومصالحهم تتحقق (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا) بلغنا الأجل الذي ذكرته لنا من أ ن هذه الدنيا ستفنى كما قال عز وجل (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ) كما في أول السورة (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ) وكما قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى) (وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا) يعترفون لكن لا فائدة من هذا الاعتراف ( قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ) مثواكم ومصيركم (خَالِدِينَ فِيهَا) الجميع لأن هذا كفرٌ بالله وصرف الاستعاذة لغير الله كفرٌ بالله عز وجل وسيأتي لها تفصيلٌ أكثر في سورة الجن بإذن الله تعالى.( قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه) استثنى الاستثناء هذا له كلامٌ طويلٌ سيأتي معنا في سورة هود (خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه) ومعلومٌ أن مشيئة الله ماذا؟ من أن الكافر يكون مخلدا في نار جهنم إذاً بقاؤكم في النار بمشيئة الله عز وجل، وهناك أقوالٌ أخرى سنأتي عليها في سورة هود بإذن الله تعالى (خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) حكيم يضع الهدى فيمن يستحقه ويمنعه عمن لا يستحقه، وعليم بمن يستحق هذا الهدى ومن لا يستحقه عالم عز وجل بأحوال الإنس والجن في هذه الدنيا، هو حكيم في أقواله وفي أفعاله (وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) أي كما حصلت الولاية بين شياطين الإنس وبين شياطين الجن كذلك تكون الولاية كما أراد الله عز وجل بين الظالمين بعضهم ببعض تشابهت قلوبهم فأصبح كلٌ منهم موالياً للأخر باعتبار أنهم يرغبون في ماذا? يرغبون في هذا الضلال
ولذا قال (وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي )أي كما حصلت الولاية بين شياطين الإنس والجن كذلك فيما يتعلق بالإنس فيما بينهم فيما بين الإنس وبين الإنس قال( وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا) يعني يصبح هذا ولياً للأخر (بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) أي بما كانوا يكسبونه من الأعمال الأثيمة ولذا سبحان الله لما كان أهل الإيمان لما كانوا يعملون العمل الصالح ماذا قال كما مر معنا (وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) إذاً الظالم يتولى الظالم من الإنس ومن الجن بما كانوا يكسبون أي بسبب أعمالهم، ولذا قال العلماء حول هذه الآية إذا كانت الرعية ظالمة فإن الظلم يقع عليهم من الحكام ولذا ورد حديثٌ لكنه لا يصح سندا كيفما تكونوا يولى عليكم ومن ثم فإنه متى ما كانت الرعية صالحة فإن الله عز وجل يسخر لهم من الحكام من يتولاهم ويرعى شؤونهم بالعدل والعكس بالعكس فقال عز وجل (وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) حتى قال بعض المفسرين في قوله تعالى في الآية التي مرت معنا في نفس هذه السورة (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) قالوا العذاب الذي من الفوق هو ما يكون من ظلم الحكام وما يكون من التحت هو ما يتعلق بالعبيد والخدم، قال هنا (وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ) يا معشر أي يا جماعة (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ) وقدم هنا الجن، وقدم في الآية السابقة (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ) قدمه والعلم عند الله لأن السبب الذي به ضل الإنس هم الشياطين وعلى رأسهم الشيطان، قال هنا (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ) أي من الإنس الصحيح أن الرسل فقط من الإنس وليس في الجن رسل، ويكون قوله منكم باعتبار أحد الجنسين كما قال بعض العلماء (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) قالوا إنما يخرج من المالح ولا يخرج من البحر العذب، قال هنا منكم أو يكون من باب ماذا? رسل الرسل رسل الرسل فالجن يعتبرون رسل الرسول عليه السلام ولذا ماذا قال تعالى (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ) فإذاً الرسل ممن؟ من الإنس والجن بهم نذر وإذا قيل بهم رسل باعتبار أنهم رسل الرسل كما ترسل شخصاً يعد هذا المرسول يعد رسولا(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتي) (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتي) أي ما قصه عز وجل ولذلك في نفس السورة قال ( يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) ( يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتي ) أي الآيات وضحت وقصت الرسل عليكم ذلك (وَيُنذِرُونَكُمْ) أي يحذرونكم (لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ) يحذرونكم لقاء يومكم هذا وينذرونكم لقاء يومكم هذا (قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا) لكن الشهادة هنا على النفس لا تفيد ولا تغني ،دل هذا على أنهم يشهدون على أنفسهم (قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا ) ودل هذا على أن الشهادة على النفس لا تقع فقط لظاهر الآية لا تقع فقط من الإنس وإنما تكون ايضاً من الجن (قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا) والسبب (وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) الدنيا هي سبب هذا الأمر (وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) فظنوا أنهم سيبقون فيها، ولذا قال عز وجل في أوائل هذه السورة كما مر معنا (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ) ماذا? لعباً ولهوا والله عز وجل حذر في أول السورة (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) (وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ) هنا كرروا الشهادة على أنفسهم لأن الشهادة فيما سبق مطلقة (قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا ۖ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) هنا قال (وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ) بماذا? (أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) فاعترفوا بكفرهم لكن لا يفيد كما قال تعالى (فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ) ( ذَٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) ذلك أي هو عز وجل أرسل الرسل من أجل أن تقوم الحجة على الخلق فهو عز وجل أرسل الرسل لأنه عز وجل ما يعذب أحداً بسبب ظلمٍ وقع منه ولم يأته رسول ولذا قال (ذَٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ َ) أي بسبب ظلم ( وَأَهْلُهَا غَافِلُون ) أي لم ينزل عليهم كتاب ولم يأتهم رسول ولذا قال تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ) وكما قال عز وجل (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) (ذَٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) وهذا لكمال عدله (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا) ولكلٍ من أهل الجنة ومن أهل النار درجات مما عملوا كلٌ على حسب عمله والنار يطلق عليها دركات لكن قد يطلق عليها درجات وبينا ذلك مفصلاً عند قوله تعالى (إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) نفى عنه الغفلة باعتبار كمال علمه وإحاطته ومن ثم لما قال (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) هنا يطمئن أهل الصلاح أن عملهم لن يضيع ومن ثم فيه ترغيبٌ لهم وفيه ترهيب ووعيد لمن عمل الذنوب فالله عز وجل ليس بغافل عنه فلذا قال (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ) وربك الغني قال وربك الغني فهو ليس بحاجة إلى طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي إنما النفع يعود إلى الخلق
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ) فقال هنا (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ) له الغنى المطلق فليس بحاجة إلى أحد ولا تزيد طاعة المطيع في ملكه شيئا (ذُو الرَّحْمَةِ) وصف نفسه بأنه (ذُو الرَّحْمَةِ) الرحمة الواسعة ومن ثم فإنه قال هنا مصرحا بالصفة فدل هذا على أن صفات الله عز وجل تثبت عن طريق التصريح بالصفة كما هنا وايضاً تثبت عن طريق الاسم فكل اسمٍ تضمن الصفة الرحيم يتضمن صفة الرحمة والسميع يتضمن صفة السمع وايضاً تثبت بالطريق الثالث تثبت الصفة لله عن طريق فعل الله وجاء ربك نثبت صفة المجيء لله عز وجل بما يليق بجلاله وبعظمته لما قال (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ) بغناه التام لا حاجة له بطاعة أحد قال(ذُو الرَّحْمَةِ) فهو رحيم لمن؟ أناب إليه وهو واسع الرحمة لمن أقبل عليه (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ إِن يَشَأْ) لكنه عز وجل لم يشاء لو شاء لا أراد ذلك ،ومن ذلك هنا يدل على رحمته عز وجل ولذا قال في نفس السورة (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) فهو ذو الرحمة الواسعة لكن لا يأمن العبد من مكر الله عز وجل فقال هنا (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم) أي بعد أن يهلككم من بعدكم (مَّا يَشَاءُ) أي ما يشاء هل ما يشاء من أنه يخلق بعدكم إنساً وجناً أطوع لله منكم أو أنه عز وجل يخلق جنساً ثالثاً غير جنس الجن والإنس كل هذه أقوال وكلها صحيحة فهو قادرٌ على كل شيء عز وجل ولذا ماذا قال تعالى (أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ )
ولذا ماذا قال تعالى (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم) ولذا قال تعالى (إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أيها الناس ويأتِ بآخرين وكان الله على ذلك قديرا (إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) كما أنشأكم من ذرية سابقة وهم الآباء من قومٍ آخرين أي من آباء وآباء سبقوا فكذلك الشأن، ولذا ماذا قال عز وجل في أول السورة انظر إلى تناسب الآيات في السورة في أولها وفي ثناياها وفي أخرها ماذا قال عز وجل? لما قال مبيناً ضلال وكفر الأمم السابقة (ألَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ) وكما قال تعالى (ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ) ( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ) ما وعدتم به في هذا القرآن فسيأتي لا محالة لأن قوله الحق (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ) ولذا ماذا قال عز وجل في الآيات التي مرت معنا (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ ۚ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ) (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) لستم بفائتين من عذاب الله عز وجل إذا أراده بكم (قُلْ يَا قَوْمِ ) قل يا محمد لهؤلاء بعد وضوح البينات (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ) أي على حالكم وقال (عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ) أي على ما تمكنتم عليه أنتم تمكنت منكم الأعمال السيئة تمكناً عظيما (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ) أي على ما أمرني به عز وجل (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) فسوف تعلمون ماذا (مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ) من تكون له عاقبة الدار في الدنيا وفي الآخرة في الدنيا في آخر الأمر مكن الله عز وجل للنبي صلى الله عليه واله وسلم في الأرض( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) وايضاً عاقبة الدار وهي الجنة في الآخرة (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) لا يحصل للظالمين حصول مرغوب ولا زوال مكروه، إذاً إذا كان لا يفلح الظالمون فإن من أصلح وآمن فهو المفلح (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ولهذا يتم إن شاء الله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.