التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأعراف من الآية ( 1) إلى (26) الدرس (103)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأعراف من الآية ( 1) إلى (26) الدرس (103)

مشاهدات: 504

التفسير المختصر الشامل

الدرس (103)

سورة الأعراف

من آية 1 إلى  26

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

___________________________

بعض العلماء يقول هذه السورة من باب ترتيبها بعد سورة الأنعام فإن سورة الأنعام لما ذكرت صدود كفار قريش عن أمر النبي ﷺ في سورة الأنعام، ذكرت هنا حال الأمم السابقة مع أنبيائها لأن الله عز وجل ذكر أنبياء في هذه السورة سورة الأعراف فكأن بها تذكيرًا لكفار قريش من أن هؤلاء إن عصوا رسول الله ﷺ فسيحل بهم ما حل بالأمم السابقة، ولذا ذكر الهلاك والإهلاك في هذه السورة في أولها وفي ثناياها، فقوله عز وجل:  ﴿المص﴾ (الأعراف: ١  ) هذه من الحروف المقطعة ومرت معنا مفصلة في أول سورة البقرة﴿الم﴾ (البقرة: ١  ).

 

___________________________

 

﴿كِتابٌ أُنزِلَ إِلَيكَ فَلا يَكُن في صَدرِكَ حَرَجٌ مِنهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ﴾  (الأعراف: ٢  )

﴿كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ أي هذا القرآن أنزل إليك وهو منزَّل غير مخلوق ﴿ كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ﴾ فلا يكن يا محمد ﷺ ﴿ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ﴾ أي ضيق من هذا القرآن فإن هذا القرآن كما قال عز وجل:﴿وَإِنَّهُ لَذِكرٌ لَكَ وَلِقَومِكَ وَسَوفَ تُسأَلونَ﴾  (الزخرف: ٤٤  )  ففيه الشرف لك ولقومك إن آمنوا بهذا القرآن، ولذا قال عز وجل:﴿طه – ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقى﴾  (طه: ١-٢  )  وقال بعض العلماء الضيق هنا المقصود منه الشك وذلك لأن من وقع في نفسه الشك يكون صدره ضيقًا، ولذا قال عز وجل﴿فَإِن كُنتَ في شَكٍّ مِمّا أَنزَلنا إِلَيكَ﴾  (يونس: ٩٤  )  ومعلومٌ أن النبي ﷺ لم يكن في صدره شك في مثل هذا الأمر وإنما إذا كان النهي منصبًا على النبي ﷺ وحاشاه ﷺ أن يكون في قلبه شكٌ من هذا القرآن، إذًا يكون الخطاب لغيره، فإذا كان الخطاب موجهًا إليه فيكون غيره من باب أولى ﴿ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ ﴾ لتحذر به والإنذار هو الإبلاغ مع التخويف لتنذر به من خالف دين الله ﴿ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ تذكرة لأهل الإيمان كما قال عز وجل :﴿وَذَكِّر فَإِنَّ الذِّكرى تَنفَعُ المُؤمِنينَ﴾  (الذاريات: ٥٥  ) .

 

___________________________

 

﴿اتَّبِعوا ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أَولِياءَ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ﴾  (الأعراف: ٣  )

﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ هنا لما بيَّن أن هذا القرآن منزَّلٌ على النبي ﷺ أُمر الخلق باتباع هذا القرآن ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ وحذرهم بعد ذلك ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ﴾ ولا تتبعوا من دون الله أولياء أي توالونهم فيصرفونكم عن دين الله ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ أي قليل تذكركم وأتى بكلمة ما لتأكيد القلة أو من أن زمن التذكر عندكم قليل أو للعدم، كما مر معنا في قوله تعالى:﴿وَما هُوَ بِقَولِ شاعِرٍ قَليلًا ما تُؤمِنونَ﴾  (الحاقة: ٤١  ) 

 

﴿ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُون﴾

 

___________________________

 

﴿وَكَم مِن قَريَةٍ أَهلَكناها فَجاءَها بَأسُنا بَياتًا أَو هُم قائِلونَ﴾  (الأعراف: ٤  )

 ﴿وَكَمْ ﴾ كم هنا:

خبرية للتكثير

﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾ انظر ﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ﴾ أي أردنا إهلاكها لأنه قال بعدها: ﴿ فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا ﴾ فكيف يأتي البأس بعد إهلاكهم ؟ أو تكون الفاء مبينة لهذا الإهلاك ﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا ﴾ أي: عذابنا ﴿ فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا ﴾ أي: بالليل ﴿ أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾ أي: منتصف النهار والقيلولة منتصف النهار ولو لم يكن هناك نوم فهي الاستراحة في منتصف النهار، وإنما خُص هذان الوقتان باعتبار انشغال الناس ففي الليل النوم وفي النهار في القيلولة الاستراحة، أو الاستراحة مع النوم ولذا سبحان الله انظر إلى هذه السورة في ثناياها ماذا قال عز وجل ؟ ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ﴿97﴾ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ  أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ﴾ قال هنا: ﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾

___________________________

 

 

﴿فَما كانَ دَعواهُم إِذ جاءَهُم بَأسُنا إِلّا أَن قالوا إِنّا كُنّا ظالِمينَ﴾  (الأعراف: ٥  )

 

 ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ ﴾ أي دعاؤهم ﴿ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا ﴾ أي وقت مجيء العذاب ﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا ﴾ فقط هذا هو الدعاء الذي قالوه ﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا إنا كنا ظالمين ﴾ اعترفوا بأنهم ظلمة ولذا ماذا قال تعالى ﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴿11﴾ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ ﴿12﴾ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿14﴾ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴾ (الأنبياء  )

 فقال هنا ﴿ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إنا كنا ظالمين﴾

 

___________________________

 

 

﴿فَلَنَسأَلَنَّ الَّذينَ أُرسِلَ إِلَيهِم وَلَنَسأَلَنَّ المُرسَلينَ﴾  (الأعراف: ٦  )

 

  ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ﴾ سيسأل الله عز وجل هذه الأمم التي أرسل الله إليها الرسل ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾ سيسأل الأنبياء عن حال أممهم ولذا ماذا قال عز وجل في أواخر سورة المائدة:﴿يَومَ يَجمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقولُ ماذا أُجِبتُم قالوا لا عِلمَ لَنا إِنَّكَ أَنتَ عَلّامُ الغُيوبِ﴾  (المائدة: ١٠٩  )

  فالسؤال كما مر معنا فيما يتعلق بالأنبياء من باب التبكيت وإقامة الحجة وما شابه ذلك مما ذكرناه هناك على هؤلاء الكفار وهنا سؤال الأمم السابقة من باب التوبيخ لهؤلاء الذين أعرضوا عن رسالة هؤلاء الرسل، فقال هنا: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾ ولو قال قائل: قال عز وجل﴿فَيَومَئِذٍ لا يُسأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلا جانٌّ﴾  (الرحمن: ٣٩  )  نفى السؤال عنهم وهنا أثبت؟ فالجواب عن هذا من أن يوم القيامة مواقف متعددة ومختلفة ففي موقف يُسألون وفي موقف لا يُسألون وسيأتي معنا

 إن شاء الله توضيح أكثر لهذا.                                      

___________________________

 

 

﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيهِم بِعِلمٍ وَما كُنّا غائِبينَ﴾  (الأعراف: ٧  )

 

﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ ۖ﴾ سيخبر الله عز وجل ويقص عليهم ما جرى وذلك عن علمٍ منه عز وجل لأنه أحاط بكل شيء علمًا ﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ ۖوَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴾ فهو الحي القيوم ﴿ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴾ ولذا قال عز وجل :﴿أَفَمَن هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفسٍ بِما كَسَبَت ﴾ (الرعد: ٣٣  )

 فالله عز وجل قال : ﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ ۖوَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴾ كما قال تعالى :

﴿ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ﴾  (البقرة: ٧٤  ) وفي هذا التحذير من أن يقع الإنسان في ما يُغضب الله عز وجل فالله مطَّلعٌ عليه.

 

___________________________

 

﴿وَالوَزنُ يَومَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَت مَوازينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ﴾  (الأعراف: ٨  )

 ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ﴾ والوزن ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ في يوم القيامة  ﴿الْحَقُّ ﴾ وهو الشيء الثابت ودل هذا على أن هناك في يوم القيامة ميزان توزن فيه الأعمال، وجاءت الأحاديث والجمع بينها ومما جرى بين العلماء من خلاف من أن الأدلة جاءت بوزن العامل الذي هو العابد وجاءت بوزن الصحف وجاءت بوزن نفس الأعمال ولذا قال : ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ﴾ قال عز وجل:﴿وَنَضَعُ المَوازينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئًا﴾  (الأنبياء: ٤٧  )

﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ وهنا معتقد أهل السنة والجماعة خلافًا للمعتزلة لأن المعتزلة يقولون والوزن هنا معناه العدل، فإنهم يقولون إن الوزن هو العدل ينفون أن هناك في يوم القيامة موازين فمعتقد أهل السنة والجماعة من أن هناك ميزانًا يوم القيامة وله كفتان وتوزن فيه الأعمال والصحف وماشابه ذلك مما جاءت به النصوص مما ذكرناه ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ فمن ثقلت موازينه بالأعمال الطيبة ﴿ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾  الذين فازوا بالمطلوب ونجوا من المكروه.

 

___________________________

 

﴿وَمَن خَفَّت مَوازينُهُ فَأُولئِكَ الَّذينَ خَسِروا أَنفُسَهُم بِما كانوا بِآياتِنا يَظلِمونَ﴾  (الأعراف: ٩  )

 

﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴾ بأن غلبت سيئاته على حسناته ﴿ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ خسروا أنفسهم بسبب الظلم ﴿ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ﴾

 

___________________________

﴿وَلَقَد مَكَّنّاكُم فِي الأَرضِ وَجَعَلنا لَكُم فيها مَعايِشَ قَليلًا ما تَشكُرونَ﴾  (الأعراف: ١٠  )

 

 ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ ﴾ هنا التنبيه على نعم الله عز وجل للناس من أنه مكَّنهم في الأرض من أجل أن يعبدوه ولذا قال عز وجل : ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ من أجل الاستعانة على طاعة الله وعلى عبادة الله ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ والتمكين يتضمن التمليك مُكِّنوا وأيضًا مُلِّكوا ولذا قال هنا : ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ﴾ أي جعلنا لكم فيها المعايش المتنوعة التي تحتاجون إليها مما تسعدون به ومما يعينكم على طاعة الله عز وجل ولذا جعل لهم معائش وجعل أيضًا لبهائمهم ولعبيدهم أيضًا معائش ولذا قال عز وجل: ﴿وَجَعَلنا لَكُم فيها مَعايِشَ وَمَن لَستُم لَهُ بِرازِقينَ﴾  (الحجر: ٢٠  )  فقال هنا ﴿ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ  قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ أي قليل شكركم أو أن زمن شكركم قليل وسرعان ما تنسون هذه النعم.                    

___________________________

 

﴿وَلَقَد خَلَقناكُم ثُمَّ صَوَّرناكُم ثُمَّ قُلنا لِلمَلائِكَةِ اسجُدوا لِآدَمَ فَسَجَدوا إِلّا إِبليسَ لَم يَكُن مِنَ السّاجِدينَ﴾  (الأعراف: ١١  )

 

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ﴾ هنا ذكَّرهم  بأصلهم الأول من أنهم خُلِقوا من تراب ولذا قال ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ﴾ الخطاب موجه للجميع ﴿ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ﴾ للجميع   ﴿ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ ﴾ أيضًا هنا فيه إشكال ولذا تنوع كلام المفسرين حول هذه الآية في كلمة ﴿ ثُمَّ ﴾  هل هي بمعنى الواو وقدموا وأخَّروا، لأن الأمر بالسجود يسبق خلق الله عز وجل لبني آدم للذرية يسبق خلق الذرية، والجواب عن هذا من أن السياق كله لآدم ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ﴾ أي خلق آدم ﴿ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ﴾ أي صور آدم ﴿ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ ﴾ أُمرت الملائكة بالسجود لكن لماذا أتى بالجمع لأن المنة على الأب منة على الأبناء ولذا خاطب الله عز وجل اليهود الذين في عصر النبي ﷺ بالمنن التي منَّ بها على أسلافهم ﴿وَظَلَّلنا عَلَيكُمُ الغَمامَ وَأَنزَلنا عَلَيكُمُ المَنَّ وَالسَّلْوَىٰ﴾  (البقرة: ٥٧  ) فإذًا السياق هنا لآدم حتى لا نحتاج إلى تقديم ولا إلى تأخير ولا إلى جعل الحرف ﴿ ثُمَّ ﴾ بمعنى الواو وما شابه ذلك مما اختلف فيه المفسرون اختلافًا كثيرًا ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ مر معنا ذلك مفصلًا في سورة البقرة وهل آدم كان قِبْلَة أو السجود له وماشابه ذلك ولذا قال عز وجل في سورة البقرة﴿ إِلّا إِبليسَ أَبى وَاستَكبَرَ وَكانَ مِنَ الكافِرينَ﴾  (البقرة: ٣٤  )  فهنا لم يكن من الساجدين باعتبار الاستكبار وباعتبار الكفر.

___________________________

 

﴿قالَ ما مَنَعَكَ أَلّا تَسجُدَ إِذ أَمَرتُكَ قالَ أَنا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَني مِن نارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طينٍ﴾  (الأعراف: ١٢  )

 

 ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ﴾

لا هنا زائدة للتأكيد، الأصل ما منعك أن تسجد

 ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ ﴾ يعني إبليس ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ﴾ أي من آدم ﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ وآدم خُلق من طين وإبليس من نار والملائكة من نور كما جاء في صحيح مسلم ” خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ ” قال هنا ﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ وهنا استكبر إبليس وجعل النار أفضل من الطين ، ولذا يقولون أول من قاس قياسًا فاسدًا – لأن القياس الفاسد هوالقياس الذي يعارض النص فأول من عارض النص هو إبليس – فأول من قاس قياسًا فاسدًا هو إبليس لأنه في معارضة النص الذي هو الأمر بالسجود ثم أيضًا ليس ما قاله إبليس يكون صحيحًا فليست النار أفضل من الطين لأن الطين منه الرزانة ومنه الثبوت والاستقرار والبناء ومنه يكون النبات والزرع ، لكن النار من أصلها فيها الإحراق فيها الخفة فيها الشتات إلى غير ذلك من أوصاف النار، فإذًا ليس ما قاله إبليس هو الصحيح.

 

___________________________

 

﴿قالَ فَاهبِط مِنها فَما يَكونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فيها فَاخرُج إِنَّكَ مِنَ الصّاغِرينَ﴾  (الأعراف: ١٣  )

 

  ﴿ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا ﴾ أي من الجنة أو من المنزلة ﴿ فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا ﴾ فدل هذا على أن إبليس إنما لم يسجد باعتبار الكبر ﴿ فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ ﴾ هذا متعلق بالأمر بالإهباط لأنه يترتب على الإهباط الخروج ﴿ فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ أي ممن هو ذليل من الأذلين ودل هذا على أن من تكبر على شرع الله عز وجل فإن مآله إلى الصغار كحال إبليس ولذا قال ﷺ  كما عند مسلم   ” وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ ” فمن تواضع لله عز وجل رفعه الله ومن عارض شرع الله أذله الله.

___________________________

 

﴿قالَ أَنظِرني إِلى يَومِ يُبعَثونَ﴾  (الأعراف: ١٤  )

 ﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾  أراد أن يُمهل ﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي ﴾ يعني أمهلني إلى يوم يبعثون وذلك حتى لا يصيبه الموت لكن الله عز وجل قال كما في آية أخرى قال

﴿قالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنظَرينَ  إِلى يَومِ الوَقتِ المَعلومِ﴾  (الحجر: ٣٧-٣٨  )

  إلى وقت النفخة الأولى لأنك ستموت مع من سيموت لكنه أراد أن يبقى إلى قيام الساعة لأنه إذا قامت الساعة فلا موت ﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قال إنك من المنظرين ﴾ أي من الممهلين وهذا من حكمة الله عز وجل أن أنظره و لذا الله عز وجل خلق إبليس وقد قال علماء السنة من أن الإنسان لو قال لماذا خلق الله إبليس فأين المنافع من خلق إبليس فالجواب عن هذا من أنه كما هو مقرر من أن الله عز وجل لا يخلق شيئًا إلا لحكمة حتى لو كان شرًا محضًا باعتبار ما يراه المخلوقون إلا أنه يترتب على ذلك مصالح ولذا خلق الله عز وجل إبليس فترتب على ذلك بسبب حِكَم من الله ومصالح أنه أُمر بالمعروف ونُهي عن المنكر وتبين المطيع من العاصي وما شابه ذلك من هذه الحِكَم فقال عزوجل :

___________________________

 

﴿قالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرينَ – قالَ فَبِما أَغوَيتَني لَأَقعُدَنَّ لَهُم صِراطَكَ المُستَقيمَ﴾  (الأعراف: ١٥-١٦  )

﴿ قال إنك من المنظرين قَالَ ﴾ أي إبليس ﴿ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي ﴾ أي بسبب إغوائك لي  ﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ أي لأضل هؤلاء عن صراطك المستقيم ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي ﴾ هنا ماذا ؟ اعترف بالقدر واعترف بالأمر كما في الآيات السابقات لكن كما مر معنا هؤلاء هم القدرية الإبليسية أقروا بالقدر وبالشرع لكنهم جعلوا التعارض بينهما ولذا قال هنا : ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ وبينا ذلك مفصلًا عند قول الله عز وجل في سورة الأنعام﴿سَيَقولُ الَّذينَ أَشرَكوا لَو شاءَ اللَّهُ ما أَشرَكنا وَلا آباؤُنا﴾  (الأنعام: ١٤٨  )

﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي ﴾ وهنا فيه الرد على القدرية الذين يقولون إن الإغواء والضلال إنما يخلقه العبد نفسه ولا يخلقه الله !! ، فيُقال سبحان الله حتى إبليس وهو إبليس أقر بأن الغواية من الله عز وجل.

 

﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

___________________________

 

﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمانِهِم وَعَن شَمائِلِهِم وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شاكِرينَ﴾  (الأعراف: ١٧  )

 

﴿ ثُمَّ ﴾ بيَّن هنا ماذا سيفعل ﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ ﴾ وقد قال عز وجل في آيات أخرى﴿ لَأَحتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلّا قَليلًا﴿62﴾  قالَ اذهَب فَمَن تَبِعَكَ مِنهُم فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُم جَزاءً مَوفورًا ﴿63﴾  وَاستَفزِز مَنِ استَطَعتَ مِنهُم بِصَوتِكَ وَأَجلِب عَلَيهِم بِخَيلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكهُم فِي الأَموالِ وَالأَولادِ وَعِدهُم وَما يَعِدُهُمُ الشَّيطانُ إِلّا غُرورًا﴾  (الإسراء: ٦٢-٦٤  )

ماذا قال هنا ﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ﴾ هنا الصحيح أنه أراد أن يأتيهم من جميع أحوالهم ، بعض العلماء يقول ﴿ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾ يعني فيما يتعلق بيوم القيامة لأنه في ما سيقدم على الناس فيشكك الناس في يوم القيامة ﴿ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾ أي يزين لهم الدنيا ﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾ يثبطهم عن الحسنات ﴿ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ﴾ يزين لهم السيئات وهذا وإن كان داخلًا لكن ما قلناه هو الأعم ويدل عليه ما ذكرناه في ما ذكرناه في سورة الإسراء ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾

﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ﴾ بعض العلماء قال لم يقل من فوقهم لأنه يعلم أنه لا يستطيع أن يرد رحمة الله عز وجل ولم أر أحدًا تحدث عما يتعلق بالسُفل فيما أعلم وإنما والعلم عند الله لعله لم يذكر التحت باعتبار أن العبد إذا قرب من الله عز وجل في سجوده فهو قريب من الله كما في صحيح مسلم ” أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ” فقال هنا ﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ الأكثرية لا يكونون شاكرين وهذا ظن منه ولذا قال عز وجل: ﴿وَلَقَد صَدَّقَ عَلَيهِم إِبليسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعوهُ إِلّا فَريقًا مِنَ المُؤمِنينَ﴾  (سبأ: ٢٠  ) ﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾  

___________________________

 

﴿قالَ اخرُج مِنها مَذءومًا مَدحورًا لَمَن تَبِعَكَ مِنهُم لَأَملَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُم أَجمَعينَ﴾  (الأعراف: ١٨  )

 

﴿ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا ﴾ أي من الجنة أو من هذه المنزلة التي كنت فيها  ﴿ مَذْءُومًا ﴾ يعني مذموماً من الذم ﴿ مَذْءُومًا مَدْحُورًا ۖ﴾ أي مبعدًا ﴿ لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾ هنا قَسَم ﴿ لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾

 ما الذي يحل ؟ ﴿ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

___________________________

 

﴿وَيا آدَمُ اسكُن أَنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ فَكُلا مِن حَيثُ شِئتُما وَلا تَقرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظّالِمينَ﴾  (الأعراف: ١٩  )

 

 ﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾ ومر معنا ذلك مفصلًا في سورة البقرة ، قال هنا ﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ ﴾ من السُكنى وليس من السَّكَن الذي هو عدم الحركة ، لا .

﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ مر معنا هذا مفصلًا في سورة البقرة وتوضيح كل كلمة ، لكن هنا افترق أمر وهو قال هنا ﴿ فَكُلَا ﴾ في سورة البقرة ﴿ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا﴾ هناك وصَفَ الأكل بالرغد و قال هناك بالواو باعتبار هناك تعداد النعم فكلها مستقلة ولذا وصف الأكل ﴿ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا﴾ لكن هنا لما كان المقصد من ذلك أن يُبَكَّتَ الشيطان وأن يُحَقَّر الشيطان أمر حال دخول آدم الجنة أن يأكل مباشرة من باب التبكيت والتحقير للشيطان ولإهانة الشيطان، هذا الذي يظهر والعلم عند الله .

 قال ﴿ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ فتكونا هنا منصوبة بعد فاء السببية لما تقدم من النهي ﴿ وَلَا تَقْرَبَا ﴾ قال ﴿ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ 

 

___________________________

 

﴿فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطانُ لِيُبدِيَ لَهُما ما وورِيَ عَنهُما مِن سَوآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَن هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلّا أَن تَكونا مَلَكَينِ أَو تَكونا مِنَ الخالِدينَ﴾  (الأعراف: ٢٠  )

﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ الوسوسة هو الكلام الخفي الذي يصل إلى القلب ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا ﴾ أي ليظهر لهما ﴿ مَا وُورِيَ ﴾ أي ما سُتر ﴿ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءاتهما ﴾ أي من العورة لأنها تسوء الإنسان إذا ظهرت تسوء الإنسان ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءاتِهِما  وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا

مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾ قال ما منعكما الله من الأكل إلا من أجل ألا تكونا من الخالدين في هذه الجنة وحتى لا تكونا من الملائكة وهذا يدل على أن ابن آدم يحب أن يكون مخلدًا ولذا قال عز وجل كما في سورة طه قال عن الشيطان قال : ﴿ هَل أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الخُلدِ وَمُلكٍ لا يَبلى﴾  (طه: ١٢٠  )﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءاتِهِما  وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا

مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾

 

___________________________

 

﴿وَقاسَمَهُما إِنّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحينَ﴾  (الأعراف: ٢١  )

 

﴿وَقَاسَمَهُمَا ﴾ أي حلف لهما والمقاسمة هنا تكون من شخصين ﴿ وَقَاسَمَهُمَا ﴾ وهذا يدل على أن المفاعلة قد تكون من جانب واحد كهذا السياق وإن كان بعض المفسرين يقول حلف كل منهما حلف إبليس على أنه صادق في ما قال وحلفا آدم مع زوجته على أنهما سينفذان ما قال لكن الأظهر هو ما ذكر آنفًا المفاعلة من شخص واحد ، قد تكون من شخص واحد ﴿ وَقَاسَمَهُمَا ﴾ حلف لهما على أنه من الناصحين لهما ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَا ﴾

 

___________________________

 

﴿فَدَلّاهُما بِغُرورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَت لَهُما سَوآتُهُما وَطَفِقا يَخصِفانِ عَلَيهِما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَم أَنهَكُما عَن تِلكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَكُما إِنَّ الشَّيطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبينٌ﴾  (الأعراف: ٢٢  )

 

 ﴿ فَدَلَّاهُمَا ﴾ هنا لما حلفا ماكان آدم يظن أن أحدًا يحلف بالله وهو كاذب فصدقه لما حلف له ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ﴾ أي حطَّهما ودلاهما من علو إلى سُفُل بسبب ما حصل من غرور من الشيطان لهما ، يعني كانا في منزلة وهي الجنة فخرجا منها ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾ ولذا ماذا قال عز وجل في سورة البقرة:﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا ﴾ أي أوقعهما في الزلة ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ﴾  (البقرة: ٣٦  ) 

قال هنا ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ ﴾ ومر معنا الحديث عن تلك الشجرة مفصلًا في سورة البقرة ﴿ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ﴾ أي ظهرت ﴿ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ﴾ أي عوراتهما ﴿ وَطَفِقَا ﴾ أي شَرَعا وأخذا ﴿ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ ﴾ أي يُلزقان ﴿ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ﴾ لكي يسترا تلك العورة وهذا يدل على أن الفطرة تقتضي أن الإنسان يستر عورته وأن إظهارها هو خلاف الفطرة

فقال هنا عنهما : ﴿ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖوَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا ﴾ كما قال ﴿ وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ﴿ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ أي عدو واضح بيِّن

 

___________________________

 

﴿قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ﴾  (الأعراف: ٢٣  )

 ﴿ قَالَا رَبَّنَا ﴾ قال آدم وحواء قال عز وجل في سورة البقرة﴿فَتَلَقّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيهِ ﴾  (البقرة: ٣٧  )

تلك الكلمات هي المذكورة هنا: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ﴾  هذه هي الكلمات: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا ﴾ وإن لم تغفر لنا بإزالة الذنوب وهو زوال المكروه ﴿ وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا ﴾ بمعنى حصول المطلوب والخير ﴿ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

___________________________

 

﴿قالَ اهبِطوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ وَلَكُم فِي الأَرضِ مُستَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حينٍ –  قالَ فيها تَحيَونَ وَفيها تَموتونَ وَمِنها تُخرَجونَ﴾  (الأعراف: ٢٤-٢٥  )

 ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ تقدم تفسيرها في سورة البقرة ﴿ قَالَ فِيهَا ﴾ يعني في الدنيا  ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ يوم القيامة ، كما قال عز وجل﴿مِنها خَلَقناكُم وَفيها نُعيدُكُم وَمِنها نُخرِجُكُم تارَةً أُخرى﴾  (طه: ٥٥  )

 

___________________________

 

﴿يا بَني آدَمَ قَد أَنزَلنا عَلَيكُم لِباسًا يُواري سَوآتِكُم وَريشًا وَلِباسُ التَّقوى ذلِكَ خَيرٌ ذلِكَ مِن آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ﴾  (الأعراف: ٢٦  )

﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ﴾             ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي ﴾ يغطي ﴿ سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ﴾ يغطي سوآتكم وريشا، ريشا قيل هو الثياب الجميلة يعني أنزل لنا اللباس الذي يغطي العورة وأيضًا الثوب الذي به الجمال ، لأن الثوب الجميل يعتبر زينة وهي مطلب ولذا ماذا قال تعالى﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾  (النحل: ٨  )

 وقد قال بعض العلماء إن الزينة هي المال الوفير ولذا يقول أهل اللغة فلانٌ ارتاشت حاله يعني أقبلت عليه الدنيا ولذا عندنا في لغتنا : ( فلان رَيَّش ) سبحان الله فالرِّياش هنا وريشًا يعني أن الدنيا اتسعت له .

 ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءاتِكُم وَرِيشًا ﴾ قال قد أنزلنا بعض العلماء قال إن الإنزال هنا بمعنى الخلق وقال بعضهم إن الإنزال باعتبار المطر الذي هو سبب وجود النبات ويحصل من ذلك ما يحصل من اللباس لكن قال شيخ الإسلام رحمه الله ابن تيمية ” الإنزال في القرآن وفي السنة وفي لغة العرب ما جاء إلا على حقيقته الموجودة وهو الإنزال المعروف لا بمعنى الخلق ولا باعتبارات أخرى ” إذًا قوله عز وجل  ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءاتِكُم ﴾ ماهذا الإنزال ؟ قال هو الصوف والوبر الذي يكون على ظهور وعلى بطون البهائم فهذا إذا أُنزل يكون لباسًا للناس ،إذًا قوله عز وجل﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَديد ﴾  (الحديد: ٢٥  )

ماهو إنزال هذا الحديد قال لأن الحديد يُنَزَّل من العلو من الجبال فيستفيد منه الناس .

قال عزوجل :﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ  ﴾  (الزمر: ٦  ) قال ذلك باعتبار أن بهيمة الأنعام يكون منها هذه الثمانية الأزواج من الضأن والمعز ومن الإبل والبقر باعتبار أن الذكور من البهائم تعلو الإناث وإذا علت الإناث حال الجماع هذا الذي ينزل من الذكور ينزل من الأصلاب من علوٍ هذا هو معنى الإنزال ، ولذا قال رحمه الله ” الإنسان يُقال له أنزل المني ويكون على فراشه وغالب ما ينام الناس على فرشهم على الجنب ومع ذلك يقولون فلان أنزل فما ظنك بالبهائم التي إذا جامعت إنما تجامع الذكور وهي قائمة من علو ، فإذًا كلمة الإنزال هنا تدل على الإنزال الحقيقي ومن ثم فإن كلمة الإنزال في القرآن وفي السنة وفي لغة العرب هي على هذا المعنى ، ولذا هنا تُؤكد قاعدة لأهل السنة والجماعة من أن قوله تعالى في ما يتعلق بالقرآن﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾  (يوسف: ٢  ) هو الإنزال من الله عز وجل وأن القرآن مُنَزَّلٌ غير مخلوق . أما قوله تعالى : ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾  (الزخرف: ٣  )  فالجعل هنا ليس هو الخلق لأن جَعَلَ إذا نصبت مفعولين لا تكون بمعنى الخلق إنما تكون بمعنى الخلق إذا نصبت مفعولًا واحدًا كما في قوله تعالى﴿ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾  (الأنعام: ١  ) أما هنا فنصبت مفعولين يعني أن هذا القرآن منَزَّلٌ غير مخلوق وجعله الله عز وجل باللغة العربية كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ﴾  (فصلت: ٤٤  )  قال هنا ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ﴾ سبحان الله لما ذكر اللباس الحسي اللباس على البدن قال مذكرًا باللباس الأعظم ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ﴾ ولذا لما ذكر عز وجل في سورة البقرة لما كان الحديث عن الزاد قال: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ ﴾  (البقرة: ١٩٧  ) لما كان الحديث هنا عن اللباس أتى بصيغة اللباس قال : ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ﴾ أي تلك النعم من اللباس والزينة والريش وماشابه ذلك ﴿ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ من أنها من عند الله عز وجل وواجب عليهم أن يعبدوا الله وأن يستعينوا بهذه النعم على عبادة الله عز وجل .

وللحديث تتمة إن شاء الله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.