التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأعراف من الآية ( 73) إلى (93) الدرس (107)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأعراف من الآية ( 73) إلى (93) الدرس (107)

مشاهدات: 467

سورة الأعراف من آية ٧٣ الى آية ٩٣

الدرس ( 107 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

___________________________

 

﴿وَإِلى ثَمودَ أَخاهُم صالِحًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ قَد جاءَتكُم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُم هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُم آيَةً فَذَروها تَأكُل في أَرضِ اللَّهِ وَلا تَمَسّوها بِسوءٍ فَيَأخُذَكُم عَذابٌ أَليمٌ﴾   (الأعراف: ٧٣ )

قوله تعالى :  

﴿وَإِلى ثَمودَ أَخاهُم صالِحًا﴾ أي وأرسلنا إلى ثمودَ؛ وثمودَ كما جاءت بذلك بيانهُ السورُ الأُخرى من أنَّ اللهَ عز وجل أرسلَ إليهم صالحًا كما هُنا وهم بين الحجاز و بين الشام في وادي القُرى وهم أصحابُ الحجر كما سيأتي في سورةِ الحجر بإذن الله تعالى،  قال هُنا: ﴿وَإِلى ثَمودَ أَخاهُم صالِحًا﴾ وكلمة الأخوة هُنا وُضِحت في قصةِ عاد. قال هنا:

 ﴿وَإِلى ثَمودَ أَخاهُم صالِحًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ قَد جاءَتكُم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُم﴾ جاءكم بيانٌ من ربكم .

﴿هذه ناقة الله﴾ أشار إليها هذه ناقةُ الله وأُضيفت إلى الله باعتبار إضافة المخلوق إلى خالقهِ والإضافة هُنا تدلُ على عِظَم هذه الناقة ﴿ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقياها﴾   (الشمس: ١٣ ) 

فدلَ على عظم هذه الناقة إما من حيثُ جسمها أو من حيثُ صفاتها ومن ثم فإن ما يذكرهُ المفسرون من صفات لهذه الناقة من أنها أُخرجت من صخرة صماء معينة ولها اسمٌ معين ولها فصيل وما شابهَ ذلك فإني لا أعلم دليلًا صحيحًا من سُنةِ النبي  ﷺ المهم أنها ناقة لها من العظمة مالها كما أضافها عز وجل هُنا.

 ﴿ قَد جاءَتكُم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُم هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُم آيَةً ﴾ لكم آية و علامة على صدقي .

﴿ فَذَروها ﴾ أي اتركوها.

﴿ تَأكُل في أَرضِ اللَّهِ ﴾ في أَرضِ الله والأرضُ هي لله، لكن أضافها إلى اللهِ باعتبار أن الناقة هي ناقة الله و الأرضُ  أرضُ الله هو الذي خلق الناقة وهو الذي خلق الأرض فلماذا تعترضون على هذه الناقة؟ ولماذا تمنعونها من الأكل؟

﴿ فَذَروها ﴾ لأنه كأنهُ حسَّ بأنَ هؤلاء سَيفعلون بهذهِ الناقة شيئًا فقال: ﴿ فَذَروها تَأكُل في أَرضِ اللَّهِ وَلا تَمَسّوها ﴾ أي لا تُصيبوها

﴿ بِسوءٍ ﴾  أي ما يسوؤها ولو بأقلَ ما يكون إذًا ما كان أعظم يكونُ منهيًا من باب أولى.

                                 

 

 ﴿ وَلا تَمَسّوها بِسوءٍ فَيَأخُذَكُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ عذابٌ مؤلم.                        

فيأخُذكم: فعل مضارع منصوب بعد فاء السببية عند الكوفيين أو منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية المسبوقة بالنهي.

 

﴿وَلا تَمَسّوها بِسوءٍ فَيَأخُذَكُم عَذابٌ أَليم﴾

 

_________________________

 

﴿وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ عادٍ وَبَوَّأَكُم فِي الأَرضِ تَتَّخِذونَ مِن سُهولِها قُصورًا وَتَنحِتونَ الجِبالَ بُيوتًا فَاذكُروا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ﴾   (الأعراف: ٧٤ )

 

﴿وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ﴾ والتذكيرُ هُنا ذكرٌ ليس فقط باللسان و إنما بالقلبِ مع اللسان مع الجوارح لكي يُشكرَ الله عزوجل .

﴿وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ ﴾ أي خَلفتم من؟ خلفتم عادًا.

﴿وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ عادٍ﴾ ودَّل ذلك على أنّ ثمود بعد قومِ عاد من حيثُ الزمن.

﴿وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ عادٍ ﴾

﴿وَبَوَّأَكُم ﴾ أي أنزلكم و هيأَ لكم ﴿ وَبَوَّأَكُم فِي الأَرضِ تَتَّخِذونَ مِن سُهولِها قُصورًا ﴾ أي السهولُ بُطونِ الأودية تتخذونَ منها القصورَ و قيلَ إنهم يسكنونَ السهولَ في الصيفِ حيثُ الزروعَ وما شابهَ ذلك .

﴿ وَتَنحِتونَ الجِبالَ بُيوتًا ﴾ أي أنكم تنحتونَ هذهِ الجبالَ فتكونَ بيوتًا فتسكنونها حتى تقيكم من بردِ الشتاء كما قالَ بعضُ المفسرين و سواءٌ كان هذا في فصلِ الشتاء أو في فصلِ الصيف المهم أنها نعمةٌ من الله إذ انتفع هؤلاء، انتفعوا بالسهول وانتفعوا بالجبال ولذا قال عز وجل  كما في سورة الشعراء ﴿أَتُترَكونَ في ما هاهُنا آمِنينَ –  في جَنّاتٍ وَعُيونٍ – وَزُروعٍ وَنَخلٍ طَلعُها هَضيمٌ – وَتَنحِتونَ مِنَ الجِبالِ بُيوتًا فارِهينَ﴾   (الشعراء: ١٤٦-١٤٩ )   

دلّ ذلك على أنَ صُنعهم لهذا الجبال صنعٌ عظيم، أمنٌ ورغدٌ وما شابهَ ذلك من وجوه هذهِ الانتفاعات من هذهِ النعمِ التي أنعمَ اللهُ بها عليهم.

 

 

 

                                      

 

قال هنا: ﴿ وَتَنحِتونَ الجِبالَ بُيوتًا فَاذكُروا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ﴾ فَاذكُروا آلاءَ اللَّهِ: مرّ معنا تفسيرُها في قصةِ عاد.

 ﴿وَلا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ﴾

ولا تعثوا: أشدّ الإفساد وجمعَ بينهما من باب التحذير من الفساد و أعظمُ الإفساد و لذا تغيرت الكلمتان ﴿وَلا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ﴾

فكلمةُ مفسدين مُقررة ومُؤكدة لجملةِ ﴿وَلا تَعثَوا﴾

 ﴿وَلا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ﴾

 

___________________________

 

﴿قالَ المَلَأُ الَّذينَ استَكبَروا مِن قَومِهِ لِلَّذينَ استُضعِفوا لِمَن آمَنَ مِنهُم أَتَعلَمونَ أَنَّ صالِحًا مُرسَلٌ مِن رَبِّهِ قالوا إِنّا بِما أُرسِلَ بِهِ مُؤمِنونَ﴾   (الأعراف: ٧٥ )

 ﴿قالَ المَلَأُ الَّذينَ استَكبَروا مِن قَومِهِ﴾ استكبروا عن دينِ اللهِ عز وجل ﴿قالَ المَلَأُ الَّذينَ استَكبَروا مِن قَومِهِ لِلَّذينَ استُضعِفوا لِمَن آمَنَ مِنهُم﴾ قال أهلُ الكبرِ لهؤلاء المُستضعفين ﴿لِمَن آمَنَ مِنهُم﴾ منهم: هل يعودُ إلى قومِ صالح أو يعود إلى المستضعفين؟ قيلَ بهذا وقيلَ بهذ،

فإن عادَ الضميرُ﴿ مِنهُم﴾ إلى المستضعفين دلّ هذا على أنّ المستضعفين منهم من هو مؤمنٌ ومنهم من هو كافر، وإن عادَت إلى قومِ صالح فيكونَ جميعُ المستضعفين هم أهلُ الإيمان.

﴿قالَ المَلَأُ الَّذينَ استَكبَروا مِن قَومِهِ لِلَّذينَ استُضعِفوا لِمَن آمَنَ مِنهُم أَتَعلَمونَ أَنَّ صالِحًا مُرسَلٌ مِن رَبِّهِ قالوا﴾

 يعني أهلُ الكبرِ﴿ أَتَعلَمونَ﴾

 قالوا للمستضعفينَ الذين آمنوا  ﴿ أَتَعلَمونَ أَنَّ صالِحًا مُرسَلٌ مِن رَبِّهِ قالوا إِنّا بِما أُرسِلَ بِهِ مُؤمِنونَ﴾ هُنا صدعوا بالحقِ أمامَ هؤلاء ولم يقولوا إنَ صالحًا هو رسولٌ بل انتقلوا إلى ما هو أعظمُ مما يدلُ على صدقِ صالح في هذهِ الرسالة و أن الذي جاء به هو الحق ﴿ قالوا إِنّا بِما أُرسِلَ بِهِ مُؤمِنونَ﴾

 

___________________________

 

 

 

﴿قالَ الَّذينَ استَكبَروا إِنّا بِالَّذي آمَنتُم بِهِ كافِرونَ﴾   (الأعراف: ٧٦ )

 

 

 لم يقُولوا مثلَ ما قالَ أولئكَ ﴿إِنّا كَفَرنا بِما أُرسِلتُم بِهِ﴾   (إبراهيم: ٩ ) حتى لا يُقروا من أنَ تلكَ الرسالةَ حقٌ ولذا قالوا: ﴿قالَ الَّذينَ استَكبَروا إِنّا بِالَّذي آمَنتُم بِهِ كافِرونَ﴾

ولم يقولوا إنا بما آمنتم بهِ كافرون من بابِ ماذا؟ من بابِ بيان أنهم لن يُثبتوا الرسالةَ لمن؟ لصالحِ عليه السلام  ﴿قالَ الَّذينَ استَكبَروا إِنّا بِالَّذي آمَنتُم بِهِ كافِرونَ ﴾

 

___________________________

 

﴿فَعَقَرُوا النّاقَةَ وَعَتَوا عَن أَمرِ رَبِّهِم وَقالوا يا صالِحُ ائتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ المُرسَلينَ﴾   (الأعراف: ٧٧ )

 

﴿فَعَقَرُوا النّاقَةَ ﴾ لأنَ صالحًا عليهِ السلام حذرهم كما في سورةِ هود من ذلك،

﴿فَعَقَرُوا النّاقَةَ ﴾ والعقرُ هو النحرُ لأنهُ من حيثُ الأصلُ العقرُ يكونُ في القدمِ لكنهُ هُنا أُطلقَ وهو يُطلقُ في اللغةِ على النحر

 وذلك لأن من سينحر ناقة فإنه يعقرُ رِجلها حتى تكون في الأرض ثم يكونُ النحرُ ﴿فَعَقَرُوا النّاقَةَ ﴾ أي الجميعُ مع أنَ الذي عقرها واحد كما قال الله عز وجل في سورةِ القمر﴿فَنادَوا صاحِبَهُم فَتَعاطى فَعَقَرَ﴾   (القمر: ٢٩ )

  فجعل العقرُ من الجميع باعتبار أنهم تواصوا بذلك واتفقوا عليه  ﴿فَعَقَرُوا النّاقَةَ وَعَتَوا﴾ أي استكبروا ﴿وعتوا عَن أَمرِ رَبِّهِم وَقالوا يا صالِحُ ﴾ فكان حذرهم،﴿ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقياها﴾   (الشمس: ١٣  )

 وقالَ ﴿ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِربٌ وَلَكُم شِربُ يَومٍ مَعلومٍ﴾   (الشعراء: ١٥٥ )

﴿ وَقالوا يا صالِحُ ائتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ المُرسَلينَ﴾ أي بما تعدُنا من العذاب إن كُنت من المرسلين.

___________________________

 

﴿فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحوا في دارِهِم جاثِمينَ﴾   (الأعراف: ٧٨ )

 

﴿فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحوا﴾ وهي الزلزلة في الأرض وجمع اللهُ لهم مع الرجفةِ الصيحةُ كما قال عز وجل ﴿فَأَخَذَتهُمُ الصّاعِقَةُ وَهُم يَنظُرونَ﴾   (الذاريات: ٤٤ )

  إذاً صاعقةٌ ورجفة ﴿فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحوا في دارِهِم جاثِمينَ﴾ أي صرعَى موتى.

 

___________________________

 

﴿فَتَوَلّى عَنهُم وَقالَ يا قَومِ لَقَد أَبلَغتُكُم رِسالَة رَبّي وَنَصَحتُ لَكُم وَلكِن لا تُحِبّونَ النّاصِحينَ﴾   (الأعراف: ٧٩ )

 

﴿فَتَوَلّى عَنهُم ﴾أي أعرضَ عنهم بعدَ ما نزلَ العذاب وكان قد وعدهم بأنّ العذاب سينزلُ عليهم بعدَ ثلاثةِ أيام كما ذكر عز وجل في سورةِ هود فقال هُنا: ﴿فَتَوَلّى عَنهُم وَقالَ يا قَومِ لَقَد أَبلَغتُكُم رِسالَة رَبّي﴾ خاطبهم بعدَ الموتِ من باب التحقير والتبكيتُ لهم كما خاطبَ النبيُ الله ﷺ صناديدَ قُريش كما ثبت عنهُ لما أُلقوا في البئرِ من بابِ التحقيرِ والتبكيتِ لهم ﴿فَتَوَلّى عَنهُم ﴾  تولي المعرض الذي قامَ بالواجبِ تجاهَ قومهِ من أنهُ بلغّهم ونصحَ لهم ﴿وَقالَ يا قَومِ لَقَد أَبلَغتُكُم رِسالَةَ رَبّي ﴾ أفردَ الرسالةَ هُنا من بابِ الأصل، وجمعها في قصةِ نوح و في قصةِ عاد ﴿رِسَالات﴾ وبيّنا سبب الجمع هُناك،

﴿لَقَد أَبلَغتُكُم رِسالَةَ رَبّي وَنَصَحتُ لَكُم وَلكِن لا تُحِبّونَ النّاصِحينَ﴾ فأناَ من جُملةِ الناصحينَ، فأنتم لا تُحبونَ أيَ ناصحٍ فالسبب ليس هو نُصحى أنا وإنما لأنَ قُلوبكُم ميتة لم تقبلوا نصيحةَ أيَ ناصح ﴿وَلكِن لا تُحِبّونَ النّاصِحينَ ﴾

 

___________________________

 

﴿وَلوطًا إِذ قالَ لِقَومِهِ أَتَأتونَ الفاحِشَةَ ما سَبَقَكُم بِها مِن أَحَدٍ مِنَ العالَمينَ﴾   (الأعراف: ٨٠ )

 

﴿وَلوطًا إِذ قالَ لِقَومِهِ ﴾ أي: وأرسلنا لوطًا

 أو: واذكر لوطًا

 ﴿وَلوطًا﴾ ولوط في زمنِ إبراهيمَ عليهِ السلام وهـو ابن أخيهِ كما ذكر المفسرون وإبراهيم بعدَ من؟ بعدَ هود وبعدَ صالح

ولذا قال عز وجل عن إبراهيم ﴿فَآمَنَ لَهُ لوطٌ﴾   (العنكبوت: ٢٦ )

 قال هُنا: ﴿وَلوطًا إِذ قالَ لِقَومِهِ أَتَأتونَ الفاحِشَةَ ﴾ وهي فعلُ اللواط و سماها فاحشة لقُبحها لأنهاَ بلغت القبحَ في منتهاه، ﴿أَتَأتونَ الفاحِشَةَ ما سَبَقَكُم بِها مِن أَحَدٍ مِنَ العالَمينَ﴾ ليس هناك أحدٌ من العالمين مما خلقَ الله حتى في البهائمِ ما سبقكم إلى هذا الفعل الشنيع،  ولذا قال بعدها:

 

___________________________

 

﴿إِنَّكُم لَتَأتونَ الرِّجالَ شَهوَةً مِن دونِ النِّساءِ بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفونَ﴾

  (الأعراف: ٨١ )

 

 ﴿إِنَّكُم لَتَأتونَ الرِّجالَ ﴾ ولم يقُل الغلمان لأنَ الشهوةَ في الغلمانِ وفي الشبابِ أعظمُ من الرجال فيما يتعلق بمن هو منكوسُ الفطرة وإلا فكُلها لا شهوةَ بها بل بها الضرر وذكرَ الرجال من بابِ التقبيح لهؤلاء حتى إنهم لم يستعفوا من الرجال الكبار ولا ينفي أنهم كانوا يأتون الشباب لقوله تعالى: ﴿أَتَأتونَ الذُّكرانَ مِنَ العالَمينَ﴾   (الشعراء: ١٦٥ )

﴿إِنَّكُم لَتَأتونَ الرِّجالَ﴾ ولذلك قال عز وجل في سورة أخرى ﴿أَئِنَّكُم لَتَأتونَ الرِّجالَ وَتَقطَعونَ السَّبيلَ وَتَأتونَ في ناديكُمُ المُنكَر﴾   (العنكبوت: ٢٩ )

﴿إِنَّكُم لَتَأتونَ الرِّجالَ شَهوَةً مِن دونِ النِّساءِ ﴾ يدلُ هذا على أنّ فطرهم انتكست فتركوا النساء ولذا قال تعالى: ﴿وَتَذَرونَ ما خَلَقَ لَكُم رَبُّكُم مِن أَزواجِكُم بَل أَنتُم قَومٌ عادونَ﴾   (الشعراء: ١٦٦ ) وقال هنا: ﴿بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفونَ﴾ أي تجاوزوا الحدَ و أيضًا قال في سورة ِالنمل قال عز وجل: ﴿أَئِنَّكُم لَتَأتونَ الرِّجالَ شَهوَةً مِن دونِ النِّساءِ بَل أَنتُم قَومٌ تَجهَلونَ﴾   (النمل: ٥٥ )  فهم أصحابُ جهلٍ وإسراف واعتداء فقال هُنا: ﴿بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفونَ﴾

 

___________________________

 

﴿وَما كانَ جَوابَ قَومِهِ إِلّا أَن قالوا أَخرِجوهُم مِن قَريَتِكُم إِنَّهُم أُناسٌ يَتَطَهَّرونَ﴾   (الأعراف: ٨٢ )

 

﴿وَمَاَ كَانَ جَوَابَ قَومِهِ إِلّا﴾ لما أنكر عليهم ما هو جوابهم؟ ﴿وَما كانَ جَوابَ قَومِهِ إِلّا أَن قالوا أَخرِجوهُم﴾ من؟ آل لوط كما قال في الآية الأخرى: ﴿فَما كانَ جَوابَ قَومِهِ إِلّا أَن قالوا أَخرِجوا آلَ لوطٍ مِن قَريَتِكُم إِنَّهُم أُناسٌ يَتَطَهَّرونَ﴾   (النمل: ٥٦ )﴿وَما كانَ جَوابَ قَومِهِ إِلّا أَن قالوا أَخرِجوهُم مِن قَريَتِكُم إِنَّهُم أُناسٌ يَتَطَهَّرونَ﴾ سبحان الله جعلوا سببَ الإخراج هو أنهم أصحاب طُهرٍ و ذلكَ حتى تبقى المدينةَ كُلها لهم و بها الخَبَثُ كُله،

 ﴿وَما كانَ جَوابَ قَومِهِ إِلّا أَن قالوا أَخرِجوهُم مِن قَريَتِكُم إِنَّهُم أُناسٌ يَتَطَهَّرونَ ﴾

 

 

___________________________

 

﴿فَأَنجَيناهُ وَأَهلَهُ إِلَّا امرَأَتَهُ كانَت مِنَ الغابِرينَ﴾   (الأعراف: ٨٣ )

 

﴿فَأَنجَيناهُ وَأَهلَهُ إِلَّا امرَأَتَهُ ﴾ إذًا ليس هُناك من آمن بهِ إلا أهلُ بيتهِ ولذا قال عز وجل كما في سورةِ الذاريات ﴿فَما وَجَدنا فيها غَيرَ بَيتٍ مِنَ المُسلِمينَ﴾   (الذاريات: ٣٦ )

لكن هذا البيت من ضمنهِ الزوجة لكن الزوجة لم تكن على دينهِ و لذا قال تعالى: ﴿فَأَنجَيناهُ وَأَهلَهُ إِلَّا امرَأَتَهُ كانَت مِنَ الغابِرينَ﴾ أي: من الباقين في العذاب، ولذا قال تعالى: ﴿ فَأَسرِ بِأَهلِكَ بِقِطعٍ مِنَ اللَّيلِ وَلا يَلتَفِت مِنكُم أَحَدٌ إِلَّا امرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصيبُها ما أَصابَهُم ﴾   (هود: ٨١  ) فقال عز وجل هُنا: ﴿ إِلَّا امرَأَتَهُ كانَت مِنَ الغابِرينَ﴾ أي: من الباقينَ في العذابِ لأن غبرَ تكونُ بمعنى مضى وتكون بمعنى بقِيَ كما هُنا ﴿فَأَنجَيناهُ وَأَهلَهُ إِلَّا امرَأَتَهُ كانَت مِنَ الغابِرينَ ﴾

 

___________________________

 

﴿وَأَمطَرنا عَلَيهِم مَطَرًا فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُجرِمينَ﴾   (الأعراف: ٨٤ )

 فهؤلاء أصحابُ إجرام وأمطرَ اللهُ عليهم المطرَ ولذا قال عز وجل: ﴿وَلَقَد أَتَوا عَلَى القَريَةِ الَّتي أُمطِرَت مَطَرَ السَّوءِ﴾

   (الفرقان: ٤٠ )

 وقال تعالى: ﴿ جَعَلنا عالِيَها سافِلَها وَأَمطَرنا عَلَيها حِجارَةً مِن سِجّيلٍ مَنضودٍ مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظّالِمينَ بِبَعيدٍ﴾   (هود: ٨٣ ) فإنهم لما قلبوا فطرةَ اللهِ قلبَ اللهُ عز وجل عليهم ديارهم فجعلَ عاليها سافلها.

___________________________

 

﴿وَإِلى مَديَنَ أَخاهُم شُعَيبًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ قَد جاءَتكُم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُم فَأَوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ وَلا تَبخَسُوا النّاسَ أَشياءَهُم وَلا تُفسِدوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِها ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾

   (الأعراف: ٨٥ )

﴿وَإِلى مَديَنَ أَخاهُم شُعَيبًا﴾ أي: وأرسلنا إلى مدينَ أخاهم شُعيبًا والأُخوَّة سبقَ ذكرها في قصةِ عاد .

 ﴿وَإِلى مَديَنَ أَخاهُم شُعَيبًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ﴾ إذًا أمرهم بعبادة اللهِ عزّ وجل كحال الأنبياء السابقين قال عز وجل: ﴿وَإِلى مَديَنَ أَخاهُم شُعَيبًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ قَد جاءَتكُم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُم ﴾ أي: هذا بيانٌ من الله عز وجل وليس مني،

﴿ قَد جاءَتكُم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُم فَأَوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ﴾  وذلك لأنهم كانوا يبّخسّون الكيلَ والميزان،

﴿فَأَوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ وَلا تَبخَسُوا النّاس أَشياءَهُم﴾  لما أمرهم بإيفاءِ الكيل والميزان نهاهم عن بخس الناس لحقوقهم ﴿وَلا تَبخَسُوا النّاسَ أَشياءَهُم﴾ أي: لا تُنقصوا الناسَ أشياءهم فيما يتعلق بالكيل والميزان أو فيما سوى ذلك ﴿وَلا تَبخَسُوا النّاسَ أَشياءَهُم وَلا تُفسِدوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِها﴾ ومرّ معنا ذلك في أول السورة

 ﴿وَلا تُفسِدوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِها ذلِكُم خَيرٌ لَكُم﴾ أي: ذلكمُ الذي ذكرتُ لكم من هذهِ الأحكام ومن هذه الأوامر﴿ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إن كنتم مؤمنين﴾ وفي هذا حثٌ لهم على الإيمان.

 

___________________________

 

﴿وَلا تَقعُدوا بِكُلِّ صِراطٍ توعِدونَ وَتَصُدّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ مَن آمَنَ بِهِ وَتَبغونَها عِوَجًا وَاذكُروا إِذ كُنتُم قَليلًا فَكَثَّرَكُم وَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُفسِدينَ﴾   (الأعراف: ٨٦ )

﴿وَلا تَقعُدوا بِكُلِّ صِراطٍ ﴾ أي: بكُلِ طريق وذلك يدلُ على أنهم مع أنهم كُفار ويبخسّون الكيلَ والميزان هذا يدلُ على أنّهم قُطاعُ طُرق

﴿وَلا تَقعُدوا بِكُلِّ صِراطٍ ﴾ أي: بكلِ طريق  وأيضًا مع أنهم يقفونَ في طرقِ الناس لكي يأخذوا منهم حقوقهم أيضًا فإنّهم يُلقون الشُبهَ حتى يصرفوا الناسَ عن دين شعيب عليهِ السلام ولذا قال: ﴿وَلا تَقعُدوا بِكُلِّ صِراطٍ توعِدونَ﴾ أي: تُهددونَ من يمرُ في هذا الطريق ﴿توعِدونَ وَتَصُدُّون ﴾ أي: بما تُلقونهُ من الشُبهَ ﴿ وَتَصُدّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ مَن آمَنَ بِهِ وَ تَبغونَها عِوَجًا﴾ أي: تبغونَ هذه الطُرق معوجة وتبغونَ هذا الطريق طريقَ اللهِ عزّ وجلّ

﴿وَتَبغونَها عِوَجًا وَاذكُروا إِذ كُنتُم قَليلًا فَكَثَّرَكُم﴾ وهذا يدلُ على أنهم كانوا قِلة فكثّرَ اللهُ عزّ وجل عددهم ولذا يرىَ ابنُ جرير وتبِعهُ ابن كثير من أنَ قوله تعالى: ﴿وَاذكُروا إِذ كُنتُم قَليلًا﴾ من أنَ القله هُنا هي الذلة فقال هُنا: ﴿وَاذكُروا إِذ كُنتُم قَليلًا فَكَثَّرَكُم﴾ يعني: أنتم أذلاء بقلةِ العدد فكثّركم ﴿وَاذكُروا إِذ كُنتُم قَليلًا فَكَثَّرَكُم وَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُفسِدينَ﴾ حذرهم وهُنا:﴿ وَانظُروا﴾ أمرهم بأن ينظروا نظر اعتبار إلى عاقبةِ المفسدين وهذا يدلُ على أنَّ شُعيبًا أتىَ بعد لوط ولذا قالَ عز وجل كما في سورةِ هود عن شُعيب: ﴿لا يَجرِمَنَّكُم شِقاقي أَن يُصيبَكُم مِثلُ ما أَصابَ قَومَ نوحٍ أَو قَومَ هودٍ أَو قَومَ صالِحٍ وَما قَومُ لوطٍ مِنكُم بِبَعيدٍ﴾

  (هود: ٨٩  ) 

فقال هُنا: ﴿وَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُفسِدينَ﴾

 

___________________________

 

﴿وَإِن كانَ طائِفَةٌ مِنكُم آمَنوا بِالَّذي أُرسِلتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَم يُؤمِنوا فَاصبِروا حَتّى يَحكُمَ اللَّهُ بَينَنا وَهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ﴾   (الأعراف: ٨٧ )

 

﴿ وَإِن كانَ طائِفَةٌ مِنكُم آمَنوا بِالَّذي أُرسِلتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَم يُؤمِنوا فَاصبِروا﴾ أي: ليصّبرَ الفريقان  فيصبرُ أهلُ الإيمان حتى يأتي اللهُ عزّ وجل بالنصرِ ويصبرُ هؤلاء مَن كفرَ حتى يأتي اللهُ عزّ وجل لهم بالعذابِ ﴿ وَإِن كانَ طائِفَةٌ مِنكُم آمَنوا بِالَّذي أُرسِلتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَم يُؤمِنوا فَاصبِروا حَتّى يَحكُمَ اللَّهُ بَينَنا وَهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ﴾ فهو خيرُ من حكمَ ولذا هذا يتضمنُ أيضًا الحكمَ الجزائي فإن حكمهُ عزّ وجل هو حكمٌ شرعي وحكمٌ قدري وأيضًا هو حكمٌ جزائي.

 

___________________________

 

﴿قالَ المَلَأُ الَّذينَ استَكبَروا مِن قَومِهِ لَنُخرِجَنَّكَ يا شُعَيبُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَكَ مِن قَريَتِنا أَو لَتَعودُنَّ في مِلَّتِنا قالَ أَوَلَو كُنّا كارِهينَ﴾   (الأعراف: ٨٨ )

 

 ﴿قالَ المَلَأُ الَّذينَ استَكبَروا مِن قَومِهِ لَنُخرِجَنَّكَ ﴾ إذًا يخاطبون شعيبًا لأنه هو الأصل ثم القوم أتوا بعدهُ  ﴿قالَ المَلَأُ الَّذينَ استَكبَروا مِن قَومِهِ لَنُخرِجَنَّكَ يا شُعَيبُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَكَ مِن قَريَتِنا ﴾ وقالوا هنا: مِن قَريَتِنا﴿أَو لَتَعودُنَّ في مِلَّتِنا ﴾ أي: لترجعوا إلى ملتنا وهُنا إشكال وهو أنَ الخطاب موجهٌ لشُعيب في أولِ الأمر ومعهُ من آمن بهِ فهل كانَ شُعيب عليهِ السلام ممن كانَ على دينهم حتى جاءتهُ الرسالة؟ فكثيرٌ من المفسرين يقولون من أنَ شُعيبًا لم يُكن على ملتهم وإنما الجمعُ هُنا أُدخلَ معهم شعيب باعتبار التغليب؛ تغليبُ الكثرة على القلة وهو واحد،

 فقالوا: ﴿أَو لَتَعودُنَّ في مِلَّتِنا قالَ﴾ أي: شُعيب ﴿أَوَلَو كُنّا كارِهينَ ﴾ أي: أنعودُ إلى ملتكم ولو كُنا نكرهُ ذلك فإنهُ لا يِحقُ لكم أن تُلزمونا بهذا الشيء، و شيخُ الإسلام رحمهُ الله كما في مجموع الفتاوى يقول:

 ( أشكلت هذه الآية على كثير من المفسرين فظنوا أنَ شُعيبًا ليس على دينهِم، قال: والمتأملُ في هذا السياق يجد أنَ السياق يُخاطَبُ فيهِ  شُعيب من قِبلِ قومهِ وشُعيبٌ يُخاطبهم فكيف يُخرج شعيب من ذلك فيقولُ رحمهُ الله كون شُعيب عليه السلام كان على الطريقةِ الحسنةِ وكان لا يعملُ السوء وكان على دينِ قومه هذا لا يكونُ فيهِ نقصٌ عليه بأي حالٍ مِن الأحوال وإنما جَعلَ هؤلاء -وهو قوله- إنما جعل المفسرين يقولون هذا القول باعتبار قياسهم بالنبي محمد ﷺ  إذ بُغِّض إليه الأصنام فيقولُ رحمهُ الله: العبرةُ ليس بنقصُ البداية ولا يكونُ حينُها فيه نقصٌ على شعيب عليه السلام ،  قال: والذي جعلني أقولُ بهذا هو سياقُ الآيات ﴿قالَ المَلَأُ الَّذينَ استَكبَروا مِن قَومِهِ لَنُخرِجَنَّكَ يا شُعَيبُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَكَ مِن قَريَتِنا أَو لَتَعودُنَّ في مِلَّتِنا قالَ أَوَلَو كُنّا كارِهينَ﴾ فقال: السياقُ يدلُ على أنَ شُعيبًا كان معهم قال: ونظيرُ هذهِ الآية قولهِ عزّ وجل: ﴿وَقالَ الَّذينَ كَفَروا لِرُسُلِهِم لَنُخرِجَنَّكُم مِن أَرضِنا أَو لَتَعودُنَّ في مِلَّتِنا﴾   (إبراهيم: ١٣ )

 هذا هو قولُ شيخ الإسلام رحمهُ الله ثم مع قولهِ رحمهُ الله فقد وجهَ هذا التوجيه من أنهُ لا يكونُ فيهِ نقصٌ على نبيٍ من الأنبياء لكن كثيرًا من المفسرين يرىَ الرأي الآخر وبعضُ المفسرين قال قولًا وهو أن العودةَ هُنا بمعنى الصيرورة أي عادَ فلان أي صارَ فلان أي لن نصير ولا يلزم من ذلك أنهُ كانَ على ملتهم ، لكنّ الإشكال هُنا على هذا القول من أنَّ عاد بمعنى صارَ أن الخطاب موجهٌ للجميع و من بينِ هؤلاء قومُ شُعيب فإنهم كانوا على دينِ  أقوامهم فالشاهدُ من هذا من أنهُ لو قيل برأي شيخ الإسلام فشيخُ الإسلام بيّن ذلكَ ووضّحَ فلا نقصَ على شعيبٍ فيما أتىَ بهِ من الرسالة لأنهُ قبلَ أن يُؤتىَ بالرسالة لا ذنبَ عليه ولا نقصَ ولا عيب والعبرةُ كما قالَ رحمهُ الله بكمال النهاية لا بنقصِ البداية ولا يُقاسُ على النبي محمدٍ ﷺ وإن قيلَ بقول أكثر أهلِ العلم فهذا هو قولهم.

 ﴿قالَ أَوَلَو كُنّا كارِهينَ﴾

 

___________________________

 

﴿قَدِ افتَرَينا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِن عُدنا في مِلَّتِكُم بَعدَ إِذ نَجّانَا اللَّهُ مِنها وَما يَكونُ لَنا أَن نَعودَ فيها إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيءٍ عِلمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلنا رَبَّنَا افتَح بَينَنا وَبَينَ قَومِنا بِالحَقِّ وَأَنتَ خَيرُ الفاتِحينَ﴾   (الأعراف: ٨٩ )

﴿قَدِ افتَرَينا ﴾ والافتراء أشدُ الكذب دلَ هذا على أنَ الشركَ باللهِ افتراء وقد مرّ معنا في سورة النساء ﴿وَمَن يُشرِك بِاللَّهِ فَقَدِ افتَرى إِثمًا عَظيمًا﴾   (النساء: ٤٨ )

﴿قَدِ افتَرَينا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِن عُدنا في مِلَّتِكُم بَعدَ إِذ نَجّانَا اللَّهُ مِنها﴾ أيضًا هذه يقول شيخُ الإسلامِ رحمهُ الله: (هذه الكلمة تدلُ على ما ذكرهُ من أنَ شُعيبًا كان من ضمنِ المُخاطبينَ بهذه الآية) ﴿قَدِ افتَرَينا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِن عُدنا في مِلَّتِكُم بَعدَ إِذ نَجّانَا اللَّهُ مِنها وَما يَكونُ لَنا أَن نَعودَ فيها إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا ﴾ علّقَ الأمرَ بمشيئةِ الله عزّ وجل بمعنى: أنّنا كرِهنا مِلتكم وأنّ ملتكم باطله ونحنُ على الحقِ لكن لو شاء الله أن يُعيدنا إلى ملتكم أو أن نقعَ في الشركِ فهذا أمرُ الله ومشيئةُ الله وما شاء اللهِ كان وما لم يشأ لم يكن كما قال عن إبراهيم ﴿قال أَتُحاجّونّي فِي اللَّهِ وَقَد هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشرِكونَ بِهِ إِلّا أَن يَشاءَ رَبّي شَيئًا وَسِعَ رَبّي كُلَّ شَيءٍ عِلمًا ﴾   (الأنعام: ٨٠ )

 ولذا ماذا قال شعيبُ ؟ قالَ: ﴿إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيءٍ عِلمًا ﴾  فهو العالمُ بكل ِ شيء ووسعَ علمهُ كُلَ  شيء وأما نحنُ فلا حولَ لنا ولا قوةَ إلا بالله ﴿ إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيءٍ عِلمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلنا ﴾ يعني: مع ذلك فنحنُ متوكلونَ على اللهِ ومن ثم فإنَ العبدَ عليهِ أن يتوكلَ على اللهِ مع بذل الأسباب بل قال ابنُ القيم رحمهُ الله:  -وهذا أمرٌ يغفلُ عنه ُ كثيرٌ من الناس-  قال: (من أعظم أنواعِ التوكل أن يتوكل العبدُ على ربه فيما يتعلقُ بدينهِ بمعنى أنَ الإنسان يتوكلُ على اللهِ وهو يفعلُ الأسباب من الطاعاتِ ويتوكلُ على اللهِ من أجل أن يُثبتهُ على هذا الدين، من أجل مثلًا لو كان عالمًا أن ينشرَ الله علمه، أن يُظهرَ الحق على لسانهِ وما شابهَ ذلك مما يتعلقُ بأمورِ الدين لأنَ كثيرًا من الناس إذا قيلَ لهُ التوكل على الله انصبَ ذهنهُ فقط على أمورِ دنياه، قال هُنا: ﴿إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيءٍ عِلمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلنا رَبَّنَا افتَح بَينَنا وَبَينَ قَومِنا بِالحَقِّ﴾ افتح يعني: اقضِ و احكم بيننا و بين قومِنا ﴿وَأَنتَ خَيرُ الفاتِحينَ﴾أي: خيرُ من حكمَ و قضى .

 

___________________________

 

 

﴿وَقالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ لَئِنِ اتَّبَعتُم شُعَيبًا إِنَّكُم إِذًا لَخاسِرونَ﴾   (الأعراف: ٩٠ )

 

قالوا وهم أهلُ الكبر و الاستكبار إن اتبعتم شعيبًا فإن مصيركم إلى الخسارة، سُبحان الله كيف قلبوا المفاهيم والحقائق فجعلوا اتِّباع الدينِ خسارة وإنما اتباعُ الدين هو الخيرَ كله ﴿وَقالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ لَئِنِ اتَّبَعتُم شُعَيبًا إِنَّكُم إِذًا لَخاسِرونَ﴾

 

___________________________

 

﴿فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحوا في دارِهِم جاثِمينَ﴾   (الأعراف: ٩١ )

 

﴿فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحوا في دارِهِم جاثِمينَ﴾  فأخذتهمُ الرجفة وهي الزلزلة التي رجفت بهم ﴿فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحوا في دارِهِم جاثِمينَ﴾ ومرَ معنا تفسيرُها وهل قوم شعيبٌ الذين هم أهلُ مدين هل هم أصحابُ الأيكة أم لا؟ سيأتي بيانُ ذلك إن شاء الله في سورةِ الحجر بإذن اللهِ تعالى وخلاف المفسرين حولَ هذا.

﴿ فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحوا في دارِهِم جاثِمينَ ﴾ بعد هذا العذاب:

 

___________________________  

 

﴿الَّذينَ كَذَّبوا شُعَيبًا كَأَن لَم يَغنَوا فيهَا الَّذينَ كَذَّبوا شُعَيبًا كانوا هُمُ الخاسِرينَ﴾   (الأعراف: ٩٢ )

 

﴿الَّذينَ كَذَّبوا شُعَيبًا كَأَن لَم يَغنوا فيها ﴾ كأن لم يكن لهم بقاء في هذهِ الديار ولم يكن لهم حرثٌ ولا نباتٌ ولا زرعٌ ولا عَمارة وما شابهَ ذلك كأنهم لم يكونوا أبدًا بعد أن أتى عذاب الله وهي الرجفة ﴿الَّذينَ كَذَّبوا شُعَيبًا كَأَن لَم يَغنَوا فيهَا ﴾  كرر ذلك أيضًا ﴿الَّذينَ كَذَّبوا شُعَيبًا ﴾ ونصّ على التكذيب مرةً أُخرى من باب بيان أنَ هلاك هؤلاء بسبب التكذيب وأنَ من كذبَ فسيكونُ مآلهُ مآل هؤلاء،

 ﴿الَّذينَ كَذَّبوا شُعَيبًا كانوا هُمُ الخاسِرينَ ﴾

لمَ؟ لأنهم قالوا فيما ذكرَ عزّ وجل في الآياتِ السابقات ﴿وَقالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ لَئِنِ اتَّبَعتُم شُعَيبًا إِنَّكُم إِذًا لَخاسِرونَ﴾   (الأعراف: ٩٠ )

إذاً تبين خُسران  منْ هُنا؟ ﴿الَّذينَ كَذَّبوا شُعَيبًا كانوا هُمُ الخاسِرينَ﴾

 

___________________________

 

﴿فَتَوَلّى عَنهُم وَقالَ يا قَومِ لَقَد أَبلَغتُكُم رِسالاتِ رَبّي وَنَصَحتُ لَكُم فَكَيفَ آسى عَلى قَومٍ كافِرينَ﴾   (الأعراف: ٩٣ )

 

 ﴿فَتَوَلّى عَنهُم وَقالَ يا قَومِ لَقَد أَبلَغتُكُم رِسالاتِ رَبّي وَنَصَحتُ لَكُم ﴾ ومرَ تفسيرُها في قصةِ صالح عليهِ السلام في الآياتِ السابقات

﴿لقد أَبلَغتُكُم رسالات ربي ونصحت لكم فَكَيفَ آسى عَلى قَومٍ كافِرينَ ﴾ فكيف أحزنُ!! ﴿عَلى قَومٍ كافِرينَ ﴾ فأنتم كفرتم فإنهُ لامجالَ لكي أَحزنَ عليكم لأنكم أصحابُ كُفرٍ قد تعمقوا في الكفرِ.