التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأنعام من الآية (18) إلى (36) الدرس (91)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأنعام من الآية (18) إلى (36) الدرس (91)

مشاهدات: 467

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الأنعام من الآية (18) إلى (36)

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

قوله تعالى {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}هذا يدل على ماذا من أنه عز وجل قاهر لعباده فهو عز وجل قاهر إن شاء أن يعذب من يعذب بعدله إن شاء أن يرحم من يرحم بفضله وبكرمه قال هنا {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} وهو المدبر المصرف لأمور الخلق لأن الله هو القاهر فوق عباده وأيضا من أراد خيرا فليسأل الله قال تعالى {وَهُوَ الْقَاهِرُ} أي لا غيره لا غيره {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} الفوقية هنا فوقية المكان وهذا مما يدل على الطريق الذي ذكرته من أن علو الله له عشرون طريقا من بينها ذكر ماذا ذكر علو القهر قال هنا { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} ومن الطرق العشرين ذكر الفوقية منها ما ذكر هنا من أنها فوقية تتضمن القهر {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} فهي تدل على ماذا على فوقية المكان لا فوقية المكانة بعضهم يقول هذه فوقية المكانة بمعنى أنه له القدر العالي ولا أحد ينكر من لديه أدنى عقل وأدنى فطرة من أنه هو عالي القدر لكن هم يريدون بذلك أن ينفوا عن الله علو الله عز وجل إذا هنا علو المكان ولذا النبي ﷺ لما أتته الجارية فقال: (أين الله قالت في السماء قال أعتقها فإنها مؤمنة ){وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير} وهو القاهر فوق عباده هذه لو نظرت وتأملت فيها تنكر على من أورد ذلكم المورد وذلكم الظلال من أن الله حل بكل ما كان استدلالا بأول الآية التي في أول السورة قال عز وجل

{ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} الآية التي هنا تدل على ماذا على علوه عز وجل { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} ومن ثم هذا يدل على ماذا على أن من أقسام علو الله علو القهر{ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} أما ما يقال من أن الله عز وجل كلم محمد ﷺ في السماء وكلم موسى في الأرض فالله عز وجل إذا ليس في مكان وإنما كما أنه في السماء يكون في الأرض فلا مكان لله هذا زيغ وظلال لأن علو الله عز وجل لا يتنافى مع معيته قال تعالى{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ} قال{ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ}{ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ} فهو الذي عز وجل جمع بين علوه وبين معيته فلا تناقض بينهما ومر توضيح ذلك كما ذكرنا عند قوله تعالى في سورة النساء{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ }{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير}مع علوه عز وجل خبير بجميع الأمور بالبواطن وبالظواهر مع أنه في العلو وهو الحكيم عز وجل الذي يضع الأمور في مواضعها المناسبة ومن ذلك أنه عز وجل أرسل محمد ﷺ وهذا من حكمته ولذا قال في هذه السورة{ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }ولما انتقد الأغنياء من الكفار فقراء المسلمين

 قال الله عز وجل {ألَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} فهذا من حكمته عز وجل.

{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} قال قل يا محمد لهؤلاء أي شيء أتى بكلمة شيء لتفيد العموم {قُلْ} أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} أي من يشهد لي على صدق{قُلِ}أمره بأن يجيب {قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ}

 لأن هذا الجواب لا يمكن أن ينكروه {قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ} لأنه أعظم شهيد فقال عز وجل هنا {قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} ولذا ماذا قال تعالى {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} وكما قال تعالى كما مر معنا في سورة النساء {لَٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ} {قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ} ليس من عندي ولذا قال تعالى في سورة يونس{قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ} فقال هنا { قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ} أنتم { وَمَن بَلَغَ ۚ} أي من بلغه القرآن وهذا دليل على ماذا دليل على أن من بلغه دين الإسلام فإن الحجة قامت عليه بمجرد بلوغ هذا الدين له لدلالة هذه الآية ولقولة ﷺ كما في صحيح مسلم قال:(والذي نفس محمد بيده لا يسمع – علق الأمر على السماع بمجرد البلوغ وبمجرد سماع الدين تقوم الحجة قال – والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحدا من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كان من أهل النار) ولذلك النبي ﷺ لما ذكر الخوارج بمجرد ما وصل إليهم القرآن قامت عليهم الحجة ولذلك لما فهموا القرآن حسبما فهموه يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم فهمهم السقيم لم يجعله ﷺ عذرا لهم فدل هذا على أنه بمجرد ما يبلغه هذا الدين أو يسمع هذا الدين فإن الحجة قد قامت عليه قال هنا { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ } سبحان الله لما أمره عز وجل بأن يقول بأن الله شهيد بيني وبينكم فشهد الله لنبيه ﷺ بالرسالة هنا شهد محمد ﷺ لربه بالوحدانية قال {أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ} ولذا في أواخر السورة { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَٰذَا } { قُل لَّا أَشْهَدُ } فقال هنا { أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا } من باب التأكيد أيضا أمره بأن يقول { قُل} { قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ } ولا يكتفى بذلك قال { قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} وهذا يدل على ماذا يدل على أنه مع الإقرار بالتوحيد وبالإسلام لا بد من الكفر بما سوى الإسلام وهذا هو الدليل وأيضا دليل من السنة قولة ﷺ كما عند مسلم (من قال لا إله الا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم دمه وماله وحسابه على الله) فقال هنا { وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } تبرأ ﷺ من آلهتهم بعد أن أثبت الألوهية لله عز وجل وحده .

{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} هنا شهادة أيضا للنبي ﷺ ولهذا القرآن شهادة ممن من أهل الكتاب {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} وهم اليهود والنصارى {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} لما لإنه مذكور في كتبهم {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ۘ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} لكن من لم يؤمن فقد خسر نفسه سواء كان من المشركين أو من أهل الكتاب الذين لم يقروا بنبوة النبي ﷺ ولذا مر معنا في سورة البقرة {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} ولذا سبب الخسران لبعض أهل الكتب من أنهم كتموا ولذا مر معنا في سورة البقرة {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ۘ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} .

{وَمَنْ أَظْلَمُ} استفهام للنفي أي لا أحد أظلم من هؤلاء السابقين لإن أعظم الظلم الشرك بالله ولذا قال {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} يعني اعتدى على حق الله عز وجل فافترى عليه الكذب أو أنه كذب بالآيات ولو نظرنا إلى هذه السورة في أواخرها لوجدت أيضا ما يتعلق بذلك {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} أو قال أوحي إلي ولم يوحى إليه شيء ومن قال سأنزل مثلما أنزل الله سبحان الله أن السورة يفسر بعضها بعضا لمن تأمل وتمعن فقال هنا {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} مع تلك الآيات السابقات كيف يكذب العبد {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} عقوبة من ظلم عدم الفلاح فلا فوز له بالمطلوب ولا نجاة له من المرهوب.

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} أي نحشر هؤلاء الكفار ومن عبدوهم من دون الله عز وجل ولذا أكد بقوله {جَمِيعًا} {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ} هذا استفهام للتبكيت والتحقير {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} تزعمون من أنهم يأتون إليكم بالنفع ويدفعون عنكم الضر وأنهم شفعاء لكم عند الله عز وجل.

{ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ} أي حجتهم قال هنا {فِتْنَتُهُمْ} باعتبار أنهم لما افتتنوا لم يظهر من هذا الافتتان الذي هو الاختبار إلا هذه الحجة الداحضة قال {ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا} حلفوا{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} وهذا من باب ماذا من باب الحيرة التي أتتهم قال هنا {إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} .

{انظُرْ}{انظُرْ} نظر تأمل مع تعجب {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ }{ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ }بهذا القول لإن هذا القول قول باطل وتأمل قال{انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ } لما افتروا على الله الكذب وكذبوا بالآيات سبحان الله الجزاء من جنس العمل فيوم القيامة كذبوا على أنفسهم {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ} أي غاب {عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي ما كانوا يكذبون في الدنيا من نفع هذه الآلهة  لهم فأين ما يفترونه من هذه الآلهة .

{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} أي من هؤلاء الكفار من يستمع إليك لا من أجل رغبة الحصول على العلم والحق لا وإنما من باب الاستهزاء أو دفع الحق {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ}{وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أي الغلاف والغطاء بسبب إعراضهم جعل على قلوبهم أكنة كما قال تعالى {خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}{وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} أي لئلا يفقهوه لئلا يفقهوا ما يسمعون من النبي ﷺ { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}أي ثقلا وهذا بسبب اغراضهم كما قال تعالى { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } وهم قد قالوا ذلك للنبي ﷺ { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} فعاقبهم الله عز وجل {وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ} لو رأوا كل الآيات لا يؤمنون بها لما لإنهم ليسوا براغبين في الحق {وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ} وتأمل أول السورة قال عز وجل {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} قال هنا

{ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ} يا محمد { يُجَادِلُونَكَ} إذا المجيء لم يأتي من أجل الحق وإنما من أجل المجادلة{ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا } أي ما هذا { إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي مما يقوله الأولون مما سطروه من الحكايات ومن الأقوال وتأمل هنا ماذا قالوا أساطير الأولين في آيات أخرى قالوا هو سحر مبين قال تعالى عن أولئك { أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} مما يدل على أنهم متناقضون حتى في حكمهم على هذا القرآن وجميع أحكامهم باطلة فقال هنا {حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} .

{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} سبحان الله ينهون عنه ينهون غيرهم عنه وينأون عنه يعني يبتعدون عنه يعني مع أنهم لم يؤمنوا منعوا غيرهم من الإيمان وقال بعض العلماء { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ} هذا في أبي طالب ينهى عن أذية النبي ﷺ وينئ يعني يبتعد وينأون عنه يعني يبتعدون عنه يبتعد عن الإيمان بالنبي ﷺ وهذا وأن كان داخل إلا أن الأول هو الاظهر باعتبار سياق الآيات {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ} وأن بمعنى ما أي وما يهلكون إلا أنفسهم السبب ما جرى منهم من عدم الايمان وسماع القرآن لكنهم لم ينتفعوا بذلك { وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} ما يشعرون أن صنيعهم هذا هو صنيع تكون المغبة السيئة عليهم .

{وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار} { وَلَوْ تَرَىٰ } لو هنا شرطية جواب الشرط قال العلماء لم يذكر هنا من باب أن النفوس تفزع لهذا الجواب يعني ماهو هذا الجواب جواب عظيم جواب عظيم قال { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا } يدل على أنهم قد سيقوا يعني أوقفوا يعني أوقفهم غيرهم { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا } كما قال تعالى {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا} { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار}يوقفون على النار{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا} ندم { فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا} ولذلك قال { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ }لإن يوم القيامة واقع لا محالة فقال { إِذْ }من باب التذكير لهم بأن يوم القيامة واقع لا محالة وفي هذا من لطف الله ورحمته بالخلق أن ذكر لهم هذه الآيات وكأنهم يشاهدون يوم القيامة حتى يعودوا فهم ما زالوا في هذه الدنيا { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا} تمني { يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ } إلى الدنيا {وَلَا نُكَذِّبَ} نكذب فعل مضارع منصوب بعد واو المعية لإن قبلها التمني {وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} أنظر {وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} قال عز وجل في أول السورة { فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} { فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } أي ممن امن سبحان الله أنظر هنا اعترفوا بعدما كذبوا على أنفسهم في الآيات السابقات كما قال عز وجل { ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } أين الكذب الآيات هذه { يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ولذا ماذا قال بعدها {بَلْ بَدَا لَهُم} أي ظهر لهم { مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ} وهو { قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} ويدخل فيها بدا لهم أي ظهر لهم ما كانوا يخفونه في الدنيا مما كانوا يصنعونه مما يغضب الله عز وجل وبدا لهم أيضا وظهر لهم ماذا صدق النبي ﷺ { بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } لما لإنهم لم يقولوا هذا القول حبا في الدين وإنما من أجل التخلص من هذا العذاب الذي رأوه ولذا ماذا قال عز وجل {ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} .

{وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} ما هي إلا حياتنا الدنيا فقط والنهاية ليس هناك بعث وقال كثير من المفسرين إن هذه الآية متعلقة بما سبق {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} جملة اعتراضية أي { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ }لو ردوا مرة أخرى لقالوا بعد هذه الرجعة { وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} ولعله والعلم عند الله لم يذكر اللعب واللهو هنا يؤكد ما قاله جمهور المفسرين وهذا ما بدا لي ولذا لم يذكر عز وجل قولهم {نَمُوتُ وَنَحْيَا } لهذا الغرض هذا ما أستبان لي هنا لإنهم لما ردوا ما احتاجوا إلى أن يقولوا { نَمُوتُ وَنَحْيَا } لما لإنه حصل لهم موت وحياة فيما لو ردوا لكنهم لن يردوا ولذا قال تعالى { وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} .

{وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ قَالَ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ} يعني أليس هذا هو الحق الذي جاءكم في الدنيا {قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا} حلفوا {قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} بسبب كفركم وأنظر قال هنا {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ} حلفوا بالله عز وجل أيضا يحلفون بالله إذا وقفوا على النار {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا} يقولون أيضا هذا إذا عرضوا على النار فقال هنا {قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} .

{ قَدْ خَسِرَ }أي تحقق خسران هؤلاء { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} أي مباغته والساعة هنا يحتمل أيضا انها ساعة موتهم { حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} كما قال عز وجل { حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ } { لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } فقال هنا { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا } أي ينادون الحسرة ونداء الحسرة بمعنى هذا أوان الحسرة يعني أن الحسرة تتجدد عليهم وتعظم { قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا } أي ما فرطنا في هذه الطاعة في الدنيا وقال بعض العلماء {عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا} يعني على ما ضيعنا فيها يعني الصفقة والتجارة بمعنى أنها خسرت تجارتهم وصفقتهم { قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ } أي الذنوب { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ } لإن بمثابة الوزر الثقل ولذا قال بعض العلماء ليس هناك حمل وإنما هو توضيح لحالتهم التي هي مشقة عليهم والصحيح أن الذنوب تكون حقيقة كما أن الأعمال يوم القيامة توزن في الموازين أيضا الذنوب يحملها هؤلاء قال تعالى  { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} أي { أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} ساء ذم أي ذم لما يحملونه .

{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}

{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} سبحان الله لما ذكر ما يتعلق بيوم القيامة أيضا هنا بين لهؤلاء من أن هذه الدنيا ليست بدار بقاء {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} لعب اللعب وهو العمل الذي لا يقصد منه الإنسان واللهو هو ما يشغل القلب مما لا فائدة منه و أبن القم قال رحمة الله اللعب يتعلق بالجوارح واللهو يتعلق بالقلوب ولذا تجد أن اللعب عند الصغار أكثر بينما اللهو عند الكبار أكثر باعتبار أن قلوبهم مشغولة {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْر} لمن{ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} وهذا استفهام للإنكار ينكر عليهم ويتضمن الأمر بمعنى عليكم أن تعقلوا {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} فتميزون ما هو النافع لكم وما هو الضار لإن هذه الحياة زائلة {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .

{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ} يعني يا محمد {لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} قالوا فيما مضى أساطير الأولين سحر مبين وقالوا غير هذه الأقاويل { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ } ما وقع هذا من تكذيب لك ليس تكذيبا حقيقا وإلا فهم يكذبون من حيث الظاهر {َ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} يجحدون ولذا أبو جهل يقول كيف تكون النبوة لبني عبد مناف ولا تكون فينا النبوة فنحن وهما سواء فكيف نكون أتباع لبني عبد مناف فهذا من الظلم قال { وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} .

{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ} أنظر عاد مرة أخرى السياق ليبين التسلية للنبي ﷺ { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} شأنك شأن الأنبياء السابقين {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا} أي يعني فاصبر ولذا في السورة الأخرى قال تعالى {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا} أيضا مع التكذيب أوذوا {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} وهذا فيه تسلية من أن النصر قادم {وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ} لا أحد يستطيع أن يبدل كلمات الله الكلمات الكونية القدرية التي قدرها الله عز وجل ولا الكلمات الشرعية التي أمر بها عز وجل أو نهى عنها ولذا هنا يدل على أن كلمات الله عز وجل نوعان كلمات دينية شرعية كما قال عز وجل ومر معنى في سورة البقرة { وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } وأما الكلمات القدرية وسيأتي لها توضيح أكثر بإذن الله {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} { وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ } ومن كلمات الله ما قاله عز وجل {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا} {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} يعني جاءتك من أخبار المرسلين في هذا القرآن مما ذكره عز وجل لك عن حال الرسل مع قومهم {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} .

{وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ} أي شق عليك {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} يا محمد {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ} أي أن تطلب {نَفَقًا فِي الْأَرْضِ} أو السرداب في الأرض {أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ} لتصعد عليه {فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ} فافعل {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ} لو شاء الله لجمعهم على الهدى ولآمن الناس كلهم ولذلك قال تعالى في سورة أخرى {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} ولذا قال هنا { فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} { فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ } هنا فيه تحذير لمن يجهل حكمة الله عز وجل { فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ } النهي عن الجهل بحكمة الله عز وجل وبما اقتضته سنة الله عز وجل وأيضا يتضمن نهي الأمة عن هذا الأمر لذلك قال بعض العلماء أن قولة تعالى { فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ } المقصود الأمة بدليل قولة تعالى { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا } .

{ِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ} يعني يا محمد إنما يستجيب استجابة قبول من الذي يسمع سماع ماذا سماع انتفاع وهم أهل الأيمان وهم أهل الإيمان {وَالْمَوْتَىٰ} يعني الكفار هؤلاء شببهم بالموتى باعتبار أن من لا قلب له حي ومن لم يؤمن بهذا الدين فهو ميت ولو كان حيا من حيث البدن ولذا قال تعالى في أواخر السورة {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا } {وَالْمَوْتَىٰ} وقال بعض العلماء {وَالْمَوْتَىٰ} جميع الموتى ولا تعارض بينهم فالله عز وجل يبعث جميع الموتى المؤمن والكافر وأيضا الكفار موتى موتى ماذا القلوب { وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} يبعثهم الله عز وجل من قبورهم ثم بعد ذلك يكون الرجوع إلى الله عز وجل وللحديث أتمه إن شاء الله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .