بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الأعراف
من آية ١٥٢ إلى آية 166
الدرس ( 111 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
( إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ ) لما ذكر ما يتعلق بالدعوة وببراءة أخيه هارون قال (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواَ ) عاد إلى من ؟ عاد إلى من اتخذ العجل إله (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ ) سيغضب الله عز وجل عليهم وفي هذا إثبات صفة الغضب لله عز وجل مما يليق بجلاله وبعظمته (سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) . أي ذلة و هوان في الحياة الدنيا وهي مفسرة كما مر معنا في سورة البقرة ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ) فهذه الذلة في ماذا ؟ في الدنيا (وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ) أي هذا الجزاء جزاء كل من افترى وكذب وهذا يشمل الافتراء بجميع أنواعه ولذا قال ابن عيينة رحمه الله هذه الآية يدخل فيها كل مبتدع لم؟ لأنه افتراء على سنة النبيﷺ (وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّئَِّاتِ ) لما ذكر ما يتعلق بأولئك ذكر عز وجل ما يتعلق بحال من ؟ بحال هذه الأمة لأن توبة اليهود ماهي ؟ القتل لكن الآية المذكورة هنا ليس المقصود منها القتل ولذا قال (وَ ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّئَِّاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِهَا) أي من بعد فعل السيئات (وَءَامَنُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ ) خطاب للنبي صلى الله عليه و آله وسلم محمد قال (إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ ) دل هذا على أن كل من أذنب من هذه الأمة فإن باب التوبة مفتوح والتوبة لهذه الأمة ليس بها مشقة وعنت كحال اليهود الذي توبتهم تكون بالقتل قال (وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّئَِّاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِهَا وَءَامَنُوٓاْ ) وذكر الإيمان بعد ذلك مما يدل على ماذا ؟ مما يدل على أن الذنب يُنقص ماذا ؟ يُنقص الإيمان فإنه كما هو معتقد أهل السنة والجماعة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية
_ 1 _
ومن ثَّم فإن في هذا التأكيد يدل على ماذا ؟ على أنه يدع هذا الذنب ويصلح من حاله فيعمل العمل الصالح حتى يزداد إيمانهُ ولذا قال (إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ ) وانظر قال (إِنَّ رَبَّكَ ) مما يدل على ماذا ؟ مما يدل على أنه عز وجل رحيمٌ و رؤوف بعباده من أنه شرع لهم ماذا ؟ شرع لهم التوبة (إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ ) (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلۡغَضَبُ ) الساكت هُنا الغضب مع إن الذي غضب من ؟ هو موسى عليه السلام وهذا أسلوب على الصحيح ليس مجازا وهذا أسلوب من أساليب اللغة العربية وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على تمكن الغضب من موسى عليه السلام حتى ألقى الألواح وحتى جر رأس أخيه (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلۡغَضَبُ أَخَذَ ٱلۡأَلۡوَاحَۖ وَفِي نُسۡخَتِهَا ) أي فيما كُتب فيها (وَفِي نُسۡخَتِهَا هُدٗى وَرَحۡمَةٞ ) بها الهدى من الضلالة ورحمة بها الخير ورحمة من الله عز وجل (لِّلَّذِينَ هُمۡ لِرَبِّهِمۡ يَرۡهَبُونَ ) أي يخافون الله عز وجل ونص عليهم باعتبار أنهم هم المنتفعون بهذا الأمر (وَفِي نُسۡخَتِهَا هُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ هُمۡ لِرَبِّهِمۡ يَرۡهَبُونَ ) (وَٱخۡتَارَ مُوسَىٰ قَوۡمَهُۥ سَبۡعِينَ رَجُلٗا ) واختار موسى قومه: قومهُ منصوب بنزع حرف الجر أي وأختار موسى من قومه واختار أى اصطفى موسى من قومه (وَٱخۡتَارَ مُوسَىٰ قَوۡمَهُۥ سَبۡعِينَ رَجُلٗالِّمِيقَٰتِنَاۖ ) دل هذا على أنهم رجال لظاهر هذه الآية (وَٱخۡتَارَ مُوسَىٰ قَوۡمَهُۥ سَبۡعِينَ رَجُلٗا لِّمِيقَٰتِنَاۖ ) من أجل ماذا ؟ من أجل أن يعتذروا لله عز وجل من عبادة قومهم للعجل وهل هؤلاء السبعون هم ممن عبد العجل أو أنهم لم يعبدوا العجل ولكن كانوا معهم ولم ينكروا عليهم قيل بهذا وقيل بهذا لكن قوله (وَٱخۡتَارَ مُوسَىٰ قَوۡمَهُۥ سَبۡعِينَ رَجُلٗا لِّمِيقَٰتِنَاۖ ) إن كان المقصود من ذلك من إنهم فقط لم يجد إلا سبعين دل على أن الخيار في بني إسرائيل قلة وهذا هو الذي يظهر وإن كان المقصود من ذلك اختيار سبعين معينين مع أن غيرهم يكون مثلهم في الخيار محتمل هذا وعلى كل حال لا شك أن القلة في بني إسرائيل من الخيار لا شك أنها دلت عليها الأدلة كما قال عز وجل (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ) فقال هنا (وَٱخۡتَارَ مُوسَىٰ قَوۡمَهُۥ سَبۡعِينَ رَجُلٗا لِّمِيقَٰتِنَاۖ فَلَمَّآ أَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ ) وهي الزلزلة الشديدة (فَلَمَّآ أَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ ) ماسبب أخذ الرجفة لهؤلاء؟ أقوال متعددة قيل من أنهم لم يعبدوا العجل ولكن ماذا ؟ و لكن لم ينهو قومهم عن ذلك فهذا هو السبب وقيل من أنهم من ضمن من عبد العجل وقيل لأنهم طلبوا من الله أن يروه ومن ثَّم فأنه ليس هناك دليل صحيح في مثل هذا الأمر
_٢_
(فَلَمَّآ أَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ ) المهم أخذتهم الرجفة لسبب ومن ثَّم فإن قول من يقول من أن هؤلاء طلبوا من موسى أن يروا الله عياناً قال ابن عباس رضي الله
عنهما هؤلاء ليسوا أولئك المذكورين في سورة البقرة (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) فدل هذا كما قال ابن عباس رضي الله عنهما على أن هؤلاء السبعين غير أولئك السبعين المهم (فَلَمَّآ أَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ ) و بعض العلماء قال إن الرجفة لم تحصل بهم الزلزلة و إنما ارتجفت أفئدتهم من الخوف لكن الذي يظهر من أن الرجفة حصلت لهم ومن ثًّم لو كانوا أولئك الذين طلبوا رؤية الله كما في سورة البقرة لكانت الرجفة هي الصاعقة أو أن الصاعقة والرجفة حلت بهم فعلى كل حال نأخذ بظاهر الآيات (فَلَمَّآ أَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ ) أي الزلزلة الشديدة هنا قال موسى ( رَبِّ لَوۡ شِئۡتَ أَهۡلَكۡتَهُم مِّن قَبۡلُ وَإِيَّٰيَۖ ) أهلكتهم من قبل أن نأتي , وإيَاي أي و أيضاً لو شئت أن تهلكني لأهلكتني وهذا من باب ماذا ؟ من باب الاستعطاف ومن باب بيان عظمة الله عز وجل ومن باب الخضوع لله عز وجل لأنه حتى من ضمن ما قال العلماء يخشى أن تقول بنو إسرائيل من أنك ذهبت بخيارنا فقتلتهم (لَوۡ شِئۡتَ أَهۡلَكۡتَهُم مِّن قَبۡلُ وَإِيَّٰيَۖ أَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآۖ ) استعطاف وهذا يدل على ماذا ؟ من أن قوله ( أَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآۖ ) لما ؟ لأن هؤلاء لم يتخذوا ماذا ؟ الطريق الصحيح وهو طريق التوحيد فدل هذا على أن الشرك سفه قال ( أَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآۖ ) ولعل هذا والعلم عند الله يدل على رجحان أن هؤلاء ماعبدوا العجل لأنه قال ماذا ؟ ( أَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآۖ إِنۡ هِيَ إِلَّا فِتۡنَتُكَ ) أي هذا اختبار منك (تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهۡدِي مَن تَشَآءُۖ ) لك الحكمة ولك المشيئة المطلقة (أَنتَ وَلِيُّنَا ) توسل إلى الله بولاية الله عز وجل وهي الولاية الخاصة التي تقتضي الحفظ والتأييد والنصرة ومر معنا أقسام الولاية في قوله تعالى (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) كما في سورة البقرة وفي آخر سورة البقرة (أَنتَ وَلِيُّنَا ) فقال موسى هنا (أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۖ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡغَٰفِرِينَ) وانت خير من غفر لأن المخلوق يغفر قال عز وجل (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡغَٰفِرِينَ ) (وَٱكۡتُبۡ ) هذا أيضاً تبع لدعوة سابقة (۞وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ )
_ ٣ _
أي وفي الآخرة حسنة ومر معنا تفسير الحسنة في الدنيا وفي الآخرة في سورة البقرة (إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ) أي تبنا إليك وهذا توسل أيضاً توسل بالعمل الصالح يعني (۞وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ ) بسبب ماذا (إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ ) وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على التوسل بالأعمال الصالحة (إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ ) أي تبنا إليك (قَالَ عَذَابِيٓ ) أي قال الله (عَذَابِيٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُۖ ) أي من شئت أن أصيبُه بهذا العذاب جزاء عمله فإنني أصيبهُ بهذا العذاب و قومك إن آمنوا فإن رحمتي ستكون لهم كغيرهم ولذا قال بعدها (وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ ) لكن هنا تقييد لهذه الرحمة حتى لا يظن للجميع حتى لا يدخل فيها إبليس و الشياطين والكفرة (فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ ) نص على إيتاء الزكاة لم؟ لأن بني إسرائيل يمنعون ماذا ؟ يمنعون المال بل إنهم (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ) فهم أصحاب بخل (فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ ) بل قال بعض العلماء كابن كثير يدخل فيها ايضاً تزكية النفوس (فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بَِٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ ) انظر الى ماذا قال عز وجل في ما مضى من آيات (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ) فقال هنا (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) منهم هؤلاء (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ) يعني لما ذكر عز وجل ما يتعلق بواجب القيام بحقه ذكر واجب القيام بحق من ؟ بحق النبيﷺ (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ) أكد ذلك بأنه رسول وبأنه نبي وأنه أيضاً أمي لا يقرأ ولا يكتب قال تعالى (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) وفي هذا دلالة على ماذا ؟ على أنه رسول وعلى أنه عالم تعلم من غير أن يقرأ ويكتب فبهذا دليل على ماذا ؟ دليل على أن هذا القرآن إنما أتى به من الله عز وجل ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ) يجدونه مكتوباً عندهم أي هؤلاء أهل الكتاب يجدون وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التوراة والإنجيل . في الإنجيل فكما قال عيسى عليه السلام (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)
_ ٤ _
وفي التوراة جاء في صحيح البخاري عن عبدالله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قيل صف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة: قال الله إني سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، آخرما ذكر رضي الله عنه (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) صفة هذا النبي ( يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) ومر معنا بيان المعروف والمنكر في سورة آل عمران (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ) وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على أن النبي صلى الله عليه وأله وسلم كما أُمر بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فكذلك أمرً لأمته كما في سورة آل عمران (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) بل قال (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) فقال هُنا (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ) التي حرمت عليهم كما مر معنا في سورة النساء (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) وكما قال عز وجل في سورة الأنعام (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) الآية قال هنا (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ) والطيب هو ما استطاب وحسن (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) أي ما قبُح و استفحش في القُبح (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) وهذا يدل على ماذا ؟ يدل من حيث هذا الدليل وغيره من الأدلة على أن الخبائث لا يجوز أن تؤكل (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) الآصار هي الأثقال وقد يطلق الأصرعلى ماذا ؟ على العهد قال (وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ) أي عهدي قال هنا (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) قال إصرهم الأشياء الثقيلة مثل ما كانوا يُأمرون به من أن الأنسان إذا وقعت النجاسة على ثوبه أُمر بأن يقطع الثوب من موطن النجاسة (وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) بعض العلماء فسرها بأن الأغلال هي الآصار هي هي لكن الذي يظهر من أن قوله (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) من أنهما لما اجتمعا تكون الأغلال أشد هي الأثقال لكنها أشد لما؟ لأن من حمل ثقلاً هو ثقيلاً عليه لكن إذا حمل ما هو ثقيل ومن ثم غلت يداه هنا كان أشد عليه فيكون الأغلال هنا أشد باعتبار ماذا ؟ باعتبار أن كل ثقل كان على اليهود سيضعهُ صلى الله عليه وآله وسلم عنهم إن آمنوا (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ)
_ ٥ _
أي بالنبي صلى الله عليه وأله وسلم (وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ) وعزروه تطلق على النصرة ولذلك مر معنا في سورة المائدة قال عز وجل(وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أي نصرتموهم هنا ذكرت النصرة بعدها (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ ) وكلمة عزروه من الكلمات المتضادة تكون من النصرة وتكون من المنع إذاً (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ ) أي حفظوه ومنعوا عنه السوء (وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ ) وهو القرآن لأنه نور (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) كما مر معنا في سورة النساء (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الذين فازوا بالمطلوب ونجوا من المكروب (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) أمره عز وجل بأن يقول (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) ولذا قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) وقال تعالى (وَمَا أرسلناك إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت عنه ( أُعطيت مالم يعط أحدً قبلي ) قال والرسول يُبعث في قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة إلى غير ذلك من هذه الأدلة التي تدل على عموم رسالته صلى الله عليه وآله وسلم وليس كما تدعيه اليهود من أنه مبعوث إلى العرب فقط ولذا قال عز وجل هنا (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) ثم بين صفات الله عز وجل التي تدعوا الإنسان إلى أن يتخذه وحده هو الإله: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ولذا قال بعدها مما يدل على توحيد الألوهية لأن الملك يدل على توحيد الربوبية (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ما الذي بعدها ؟ (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) أي لا معبود بحق إلا هو ( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ) ذكر أيضاً ما يدل على توحيد الربوبية (يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ) كرر الأمي من باب التأكيد على أنه نبي إذ أن هذا القرآن إنما هو من الله عز وجل (وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ) لا يكفر بها كحال أولئك كما مر في الآيات السابقات (الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ ) يؤمن بكلام الله عز وجل القدرية والشرعية ومن القدرية كما مر معنا في نفس السورة (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا) والشرعية قال عز وجل (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) ( وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ ) أي اتبعوا هذا النبي لم ؟
_ ٦ _
(لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) دل هذا على أن من ابتدع في دين الله عز وجل فليس من أهل الهداية (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى) هنا بيان بماذا ؟بيان من أن موسى عليه السلام من بين قومه أمة طيبة قال ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) سبحان الله هنا جمعوا بين ماذا؟ جمعوا بين العلم وبين تبليغ العلم وبين ماذا ؟ وبين الحكم بين الناس بالعدل قال ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ) يهدون أي يهدون غيرهم من باب البيان بماذا ؟ بالحق ليس بالأهواء (يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ) أي بالحق (يَعْدِلُونَ ) أي يقومون بالعدل إذا حكموا بين الناس ولا مانع من دخول من قال من أن هذه الأمة هي التي آمنت بالنبي صلى الله عليه وأله وسلم من بني إسرائيل فلا تعارض بينهما وإن كان سياق الآية يدل على أنهم من قوم موسى (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ) هذا التقطيع الذي هو التفريق ليس من باب التوبيخ وإنما من باب تعداد النعم ليس كقوله تعالى كما سيأتي (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ) قال هنا (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا) الأسباط بمنزلة القبائل من العرب (أَسْبَاطًا أُمَمًا ) أي جماعات قطعهم الله عز وجل وفرقهم من أجل ماذا ؟ من أجل أن تعرف كل أمة مالها وما عليها ولذا قال عز وجل (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا) (أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ ) الانبجاس هنا مرت هذه الآية في سورة البقرة فقال في سورة البقرة (فَانفَجَرَتْ ) ومن هنا فإن قوله (فَانْبَجَسَتْ ) قيل هي بمعنى (فَانفَجَرَتْ ) ولكن الذي يظهر من أن كلمة (فَانْبَجَسَتْ ) يعني خرج الماء قليل ثم بعد ذلك انفجر وزاد فقال هنا (إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ ) انظر ذُكرت هذه الأشياء في آية واحدة بينما في سورة البقرة انفرد لأنه في سورة البقرة ذُكرت تلك من باب التوبيخ لبني إسرائيل هنا من باب تعداد النعم قال (وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ومر معنا تفسير ذلك في سورة البقرة وهذا بسبب ما فعلوه من هذا الظلم (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ )
_ ٧ _
مرت معنا في سورة البقرة لكن في سورة البقرة هنا حصل ماذا ؟ حصل اختلاف من حيث التقديم ومن حيث التأخير ومن بعض ما يتعلق بالحروف وليُعلم أن سورة البقرة مدنية وسورة الأعراف مكية ومن ثًّم فأنه لا تعارض بينما ذكر في سورة البقرة وفي سورة ماذا ؟ وفي سورة الأعراف كما هنا قوله هنا (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا) في سورة البقرة (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا ) قال في سورة البقرة (وَإِذْ قُلْنَا ) لأن المقصود هو التوبيخ لهؤلاء هنا تعداد نعم (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ) في سورة البقرة (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا ) هنا (اسْكُنُوا) ومعلوم أنه يتقدم السكنى ماذا ؟ الدخول ثم السكنى (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ) في سورة البقرة (فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا )أتى بحرف الفاء من باب ماذا ؟ من باب أن الأكل حال الدخول باعتبار أنها الوجبة الأولى المقدمة تكون ألذ وأكمل ويكون ذلك من باب زيادة التوبيخ لهم كما في سورة البقرة ولذا وصف ماذا ؟ وصف الأكل بأنه رغد باعتبار ماذا ؟ باعتبار اللذة الكاملة لكن هنا قال (وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ ) لأنهم إذا كانوا يأكلون وهنا سيكون الأكل معهم سيكون مستمراً فلم يأتي بالفاء , الفاء تناسب ماذا ؟ الدخول وقال هنا (وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ ) ولم يقل رغد باعتبار أن اللذة أكمل في أول وجبة تتناول قال هنا (وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ) في سورة البقرة فيها تقديم وفيها تأخير فدل هذا على أنه متى ما أتوا بما أمر به الشرع سواء كان هذا الفعل أو هذا القول أو قدموا القول على الفعل أو العكس فلا إشكال في ذلك أهم شيء ماذا ؟ من أنكم تفعلون ما أمرتم به (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ) هنا قال في سورة البقرة (خَطَايَاكُمْ ۚ) يعني دل هذا على ماذا ؟ علي إذا فعلتم ما أمرتم به فإن خطاياكم الصغيرة والكبيرة فإنها تغفر (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ) وهذا إحسان فأكد ذلك بقوله بدون الواو (سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) وهناك قال ﴿ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) كأن القول هناك لما ذكر غفران الخطايا كأنه قيل ثم ماذا ؟ قال ﴿ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) قال هنا (مِنْهُمْ ) في سورة البقرة (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) ولم يذكر منهم فدل على أن التبديل لم يحصل من الجميع وإنما حصل من البعض ولعلها لم تذكر في سورة البقرة لاعتبار ماذا ؟ السياق في سورة البقرة توبيخ قال (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ )قال( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ) هناك (فَأَنزَلْنَا ) دل هذا على ماذا ؟
_ ٨ _
على أن الإنزال أول ما ينزل يكون قليلا ثم يتكاثر فكلمة أرسلنا تدل على الكثرة (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ ) في سورة البقرة ( بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) دل هذا على أنهم جمعوا بين الظلم وبين الفسق
(وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) أسال يا محمد هؤلاء الذين في عصرك من اليهود توبيخاً لهم على ما فعله أسلافهم (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي ) وذكر المفسرون القرية قالو هي على البحر الأحمر وقال هي أيلا وعلى كل حال هذا معظم ما عليه المفسرون وقال هنا (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) أي قريبة من البحر (حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ) أي يظلمون ويتجاوزون أمر الله في يوم السبت لأنه في يوم السبت حرم عليهم ماذا ؟ حرم عليهم الصيد فابتلاهم الله عز وجل فإذا بالسمك والحوت لا يأتي إلا في يوم السبت وإذا ذهب يوم السبت فأن الأسماك لا تأتيهم قال هنا (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ) وهي الأسماك الكبيرة (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا ) أي ظاهرة وكثيرة (وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ) إذا ذهب يوم الأحد وقيل ولا مانع من ذلك من أنهم إذا عظموا السبت فإن تلك الأسماك تكون حاضرة وإذا لم يعظموه تكون ماذا ؟ غير حاضرة لكن الظاهر ما ذكرناه هو الأقرب ولا مانع من دخول هذا (وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ) أي هذا الذي ذكر هنا وهو ما جرى من ما صنع بهم في حال السمك (كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم ) أي نختبرهم (بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) بسبب فسقهم ومع ذلك ماذا صنعوا اعتدوا فإذا بهم يضعون الشباك قيل يوم الجمعة وقيل يوم السبت ويتركونها ويحفرون الحفر حتى إن الأسماك تقع فيها فإذا جاء يوم الأحد أخذوها فقالوا إنا لم نصد في يوم السبت فهذا من باب التحايل ولذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم الشحوم جملوها أي أذابوها فباعوها
وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت عنه : ( لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل )
_ ٩ _
اذاً هذه طائفة من اليهود طائفة اعتدت في يوم السبت على الصيد هناك طائفة ممن لم يعتدِ في يوم السبت (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ ) أي من هؤلاء من القرية ( لِمَ تَعِظُونَ) اذاً هناك ثلاث جماعات جماعة اعتدت في السبت وجماعتان جماعة نهت هؤلاء عن ماذا ؟ عن الصيد في يوم السبت الجماعة الأخرى الساكتة لم تنههم وإنما هي قالت وهي الساكتة لم تنههم قالت لتك الناهية (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ ) بالهلاك (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ) فهؤلاء يقولون هؤلاء ليس بأهل موعظة وخير فتركوهم (قَالُوا ) من ؟ التي تنهى أولئك الذين يصيدون في يوم السبت (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ ) أي نبرئ ذممنا حتى نعذر عند الله من أننا قمنا بواجب النهي عن المنكر (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) لعل تلك المناهي منا لهؤلاء يتقون الله عز وجل ومن ثم فإن قوله (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) انتبه حينما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر لا تقل لم يستجب لي أهم شيء أن تقوم بهذا الواجب لأن أهم شيء أن تبري ذمتك إن استجاب لك من استجاب (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الحمدلله من لم يستجب فهنا قمت بالواجب فلا يجوز لأحد أن يدع النهي عن المنكر والأمر بالمعروف بحجة أن الناس لا يستجيبون له (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) قال بعض العلماء إنما في هذه القرية طائفتان طائفة معتدية وطائفة ناهية بمعنى أن من قال (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ ) يعني أن من اعتدت في السبت تقول لمن تنهاهم تقول على سبيل التهكم لماذا تنهوننا وقد كتب الله علينا الهلاك والعذاب الشديد (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) لكن القول الأول هو الصحيح لأنه لو كان هذا القول في سياق الطائفة التي اعتدت في السبت لقال ولعلكم تتقون اذاً ثلاث طوائف في هذه القرية (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (فَلَمَّا نَسُوا) أي تركوا (مَا ذُكِّرُوا بِهِ ) أي من تعظيم أمر الله (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ) ما الذي جرى حصل عذاب لكن ماذا ؟ قال عز وجل عمً نهت (أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا ) الذين اعتدوا في السبت (بِعَذَابٍ بَئِيسٍ ) أي شديد (بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) (فَلَمَّا عَتَوْا ) أي تجاوزوا (عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ) ما الذي جرى (قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ )
_ ١٠ _
أي حقيرين وهذه الآيات تفسر ماذا ؟ ما أُجمل في سورة البقرة (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) في سورة البقرة زيادة على هنا في سورة البقرة ماذا قال؟ (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ) هنا ماذا قال ؟ (أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) الأمة الساكتة ما حالها هل نجت ام لا؟ , الذين قالوا للناهين (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ) قال بعض العلماء هلكت لأن الله عز وجل لم يذكر النجاة لهم وقال بعض العلماء بل إنهم ممن نجا لم؟ لأنهم ما قالوا هذا القول ( لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ ) يعني يقولون لا تتعبون أنفسكم مع هؤلاء فهؤلاء أصحاب كبر وغطرسة وكفر و وليسوا مع ممن صنع السوء فقالوا دل هذا على أنهم لما قالوا ذلك القول وسكت عنهم دل على أنهم نجوا، وبعض العلماء يقول نسكت ما ندري الله أعلم ومن ثم هذا يدل على ماذا ؟ يدل على خطورة السكوت عن المنكر , انظر كيف سكت الله عز وجل عن ذكر هذه الفرقة الساكتة فدل هذا على ماذا ؟ دل هذا على أن النهي عن المنكر والأمر بالمعروف من واجبات الدين .
_ ١١ _