﴿ بسم الله الرحمن الرحيـــــــم ﴾
تفسير سورة الأعراف من آية 180 إلى آخر السورة
الدرس ( 113 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} آية 180 الأعراف.
هنا فيه أمرٌ بالتوسل إلى الله ٌعز وجل بأسمائه الحسنى وبصفاته العلى وقد مر معنا من أن التوسلَ ثلاثة أنواع عند قوله تعالى في سورة آل عمران
{ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} آية 16 آل عمران.
فالتوسل المشروع ثلاثة وما عداها فليس بمشروع :
الأول : التوسل بأسماء الله وصفاته.
الثاني : التوسل بعمل صالح قام به الداعي ولذا هذا النوع مر معنا في هذه السورة قال موسى علية السلام : { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} آية 156 الأعراف.
الثالث : التوسل بدعاء الصالحين لا بذواتهم.
قال هنا : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ } الحسنى لأنها بلغت المنتهى في الحسنِ وفي الكمال ومن ثَم فإنها وهي أسماءه عز وجل حسنى تتضمن ماذا ؟ الصفات فكل اسمٍ يتضمن صفة العزيز يتضمن صفة العزة.
إذاً { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ } ما الذي بعدها { فَادْعُوهُ بِهَا } وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على أن العبد لو قال يا الله يا رحمن يا رحيم فإنها كلها أسماءٌ لله عز وجل خلافاً لحال الكفار لما سمعَ بعض الصحابة يدعوا يا رحمن يا رحيم قالوا إنه يدعوا إلاهيين فكيف يكون إلاهاً كما زعم محمد ولذا ماذا قال عز وجل ؟ قال في أواخر سورة الإسراء قال : { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ } آية 110 الإسراء.
قال هنا: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا} ومن ثَم فإن هذه الآية والعلم عند الله أتت بعد ما ذكر الله عز وجل أهل الضلال والغواية من أن العبد يتعلق قلبه بالله ويكثر من دعاء الله عز وجل ويتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وبصفاته العلى أن يثبته على هذا الدين وأن يهديه الصراط المستقيم.
{فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا } وذروا أي اتركوا والأمر هنا يراد منه التهديد الذي يكون معه العقاب { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } أي يكون منهم إلحاد في أسماء الله والإلحاد هو الميل أي يميلون بأسماء الله عز وجل عما أراد الله ويدخل في ذلك ماذا ؟ من اشتق من هذه الأسماء اسماءً للأصنام كما اشتق الكفار العزّى من العزيز واللاتّ من الإله ويدخل في ذلك الإلحاد بأن تُنكر أسماء الله عز وجل ويدخل في ذلك أن تؤوّل بل الصحيح أنهم يحرفون أن تحرف صفات الله فيقال مثلاً اليد هي النعمة ويدخل في ذلك من اختلق أسماءً لله عز وجل كما فعلت الفلاسفة من أنهم قالوا علة فاعلة إلى غير ذلك مما قالوا. فكل هذا إلحادٌ في أسماء الله وصفاته.
{ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي بسبب ما عملوا سيجزون ما كانوا يعملون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } آية 181 الأعراف.
هذه الآية جاءت آثار مرسلة من أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم قلتُ ويؤيد ذلك ما جاء عنه صلى الله علية وسلم في الصحيحين ” لاتزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله “
قال : { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } مر معنا فيما مضى من آيات عن قوم موسى ماذا قال عز وجل ؟
{ وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } آية 159 الأعراف.
كما أن صفات هؤلاء في قوم موسى أيضاً في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال هنا وممن خلقنا هي معطوفة على أول الآيات
{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ } آية 179 الأعراف.
أيضاً وقد خلقنا أمة مستقيمة على الحق وهي أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وممن خلقنا أمة أي جماعة يهدون بالحق وبه يعدلون ومر تفسيرها عند قوله تعالى: { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } آية 159 الأعراف.
{ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ } آية 182 سورة الأعراف.
سبحان الله السياق فيما مضى من آيات التكذيب { سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } آية 177 الأعراف.
وحال من انسلخ من آيات الله عز وجل قال هنا: { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ } يعني لو أن بقائهم في الدنيا طال ولم يأتيهم العذاب سنستدرجهم مأخوذ من التدريج من التدرج سنستدرجهم من حيث لا يعلمون بمعنى من أننا نوسع لهم لكنه استدراج ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت عنه ” إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته “
{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } آية 102 هود.
قال: ( سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ) فكلما ازدادوا ذنبا كلما زادهم الله ماذا ؟ ترفاً ونعيماً حتى يستأصلهم، ولذا مر معنا في قوله عز وجل في سورة الأنعام { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } آية 44 الأنعام.
ولذا ثبت عنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم ” إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا وهو مقيم على معاصيه فاعلم بأنه استدراج ثم قرأ هذه الآية
{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } أي من الخيرات
{ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ } ولذا ماذا قال بعدها ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } آية 183 الأعراف.
وأملي لهم أي أعطيهم مهلة في الزمن الطويل فالأملاء هو الزمن الطويل ولذا يسمي أهل اللغة يسمون الليل والنهار بالمَلوان { وَأُمْلِي لَهُمْ } فهذا من الإملاء { وَأُمْلِي لَهُمْ } ما الذي بعدها ؟ { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } أي شديد وكيد الله عز وجل صفه من صفاته عز وجل لكنها لا تثبت مطلقة وإنما مقيدة فهو يكيد بمن يكيد بأوليائه وبشرعه ولذا قال عز وجل
{ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا } آية 15 – 16 الطارق.
قال هنا { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ } آية 184 الأعراف.
استفهام توبيخي { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ } يعني هل فكرت نفوسهم أن صاحبهم وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليس به جنون.
إذاً تكون الجملة ما بصاحبهم من جنة تكون في محل نصب لقوله
{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا } ويصح أن تقف { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا } أي أكذبوا ولم يتفكروا ثم أتى النفي { مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ } أو تكون ما استفهامية يعني هل صاحبكم به جنة والنفي هو أقرب { مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ } وقال ما بصاحبهم وهو صاحب لهم يعرفونه قبل الرسالة فأين عقولكم إذا لم تتبعوا هذا الرسول النبي الأمي فأين عقولكم ولذا ماذا قال عز وجل هنا :
{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ } أي من جنون لأن قريشاً قالت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه مجنون.
{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي ما هو إن بمعنى ( ما ) إن هو أي ما هو إلا نذيرٌ مبين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) آية 185 الأعراف.
أي أكذبوا ولم ينظروا يعني أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض (الواو) و( التاء) هنا زائدة من باب ماذا ؟ من باب التأكيد والمبالغة
{ أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أولم ينظروا في ملك السموات والأرض ما خلق الله عز وجل في هذه السموات وما خلق الله عز وجل في هذه الأرض { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } آية 57 غافر.
{ أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ } أي أولم ينظروا إلى ما خلق الله من شيء يعني يجب عليكم أن تنظروا إلى كل شيءٍ خلقه الله ففيه العبرة فلا تقتصر بالنظر وهو نظر التدبر والتأمل والتمعن الذي يعقبه القبول والاستجابة أيضاً تفكروا في كل شيء حتى فيما يكون في البر من حشرات و أشجار ونحو ذلك، قال هنا :
{ أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } أيضاً أولم يتفكروا في قرب أجل موتهم حتى يستعدوا لما بعد الموت فيحسنوا من حالهم ولذا قال { وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } استفهام انكاري وبه التوبيخ بأي حديث وهو القرآن بأي حديث بعده يؤمنون إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن ولم يؤمنوا بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو صاحبهم فأين سُبل الهداية لهؤلاء فأنهم لن يؤمنوا إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن وبهذا النبي ولذا ماذا قال بعدها مبيناً أن الأمر كله بيد الله قال { مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال { مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } آية 186 الأعراف.
ولذا قال الله تعالى { وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا } آية 17 الكهف.
من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم أي ويتركهم وإضلاله عز وجل حسب مشيئته لأن هؤلاء في طغيان بسبب ذنوبهم عاقبهم الله عز وجل فلذا قال هنا ويذرهم أي ويتركهم في طغيانهم أي في طغيان هؤلاء والطغيان مر معنا وهو التجاوز في الحد بمعنى انهم تجاوزوا الحد في الذنوب وفي الإسراف في الكفر وما شابه ذلك { وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } أي يترددون حيارى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } آية 187 الأعراف.
سواءً قيل أنهم كفار قريش أو اليهود { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ) أيان بمعنى ( متى ) أي متى وقتها أيان مرساها أي متى ترسوا أي متى وقتها أيان مرسها قل يا محمد إنما علمها عند ربي هو المستأثر بعلمها ولذا قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } آية 34 لقمان.
ولذا ماذا قال تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا* فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا* إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا* إِنَّمَا أَنتَ } يا محمد { مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } آية 42 – 43 – 44-45 النازعات.
فقال هنا قل إنما علمها عند ربي لا يجليها أي لا يظهرها لا يجليها لوقتها إلا هو لكن جعل لها أشراطا ؟ نعم لها أشراط صغرى وكبرى ومحلها في الدروس التي بيناها ولنا حديثٌ عن العلامات الصغرى والعلامات الكبرى قال هنا : { لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي خفي علمها على أهل السموات والأرض وما كان خفياً على الإنسان فإنه يكون ثقيلا ويدخل في ذلك قول من يقول ثقلت في السموات والأرض يعني إذا أتت ما الذي يحدث للسماء { إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ } آية 1 الانفطار .
وماذا يحصل للأرض { وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ } آية 3 الانشقاق.
إذاً تتأثر السموات والأرض { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً } أي انها تباغتكم على حين غِرة ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت عنه ” لتقوم الساعة وإن الرجلين ليتبايعنِ الثوب فلا يطويانه ولا ينشرانه “
قال هنا : { لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ } أعاد ذلك الفعل مرة أخرى يسألونك كأنك دل هذا على أنهم ماذا ؟ على أنهم حريصون على سؤال مجيء يوم القيامة ولم يحرصوا على ماذا ؟ على الاستعداد لها ولذا قال تعالى
{ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ } آية 18 الشورى.
فقال هنا : { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } يعني كأنك أحففت وبالغت السؤال عنها حتى صار لديك علمٌ بها كأنك حفيٌ عنها { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا } بأداة الحصر{ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } إذ سألوا مثل هذه الأسئلة ولم يستعدوا إلى ماذا ؟ إلى هذا اليوم العظيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } آية 188 الأعراف.
قل يا محمد لهؤلاء { قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } أي إذا شاء الله عز وجل ذلك فالأمر كله بيده والتدبير تدبيره فليس لي مشيئة إلا بما شاء الله عز وجل فقال هنا : { قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } فإذا كان لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فكيف يُستغاثُ به صلى الله عليه وآله وسلم! كيف يُدعى وكيف يُدعى بعد موته! وكيف يُستغاثُ به!
فقال هنا : { قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ } ولو كنت اعلم الغيب ( الغيب ) هو ما غاب عن الخلق ولذا قال هنا ولو كنت اعلم الغيب مما يدلُ على أن الغيب علمه عند الله والساعة من ماذا ؟ من علم الغيب إلا ما أطلعه الله على شيء من الغيب { فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } آية 26-27 الجن.
{ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ } ويدخل في ذلك ماذا ؟ الغيب بما سيكون له مما سيحصل له من ضر أو نفع ولذا ماذا قال بعدها ؟ { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } لاستكثرت من الخير أي يعني فيما يتعلق بربح تجارة أو ما شابه ذلك أو كذلك فيما يتعلق بنصر على الأعداء { وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } أي لتركت مواطن الضرر ومواطن الهزيمة وما مسني فيما وقع له صلى الله عليه وآله وسلم ابتلاءً وامتحاناً وإلا فالعاقبة له عليه الصلاة والسلام ولذا قال تعالى : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا } آية 1-2 النصر.
فقال هنا : { وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا } أي ما أنا { إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } قال هنا لقوم يؤمنون لأنهم هم المنتفعون بماذا ؟ بالتنذير الذي هو التخويف وبالبشارة التي هي الترغيب { إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } آية 189 الأعراف.
هل هذه الآية في آدم عليه السلام أم أن الآية في بني آدم وهنا بعض العلماء قال هي في آدم وجاء حديثٌ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو حديث سمُره رواه عنه الحسن من أن الشيطان أتى آدم وحواء فقال لهما سمياه عبد الحارث وإلا فعلتُ وفعلتُ فخشيا من ذلك فسمياه عبد الحارث فوقع الشرك من آدم وحواء على قول بعض أهل العلم، لكن هذا بينتُ من وجوه شتى من أن آدم عليه السلام ليس مقصوداً بهذا وما جاء من حديث سمُرة من أنه قال هذا القول عليه الصلاة والسلام فقد رواه سمُرة موقوفاً على نفسه من رواه؟ رواه الحسن، الحسن يرى بغير هذا القول لأنه لو كان ثابتاً لرآه الحسن لكن الحسن يقول هذا في بني آدم من اليهود ومن النصارى وما شابههم.
إذاً هذه الآية وقع الشرك من بني آدم وليس من آدم ولو كان واقعاً من آدم فإنه لم تُذكر له توبة وأيضاً الأنبياء معصومون من الشرك بالله عز وجل فتكون الآية في سياق بني آدم وتأمل هنا : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } خلقكم أنتم يا بني آدم من ماذا؟ من آدم من نفس واحدة { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } فدل هذا على أن الزوجة سُكنى ولذا قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } آية 21 الروم.
وليس الغرض فقط هو القضاء الجنسي فيما يتعلق بالزواج هذا مقصود ولا شك في ذلك لكن لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضُ للبصر وأحصنُ للفرج ” لكن لا يُقصر على هذا الأمر بل فيه سكن فيه مودة فيه رحمة كما ذكر عز وجل هنا : { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } كل هذا السياق في بني آدم { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } أي جامعها غطاها { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } آية 187 البقرة.
{ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ } في أول أطوار الحمل تمشي وتذهب وتقعد الحامل فمرت به تمر به دون ثقل حتى ماذا ؟ حتى بقي في الرحم إلى هذه الأطوار المتعددة { فَلَمَّا أَثْقَلَت } بهذا الحمل { دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا } أي من حيثُ البدن { لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } لنقوم بشكرك وهذا يدلُ على ماذا ؟ يدل على أن الولد إذا خرج من بطن اُمه وهو سليم فهي نعمةٌ من الله ولذا عائشة رضي الله عنها إذا أُخبرت بأن المرأة وضعت فتقول رضي الله عنها أخلقٌ سويّ ؟ فإذا قيل لها نعم خلقٌ سويّ قالت الحمد لله ، لا تسأل أهو أذكر أم أنثى فإذا أعطاك الله مولوداً وهو تام الخِلقة فهذه نعمة من الله عز وجل ولذا قال هنا :
{ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } ووجود الجنين بعد ولادته وهو سليم نعمة تستوجب الشكر فقال هنا : { لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } آية 190 الأعراف.
فلما آتاهما أي أعطاهما صالحا أي من حيث الخِلقة { جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا } أي وقعا في شرك التسمية فماذا قال تعالى : { فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ولم يقل يُشريكان فدل هذا على ماذا ؟ على أن المقصود من ؟ ذرية آدم فتعالى الله عما يشركون ومر معنا كلمة تعالى وما يتعلق بها فيما يتعلق بصفة العلو لله عز وجل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) آية 191 الأعراف.
لما ذكر ما يتعلق بالشرك ذكر البراهين التي تدل على بطلان الشرك
{ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا } أي لا يستطيع أن يخلق شيئاً ولو اجتمعوا ولذا قال عز وجل :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ } آية 73 الحج.
قال هنا : { أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أي فكيف تكون هذه الآلهة آلهة وهي مخلوقة { وَهُمْ يُخْلَقُونَ }.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } آية 192 الأعراف.
أي هذه الآلهة لا يستطيعون نصر من عبدوهم ولا انفسهم ينصرون أي لا يدفعون عن انفسهم أي تلك الآلهة لا تدفع عن نفسها الضر إذا أُريد بها الضر فكيف تعبد من دون الله عز وجل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمْ ۚ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ } آية 193 الأعراف.
وإن تدعوهم إلى الهدى أي إلى ما ينفعهم من ما هو هدى لا يتبعوكم لما ؟ لأنهم أصنام لا يستطيعون ماذا ؟ الإتباع فلا يستطيعون أن يُسايروكم
{ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمْ ۚ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ } يعني يستوي في ذلك ماذا ؟ سواءٌ نطقتم أو صمتم فإنهم لن يتبعوكم لما ؟ لأنها جمادات ولذا قال عز وجل { سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ} وهذا أصح من قول من يقول إن المقصود من ذلك هم الكفار إذا دعوت هؤلاء الكفار فإنهم لن ينتفعوا بالموعظة سواءٌ دعوتموهم أم تركتموهم لكن السياق يدل على أن المقصود هي الأصنام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } آية 194 الأعراف.
يعني من تدعونهم إنما هم عبادٌ أمثالكم أي مسخرون مذللون منقادون لله عز وجل { فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } فادعوهم بجلب نفع أو بدفع ضر فانظروا هل يستجيبون لكم إن كنتم صادقين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ } آية 195 الأعراف.
هنا من باب التبكيت والتحقير لهم كيف تعبدون اصناماً وأحجاراً أنتم اكمل منهم من حيث الخِلقة { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا } أي يأخذون بها ويتناولون بها الشيء { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ } أي ادعوا هؤلاء الذين هم شركائكم وادعوا كل شريك جعلتموه مع الله شريكا فليأتوا إلي بالضر إن كانوا قادرين ولذا كأنهم ماذا ؟ كأنهم توعدوه بأن تصيبه الآلهة وهذا المقصود منه محمد صلى الله عليه وآله وسلم كأن كفار قريش توعدوه أن تصيبهم ماذا ؟ أن تصيبه الآلهة كحال ماذا ؟ كحال هود { إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ } آية 54 هود.
وكما قال ابراهيم عليه السلام : { قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا } آية 80 الأنعام.
فقال هنا : { قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ } أي فلا تمهلون ولذا ماذا قال بعدها ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} آية 196 الأعراف.
أي تولاني الولاية الخاصة تقتضي النصرة والتأييد والحفظ والرعاية { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ } وذكر ماذا ؟ ما يُنكرونه الذي نزل الكتاب أي القرآن.
{ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} سبحان الله بين أن الله عز وجل ولي كل صالح فدل هذا على مزية من صلح فإن من صلح فإن الله يتولاه ولذا قال { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } آية 197 الأعراف.
ومر معنا توضيحها فيما مضى وكررت من باب التأكيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا ۖ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } آية 198 الأعراف.
هناك { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمْ ۚ } أيضاً لو دعوتموهم إلى الهدى فإنهم لن يسمعوا لكم ولذا قال { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا ۖ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } أي من باب المقابلة كأن حالهم من أن هذه الأصنام تنظر إليهم لكن لا نظر بها لأنها جمادات ولذا كأنها في مقابلة شيءٍ بشيء فمقابلتها لكم كأنها في حالة المبصر لكنها لا تنظر ولذا قال :
{ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا ۖ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ }.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } آية 199 الأعراف.
يعني حال هؤلاء الكفار اللذين عارضوك يا محمد عليك بماذا ؟ عليك أن تأخذ بهذه الآية وهذه الآية كما قال العلماء قاعدة في الأخلاق خذ العفو أي خذ ما هو سهل وما تيسر من الناس من قول أو عمل وقد يكون أيضاً من باب الزيادة كما قال عز وجل { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } فقال هنا : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } خذ العفو حتى من أقرب الناس إليك حتى من أبنائك حتى من زوجتك خذ المتيسر كما يقول العامة خذ المتيسر ودع المتعسر { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } أي بالمعروف الذي عُرف حُسنه و أمر بالعرف إذا أمرت بالعرف سيأتي من هو جاهل { وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } أي من جهل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } آية 200 الأعراف.
أي متى ما أصابتك و( إما ) و( إن ) هنا شرطية معها ما الزائدة كما مر معنا مرارا { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ } أي وإن تصبك من الشيطان وسوسة أي وسوسة { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } فاستعذ بالله هنا جواب ماذا ؟ جواب إن الشرطية أين جواب الأمر الذي هو فاستعذ محذوف دل عليه السياق فاستعذ بالله يدفعه عنك { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } ومن ثم فإن بعضا من الناس يقول إذا تثائب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم استدلالاً بهذه الآية وقد اختلف المعاصرون حول هذا هل يقول هذا أو لا ؟ والذي يظهر لي من أنه لا يقول ذلك لأن التثاؤب خارج إرادة الإنسان لكن هذا ماذا ؟ هذا من نزغ الشيطان من وسوسة الشيطان ومن ثم فإن الإنسان إذا تثائب فلا يقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وإذا كان سميعا عليما فسيدفع عنك هذه الوسوسة وفي هذا اثبات اسمي السميع والعليم.
لو قال قائل هذه الآية لها نظيرٌ في قوله عز وجل { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } آية 36 فصلت.
قال هنا : { إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} لماذا ؟ قال ابن القيم رحمه الله ” لأن الآية التي في سورة فصلت ما الذي قبلها { فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } هذا أمر شاق فجاء التأكيد { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } أتى بكلمة ( هو ) وبكلمة ( أل ) لكن لما كان في سورة الأعراف من أن المقصود الإعراض عن الجاهلين وهذا أيسر من السابق ماذا قال؟ { إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } آية 201 الأعراف.
انظر إلى حال المتقين إذا اتتهم وسوسة الشيطان { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ } قال طائف وصفه بأنه طائف لأنه يطوف عليهم ولكنه لا يستمر لأن معهم ماذا ؟ تأييد من الله لأنهم لما اتقوا الله أعانهم الله { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا } تذكروا وعيد الله و خافوا من الله { تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } يبصرون حقيقة هذا الأمر من أنه وسوسة ويبصرون ماذا ؟ عظمة الله عز وجل فلا يستمرون على هذا الذنب وهذا يدل على أن المتقين مهما كان متقياً فإنه لا يسلم من ماذا ؟ من وسوسة الشيطان ومن نزغ الشيطان { تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ }.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } آية 202 الأعراف.
أي إخوان الإنس من الشياطين يمدونهم أي يزيدونهم في الغي يزينون لهم فالشياطين يزينون للأنس فعل الذنوب ولذا ماذا قال تعالى :
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا } آية 83 مريم.
ثم ماذا قال بعدها { ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } أي أن هؤلاء الشياطين لا يكفون عن إغواء بني آدم وبنو آدم لا يكفون عن قبول ماذا ؟ وسوسة الشياطين ثم لا يقصرون سبحان الله تأمل هذه آيات في آخر السورة في أول السورة الله عز وجل حذر بني آدم من الشياطين قال عز وجل :
{ اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ } آية 3 الأعراف.
وبعدها بآيات قال : { إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } آية 27 الأعراف.
وقال تعالى : { إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } آية 30 الأعراف.
سبحان الله ما أعظم هذا القرآن { ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ }.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي ۚ هَٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } آية 203 الأعراف.
إذا لم تأتهم بآية مما اقترحوها عليك من الآيات كما قال تعالى عن هؤلاء {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} آية 37 الأنعام.
أو آية من آيات القرآن كما ذكر عز وجل { قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ } آية 15 يونس.
وإذا لم تأتهم بآية على حسب أهوائهم { قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا } هلا اجتبيتها أنت يا محمد من تلقاء نفسك.
{ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ } وحصر ذلك { إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي ۚ هَٰذَا بَصَائِرُ } يعني بدل ما تطلبون الآيات الله عز وجل أعطاكم أعظم آية وهي القرآن ولذا قال عز وجل : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } آية 51 العنكبوت.
فقال هنا : { هَٰذَا بَصَائِرُ } أي هذا القرآن بصائر يعني به البصائر يُبصر الإنسان به الخير من الشر والهدى من الضلالة { هَٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ } ليس مني وهدى من الضلالة ورحمة به الرحمة في الدنيا وفي الآخرة
{ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } لمن آمن أما من لم يؤمن كحالكم فإنه لا يكون كذلك بالنسبة إليكم { هَٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } سبحان الله هذه آخر السورة في أول السورة لما ذكر ما يتعلق بالقرآن
{ المص* كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } آية 1-2 الأعراف.
بيّن هنا ماذا ؟ شرف هذا القرآن وشرف من اتبعه { هَٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ثم بيّن ماذا ؟ الآداب إذا استمع الإنسان للقرآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } آية 204 الأعراف.
فاستمعوا له وانصتوا الإنصات هو الاستماع لكن لما اجتمعا فاستمعوا له أي احضروا قلوبكم وعقولكم وانصتوا أي كفو عن اللغو وكفو جوارحكم أيضا ففيه ماذا ؟ فيه تهيئة من حيث الاسماع والقلوب والجوارح وهذا معارضة لقول الكفار لأن الكفار ماذا قالوا ؟
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } آية 26 فصلت.
فلما قالوا والغَوا فيه لعل قوله وانصتوا من باب هذا الأمر{ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا } إذاً إذا سُمع القرآن يكون الإنسان منصتا بقلبه وبسمعه وألا يتحرك بجوارحه كثيرا { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } إذاً سبيل إلى الرحمة من استمع إلى القرآن فإنه وسيلة إلى الرحمة ولاشك لأنه هو رحمة في الآية التي قبلها { هَٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }
{ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وهذا الإنصات هل يكون فقط في الصلاة ؟ أو يكون داخل الصلاة وخارج الصلاة ؟ بعض العلماء يقول لو أنه لم يستمع إلى قراءة من يقرأ خارج الصلاة فلا إشكال في ذلك لأن الآية خاصة بالصلاة وقيل خاصة بالخطبة خطبة الجمعة وخطبة الأضحى والفطر وقيل يجب الاستماع لكل داعي يدعو إلى الخير لكن الذي يظهر من أنها خاصةٌ بالقرآن داخل الصلاة وخارج الصلاة فمتى ما قُرئ فيستمع ويُنصت إلى القرآن داخل الصلاة وخارج الصلاة إلا في الصلاة يُستثنى قراءة الفاتحة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا على القول الصحيح ” لعلكم تقرؤون خلف إمامكم ؟ قالوا نعم يا رسول الله قال لا تفعلوا إلا بأم الكتاب ” { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ } آية 205 الأعراف.
واذكر ربك في نفسك تضرعاً أي من باب التذلل والخضوع { وَخِيفَةً } أي من الخوف { وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } أي أُمر بماذا ؟ بأن يُذكر الله عز وجل في الغدو والأصال الغدو أول النهار والأصال آخر النهار من بعد العصر إلى غروب الشمس هذه الأصال.
{ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ } وليس المقصود في نفسك أي في قلبك دون أن تحرك لسانك وشفتيك لا لأن الإنسان إذا ذكر الله بقلبه ولم يحرك لسانه وشفتيه لا يكون له أجر هذا الذكر بل لابد أن يحرك لسانه وشفتيه ولا يلزم أن يُسمع غيره ولا يلزم أن يُسمع نفسه أهم شيء أن يحرك لسانه وشفتيه لأنه قال هنا لما أمر واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفةً ودون ماذا ؟ قال ودون الجهر مما يدل على ماذا ؟ على أنه ليس بصوتٍ رفيع { وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ }
{ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا } هذا أيضاً من آداب الدعاء تضرع وخوف ولا يكون صوتاً عاليا ولذا مر معنا في نفس السورة ماذا قال عز وجل : {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } آية 55 الأعراف.
فقال هنا : { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ } دل هذا على من ترك الذكر يصيبه ما يصبه من الغفلة على حسب تركه للذكر { وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ } ومعلوم من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قالت عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم ” كان يذكر الله على كل أحيانه ” فهذا توجيه للأمة.
{ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } قال ابن كثير رحمه الله قال ابن جرير هذا الأمر بالذكر عند قراءة القرآن فيتعجب ابن كثير فيقول كيف يقول هذا القول ولم يسبقه أحد لأن القرآن إذا قرئ مأمور الإنسان حينها أن يُنصت وأن يسمع فكيف إذا قرئ القرآن يذكر الله على مثل هذا الحال فيقول هذا مخالف { وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ }.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ۩ } آية 206 الأعراف.
إن اللذين عند ربك من ؟ الملائكة وهذا من باب التأسي لأن هؤلاء عليهم أن يتأسوا بالملائكة اللذين يذكرون الله ثم أيضاً إن لم تذكروا الله فهناك عباد لله يذكرون الله { إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } وقال عند ربك من باب القُرب
{ إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ } أي ينزهونه عز وجل عما لا يليق به وله يسجدون فيخضعون لله عز وجل وهذه آية سجدة وسيأتي معنا إن شاء الله تعالى بيان لحكم السجدة في سورٍ آتية بإذن الله تعالى وبحمد الله عز وجل تم تفسير سورة الأعراف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ