التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأنفال من الآية (55) إلى نهاية السورة الدرس (117)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأنفال من الآية (55) إلى نهاية السورة الدرس (117)

مشاهدات: 587

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الأنفال من آية رقم 55 حتى آخر السورة

الشيخ زيد البحري حفظه الله

قال تعالى :

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) ومرت هذه الآية في أول السورة (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ). أيضًا كما أن أولئك هم صم وبكم ولا يعقلون، أيضًا شر الدواب من؟ (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا). دل هذا على ماذا؟ دل هذا على أن كل من كفر بأي نوعٍ من أنواع الكفر فإنه من شر الدواب (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ). دل هذا على ماذا؟ على أنهم انغرقوا وانغمسوا في الكفر فلا سبيل إلى أن يكونوا مؤمنين. (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). (الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عهْدَهُمْ) (الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ) هذا بيانٌ لهذا النوع (الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ). قال بعض العلماء هم بنو قُريظة وليُعلم أن بني قُريظة حصل منهم نقض للعهد ولا مانع من أن يكون عاماً لكل من تشبه بحال بني قُريظة (الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) يعني ما في مرة من المرات وفوا بالعهود. (وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ) أي أنهم لا يتقون الله عز وجل في كل شيء ومن ذلك في نقض العهود ولذا قال عز وجل عن اليهود قال (فَبِمَا نَقْضِهِم) كما مر معنا (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ. وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ( ۖ فقال هنا (الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ). (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ) أي تدرك هؤلاء في الحرب (فَشَرِّدْ بِهِم) التشريد هو التفريق بقوة ، والباء هنا للسببية بهم فشرد بسببهم (فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُم) أي غيرهم من الكفار ككفار قريش إذا نكلت بهؤلاء يكون ذلك عبرة لغيرهم )فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي يذكرون عقوبة من نقض العهد حتى لا يكونوا مثلهم  وتأمل كما  مر معنا في قولة تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ) إعلاء كلمة الله ،الجهاد في سبيل الله ومقاتلة الأعداء من أجل ألا ينتشر الكفر والشرك وحتى لا يقف الطغاة والظلمة في طريق الحق وحتى تكون كلمة الله هي العليا وأيضًا هذا التشريد ليس من أجل أن يقتل هؤلاء لذات القتل لا ولذلك ماذا قال في ختام الآية فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ) لمَ (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) لعلهم يذكرون. (وَإِمَّا تَخَافَنَّ) أي وإما تخافن الخوف هنا بمعنى العلم. (وَإِمَّا تَخَافَنَّ) أي تعلمن (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ) أي فاطرح عليهم عهدهم على سواء حتى يعلموا فإذا كان بينك وبين قومٍ عهدٌ فإنك لا تنقض هذا العهد بل تستمر عليه بل تستمر عليه كما قال تعالى (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) هنا إذا كان بينك وبين قومٍ عهد لكن ظهرت الأمارات والعلامات أنهم سينقضون العهد فهنا إذا ظهرت تلك الأمارات ووضحت هنا لا تقاتلهم مباشرة بل أخبرهم من أن العهد الذي بينك وبينهم قد انتهى. بحيث ماذا؟ يكونون على استعداد لمقاتلتك. ما أعظم هذا الدين، فهو دين الصدق، ودين العدل وليس بدين الخيانة. ولذا قال هنا (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ) التعليل (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ). فهو يحب ماذا؟ يحب أهل العدل وأهل الصدق ولا يحب أهل الخيانة وأهل الغدر. (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا (ۚ أي لا يحسبن الذين كفروا إذا حصلت لهم نجاة من القتل والأسر في الدنيا من أنهم سيفوتون الله سبقوا أي من أنهم سيفوتون الله وسيفلتون من عذابه لا. (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا (ۚ ولذلك قال (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ). لمَ؟ لأن الله عز وجل على كل شيءٍ قدير. وهم في قبضته عز وجل (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ). (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) هنا أمر أهل الإسلام بأن يستعدوا بالقوة للأعداء مع أن الله عز وجل قادرٌ على أن ينصرهم من غير أسباب لكن كما قال عز وجل (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ) وأيضًا كما ذكر عز وجل في نفس السورة الله عز وجل نصر نبيه صلى الله عليه واله وسلم من أسباب ذلك تلك الحفنة )وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رمى) مع أنها حفنة يسيرة فدل هذا على ماذا؟ على أن الإنسان مهما كان لا بد أن يتخذ ماذا؟ القوة وأن يستعد بكل ما أوتي من قوة في إعداد قوةٍ عظيمة من أجل ماذا؟ من أجل أن يخافه أعداء الدين. (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) القوة هنا فسرها النبي صلى الله عليه واله وسلم بأنها الرمي ولكن ليُعلم أن الرمي لا شك أنه من القوة حتى في هذا العصر فالرمي بالأسلحة هو يعتبر رميا. لكن (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) يدخل فيه كل ما فيه قوة لأهل الإسلام من جميع أنواع الأسلحة حتى الحصون حتى الحصون (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) لكن أعظم هذه القوة هي الرمي، كما قال صلى الله عليه واله وسلم (الحج عرفة) وليس عرفة والحج وحده، ولكن من أعظم ما يكون في القوة هو الرمي (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ) ذكر الخيل هنا لأن رباط الخيل يدل على ماذا؟ يدل على شرف الخيل، ولعظم نفعها. ولذلك مع أن الخيل من وسائل القوة لكنها أُفردت هنا لأن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال كما ثبت عنه (الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة). (وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ) أي تخوفون به عدو الله (وَعَدُوَّكُمْ). هذا أيضًا يؤكد ماذا؟ يؤكد أن الترهيب هنا والتخويف لا لغرض سفك الدماء وزهق الأرواح وإنما من أجل ماذا؟ (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) من أجل ماذا؟ أن تدفعوا الطغاة والظلمة عن طريق الإسلام. عن طريق دين الإسلام حتى لا يكون هؤلاء متطاولين على دين الإسلام. فخلص من ذلك مما مر معنا في هذه الآيات (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ(من أنه يقاتل هؤلاء يقاتل هؤلاء من أجل ماذا؟ من أجل أن لا ينتشر الفساد والشرك الفتنة، وأيضًا لتعلو كلمة الله، وليعلو دين الله، وأيضًا من باب ماذا؟ من باب أن يتذكر الكفار الآخرون الذين لم يحصل معهم ومع المسلمين قتال ما جرى للآخرين(فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) حتى يعودوا إلى الإسلام. وأيضًا حتى يُحمى الإسلام من ماذا؟ من هؤلاء الأعداء. وألا يقفوا في طريق دين الله عز وجل. ولذا قال (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) ولو كان المقصود من ذلك سفك الدم وزهق الأرواح والتخريب لما قال النبي صلى الله عليه واله وسلم لا تقتلوا وليدا ونهاهم عن قتل النساء دل هذا على أنه لما نهى عن قتل الأطفال وعن قتل النساء اللواتي لا يشاركن في الحرب ونهى عن تمثيل الكافر بجدع أطرافه، وأيضًا قبل الجزية ممن أراد أن يبقى على دينه يدل هذا على ماذا؟ يدل على أن المقصود ليس هو الاعتداء على الآخرين، ولذلك مر معنا في سورة البقرة (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ) أي وترهبون آخرين من دونهم. (لَاتَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) أنتم لا تعلمونهم. هل هم فارس والروم؟ هل هم بنو قريظة؟ قيل بهذا وقيل لا، لإن هؤلاء هم ظاهرون وواضحون. ولذا لعل الأقرب قول من يقل هم المنافقون، الذين يندسون في صفوف أهل الإسلام فإنهم إذا رأوا قوة أهل الإسلام فإنهم فإنهم يُبكتون ويستحسرون ولا يخرجون أنفسهم لكن إذا رأوا بالمسلمين ضعف فإنهم يتحينون الفرص من أجل الاعتداء على أهل الإسلام. ولذا قال عز وجل مما يدل على أن المقصود من ذلك فيما يظهر هم أهل النفاق ويدخل في

 هؤلاء أيضًا من يكون خفياً عن أهل الإسلام. قال تعالى (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) (وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ

وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ) أي شيء وهنا لما ذكر الجهاد ذكر ما يتعلق بماذا؟ بالإنفاق بإنفاق المال في الجهاد. (وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُم) أي وفاءً تام (وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) فلكم جزاء أعمالكم.

(وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) أي وإن مال هؤلاء وهل هذه الآية مخصوصة بقوم معينين؟ الصحيح أنها عامة لكل كافرٍ أراد الصلح وكان في هذا الصلح مصلحة لأهل الإسلام كما جرى بين النبي صلى الله

 عليه واله وسلم والكفار في صلح الحديبية إذا كان هذا الصلح فيه خيرٌ لأهل الإسلام فإن هذا يكون شاملاً لأي كافر ويكون لكل زمن (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ) أي مالو للسلم أي للصلح )وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) أي إذا كان فيه مصلحة هذا الصلح فاصطلح معهم، لكن قد يرتاب أهل الإسلام من أن هؤلاء يريدون الصلح من أجل أن يعودوا إلى أهل الإسلام فيغدروا بهم. فقال عز وجل مبيناً ماذا؟ أنه يجنح إلى الصلح وأمره بالتوكل (فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) فهو ناصرك إن خدعك هؤلاء. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فهو عز وجل. السميع لأقوالكم والعليم بأحوالكم. (وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ) (وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ) بهذا الصلح (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ) أي فإن الله عز وجل كافيك. فاصطلح معهم إذا كانت هناك مصلحةٌ لأهل الإسلام في هذا الصلح. (وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ) دل هذا على أن التأييد لا يكون إلا من الله وحده (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) أيدك بالنصر وأيدك بالمؤمنين. دل هذا على أنه لما قال (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِه)ِ أي نصرٌ من الله عز وجل من حيث لا تحتسب، وأما قوله (وَبِالْمُؤْمِنِينَ) أي جعلهم سبباً جعلهم الله عز وجل سبباً في النصرة بمعنى أنه أيدك بهؤلاء لكونهم سببا فتأييد الله عز وجل لك يا محمد هو نصرٌ من الله من حيث لا تحتسب أو تأييد بالمؤمنين

 (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) وهم الأوس والخزرج وما جرى بينهم من شحناء وبغضاء. كما قال عز وجل (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) قال هنا  (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا )أي من الأموال والكنوز (مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) إنه عزيزٌ قوي وغالب لا ينال بسوء. ومن قوته عز وجل أنه جعل قلوب هؤلاء متآلفة متحابة بعد أن كانت متحاربة بينها الشحناء فهو حكيمٌ عز وجل حكيمٌ في أقواله وفي أفعاله. (إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وهذا يدل على ماذا؟ في قوله تعالى (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) من أن الأمة الإسلامية لا يمكن أن تجتمع أبدا لا على مال، ولا على قومية، ولا على عروبة ،ولا على لواءات ، ولا على حزبيات ،لا يمكن أن يجتمع أهل الإسلام إلا عن طريق هذا الدين(لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي يا أيها النبي الله كافيك وكافي المؤمنين. وهذا هو القول الصحيح في هذه الآية، أما القول الأخر الذي يقول إن الله كافيك، وأيضًا إن المؤمنين هم كافيك فإن هذا قولٌ ترده الأدلة ومنها (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ). أفرد ماذا؟ الله عز وجل بالحسب. (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) لما ذكر الإيتاء ذكر الله والرسول لكن في الحسب ذكر الله، إذاً (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فالله كافيك وكافي المؤمنين. وكما قال تعالى وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ( ۚ أما القول الأخر كيف يكون أهل الإيمان يكفون النبي صلى الله عليه واله وسلم وهم أقل منه منزلة وهم أقل منه منزلة وهو أرفع منهم منزلة عليه الصلاة والسلام. ولو قال قائل إن قوله تعالى هنا (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) تكررت لأن الآيات السابقات ذكرت (وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ) الحسب الأول الذي ذكره هو كافيك إن أرادوا أن يخدعوك لكن هنا في هذه الآية الله كافيك في جميع الأحوال(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) يعني حث المؤمنين (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ) وصفهم بالصبر إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) فهم لا يفهمون وهذا يدل على ماذا؟ على أن أهل الإسلام أُمروا أن يقابلوا عشرة أضعاف من يقابلهم من الأعداء لأن المئة مقابل الألف هي عبارة عن عشرة. إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) ولو قال قائل، قال هنا ) إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا) معلومٌ أن العشرين في مقابل المئتين عبارة عن عشرة أضعاف كذلك المئة مع الألف. هنا ذكرت والعلم عند الله من باب بيان ماذا؟ من باب بيان أنه سواءٌ كنتم قلة أو كثرة من حيث إن العدو هو يضعف عليكم بعشرة أضعاف فإن الله عز وجل ناصركم لأنه ربما يغلب عشرون مئتين لكن قد لا يغلب من مئة قد لا يغلب ألفا. فبين عز وجل أنهم متى ما صبروا فإنهم سينصرهم الله على عدوهم ولو كان عشرة أضعافهم. (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ) هنا هذه الآية قال بعض العلماء ليست منسوخة باعتبار ماذا؟ باعتبار أنهم لو صبروا مقابل عشرة أضعاف لنصرهم الله. لكن الله خفف عنهم كما خفف عن المسافر فأباح له الفطر وأباح له قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين لكن جمهور المفسرين يرون أن هذه الآية ناسخة للآية السابقة. فاذا كان المسلمون مقابل عشرة أضعافهم فلهم أن يتركوا المعركة لكن إن كانوا ضعفيهم فقط. بمعنى الضعفين فإنه لا يجوز لهم ذلك. ولذلك قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما من فر من ثلاثة فما فر ومن فر من اثنين فقد فر فقال هنا  (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ) ومما يقوي رأي الجمهور من أن كلمة الآن تدل على ماذا؟ على النسخ. ولذا مر معنا في سورة البقرة. قال عز وجل (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) الآية. قال هنا (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا). فيكم من الضعف ما فيكم. (فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ) ولم يقل في الألف هنا الصبر. لأن الآية ختمت أيضًا بالصبر. (وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ) لكن (بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ( معهم بحفظه وبنصره وبتأييده. قال هنا (وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) ما كان لنبي ولم يقل ما كان لك حتى لا يكون العتاب موجهاً للنبي صلى الله عليه واله وسلم وإنما للعموم ما كان لنبي ولذلك كان حال الأسرى في غزوة بدر النبي صلى الله عليه واله وسلم استشار الصحابة فقال أبو بكر رضي الله عنه خذ من هؤلاء الأسرى الفداء لنتقوى به على الأعداء ولعل الله أن يمن عليهم بالهداية. فاستشير عمر رضي الله عنه فقال لا بل يقتل هؤلاء فتمكننا من هؤلاء حتى نضرب رقابهم فمكن علياً من عقيل ومكن حمزة من العبّاس ومكّني من فلان وهو نسيب له حتّى اضرب عنقه فالنّبي صلّى الله عليه واله وسلّم مال إلى رأي أبي بكر ولم يمل إلى رأيي فأنزل الله عز وجل هذه الآية وما ورد من حديثٍ من أن من أن عبد الله ابن رواحة قال بل يا رسول الله هذا الوادي أظلم به نارا ثم أرميهم في هذا الوادي النار وقال صلى الله عليه واله وسلم إنما مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام (وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). وكمثل عيسى عليه السلام (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وأما مثلك يا عمر كمثل نوح (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) وكمثل موسى (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) لكنه وهو في مسند الإمام أحمد لكنه حديثٌ منقطع لا يصح إذاً قصة الأسرى أختار النبي صلى الله عليه واله وسلم رأي أبي بكر رضي الله عنه. فنزلت هذه الآية عتاباً للنبي صلى الله عليه واله وسلم. (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) حتى يثخن يعني يبالغ في الأرض أي بقتل هؤلاء لمَ؟ لأنها أول غزوة فإنهم إذا قتل هؤلاء صارت عبرةً للكفار الآخرين حتى لا يقدموا لهذا السبب قال عز وجل (حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا) العرض هو الذي يعرض ثم يزول (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا) وهو الفداء والمالوَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) أي يريد لكم الثواب الذي يكون في الاخرة (وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فهو عزيزٌ عز وجل. عز فجعلكم غالبين لهؤلاء وهو حكيمٌ عز وجل لما عاتبكم إذ اخذتم المال ولم تثخنوا القتل في هؤلاء. فقال عز وجل هنا (لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ) يقول (لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ) لولا كتاب حكم مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ من أن الغنائم حلالٌ لكم يا أهل بدر وأن الله عز وجل لن يعذبكم لكان ما كان في هذه الآية (لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) أي فيما أخذتم من هذا المال، وقال عذابٌ عظيم. ثم بعد ذلك ماذا قال 🙁فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا) هنا من باب ماذا؟ من باب تطمين الصحابة رضي الله عنهم من أن أخذ هذا الفداء قد عفى الله عز وجل عنه. ولذا وصف بأنه حلالٌ طيب من باب التأكيد على أنه حلالٌ طيب فلا يكن في أنفسكم حرج من أخذه (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا) ولكن (وَاتَّقُوا اللَّهَ) في جميع أحوالكم (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) بمن أذنب وعاد وتاب فإنه غفورٌ رحيم. (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ) من الأسرى العباس رضي الله عنه أُسر. فقال يا رسول الله إني أكتم إيماني، فقال صلى الله عليه واله وسلم: لا بد أن تفدي نفسك ففدى نفسه رضي الله عنه. فقال عز وجل العباس وهي العبرة بعموم الآية لا بخصوص السبب. فهي شاملة لكل أسير. (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم) مما يدل على أنهم في قبضتهم لأنه قال في أيديكم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا) فهذا علمٌ يترتب عليه الجزاء والحساب وإلا فهو عالم عز وجل في الأجل (إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا) وفي قلوبكم إيمان فإن الله سيعوضكم ما بذلتموه أنتم أيها الأسرى إن كنتم تقولون نحن مؤمنون لكننا كتمنا الإيمان فإن هذا الفداء سيعوضكم الله إن كانت قلوبكم بها الخير والإيمان. (إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ) سبحان الله يؤتكم خيراً مما أُخذ منكم، وزيادة على ذلك (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) أي يغفر لكم ما سلف من ذنوب (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وتأمل هنا قال (إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا). دل هذا على أن القلب متى ما علم الله من قلب الإنسان أنه محبٌ للخير وأن به الخير والصلاح فإن الله عز وجل يوفقه ويسدده ويعينه ويتولاه ويحفظه، ولذلك ماذا قال عز وجل؟ فعلم لما ذكر ما يتعلق كما سيأتي معنا ما يتعلق بصلح الحديبية وما جرى للصحابة (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) فقال هنا (وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). (وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ) إن يُرِيدوا خِيانتك في هذا الأمر إذ زعموا من أنهم قد آمنوا وهم لم يؤمنوا وإنما دفعوا ما دفعوا من الفداء وأرادوا أن تسنح لهم فرصة حتى يعودوا إليك وأن يحاربوك. (وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) فقد خانوا الله من قبل من قبل غزوة بدر (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) أمكن منهم بأن سلط الله عليهم أهل الإسلام بالقتل وبالأسر. فقال عز وجل هنا. (وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) لم يقل فخانهم، ولذا صفة الخيانة لا يوصف بها الله عز وجل لا على سبيل الإطلاق، ولا على سبيل القيد. ولذا قول بعض الناس الله يخون اللي يخونك بالعبارة العامية الله يخون اللي يخونك هذا غلط الله عز وجل ليس له صفة الخيانة فتنبه. ولذا قال (وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) عالمٌ بكل شيء. وحكيم في أقواله وفي أفعاله عز وجل. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لما ذكر عز وجل في هذه السورة حال هؤلاء الكفار بين هنا في هذه الآية والتي بعدها بين أحوال أهل الإيمان وذكر أنهم أربعة أصناف. فقال عز وجل هنا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا) قدم الهجرة لأنها بعد الإيمان ثم بعد الهجرة حصل ما حصل من جهاد قال هنا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وقدم الأموال باعتبار ماذا؟ باعتبار نفعها باعتبار نفعها في الجهاد في سبيل الله. ولأنها محبوبةٌ إلى النفوس فقال هنا (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي لإعلاء كلمة الله. وهذا هو الصنف الأول وهو صنف المهاجرين. ثم قال بعدها (وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) ذكر هنا الصنف الثاني وهم الأنصار الذين آووا من؟ المهاجرين وفتحوا لهم قلوبهم وديارهم ونصروهم. ولذا كما قال عز وجل في أول السورة وكما سبق مرارا ليتأمل المسلم أول السورة. وفي ثناياها وفي آخرها فإنه عز وجل قال (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ) فقال هنا (وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) من حيث ماذا؟ من حيث النصرة ومن حيث التوارث ومن حيث الجوار قال هنا (أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ) (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا). هذا هو الصنف الثالث. (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ) أي ليس لهم ولاية فيما يتعلق بالإرث. وكذلك فيما يتعلق بالنصرة، بمعنى أن بقاءهم في ديار الكفر مع إيمانهم لا تنتظرون منهم نصرةً. قال هنا (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ). وأيضًا لا تنصروهم فيما لو كان بينهم وبين قوم بينكم وبينهم عهد لا تنصروهم على هؤلاء كما قال بعدها قال هنا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا) فإن هاجروا حصل ما حصل من النصرة المطلقة من النصرة المطلقة لأن قوله (مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ) أي من التوارث والنصرة المطلقة لأن نصرتهم مقيدة كما سيأتي بعد ذلك. قال هنا (مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا) (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ) هذا هو القيد (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ). بمعنى أن هؤلاء إذا استنصروكم وطلبوا منكم أن تنصروهم فلكم ذلك شريطة ألا يكون استنصارهم على قومٍ أولئك القوم بينكم وبينهم عهد فلتقدموا هذا العهد فقال عز وجل (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) لأنهم إخوةٌ لكم في الدين (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) أي عليكم أن تنصروهم فعليكم النصر إلا على قومٍ بينكم وبينهم ميثاقا. (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فهو عز وجل. بصيرٌ بأعمالكم. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ). لما ذكر الولاية المتعلقة بين المؤمنين ذكر أيضًا من أن هؤلاء الكفار بينهم ولاية ومحبة ونصرة عليكم إذا كنتم أنتم هم الأعداء لهم وقد مر معنا في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) تفصيل ذلك مفصلا وشافيا بإذن الله تعالى. فقال هنا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) أي فيما بينهم. فإذا كان الكفار هم أولياء فيما بينهم، إذا يجب عليكم أن تكونوا أولياء أيها المؤمنون فيما بينكم. (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) أي إلا تفعلوه ماذا؟ إلا تفعلوه وهو موالاة بعضكم لبعض وأيضًا عدم موالاة هؤلاء الكفار لأن موالاة هؤلاء الكفار لا تجوز (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) ما الذي يجري (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ) والفتنة هنا الشرك وظهوره لأنه عز وجل قال في ثنايا السورة كما مر معنا (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) إذا لم يحصل منكم ولاية لأهل الإسلام وبغض لهؤلاء فان الكفر ينتشر ويعظم (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ). أيضًا لا يترتب على ذلك فشوء الشرك فقط، وإنما يحصل فسادٌ كبير بجميع أنواع الفساد. ثم قال بعد ذلك (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) لما ذكر في أول الآيات ما يتعلق بهؤلاء من حيث ماذا؟ من حيث الولاية ذكر هنا ما يتعلق بحكم هؤلاء من أنهم هم المؤمنون حقا الذين رسخ الإيمان في قلوبهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) لما حكم لهم بالإيمان أيضًا حكم لهم بماذا؟ بما يكون لهم يوم القيامة لهم مغفرة أي من ذنوبهم وهذا هو زوال المكروه (لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) والرزق الكريم هو ثواب الله عز وجل. ولا شك أن رزقه عز وجل كريمٌ في يوم القيامة لأهل الإيمان وهذا هو حصول المطلوب. ولذا مر معنا في أول السورة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) فذكر هنا ما يتعلق في أول السورة بمن؟ بأهل الإيمان الذين إذا تليت عليهم الآيات فكانت هذه الصفات صفاتٍ لهم وذكر هنا ما يتعلق بالمهاجرين وبالأنصار وما بينهم من ولاية وحكمهم في الدنيا وحكمهم في الآخرة وذكر ما يتعلق بولاية الكفار بين هذه الأقسام من أجل أن يحث أهل الإيمان على أن يتولوا أهل الإيمان وأن يدعوا ولاية أهل الكفر. ثم ذكر القسم الرابع (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا) من بعد قيل من بعد بدر، وقيل من بعد صلح الحديبية، وقيل من بعد نزول هذه الآية. المهم أن من آمن بعد هؤلاء واتصف بصفاتهم فإنه يكون له نظير ما لهم الا أنهم هم أعلى درجة منهم لأن الله عز وجل قال (لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ). فقال هنا (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَٰئِكَ مِنكُمْ ۚ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ (أولو الأرحام هنا بينت من أن الإرث إنما يكون لذوي الأرحام وأن التوارث الحاصل بين المهاجرين وبين الأنصار من حيث التحالف والإرث فإن الإرث قد نُسخ فإن الإرث قد نُسخ. ومر معنا في سورة النساء من أن الحليف يورث ماذا؟ السدس ولذا قال عز وجل كما مر معنا في سورة النساء (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ۚ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) ونصيب هؤلاء في آية النساء هو ماذا؟ النصرة هو النصرة. فقال عز وجل في سورة النساء فيما يتعلق بالنصيب قال (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) والنصيب في سورة النساء كما مر معنا هو النصرة هو النصرة. ولا يكون ذلك فيما يتعلق بالإرث حتى لا تكون الآية منسوخة وإنما هو بيانٌ لحق هؤلاء الذين حصل بينهم تحالف من أن الآية تدل على ماذا؟ تدل على النصرة. قال هنا (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) ( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ( فهم أولى من حيث ما كتب الله وحكم الله في كتابه وماحكم في شرعه من أنهم أولى من الأباعد من حيث الإرث وأولو الأرحام عند الفرضيين هم الذين لا يرثون بفرضٍ أو تعصيب بمعنى أنهم ليسوا بأصحاب فرض وليسوا بأصحاب تعصيب ومر معنا الحديث عن ذلك في سورة النساء في آيات المواريث. قال هنا (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ (فإذا لم يوجد للميت من يرثه بفرضٍ أو تعصيب فإن الإرث يتحول إلى ذوي الأرحام كما بينا ذلك في سورة النساء (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فهو عليمٌ بكل شيء وعليمٌ بما يصلح لكم من هذه الأحكام فحكم بها عز وجل. وبهذا ينتهي الحديث عن تفسير سورة الأنفال.