بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الأنعام من الآية (٣٧) إلى (٥١)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
وكنا قد توقفنا عند قول الله عز وجل : {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رّبهِۚ} وقالوا يعني الكفار اقترحوا أن تنزل عليه آية كما أنزلت على الأنبياء السابقين ، وقد قال عز وجل {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهۗ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} وقال تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} فقال هًنا عن هؤلاء فقالوا لولا نزل عليه آيات من ربه قل يا محمد لهؤلاء إن الله قادر على أن ينزل آية فهو لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض ولكن أكثرهم لا يعلمون، لا يعلمون مغبة الكفر بهذه الآية إذا نزلت فأن الله عز وجل إذا أنزل مثل هذه الآيات فإنهم إن لم يؤمنوا سيعاقبهم الله عز وجل، كما قال تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} ولكن أكثرهم لا يعلمون أيضاً لا يعلمون أن الهداية بيد الله عز وجل ولذا قال عز وجل عن هؤلاء كما سيأتي معنا قال عز وجل : {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} وقال الذين كفروا لولا نزل عليه آية من ربه {قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } ، وأيضاً هم لا يعلمون أن أعظم آية أنزلت عليهم هو هذا القرآن ، ولذا قال تعالى: { أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَ ذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم } بين هنا عز وجل بعدما ذكر اقتراح هؤلاء من الآيات بين عز وجل من أنه عز وجل عالم بكل ما يجري في هذه الأرض وما يدب عليها وما يطير في السماء قال: { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } ومعلوم أن الطائر يطير بجناحيه لكن ذكر الجناحين إما باعتبار التأمل والتفكر ، من أن هذا الطائر من آيات الله عز وجل الغريبة العجيبة التي تقوي الإيمان وايضاً باعتبار ماذا ؟ باعتبار أن الإنسان يطلقُ ويوصفُ بأنهٌ طائر يقال طار فُلان فلما أتى ذكرُ الجناحين دل على أن المقصود هو ماذا هو الطائرُ المعروف ، { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ } فدل هنا على أن أي دابة تدب في الأرض و أن أي طير يطير في السماء ويقلب جناحيه في السماء فإن الله عز وجل قد أحاط به علما {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} أي هؤلاء أمم لها شؤونها ولها ما يخصها فيما يدبره الله عز وجل لها من أرزاقها ومن أحوالها ومن حاجاتها وما يكون بينها فالنحل أمة والذباب أمة والغراب أمة وهكذا سائر ما يكون من هذه الدواب ومن هذه الطيور إلا أمم أمثالكم ، ما فرطنا في الكتاب من شيء ما ضاع وما غاب شيء في هذا الكتاب ، وهذا الكتاب قيل هو القران ، لقوله تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} وقيل هو الوح المحفوظ ولا تعارض بينهما ، لكن القول بأنه هو اللوح المحفوظ لاشك أنه يشمل ماذا؟ يشمل القران ، لمَ ؟ لان الله عز وجل قال: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ (20) } قال هنا {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } ، {َّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} أي كل هؤلاء من الدواب ومن الطيور وما يتعلق بهؤلاء فإنهم يحشرون إلى ربهم ، ولذا ذكر هنا اسم الرب لأنه المدبر ، الخالق ، المتصرف ، في شؤون هذه الدواب وفي شؤون خلقه {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} وحشر هذه الطيور وهذه الدواب ، قبل هو موتها ، فبمجرد أنها تموت هذا هو حشرها ، والصحيح أنها تحشر يوم القيامة وتبعث يوم القيامة { وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } حتى قال صلى الله عليه واله وسلم: كما ثبت عنه حتى يقاد الشاة الجلحاء من الشاة القرناء ، ثم إلى ربهم يحشرون { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } هؤلاء مهما أتتهم هذه الآيات فإنهم أصحاب تكذيب للآيات ، فأن هؤلاء قد انغرقوا في الضلال { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ } أي عن الحق { وَبُكْمٌ } عن التكلم بالحق { صُمٌّ وَبُكْمٌ } في ماذا؟ في الظلمات ، في ظلمات الكفر ، في ظلمات الشبه ، في ظلمات الجهل ، وهذا يقرر ما ذكرناه في أول السورة من أن قوله تعالى { وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } أن الظلمات يقصد منها الظلمات الحسية والمعنوية ، ولذا ذكر في هذه السورة ما يؤكد ما رجحناه هنا { مَن يَشَأ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهنا قال: { مَن يَشَأ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } فليس معنى هذا من أن العبد مجبور على فعله، كلا فله مشيئة ولذا فإن مشيئته تابعه لمشيئة الله ، ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فالله عز وجل جعل للعبد مشيئة وجعل له اختيار ، لكن تلك المشيئة لا تكون إلا بمشيئةِ منه عز وجل {مَن يَشَأ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} قال: {مَن يَشَأ اللَّهُ يُضْلِلْهُ} أضاف هنا ونسب هنا الضلالة على أنها بمشيئة الله عز وجل ، ومعلوم كما هو مقرر من أن الله عز وجل هو خالق الخير والشر ، الله خالق كل شيء ، لكنه عز وجل لا يخلق الشر لذات الشر وإنما يخلق الشر لمنافع ولمصالح أخرى ، لكن هنا قال: {مَن يَشَأ اللَّهُ يُضْلِلْهُ} ومعلوم أن الشر لا ينسب إلى الله تأدبا مع أنه هو الذي خلقه ، ولذا في صحيح مسلم قال صلى الله عليه واله وسلم: {والشر ليس إليه} لكن لماذا صرح هنا باعتبار ماذا؟ باعتبار أن المدبر وأن الهادي وأن الموفق هو الله عز وجل ، كما بين الله عز وجل في الآيات السابقات {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} صرح هنا باسمه عز وجل قال: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ } كما سيأتي معنا أيضاً { فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ } صرح هنا ولم يكتف بنسبة الخير إليه فقط باعتبار أنه لا يمكن أن يحصل أي شيء في هذا الكون الا بتقدير من الله، فالأصل أن الشر لا ينسب إلى الله تأدباً مع الله، مع أن الله هو الذي خلقه فإذا نسب إليه ، دل هذا على ماذا؟ دل هذا على عظيم قدرة الله وأن به تحدياً لأولئك الضالين ، ولذا قال عز وجل: { قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } ،{ مَن يَشَأ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} الصراط الذي لا اعوجاج فيه وذلكم الصراط بين في قولة تعالى: كما مر معنا في سورة النساء {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فأولئك مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} وهو صراط الذين أنعم الله عليهم ولذا قال في سورة الفاتحة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}،{مَن يَشَأ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم} قل يا محمد وكما أسلفت لكم هنا الأمر منه عز وجل للنبي صلى الله عليه واله وسلم من كلمة قل تكرر كثير من باب أن النبي صلى الله عليه واله وسلم يحادث هؤلاء وانه رسول من عند الله وأن هذا البيان إنما جاء من عند الله عز وجل ، {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} ، {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} وتتضمن ماذا ؟ تتضمن الإخبار ، {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} والكاف هنا للتأكيد ، {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} هنا بين من أن الله عز وجل إن اتاهم بعذاب منه فإنهم لا يستطيعون أن يردوه ولا أن يكشفوه ، وإن اتتهم الساعة فلن يستطيعوا أن يردوها ، ولذا قال تعالى {أزفت الآزفة * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ } ، {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} ، {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} حال الضر ، الجواب: فأنهم لا يدعون الا الله عز وجل ، فأنهم لا يدعون إلا الله عز وجل لكشف ما أصابهم من ضر ، وهذا يعيدنا إلى أول الآيات {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} فدل هذا على ان الهتكم لا تتكشف الضر وإذا قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} ولذا قال هنا في هذه السورة {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ}،{أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }،{بَلْ إِيَّاهُ} بل إظهار {بَلْ إِيَّاهُ}، وقدم إياه من باب ماذا ؟ من باب أنهم حال الدعاء أخلصوا لله عز وجل ، في حال الضراء ،{بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ }،{فَيَكْشِفُ } أي فيرفع {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} مما يدل على أن آلهتكم لا تكشف الضر {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} ولذا قال {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ} قال { إِن شَاءَ } دل هذا على ماذا ؟ دل هذا على أن كشفه عز وجل لما يصيبهم من الضر ليس في جميع الأحوال وإنما حسب ما تقتضيه مشيئته عز وجل ، ولذا قوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} يدل هذا على ماذا ؟ على أن الكافر في حال الاضطرار فإنه يستجاب له ، لكن هنا قيد دل هذا على أن إجابة المضطر المشرك لا تكون في جميع الأحوال ، بدليل هذه الآية: { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} أي ما تشركون به عز وجل من تلك الأصنام تنسونها ولا تطرأ لكم على بال بل إن الدعاء كله يكون منكم خالصاً لله عز وجل ، ولذا قال تعالى {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}،{وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}،{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ} يعني هنا فيه تسليه للنبي صلى الله عليه واله وسلم من أنه أرسل رسلا من قبله ومع ذلك أولئك الرسل قوبلوا من قومهم بماذا بالتكذيب وبالإعراض {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ} أي اخذناهم بسبب ماذا ؟ بسبب كفرهم فحال قومك لا يأمنون عذاب الله عز وجل {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ} وهو البؤس والفقر والشدة {وَالضَّرَّاءِ} يعني ما يكون من مرض {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} وهنا فيه فائدة قال : { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} مما يدل على ماذا ؟ من ان قوله عز وجل {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} اذاً مسك الضر فل تعلم بان هذا الضر ما نزله الله بك من أجل أن يوقع بك شر وانما هو شر باعتبار هذا الذي أصيب ، لكنه قد يكون خيرا باعتبارات أخرى ، بالنسبة إلا أن يكون ضالا فيهتدي ، يكون طاغية فيتواضع ، كان يراه غيره ممن تكبر فيرى حال هذا الرجل ، فذلك الرجل الآخر يؤوب ويتوب الى الله ، فلذا قال هنا { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} ويقبلون على الله عز وجل ويخضعون له عز وجل ، فدل هذا على أن ما يصيب به العباد من ما لا يلائمهم إنما لحكمة ولمصالح {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}،{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا}،{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا} قال هنا بأسنا ولم يذكر الضراء والعلم عند الله لأن البأساء إذا أتت فإنها تشمل ماذا تشمل الضراء ولأن البأس يكون على الإنسان أعظم من غيره ، لأنه يكون أشمل من الضراء فقال هنا {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} فقال بعض العلماء السياق هنا سياق نفي ، يعني جاءهم هذا البأس ومع ذلك لم يتضرعوا وقيل {فَلَوْلَا} أي هلا وهذا على الأصل ولعل هو الأقرب ولا تنافي بينه وبين الأول لأنه من حيث واقع هؤلاء فإنهم لم يتضرعوا لما جاءهم بأس الله {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} ولكن ما الذي جرى؟ هؤلاء أعرضوا بسبب ماذا ؟ {وَلكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} فقلوبهم قاسيه لا تنتفع بالمواعظ {وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} إذا دل هذا على ماذا ؟ دل على أن المواعظ قد تأتي للإنسان فإذا كان قلبه قاسياً واستولى عليه الشيطان فإنه لا ينتفع بالمواعظ ومن ثم فإن على الإنسان أن يتعاهد قلبه وأن يبتعد عن خطوات وطرق الشيطان {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}،{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} مما مرً ، مما فيه من موعظة وفائدة وعبرة {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} هنا أتى الاستدراج من الله عز وجل لهؤلاء {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ}،{فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ} ولم يقل باب {أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} يعني من نعم الدنيا حتى يطمئن إليها ، {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} استمر بهم هذا الانفتاح حتى و صلوا إلى مرحلة الفرح ولذا قال:{حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} ولعل قوله{حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا}،{بِمَا أُوتُوا} كأنها تشبه ما ذكره الله عز وجل عن قارون {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} لأن هؤلاء قست قلوبهم وظنوا أن هذه النعم هم حقيقون بها ، {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً } أخذناهم بغته أي مباغته من حيث لا يشعرون ، ولذا قال عز وجل : {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} ،{أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ }، وقال تعالى: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} قال هنا {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} اي يائسون في حالة يأس وحزن و ذلك لأن العبد حينما تأخذ منه النعمة وإذا كانت نعمه عظيمه فأصبح في عذاب وفي بؤس عظيم فإن الألم يكون عليه أشد فيما لو بقي على حالته الأولى من الفقر ولذا ثبت قوله صلى الله عليه وآله وسلم عند احمد من حديث عقبة بن عامر قال صلى الله عليه واله وسلم إذا رأيت الله يعطي العبد من النعم وهو مقيم على معاصيه فاعلم بأنه استدراج ثم تلا هذه الآية { أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا } {فَقُطِعَ دَابِرُ } أي آخر فدل هذا على أن أولهم قد هلكوا ، فقطع أي استأصل هؤلاء وهلك هؤلاء { فَقُطِعَ دَابِرُ } ذكر الدبر الذي هو الآخر مما يدل على شمول العذاب بين هؤلاء فإنه إذا قطع دابرهم إذا يقطع أولهم {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا } بسبب الظلم {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ،هنا فيه فائدة لأنه عز وجل حمد نفسه لأنه رب العالمين لما أهلك هؤلاء الظالمين فكما حمد نفسه في أول السورة على أنه خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور هنا حمد نفسه عز وجل على أنه أهلك هؤلاء القوم الظالمين ولذا فإن إهلاك الظالمين نعمة من الله عز وجل على الناس، فإنها نعمة تستوجب الشكر لله عز وجل{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}،{قُلْ أَرَأَيْتُمْ} أمره عز وجل أن يقول لهؤلاء مبينا لهم لما قال:{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ } هنا قال:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ} يعني إذا أتاكم العذاب الذي يستأصل به ما يتعلق بأبدانكم {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ} فأصبحتم لا تسمعون {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ} فلا تبصرون شيئاً {وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم}فلا تفقهون شيئا يعني من حيث الحس {وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِه} بهذا المأخذ الذي أخذ منكم الجواب لن يأتيهم به إلا الله عز وجل {مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِه} انظر نظرة تأمل وتفكر لحال هؤلاء انظر كيف نصرف الآيات نصرف الآيات والدلائل المتنوعة من ترغيب من ترهيب من ذكر نعم من ما حصل من قصص لأمم سابقة انظر كيف نصرف الآيات ثم هم مع هذا كله يصدفون يعني يعرضون { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} قل يا محمد لهؤلاء { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} والكاف للتأكيد أتي بها {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً} اي مباغتة من حيث لا تشعرون {أَوْ جَهْرَةً} أي جهاراً علانية {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ }
الاستفهام هنا نفي أي ما يهلك إلا القوم الظالمون فبسبب ظلمهم يكون الهلاك لهم ولذا الآيات السابقة {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} فقال هنا هل يهلك إلا القوم الظالمون وأعظم الظلم أن يشرك بالله عز وجل {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } يعني هؤلاء الرسل ومن بينهم محمد صلى الله عليه واله وسلم إنما أرسلهم الله عز وجل مبشرين بالخير والنعيم لمن أطاع الله ومنذرين أي مخوفين أشد التخويف لمن عصى الله عز وجل مخوفين له بالعذاب {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ} من آمن وأصلح من حاله وأصلح قوله وعمله وقلبه {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} أتى بصيغه الجمع ومر معنا هذا كثيراً في سورة البقرة من باب الجمع من باب معنى من ، من في معناها تدل على العموم { فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ولم يقل فلا خوف عليه ولا حزن ومر معنا ذلك في سورة البقرة تعريف الخوف وتعريف الحزن، { فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}
من ما يدل على ماذا مما يدل على انكم أتتكم الآيات فكذبتم بها وكذلك الأمم السابقة ذكرها الله عز وجل في هذا القرآن وأتتهم البينات فكذبوا بها إذا ما عقابهم في الدنيا وفي الآخرة { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} قال يمسهم العذاب وهذا نوع من الأساليب في اللغة العربية وليس مجازا على الصحيح كما قررنا ذلك من أن القرآن ليس به مجاز وهذا يدل على ماذا يدل على أن العذاب ينصب عليهم انصبابا { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}
بفسقهم والفسق هنا يدل على ماذا يدل على الفسق الأكبر الذي هو الشرك بالله عز وجل لأن التكذيب بالآيات التي أتى بها الرسل فسق أكبر يعني الشرك الأكبر،{قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ} قل يا محمد لهؤلاء { لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللّه} أي خزائنه عز وجل التي بها الخيرات والأرزاق ، حتى تقول لي ائتنا بالأرزاق واجعل ديارنا ديار زرع وخصب واجعل لنا الجبال ذهب وفضة، فقال عز وجل وهذا قد قالوه ولذا قال عز وجل في سورة الإسراء {وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا ، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا} الآيات بعدها {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ} الآيات ، فقال هنا: {قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللّه} حتى آتيكم بما تطلبونه مني {قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} فإني لا أعلم الغيب ، لأنهم قالوا لتخبرنا بما سيكون لنا من خير وما يكون لنا من شر حتى نجتنبه فقال هنا {قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} ولذا قال عز وجل عن النبي صلى الله عليه واله وسلم كما في أواخر سورة الأعراف {قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك ، ولا أقول لكم إني ملك كما طلبتم من أنه ينزل عليكم ملك من السماء كما ذكر عز وجل في أوائل السورة {وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ} فإنما أنا بشر {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ولا أقول لكم إني ملك وتأمل سبحان الله قالها نوح عليه السلام ، لما أمر نوح عليه السلام بأن يطرد الضعفاء والفقراء {وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ، وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا} الآية ،
فقال هنا {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} أي ما أتبع الا ما يوحى إلي فأنا بشر ، وإنما أتبع ما أوحي إلي أي من ربي {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}،{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي} قل يا محمد لهؤلاء هل يستوي الأعمى والبصير ؟ أي هل يستوي من هو بصير يبصر الأشياء ومن هو أعمى لا يبصر الأشياء؟ فإذا كان لا يستوي الأعمى والبصير أيضاً لا يستوي المؤمن والكافر لم؟ لأن المؤمن ماذا، بصير بقلبه ، والكافر وإن كان بصير بعينه إلا أنه أعمى القلب ، ولذا قال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } بل أن من كان بصير القلب ولو كان أعمى من حيث الحس فإنه يكون أفضل ممن هو بصير العين وهو عمي البصيرة ، يكون أفضل منه ، وكم رأينا في الواقع من علماء كبار من علماء راسخين في العلم من ما كان سلف هذه الأمة ومن جاء بعدها من هو أعمى لكنه بصير القلب ، فنفع الله عز وجل به {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} الجواب: لا يستويان ، إذاً لا يستوي المؤمن والكافر ولذا قال تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ}،{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} أين التفكر ، فإنه أمرهم هنا من حيث الاستفهام الإنكاري أمرهم بأن يتفكروا لأنه محل تفكر{ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ}،{ وَأَنذِرْ بِهِ} أي بهذا القران { وَأَنذِرْ بِهِ} من؟ {الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ } يعني أهل الإيمان ذكرهم ولو كانت لديهم ذنوب ، فإنهم يتعظون بهذا القرآن {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} قال هنا {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ} هؤلاء هم الذين ينتفعون بما جئت به يا محمد من هذا القران ، أما أولئك فهم ماذا؟ بمثابة الأعمى أما بمثابة البصير فهم أهل الإيمان {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} وأتى باسم الرب لأنه يقتضي هنا ، مع أنه يقتضي الربوبية العامة يقتضي الربوبية الخاصة ، لأنه ما حصل لهم هذا الإيمان والانتفاع إلى من ربهم عز وجل ، فربي وغذى قلوبهم بالإيمان { أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} لأنهم مع هذا كله مع أنهم أهل إيمان ماذا؟ جمعوا معه الخوف من ذلكم اليوم وجمعوا معه خوف من الله عز وجل ، ولذا قال تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} فقال عز وجل هنا {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ } ولي يتولى أمورهم ويأتي لهم بالخير ولا شفيع يشفع لهم فنفى الشفاعة والولاية هنا من باب تذكير أولئك الكفار من أن هؤلاء أهل الإيمان ليس لهم ولي ولا شفيع من دون الله إلا بأمر من الله عز وجل ، فكيف يتخذ هؤلاء الكفار غير الله أولياء ، ولذا في أول السورة ماذا قال عز وجل {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}،{ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا}،{لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} إذاً هذا الإنذار بالقران يدعوا ماذا؟ إلى التقوى ودل هذا على ماذا؟ على أن أعظم ما توعظ به القلوب وأن أعظم طريق يتوصل به العبد إلى تقوى الله هو هذا القرآن.