التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأنعام من الآية (99) إلى (110) الدرس (97)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأنعام من الآية (99) إلى (110) الدرس (97)

مشاهدات: 623

 

        بسم الله الرحمن الرحيم

                تفسير سورة الأنعام من آية ( 99 – 110)

            فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

 

قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ } وهو الذي أنزل من السماء ماءً ، وهو المطر أنزله الله عز وجل من السحاب . لمَ؟ لأنه عز وجل لمّا قال إن الله فالق الحب والنوى , إذاً ذلكم النوى وذلكم الحب يحتاج إلى ماء فبيّن عز وجل حال هذا الماء وما يُحدثه عز وجل بسبب هذا الماء فقال هنا {وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ } أي: بسببه نبات كل شيء ,أي من شتى أنواع النباتات: كل أرض بما يليق بها من النباتات وليس معنى ذلك أن الأرض الواحدة تنبت جميع النباتات وإنما كما هو الظاهر وكما هو الواقع , فأخرجنا به نبات كل شيء ، كل أرض بما يريده عز وجل منها ويؤكد هذا ويبيّنه قوله عز وجل {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُل}  فقال هنا : فأخرجنا به نبات كل شيء ، نباتات متشتتة ، متنوعة باختلاف الطعم ، باختلاف اللون ، باختلاف الحجم هذا يدل على ماذا ؟ على عظم الله عز وجل فأخرجنا به نبات كل شيء ، فأخرجنا منه ، سبحان الله ! فأخرجنا منه أي : من هذ النبات فأخرجنا منه نبات بدأ في الظهور فأخرجنا منه خضراً أي:  أخرجنا منه ماذا ؟ خضراً أي : نباتاً خضرا ، فأخرجنا منه خضرا نخرج منه أي : من هذا النبات الخضر الأخضر نخرج منه حباً متراكبا أي بعضه على بعض سبحان الله ، نبات أخضر يخرج منه هذا الحب المتراكم وبعضه فوق بعض يدل هذا على ماذا ؟ على أن هذا ما أوجده إلا عظيم وهو الله عز وجل ولذا قال هنا {نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ }أي : وأنشأنا من النخل ومن النخل من طلعها أي: ومن هذا النخل من طلعها أول ما يطلع من ثمر النخيل من طلعها قنوان وهي الشماريخ وهي العذق عذق التمر ومن النخل من طلعها قنوانٌ دانية أي : قريبة وهذا أكمل في ماذا ؟ في اللّذة وأعظم في الآية ,إذاً تدل كلمة دانية أي معناها قريبة ، تدل أيضاً على البعيدة لكن ، لماذا خص القريبة؟ لأن اللذة بها أتم والآية بها أعظم ، سبحان الله !  تأمل .. أول ما ذكر، ذكر النبات وبه الحب. لمَ قدّمَهُ على النخيل ؟ لأنه غذاء , بينما النخيل هو فواكه وايضاً به غذاء، به غذاء وهو غذاء فجمع الأمرين لكنه من حيث الفاكهة أظهر.

{وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ أي: وأخرج من ذلك الماء جنات أي: بساتين {وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ}  وذكر العنب بعد النخيل لأن أعظم الفواكه بعد النخيل العنب لأن العنب يستفاد منه فوائد من حين ما يخرج إلى أن يُزبّب وهو يستفاد منه.

{وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ } إما على سبيل الاختصاص من باب المدح لهاتين الشجرتين أو معطوفة على أخرجنا والزيتون أي: وأخرجنا الزيتون والرمان وذكر الزيتون والرمان والعلم عند الله لأن الزيتون يستفاد منه من حيث الاكل ومن حيث العصير ، والرمان والعلم عند الله باعتبار ماذا ؟ باعتبار تلك الحبوب التي فيه التي لو تأمل الإنسان في حبوب هذا الرمان وما وضعه عز وجل في شحومها وما شابه ذلك يجد ما يجد من تعظيم الله في هذا الثمر .

قال هنا {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ } مشتبهاً ، بعض المفسرين قال مشتبهاً وغير متشابه أي: من أن شجر الزيتون فيما يتعلق به يختلف باختلاف ماذا؟ ثماره وأنواعه من حيث هو جنسٌ واحد والرمان كذلك ، وقولٌ آخر، وكلا القولين لا تَعَارض بينهما من أن أشجار الزيتون والرمان متشابهة ، لكن من حيث الثمار ومن حيث الطعم يختلف ، إذاً والزيتون والرمان تجد الشجرة من الزيتون ومن الرمان مختلفة فيما يتعلق بها ويتعلق بالأخرى . أيضاً الشجرة الواحدة ، الشجرة الواحدة من الزيتون أو من الرمان تجد ما بينهما من التشابه وعدم التشابه من حيث اللون ، من حيث الحجم ، من حيث الطعم ، فسبحان الله العليم القدير .

فقال هنا {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا } نظر ماذا ؟ تأمل . انظروا إلى ثمره إذا أثمر،  قال انظروا إلى ثمره ، نظر اعتبار انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه أي: إلى نضوجه هذا فيه ماذا؟ فيه الأمر بالاعتبار في شأن ما مضى ، انظروا إلى ثمره إذا أثمر من حين ما يبدأ إلى أن يتطور أطواراً إلى أن يكون وقت النضج كيف اختلف حاله ،  سبحان الله ! في بدايته إذا طعمته يكون مراً، بعد حين يكون نصف حلاوة ، بعد حين يكون أحلى من حيث رقته وصلابته وما شابه ذلك ، لو تأمل ، أنا أضرب فقط أمثله لكن ، لو أن الإنسان تأمل تأملاً دقيقاً في شأن هذه الأشياء وما أجراه الله عز وجل فيها يجد ما يدل على عظمة الله عزوجل {انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ}، ولذا ماذا قال بعدها ؟ {إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ أي ما مضى  لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } لقوم يؤمنون ، فأين إيمانكم وأين قلوبكم من هذه الآيات الواضحة البينة التي ترونها مع هذا كله {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ مع تلك الدلائل إلا أنهم أشركوا بالله عز وجل ، أشركوا من ؟ الجن مع الله ، ولذا قال {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ ولذا ماذا قال عز وجل في نفس السورة ؟ {وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ} فقال هنا وجعلوا لله شركاء الجن ولم يقل وجعلوا الجن شركاء لله لأنه لو قالها ربما يتوهم متوهم ربما ، لكن من باب سد الأبواب ربما، من أن النكير على أنهم اتخذوا الجن شركاء مع الله . لكن لمّا قدّم وجعلوا لله شركاء الجن دلّ على أنه لا يمكن أن يكون مع الله شريك لاجن ولا غير الجن .

{وجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ  وخلق من ؟ وخلق الجن وخلق على القول الآخر وخلق هؤلاء الذين كفروا بالله فلا تعارض بين القولين وخلقهم وخلق هؤلاء وخلق هؤلاء ، وخلقهم ، فكيف يكون المخلوق شريكاً مع الله {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ أي: اخترعوا واخترقوا وكذبوا {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ  كما فعل من فعل وَبَنَاتٍ  كمن جعل الملآئكة بنات لله {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ  بغير حجة لدى هؤلاء ولا حجة أصلاً لهم ، لأنه لا يمكن أن يكون المخلوق الذي خلقه الله عز وجل ابناً لله عز وجل ولذا ماذا قال تعالى كما مر معنا في سورة البقرة {بدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} فقال هنا {وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ ، نزّه نفسه عز وجل عمّ لا يليق به ومن ذلك :ما فعله هؤلاء {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ   تعالى ، إثبات صفة العلو لله عز وجل ، لمّا مرّ معنا {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} ذكر هنا العلو وأطلق العلو فمن طريق إثبات العلو لله كما أنه يكون عن طريق الفوقية كما مر معنا {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}  أيضاً يكون بذكر العلو المطلق، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} قال هنا سبحانه وتعالى فيشمل علو القهر ، وعلو الذات ، وعلو الصفة {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُون}

أي: عمّ يكذبون وعمّ يخترقون فدل هذا على أن ما صنعوه إنما هو أعظم الكذب ثم قال {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: منشئ السموات والأرض على غير مثال سابق فكيف يكون ماذا ؟ فكيف يكون معه شريك ، وكيف يكون له ابن أو بنت فلذلك قال {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ  أي: كيف ، انّى يكون له ولد سواءً من ذكور أو إناث {وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ  أي: زوجة أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ خلق كل شيء إذاً : لوكان معه شريك لخلق كما يخلق ، لكن الله عز وجل هو الخالق لو كان له ابن فالابن والولد يكون له من صفات من ؟ من صفات الأب فيكون هذا المخلوق الذي جعلتموه لله ابناً أو بنتاً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراَ على زعمكم أنه قادر على أن يخلق وأن يفعل فأنّى يكون ذلك ، ولذا قال {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أحاط علمه بكل شيء وهو بكل شيء عليم ، ومن ذلك هو عز وجل عليم من أنه ليس له شريك ، ليس له شريك ، ولذا ماذا قال تعالى {أفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۗ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ ۚ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ  ۗ فإذاً لو كان له شريك أو له ابن أو بنت لعلِمه عز وجل وهو بكل شيء عليم ، وأيضاً هو عليم بأحوالكم وبأفعالكم وسيجازي كل إنسان بمّ عمل ، ولذا لمّا ذكر هذه الصفات التي تدل على أنها صفات الإله الحق ماذا قال بعدها آمراً لهم {ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ  انظر ذلكم الله ربكم ذلكم الله المعبود الذي يستحق العبادة لم له من ماذا ؟ من الصفات العظيمة المذكورة في الآيات السابقات ثم ذكر الرب ، لأنهم يقرون بتوحيد الربوبية إذاً يلزمكم أن تقروا بتوحيد الأُلوهية ،لأنهم يقرون بأن الله خالق النوى وخالق الحب في الآيات السابقات ومنشئ  الأشجار والزرع فيُقرون بأن الله هو الخالق ، ويُقرون بأن الله خلقهم {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ }{ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ   ثم لمّا ذكر الرب أكّد توحيد الألوهية {ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ  لا إله إلا هو أي : لا معبود بحق إلا هو {ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ولن يُنكروا ذلك لإن هذا من صفات الربوبية ولذا قال فَاعْبُدُوهُ ۚ ، يلزمكم أن تعبدوه {وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي : هو يتولى أمور خلقه ويحفظ عليهم ما يصدر منهم من أعمال وأقوال فيجازيهم عز وجل وهو على كل شيء وكيل ، لا تدركه الأبصار {لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَاللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} لا تدركه الأبصار ،  المعتزلة قالوا: لا تدركه الأبصار الإدراك نفس الرؤية ، فلما نفى الإدراك إذاً تنتفي الرؤية فلا يُرى الله عز وجل في الآخرة ولا في يوم القيامة كما قالوا وهذا قولٌ باطل ، فقوله عز وجل لا تدركه الأبصار المعنى أنه لا تحيط به الأبصار ، لكن لا ينفي الرؤية ، بل إن نفي الإدراك يتضمن إثبات الرؤية بدليل ماذا ؟ قال عز وجل عن موسى {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ تراءى الجمعان فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} ففّرق بين الإدراك وبين الرؤية ولذا الشمس ولله المثل الأعلى نراها ، لكن ، هل ندركها ؟ نحيط بها ؟ …  لا ، فإذاً لا تدركه الأبصار لا يدل على نفي رؤية الله عزوجل ، وإنما يدل على نفي الإحاطة بالله عز وجل ، لكن الرؤية .. يُرى لدلالة هذه الآية . لإن نفي الإدراك يتضمن ماذا ؟ إثبات الرؤية ولأنه عز وجل قال {وجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته) فالنصوص الشرعية تثبت ماذا ؟ أنه عز وجل يُرى ، فهو يُرى في عرصات القيامة ، وفي الجنة يراه أهل الإيمان ، يراه أهل الإيمان في الجنة ، ويراه أهل الإيمان في عرصات القيامة .

{لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}  لأنه هو الذي خلقها ، يدرك الأبصار لأنه هو الذي خلقها {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } ولذا قال هنا وهو يدرك الأبصار ، فكما أنه يدرك الأبصار لأنه خلقها ، أيضاً يدرك أصحابها وما يفعلون ، وما يعملون. {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }  اللطيف ، الخبير ، فهو لطيفٌ عز وجل الذي يوصل الخير والنفع إلى عباده من حيث لا يشعرون ، ويدفع عنهم الضر والشر من حيث لا يحتسبون ، من غير أن يصابوا بضرر ، فهذا من لطف الله عز وجل فهو اللّطيف يدل على لُطفهِ عز وجل ولذا ماذا قال تعالى {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ} ينظر الإنسان في حاله ، قد يكون الإنسان مثلاً .. على سبيل المثال .. وهذا مثال يدل العبد على لطف الله به ، قد يكون الإنسان مثلاً سائراً في طريق ، مثلاً وإذا به يرى أنه في هذا الطريق سيقع منه حادث أو عليه حادثُ لامحالة ، حسب ما يراه مّم يراه من أنه مئة بالمئة سيقع ، وإذا بهذا الحادث ينصرف عنه بأمر من الله عز وجل، إذاً اللّطيف الذي يوصل الخير والنفع إلى عباده من حيث لا يحتسب هذا العبد ، و يدفع عنه الشر من حيث لا يحتسب برفقٍ وبلطفٍ ، ولذا قال بعدها : الخبير ، العالم ببواطن الأمور، وهو العالم بظواهرها  {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } ، وأتى بهذين الاسمين لأنه لمّا بيّن من أنه يُدرك الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير ،فهذا يدل على عظمة الله عزوجل .

{قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ}  أي : جاءهم بصائر وهو هذا القرآن فإن به النور وبه من أراد النجاة ولذا قال بعدها {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} من أبصر وتأمل وتمعّن في هذا القرآن وقام بحقوقه وأتبعه فإن العاقبة الطيّبة تكون له ، فمن أبصر فلنفسه والله غنيٌ عنه {مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} أي: أن وبال هذا العمى منه لمّا عمي عن هذه البصائر فإنما يكون عليه ولا يتحمل ذلك غيره ، وقال تعالى {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ} {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ} يعني  النبي صلى الله عليه وآلة وسلم يقول : لست عليكم بحفيظ ، أحفظكم وأحفظ أعمالكم وما يجري منكم حتى أحاسبكم ، إنما الحفيظ لكم هو الله عز وجل وسيجازي كل إنسان بمَ عمل إن خير فخير وإن شر فشر ، فمن أبصر فله الخير ومن عمي فله العقاب وما أنا عليكم بحفيظ  .

{ وَكَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ}. وكذلك كما صرّفنا ما سبق نصرّف الآيات أي: ننوع الآيات من حيث الترغيب ، من حيث الترهيب ، من حيث ذكر الدلائل على عظمة الله ، من حيث ذكر ما يتعلق بما جرى في الأمم السابقة .

{ وَكَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ  هذه هي العاقبة ، اللام هنا لام العاقبة يعني عاقبة هؤلاء بدل أن ينتفعوا بهذا القرآن ، عاقبة هؤلاء ماذا صنعوا ؟ يقولون للنبي صلى الله علية وآلة وسلم درست يعني هذه درستها مِن مَن ؟ من الكتب السابقة ولذا كما ذكر عز وجل عنهم في سورة الفرقان { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} وقال بعضهم إنما تعَلّم من غلامين ، من غلامين أعجمين ، ولذا ماذا قال عز وجل {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} فأين عقولكم ! ولذا قال {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ ولِنُبَيِّنَهُ} اللام هنا للتعليل ، بيّنا وأنزلنا عليك هذا القرآن من أجل ماذا ؟ من أجل أنه فيه بيان لمن ؟ لمن عنده علم {وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ عندهم علم ، وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن هذا القرآن به العلم ، وبه الخير ،  فمن ازداد منه قراءة وتعلماً ازداد علماً {وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} .

 {ٱتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ : تسلية للنبي صلى الله عليه وآلة وسلم من أعرض فلا تنظر إليه، إنما عليك أن تتبع ما أُنزل إليك فما فعله هؤلاء من الصدود ، وما فعله من التكذيب ، لا يكن هذا يسبب لك الحزن . {ٱتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ } دلّ هذا على أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وآلة وسلم هو وحي من الله لا كما قالوا وليقولوا درست ولذا قال {ٱتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ  أي : لا معبود بحق إلا هو وهذا يدل على ماذا؟  يدل على أنه أوحى إليك ، وهذا يدل على عظمة الله عز وجل كما قال في الآيات السابقات {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ} {ٱتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ} من ربك  قال من ربك بمعنى أنه هو الذي يتولاك ويحفظك ، ويربي قلبك بالإيمان ، وبهذا القرآن ، {لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين} فلا يهمنّك ما يفعله هؤلاء فقد بلّغت ، وأدّيت ما عليك يا محمد . {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين}

 وهذا يتضمن أيضاً الوعيد الشديد لهؤلاء .

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ}َ ولو شاء الله ما أشركوا لأنه لا يمكن أن يقع شيء في الكون إلا بقدرٍ منه عز وجل ، ولوشاء الله ما أشركوا ، ولذا في أول السورة { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ} ۚ قال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} قال هنا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ}َ   لكن حكمته عز وجل اقتضت أن يكون هناك مسلمون ، وأن يكون هناك كفار ، فإن وقع الإيمان من المؤمن فبمشيئة الله ، إن وقع الكفر من الكافر فبمشيئة الله عز وجل ، الله خالق كل شيء ، لكن يحاسب الكافر لِمَ ؟ لأن الله عزوجل جعل له مشيئة ، لكن مشيئته ، جعل الله له مشيئة {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}   لكن مشيئته تحت مشيئة الله عز وجل ، ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن ، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ} وما جعلناك عليهم حفيظا . ما جعلناك يا محمد عليهم حفيظا ، تحفظ أعمالهم ،وأقوالهم حتى تحزن أو أن يصيبك الهم ، وإنما الذي يحفظ عليهم أعمالهم وسيحاسبهم هو الله ،{وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }  لست بوكيل تتولى أمورهم حتى يصيبك ما يصيبك من الهم والحزن وما شابه ذلك .

{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا أي: اعتداءً  {فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ أي: بغير علمٍ لدى هؤلاء فإنما حالهم حال الجهل ، فنُهي المسلم أن يسب وهذا شامل حتى في هذا الزمن ، فنُهي المسلم أن يسب آلهة من يعبد غير الله إذا كان يترتب على ذلك أن يُسب الله ، حتى في هذا الزمن ، سب ما يعبد من دون الله من الصلبان وما شابه ذلك ، إذا ترتب على ذلك أن يُسب الله فهُنا ، فإنه لا يجوز ومن ثم أخذ العلماء من هذه الآية من أن المنكر إذا ترتب على إنكاره منكر أعظم فلا يُنكر هذا المنكر ، وأيضاً يدل على ماذا؟ يدل على سد الذرائع ، على قاعدة سد الذرائع ، نُهي عن سب آلهة هؤلاء لأنهم إذا سُبت آلهتهم سبّوا الله اعتداءً بغير علم فهم أصحاب جهل ، {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } كذلك كما زيّنا لهؤلاء أعمالهم زيّنا أعمال الأمم السابقة لأنفسهم {كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } زيّنا لكل أمة عملهم ، زيّنا لهم عمل الخير لأهل الخير ، وعمل الشر لأهل الشر ، وقيل مخصوصة بأهل الشر ، والذي يظهر هو الأول ، {زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ}  ولذلك لو قال قائل : الله عز وجل زيّن الشر لأهل الشر حتى فعلوه فالجواب عن هذا كما قال ابن القيّم رحمه الله : التزيين يأتي في القرآن كما قال في شفاء العليل وفي مدارج السالكين وسبقه شيخه ، لكن ابن القيّم فصّل هنا فقال رحمه الله: قال: التزيين يُذكر ولا يُذكر الفاعل ، كما قال تعالى { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ } وكما قال تعالى { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ }وكما قال تعالى {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} وأحياناً يُذكر التزيين فيضاف إلى سببه وهو الشيطان كما مر معنا في هذه السورة {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وكما سيأتي {كَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ} قال : فإن قيل فما تقولون في قوله تعالى {كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } فقال رحمه الله : التزيين هنا من الله عزوجل بناءً على تقديره ومشيئته عز وجل ، فتزيينه عز وجل لهذا العمل ، لهذا العمل لأولئك تزيينه عز وجل عدل وحكمه لِمَ ؟ لأن الله عز وجل بصّرهم بأمور الخير ، لكنهم لمّا أعرضوا عن التوحيد وأعرضوا عن الخير فجزاهم عز وجل أن وقعوا في هذا الذنب، بل إن هذا الذنب القبيح يكون حسناً إذا استمروا عليه ، كما قال تعالى {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ} لأن السيئة تتبع السيئة ، فإذا عملت السيئة قالت الأخرى ، قالت للعبد اعملني ، فذكر هنا أن هذا من باب الابتلاء والامتحان ، ولكن بمشيئة الله وقدره كما قال عز وجل {إنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لم ؟ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} فكذلك الشأن ، فكذلك الشأن هنا ، لكن ليس معنى ذلك أنه يرضاه .. لا ..    لا يرضى عز وجل الذنب ، لذلك قال عز وجل {وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْر } { كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ} ثم بعد ذلك ، بعد أن تنتهي هذه الدنيا يعودون إلى الله ، فبعد الفراق من هذه الدنيا تمر بهم أمور القبر وما يكونُ بعد قيامهم من القبور ممَ يكون في يوم الحساب ، ثم بعد ذلك ماذا قال عز وجل {فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فيخبرهم بم كانوا يعملون ، وهذا الإنباء ليس إنباءً فقط مجردا ، وإنما إنباء يتضمن ماذا ؟ الجزاء والحساب.

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أقسموا بالله جهد أيمانهم أي: أغلظ الأيمان ، وأشد الأيمان {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ مِمَ اقترحوها لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قل يا محمد وانظر ، تأمل معنا ما مر من اقتراحاتهم في أول السورة {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ} قال هنا .. ليؤمنن بها قل يا محمد إنما الآيات عند الله هو عز وجل القادر عليها وهو إن شاء أن يأتيكم بها ، أتاكم بها ، ولذا كما ذكر عز وجل في سورة يونس {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ } {قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ} هنا نفي {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} أي: وما يدريكم أنها إذا جاءت هذه الآية لا يؤمنون .

وَنُقَلِّبُ أيضاً وما يدريكم أننا وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ يعني نمنعهم من الإيمان بسبب ما عملوه من الإعراض في أول الأمر {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى : لا تجد كتاباً في كتب المفسرين إلا وقد حصل له خطأ في معنى هذه الآية  حتى إن بعضهم قال :        وما يشعركم أنها قال أنها بمعنى لعل ، قال والذي جعلهم يستشكلون هذه الآية أو يقع منهم ما يقع من خطأ أنهم جعلوا وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ  جعلوها آية مستقلة ،يقول: لا هي مرتبطة بالآية السابقة {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ* وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي: وما يدريكم أنها إذا جاءتهم لا يؤمنون ، وما يدريكم أننا نقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ، فدّل هذا على أن قسمهم بالله إنما هو كذب ، قال رحمه الله : ولو كانت مبتدأه لكان التقليب لكل من جاءته آية يلزم على قولكم من أنه أي أُناس أتتهم آية ، أو أي إنسان أتته آية أنه يُقلّب قلبه وبصره ، يقول وليس كذلك فإن الآية قد تأتي ويؤمن بها من يؤمن { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على خطورة الإعراض عن دين الله ، فإن الإعراض يولّد إعراضاً ، ولذا نظير هذه الآية آيات كثيرة منها {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ} { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وقد قال تعالى فيما يتعلق بهذا الأمر {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} يحول بين المؤمن حتى لا يقع في الذنب ، ويحول بين الكافر فلا يؤمن . {وَنَذَرُهُمْ أي : نتركهم  فِي طُغْيَانِهِمْ دل هذا على أن ما طلبوه وما فعلوه وأحوال أولئك إنما هو طغيان وَنَذَرُهُمْ أي : نتركهم في طغيانهم  وقال في ،  مِمَ يدل على أنهم منغمسون في الطغيان ، وهذا شأن كل من أعرض ، ولذا هؤلاء كفار ، قال {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } أي : يترددون حيارى ، لأن من أعرض عن دين الله أصبح حيران كما قال تعالى في نفس السورة {قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ } ولذا كما وصف هؤلاء الكفار بأنهم في طغيان أيضا كما مر معنا ، وصف المنافقين بإنهم في طغيان ولذا ماذا قال تعالى عن أولئك المنافقين قال {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ولذا قال ابن القيّم رحمه الله : من أعرض عن الاستقامة ففيه طغيان قال تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ} .

وللحديث تتمة إن شاء الله ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .