التفسير المختصر الشامل تفسير سورة التوبة من الآية (28) إلى (37) الدرس (120)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة التوبة من الآية (28) إلى (37) الدرس (120)

مشاهدات: 542

بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير المختصر الشامل

سورة التوبة

من آية 28 – 37

فضيلة الشيخ زيد البحري   حفظه الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد ﷺ وعلى آله وأصحابه وسلَم تسليما كثيرا إلى يوم الدين    أما بعد

فكنا قد توقفنا عند قول الله عزوجل﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ هنا قال نجس بالإفراد وذلك لأن هذا مصدر والمصدر لا يُثنى ولا يُجمع كما مر معنا في قوله تعالى ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ولم يقل على أسماعهم، ومن ثم أخذ بعض العلماء من أن الكفار بهم النجاسة الحسية والمعنوية بمعنى أنهم أصحاب نجاسة من حيث القلب لأنهم كفروا بالله وأيضاً هم أصحاب نجاسة حساً فلو لامست أيدي المسلمين أبدان هؤلاء وكانت رطبة فإنه يلزمه أن يغسلها ولكن الصحيح أن هذه الآية المقصود من النجاسة هي النجاسة المعنوية وهي نجاسة القلب وهو الكفر بالله عزوجل، وأما النجاسة الحسية فإن الكفار على الصحيح من قولي العلماء أبدانهم طاهرة، ولذا النبي ﷺ أكل من طعامهم وكذلك أباح الإسلام لنا أن نتزوج بالكتابيات فدل هذا على أن أبدانهم طاهرة.

﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ﴾ قال هنا﴿ فَلَا يَقْرَبُوا ﴾ من باب المباعدة عن المسجد الحرام، ومن ثم فإن الصحيح من أقوال العلماء من أن الكفار لا يُمَكنون من الدخول إلى الحرم خلافاً لمن قال لهم أن يدخلوا المسجد الحرام، ومن ثم فإنه لايحق لهم أن يدخلوا الحرم فقال عزوجل ﴿ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ  بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ ﴾ بعد هذا العام وهو سنة تسع من الهجرة لما نادى علي رضي الله عنه ” لايحج بعد هذا العام مشرك وأن لايطوف بالبيت عريان ” ﴿ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ  بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ ﴾ ومن ثم فإنه لايجوز أن يدخل الكافر المسجد الحرام ومن ثم فإن قول بعض العلماء لهم أن يدخلوا المسجد الحرام ولهم أن يدخلوا الحرم بل قال بعضهم لهم أن يدخل المسجد الحرام وإنما الآية مخصوص بها الحج والعمرة لأن الحديث قال ألا يحج بعد هذا العام مشرك ولكن الصحيح أن الآية عامة ومن ثم فإن المشرك لا يُمَكَن من دخول المسجد الحرام وهل يُمَكَن الكافر من دخول المساجد الأخرى؟ خلاف بين أهل العلم، ذكر القرطبي -رحمه الله – خمسة أقوال في مثل هذا، والذي يظهر أن المساجد الأخرى كالمسجد الحرام باعتبار أن الشرع نهى أن تمكث الحائض في المسجد مع أنها مسلمة وكذلك نُهي الجُنُب أن يمكث في المسجد فدل هذا على أن الكافر من باب أولى، لكن إن وُجدت حاجة كأن يوجد شئ في المسجد لا يمكن تصليحه إلا عن طريق الكافر فإنه لابأس في ذلك ومما يدل على ذلك أن ثمامة اعتقله الصحابة رضي الله عنهم وأسروه وربطوه في ساريةٍ من سواري المسجد النبوي ومن ثم فإن هذا الدليل هوالدليل الفيصل وإن كان بعض العلماء وجَّهَه بتوجيهات لكن الحديث واضح وهو قصة ربط ثمامة في المسجد وأيضاً لما ذكرنا من حالتي الحائض والجُنُب، فإذا وجدت حاجة في المسجد لا يتمكن أحدٌ من إصلاحها إلا الكافر فله حينها أن يدخل المسجد أو لحاجة أخرى، لا يلزم من ذلك تصليح شئ فيه.

﴿ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ  بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً أي فقراً ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ بمعنى أنكم إذا لم تُمَكنوا هؤلاء الكفار من دخول الحرم فإن الله عزوجل سيغنيكم لأن هؤلاء الكفار كانوا يأتون بالتجارة وكان المسلمون يستفيدون منها فقال عزوجل ﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ وقال هنا ﴿ إِنْ شَاءَ من باب التعظيم لله عزوجل ومن باب أن يعلق العبد قلبه بالله عزوجل فإنه لايمكن أن يحصل غنى أوأن  يحصل فقر إلا بمشيئة الله عزوجل ومن ثم فإن الله عزوجل فتح للصحابة رضي الله عنهم بعد ذلك أبوب الرزق وكثرت التجارة في مكة، ﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ فهو العليم والحكيم الذي أمر بهذا الحكم مما يدل على أن هذا الحكم فيه خيرات عظيمة فهذا مما يدل على حكمته عزوجل ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ لما ذكر عزوجل ما يتعلق بقتال المشركين   ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ وما جاء بعد ذلك من آيات، بيَّن هنا قتال الكفار من أهل الكتاب ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ فإنهم لايؤمنون – أعني اليهود والنصارى – لا يؤمنون باليوم الآخر حقيقة الإيمان على مقتضى ماجاء به شرع الله عزوجل، قال هنا ﴿ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ  أي أنهم لا يأخذون بهذا الدين ولا ينفذون أحكامه ولا يطيعون أمر الله عزوجل ﴿ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ فإن هذا الدين وهو دين الإسلام هو الدين الحق ولذا قال تعالى ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

﴿ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ من هنا بيانية تبين هؤلاء الكفار ﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ وهذا جنس، الكتاب جنس يشمل التوراة والإنجيل، ﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ ﴿ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ ﴾ هنا ذكر الجزية في ما يتعلق باليهود وبالنصارى، ومن ثم أخذ بعض العلماء أن الجزية لاتقبل إلا من اليهود والنصارى، وبعضهم قال أيضاً تقبل من المجوس، والصحيح أنها تقبل من كل كافر بدليل ما جاء في صحيح مسلم أن النبي ﷺ إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه ومن معه بتقوى الله إلى أن قال في آخر الحديث ” فإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال ” ذكر منها     ” ادعهم إلى الإسلام ” ثم ذكر الجزية، ثم قال ” فإن لم يقبلوا فاستعن بالله وقاتلهم ” فدل هذا على أن الجزية على الصحيح تؤخذ من جميع الكفار. ﴿ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ﴾ والجزية لا يعقدها إلا الإمام أو نائبه أي ولي أمر المسلمين فالجزية بمعنى أنهم يدفعون مبلغاً من المال على أن يبقوا على دينهم ومن ثم فإنهم حينها يلتزمون بأحكام الدين ﴿ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ ﴾ أي عن قوة مما يدل على أن بالمسلمين قوة وأيضاً هم إذا دفعوها فإنهم يدفعونها عن يد يعني عن خضوع وعن انقياد وأيضاً لا يفوضون أحداً ولا يوكلون أحدا بتسليمها بل يأتون هم بأنفسهم وتكون نقداً لا نسيئة أي ليست مؤجلة، ﴿ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ بمعنى أنهم إذا دفعوا الجزية والتزموا بأحكام الدين فإن هذا هو الصغار لهم، والصغار هو الذل والهوان خلافاً لمن قال كما قال ابن القيم رحمه الله ” من قال من العلماء من أن معنى قوله تعالى ﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ بمعنى أنه يأتي هذا الذمي ويكون الآخذ من المسلمين يكون جالساً ويدفعها وهو مطأطئ الرأس ويمسك بلحيته ويذله ويطيل المسلم وقوف هذا الذمي فيقول إن هذا لا دليل عليه ولا تدل عليه الآية ولم يرد ذلك عن النبي ﷺ ولا عن صحابته رضي الله عنهم كما أفاد ذلك في كتابه أحكام أهل الذمة فقال: ” إنما قوله ﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ يلتزمون بأحكام الدين ويدفعون الجزية ” .

 ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ هذا أيضاً مما يدل على أن هؤلاء قد كفروا بالله، ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾ وعزيرٌ ذكر من ذكر من المفسرين ذكر أقوالاً كثيرة من بينها من أنه أتى إلى إمرأة وهي تبكي على ميتٍ لها فوعظها فإذا بعزير يبكي على العلماء الذين أخذهم من أخذهم من الأعداء فنصحته أيضاً فقالت مذكرة ً له ” إن هذا من قدر الله عزوجل ” فأتى عزيرٌ إلى نهرٍ فإذا بشخصٍ يلقمه ثلاثة أشياء كأنها الجمر ثم حفظ التوراة حفظاً بليغاً و أتى إلى بني إسرائيل، فلما أتى إليهم وحدثهم بذلك قالوا إنما هو ابن الله، إلى غير ذلك مما قيل من نحو ما قيل، لكن مثل هذا ليس عليه دليل فيما نعلم من سنة النبي ﷺ. ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ كما قال عزوجل ونبهنا على ذلك معلقين عند قوله تعالى في سورة آل عمران ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَل آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ فقال هنا ﴿ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ أي إنما هو قولٌ لا دليل عليه ولا حجة لهم بذلك وإنما تأتي به الأفواه ولذا لم يقل هنا ذاكراً القول متعلقاً باللسان وإنما بالأفواه لأنه يملأ الأفواه لما فيه من الأباطيل، ﴿ ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ﴾ أي يشابهون ﴿ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ أي من جميع الكفار الذين نحو نحوهم أو سبقوهم، قال هنا ﴿ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ هذا دعاءٌ عليهم، ومن قاتله الله فإنه مقتول وأيضاً يدخل فيه قول من يقول إن قوله ﴿ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ أي لعنهم الله، ﴿ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾ أي كيف يُصرفون عن الحق بعد ظهور الأدلة.  ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ﴾ الأحبار هم علماء اليهود، الرهبان هم علماء النصارى الذين تعبدوا في الصوامع، ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ أي جعلوهم أرباباً وشركاء لله عزوجل، كذلك جعلواالمسيح رباً من دون الله عزوجل، ومن ثم فإنه كما ثبت عند الترمذي قال علي ابن حاتم لما سمع النبي ﷺ يقرأ هذه الآية قال يارسول الله إنا لم نعبدهم، فقال ﷺ ” أليس إذا حرموا ما أحل الله تحرمونه وإذا أحلوا ما حرم الله تحلونه قال بلى، قال فتلك عبادتهم ” فمن أطاع أحداً في تحريم ما أحل الله أوتحليل ما حرم الله فقد اتخذه نداً من دون الله. قال هنا ﴿ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ﴾ ثم بيَّن أن العبودية إنما هي لله، قال ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ثم أكَّد ذلك ﴿ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ أي لا معبود بحقٍ إلا هو ثم نزَّه نفسه فقال ﴿ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ تنزه عزوجل وتقدس عما لايليق به ومن ذلك ما فعله هؤلاء من الشرك بالله عزوجل فلذا قال ﴿ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ

 ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ يريد أعداء الدين من اليهود والنصارى ومن أشباههم يريدون أن يطفئوا نور الله، وأضيف النور إلى الله قيل هو الدين وقيل هو القرآن وعلى كل حال نور الله هو دين الله وشرعه ولا شرع إلا بالقرآن،﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ أي بما يقولونه بأفواههم من الأباطيل ومن الشبه وما شابه ذلك، ويدخل في هذا قول من يقول إنهم يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم كما يريد الشخص أن يطفئ نور الشمس فإنه مستحيل أن يصنع ذلك وهذا يدل على عجزهم وتعجيزهم.  ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ فالله عزوجل متمٌ نوره ولو كره الكافرون، دل هذا على أن صنيع هؤلاء هو الكفر بالله عزوجل، ومن ثم فإن هذا الدين منتصر ولذا قال النبي ﷺ كما ثبت عنه ﷺ ” إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ” وقال ﷺ كما ثبت عنه ” والله ليتمنً الله هذا الأمر مابلغ الليل والنهار حتى لايبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعزالله به الإسلام وأهله وذلاً يذل الله به الكفر وأهله ” فلو قيل أين العزة والمسلمون الآن في ضعف فالجواب عن هذا من أن المسلمين لما تخلوا عن دين الله عزوجل عاقبهم الله، ولذا مر معنا في سورة الأنفال ﴿  ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۙفإذا رجع المسلمون إلى دينهم فإن النصر لهم.

قال هنا ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ فالله متمٌ نوره ولو كره الكافرون ولو طال الزمن فإن النصر والتمكين لهذا الدين، ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ إذاً لما أرسل الله رسوله بالهدى والهدى هو الدين وهوالعلم النافع دل هذا على أنه لاتمكين للأمة إلا بالعلم النافع وبالعمل الصالح ولذا ماذا قال بعدها؟ ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ  العلم النافع ﴿ وَدِينِ الْحَقِّ وهوالعمل الصالح فإذا جمعت الأمة بين العلم النافع الذي هو شرع الله عزوجل وطبقوا ما فيه فإن التمكين يكون لهم. ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أي على جميع الأديان فيعلو على جميع الأديان ولذا ثبت قوله ﷺ ” الإسلام يعلو ولا يُعلى “

قال ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ قال في الآية السابقة ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ دل هذا على أن صنيع هؤلاء هو الشرك بالله وهو الكفر بالله فهؤلاء كفارٌ مشركون فالغلبة لهذا الدين ولو كره الكفار ولو كره المشركون.             قال بعدها ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لما ذكر عزوجل عن هؤلاء الرهبان وعن هؤلاء الأحبار من أنهم صنعوا ما صنعوا في الآيات السابقات من الإعتداء على شرع الله بيَّن هنا من أنهم يأكلون أموال الناس بالباطل فجمعوا بين تعطيل الدين وبين أخذ أموال الناس بالباطل، قال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وهذا نداء لأهل الإيمان من هذه الأمة حتى يحذروا فلا يقعوا في مثل ما وقع فيه اليهود والنصارى، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا دل هذا على أنهم كثرة لكن هناك قلة لم تحذو حذو هؤلاء ﴿ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِالأحبار كما مر معنا هم علماء اليهود والرهبان هم علماء النصارى الذين تعبدوا في الصوامع. قال ﴿ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ قال ﴿ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ أي من غير وجه حق، وقال هنا ليأكلون لأن الذي يُطلب إنما هوالأكل لأنه هو المقصود و لا يعني أن يُنفى ما سوى ذلك من أخذ أموال الناس بالباطل ولو من غير قصد الأكل، ﴿ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ومع ذلك ماذا صنعوا؟ ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ويصدون غيرهم عن دين الله عزوجل ومن هنا ذكر الفعل المضارع يأكلون ويصدون مما يدل على أنهم مستمرون على هذا الصنيع ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَهنا قال بعض العلماء هنا استئناف جديد لأمة محمد ﷺ ممن يكنز الذهب والفضة، وقيل أنه مرتبط بما مضى، والصحيح أنه يجمع ذلك كله. ﴿ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ وكذلك من حذى حذوهم من هذه الأمة ممن كنز الأموال فإنه يدخل تحت هذا الوعيد، ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وذكر الذهب والفضة لأنهما هما الغالب ولأن الناس يحرصون عليهما ولا يعني أن ما سواهما يخرج من ذلك، ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال             ﴿ وَلَا يُنْفِقُونَهَا ولم يقل ولا ينفقونهما هنا قيل إنه عائد على الفضة باعتبار أنها هي الدارج في التناول وفي البيع وفي الشراء، وقيل إن ذكر أحد الشيئين يُستغنى به عن الآخر.              ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أي بعذاب مؤلم، وهذه الآية على الصحيح تدل على أن من لديه مال ولم يؤدي زكاته فإنه كنزٌ يُعذب به يوم القيامة ولذا قال ﷺ كما في الصحيح ” من آتاه الله مالاً فلم يؤدي زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع ” يعني يُمثَّل له ثعبانٌ أقرع له زبيبتان يأخذه بشدقيه يقول أنا مالك أنا كنزك، فدل هذا على أن ما أُدي من الأموال من حيث الزكاة فليس بكنز، أما إذا لم تُؤدى زكاة المال فإنه كنز يُعذب به، هذا هو الرأي الذي تدل عليه الأدلة وعليه جمهور أهل العلم. بينما هناك رأي آخر يقول كل مال زاد عن حاجة الإنسان وعن حاجة نفقته ونفقة عياله فإن هذا الزائد كنزٌ يُعذب به يوم القيامة فعليه أن يُخرجه وأن يُنفقهُ وهذا هو رأي أبي ذر رضي الله عنه حتى أنه تجادل معاوية رضي الله عنه حتى أن معاوية شكاه إلى عثمان رضي الله عنه فكان معاوية يقول إنما هي في اليهود فيقول أبو ذر بل فينا وفي اليهود فشكاه معاوية رضي الله عنه إلى عثمان رضي الله عنه حتى لا يضيق أبو ذر على الناس فاستدعاه عثمان رضي الله عنه فجعله في قرية قريبة من المدينة حتى توفي رضي الله عنه. وأبو ذر رضي الله عنه رأى هذا الرأي لعله من سماعه لحديث النبي ﷺ لما مر فقال ﷺ ” لو كان لي مال كجبل أحد ما مضى عليه ثلاثة أيام إلا أنفقته إلا لشئ أرصده لدين ” فأخذ أبو ذر من هذا الحديث هذا الرأي، لكن الصحيح ما بيناه آنفاً.

﴿ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ يوم يُحمى على هذه الكنوز وقيل وهذا داخل أيضاً يوم يحمى عليها يعني أن النار هي في أصلها محمية يعني يوم يُحمى على النار على هذه المعادن وهذا يدل على شدة العذاب. ﴿ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ وأضاف النار إلى جهنم من باب التعظيم لأن الجهومة تدل على الغلظة، ﴿ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَادل هذا على أن هنا كياً في النار﴿ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ وذكر هذه الأعضاء لعلها والعلم عند الله – وقيل بغير هذا القول -لأن هذا الغني الذي يبخل بهذه الزكاة يقطب في وجه الفقير بجبينه ثم يعطيه جنبه ثم يعطيه ظهره مانعاً للزكاة. ﴿ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَٰذَا يقال لهم ﴿ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ والجزاء من جنس العمل وليعلم أنه كما يعاقب الإنسان على ترك الزكاة كذلك يعاقب من يأخذ الزكاة وهو غني، ولذا قال ﷺ كما عند مسلم ” من يسأل أموال الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر ” ﴿ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ هذا بسبب ما كنتم تكنزونه في هذه الدنيا من عدم إخراج الزكاة.

﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ لما ذكر عزوجل ما يتعلق بالأشهر التي تسمى بأشهر التسيير بمعنى أن الكفار يسيرون أربعة أشهر كما مر معنا في أول السورة ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ  من أن بدايتها في يوم النحر في السنة التاسعة من الهجرة بحيث ينطلق الكفار الذين عاهدهم النبي ﷺ ذكر هنا ما يتعلق بالأشهر الحرم الأربعة، ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ ﴿ إِنَّ عِدَّةَ أي عدد ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا أي في السنة اثنا عشر شهرا ﴿ فِي كِتَابِ اللَّهِ أي في حكم الله الذي كتبه في اللوح المحفوظ،﴿ فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أي هذا الحكم مكتوب عند الله عزوجل في اللوح المحفوظ يوم أن أوجد السماوات والأرض قال ﴿ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴿ مِنْهَا أي من هذه الأشهر الاثني عشر وهي ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ورجب، ومن ثم فإنه هنا من حكمة الله عزوجل أن جعل هذه الأشهر ثلاثة سرد وواحد فرد لأنه في شهر ذي الحجة يكون الحج والناس يأتون إلى مكة فكان قبله شهر حرام وهو ذو القعدة ثم الناس إذا انتهوا من الحج ينطلقون إلى بلدانهم فيحتاجون إلى شهر فكان شهر المحرم ثم بعد ذلك كان شهر رجب، فقال عزوجل ﴿ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ أي من هذه الأشهر من أشهر السنة أربعة حرم. ﴿ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ  الثابت الذي لا اعوجاج فيه ومن ضمنه هذا الحساب، هذا الحساب هو حساب الأشهر الحرم خلافاً لما صنعه الكفار إذ غيروا في هذه الأشهر الحرم كما سيأتي معنا ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فقال هنا ﴿ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ يعني هذه الأشهر الحرم هي الأشهر الحرم المنصوص عليها في حكم الله في اللوح المحفوظ فلا يجوز لأحد أن يغيرها ولايجوز لأحد أن يتبع المشركين فيما أحدثوه من هذه الأشهر التي في زعمهم، فقال هنا ﴿ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾  ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ بالذنوب وهذا يدل على أن الإنسان محرمٌ عليه أن يظلم نفسه، وقوله ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ الضمير هل يعود على أشهر السنة كلها أم على هذه الأربعة فقط؟ قولان والذي يظهر أنه عائدٌ على الأشهر الحرم لكن لا يعني أن الإنسان يجوز له أن يقترف الذنب في الأشهر الأخرى! كلا، لكن الذنب يعظم – من حيث كيفيته – يعظم في هذه الأشهر الحرم، ولا يعني ذلك أنه يُضَّعَف من حيث العدد وإنما من حيث الكيف بمعنى السيئة سيئة لكنها تعظم في الأشهر الحرم في ما لا يكون في سواها، فقال هنا ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚقال هنا فيما مضى ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ومر معنا في سورة البقرة هل القتال في الأشهر الحرم هل هو منسوخ بمعنى أن المسلمين يقاتلون الكفار حتى في الأشهر الحرم؟ أم أنه لايجوز للمسلمين أن يقاتلوا الكفار إلا إذا ابتدأ الكفار قتالهم في الأشهر الحرم؟ رجحنا في سورة البقرة من أنها ليست منسوخة وإنما لايجوز للمسلم أن يقاتل الكفار في الأشهر الحرم إلا إذا ابتدأ الكفار المسلمين القتال. فقال هنا ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ﴾        ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ هنا لعله استئناف جديد بمعنى وقاتلوا المشركين في غير الأشهر الحرم، أو قاتلوا المشركين في أشهر الحرم إذا ابتدأوكم في القتال، ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كافة قال العلماء لا تكون إلا مفردة لا تكون مثناة ولا تكون جمعاً ولا تُحلى بالألف واللام ولا يقال الكافة وأيضاً لاتكون إلا منصوبة باعتبار أنها حال، ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً أي جميعاً     ﴿ كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚكما أن الكفار يقاتلونكم جميعاً فقاتلوهم أيضاً وأنتم مجتمعون. فقال هنا  ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚوَاعْلَمُوا تنبيه للأمة ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ فمن اتقى الله عزوجل فالله معه يؤيده وينصره ويحفظه من هؤلاء الأعداء.

﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ  النسيء هو التأخير فكان الكفار إذا اشتهوا أن يقاتلوا في محرم فإنهم يجعلون محرماً – وهذا كمثال – يجعلونه مباحاً فيه القتل، فيجعلون صفر مكانه في التحريم فيغيرون ويبدلون لكنهم لايزيدون عن أربعة أشهر ولا ينقصون عن أربعة أشهر فإنهم يوافقون ما جعله الله عدداً من حيث الأربع لكن من حيث تطبيق وتعيين هذه الشهور فإنهم لا يعترفون بها،  يجعلون صفر هوالمحرم ويجعلون محرماً هو الشهر الحلال. فقال عزوجل هنا ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ أي هذا زائد على كفرهم فهم كفروا بالله وبشرع الله وأيضاً زيادة في الكفر لأن هنا ما زادوه هو كفر في التحليل والتحريم، سبحان الله قال هنا ﴿ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا أي يوقعون في الضلال عن طريق رؤساءهم وكبراءهم، ﴿ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾  ماهو هذا الضلال؟ ﴿ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا إذاً التحليل والتحريم لما وقع منهم فأحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل هذا يعد كفراً يعد شركاً، وتأمل لما ذكر اليهود والنصارى في قوله تعالى ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني أطاعوهم في تحريم الحلال و تحليل الحرام أيضاً كفار قريش لهم نصيبٌ من هذا التحليل والتحريم الذي هو كفر بالله عزوجل، قال ﴿ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا ُلِيُوَاطِئُوا أي ليوافقوا ﴿ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ   من حيث العدد يعني أربعة لكن بالنسبة إلى التفريق في الأشهر فهذا لا يعتبرونه مهماً وإنما يقولون نجعله أربعة أشهر ﴿ لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ أي عدد ﴿ مَا حَرَّمَ اللَّهُ  أي من الأشهر الحرم وهي أربعة ﴿ لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ والتزيين هذا من قبل الشيطان ﴿ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ فهذا عملٌ سيئ ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ  لم؟ لأنهم لم يتخذوا الطريق الصحيح وهو طريق الهداية، ولذا قال ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ  فلم يوفقهم لذلك لأنهم لم يُقبلوا على طريق الهداية، وختم الآية ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ختمها بالكفر مما يدل على ان صنيع هؤلاء هو الكفر بالله.