التفسير المختصر الشامل تفسير سورة التوبة من الآية (90) إلى (102) الدرس (124)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة التوبة من الآية (90) إلى (102) الدرس (124)

مشاهدات: 507

﴿ بسم الله الرحمن الرحيـــــــم ﴾

تفسير سورة التوبة من آية (90) إلى آية ( 102 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى أله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين ، اما بعد…

فكنا قد توقفنا عند قول الله عز وجل :

{ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } آية 90 التوبة.

{ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ } أي المعتذرون ممن له عذر يعتذر من النبيﷺ{ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ } يعني من كذب الله ورسوله فإنه لم يأتِ للاعتذار وإنما بقي متخلفا وأيضاً بقي لم يعتذر من النبيﷺ  ، وهذا الرأي هو أظهر من حيثُ السياق ، وقال بعض العلماء { وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ } أي جاء من يعتذر و ليس له عذر لكن هناك من هو أطغى من هؤلاء { وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ } فيكون هذان الصنفان ممن لا عذر له و إنما أراد أن يُخالف رسول الله ﷺ في التخلف عن الغزو لكن القول الأول هو الأظهر { وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ } أي من أجل أن يستأذنوا النبيﷺ ليأذن لهم {وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قال { سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فمن استمر على كفره فله العذاب الأليم المؤلم لكن من آمن فإن الله عز وجل غفورٌ رحيم { سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.     

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } آية 91 التوبة.

لما ذكر ما يتعلق بما سبق من هؤلاء بين أن هناك من لديه عذر وهم { لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ }. والضعفاء هو الضعيف إما لكبر سنٍ أو لهزولة جسمٍ أو ما شابه ذلك { لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ } أي من أصابه مرضٌ فلم يستطع الخروج للجهاد { لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ } أي ليس عليهم إثم كذلك الصنف الثالث الذي لا يجد نفقةً من أجل يتهيأ للخروج إلى الجهاد { وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ } أي ليس على من مضى ممن ذُكر ليس عليهم حرجٌ وإثم لأنهم معذورون { وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ } لكن يُنفى الحرج والإثم بشرط وهو قال { إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ } بمعنى أنهم إذا نصحوا لله باتباع شرعه ونصحوا للنبيﷺ  باتباع سنته وكانوا على أحسن ما يكون في التخلف من إقامة شعائر الله ومن القيام على شؤون المجاهدين اللذين خرجوا قاموا على شؤون أهاليهم هنا نصحوا لله ورسوله ، إذاً { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } أي هؤلاء قد أحسنوا و أرادوا الخروج لكن حصل لهم هذا العذر { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } وهذه آية عامة ليس على أي محسن سبيلٌ وحرجٌ { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ }  ثم ليعلم أن قوله { إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ } دل هذا على أن من نصح لله ونصح لرسول اللهﷺ  فهو من المحسنين { إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الله عز وجل غفور يتجاوز عن الذنب ورحيم إذ رحِم هؤلاء فلم يُكلفهم فوق طاقتهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ } آية 92 التوبة.

هذا صنفٌ يُمكن أن يدخل في الصنف السابق وهو الذي لا يجد نفقة لكي يخرج إلى الجهاد في سبيل الله لكن نص عليهم هنا باعتبار ماذا ؟ باعتبار أن نفراً أتو إلى النبيﷺ  ولم يكن لديهم مال وأرادوا منه النفقة حتى يخرجوا فالنبي ﷺ اعتذر منهم أنه لا يوجد عنده مال فبكى هؤلاء من أجل ماذا ؟ من أجل إنهم لم يخرجوا للجهاد ولم يُنفقوا في سبيل الله ، وأيضاً من باب التأكيد على ماذا ؟  على أن هؤلاء ما وجدوا نفقه وهم معذورون وحصل منهم ماذا ؟ البكاء بينما ما ذكره عز وجل في الآيات السابقات { وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ } التوبة آية 86

 ففرق بين هؤلاء وفرق بين هؤلاء فقال هنا { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } فليس عندي من النفقة { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا } انصرفوا { وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ } أي تسيلُ من الدمع مما يدل على حزنهم على ترك العمل الصالح مع أنهم معذورون فإن صاحب الإيمان فإنه إذا فاته العمل الصالح فإنه يحزن على ذلك { تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ } بسبب عدم وجود ما ينفقونه في سبيل الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{۞ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } آية 93 التوبة.

أي إنما الإثم والحرجُ على من يستأذن وهو غني { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ }  فلا عذر لهم { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ } كما ذكر عز وجل { وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ } التوبة آية 86 أي أولو الغنى  

{ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ } فقال هنا : { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ } رضو بأن يتخلفوا وأن يبقوا في المدينة مع من تخلف ممن له عذر من الضعفاء ومن النساء وما شابه هؤلاء الضعفاء { رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } ختم الله على قلوبهم بسبب نكوصهم عن الجهاد وعن الإيمان بالله عز وجل { وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }.

ولو كانوا أصحاب علم بعظمة الله وبثواب الله عز وجل لما استأذنوا ومن ثم فإن الآيات السابقات التي مرت معنا لما قال : { رَضُوا } يعني أصحاب الغنى { رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ }. التوبة آية 87 ، أي فهم لا يفهمون ولم يذكر من هو الطابع وهو الله عز وجل للعلم به وصرح هنا باسمه عز وجل من باب ماذا ؟ من باب أن الهداية والضلالة بيد الله عز وجل كما قال عز وجل : { مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الأنعام آية 39

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ۚ قُل لَّا تَعْتَذِرُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ۚ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } آية 94 التوبة.

أنتم أيها المؤمنون يعتذر إليكم هؤلاء المنافقون إذا رجعتم من غزوة تبوك { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ۚ قُل لَّا تَعْتَذِرُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } أي لن نصدق لكم { لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ } أي أخبرنا الله { قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ۚ } أي قبل أن نأتي إلى المدينة ونحن في تبوك نبأنا الله عز وجل وأخبرنا ببعض أخباركم { قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ۚ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } وسيرى الله عملكم ورسوله فيما يُستقبل من أحوالكم هل هي أعمالٌ صالحة أم أنها غير صالحة لكن شأنكم شأن من لا يأتي بالعمل الطيب فستفتضحون وسيفضحكم الله عز وجل وسيتبين حالكم للنبيﷺ  الذي طلبتم منه الاعتذار قال هنا : { وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } هذا في الدنيا والله عز وجل عالمٌ بأحوالهم قبل أن يخلقهم لكن هنا علمٌ يترتب عليه جزاء وظهور لحال هؤلاء من الخبث ومن الأعمال السيئة قال : { ثُمَّ تُرَدُّونَ } أي بعد ذلك أنتم في الدنيا ثم بعد ذلك يكون العذاب الشديد يوم القيامة { ثُمَّ تُرَدُّونَ } أي تُرجعون إلى عالم الغيب والشهادة فهو العالم بما غاب عن البشر وهو عز وجل عالمٌ بما شاهده البشر { ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي فيخبركم بما كنتم تعملون وهذا الإخبار منه عز وجل لهم يوم القيامة يتضمن العقاب الشديد { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ۖ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } آية 95 التوبة.

{ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ } إنما أرادوا أن يحلفوا لكم ليكسبوا رضاكم لكنهم لا يريدون رضا الله ولا رضا رسول الله ﷺ{ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ } أي إذا رجعتم إليهم { سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ } أعرضوا عنهم أمر هنا قال : { فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ } من باب عدم المبالاة بهؤلاء فإنه لا خير فيهم { فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ } وعلل ذلك بقوله : { إِنَّهُمْ رِجْسٌ } فهم أصحاب رجسٌ في قلوبهم وفي أعمالهم ولذا مر معنا في هذه السورة كما أن المنافقين هنا أصحاب رجس بل هم رجس كذلك المشركون كما مر معنا في نفس السورة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } فقال هنا : { إِنَّهُمْ رِجْسٌ ۖ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } مثواهم جهنم { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي بسبب ما كسبوه من الأعمال الخبيثة وأعظم أعمالهم الخبيثة هو النفاق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ يحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ۖ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } آية 96 التوبة.

{ يحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا } هم يحلفون بالله لدلالة الآيات السابقات { يحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ۖ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } هم يطلبون رضاكم لكن الله عز وجل لا يرضى عن القوم الفاسقين اللذين كفروا ونافقوا وهؤلاء قد ارتكبوا أعظم الفسق ولهذا لما ذكر عز وجل فيما مضى { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ } التوبة آية 62 ، قال هناك { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ } هنا صرح بأنه لو رضي المؤمنون فأن الله لن يرضا عنهم { يحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ۖ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } وفي هذا اثبات صفة الرضا لله عز وجل بما يليق بجلاله وبعظمته لكنه نفى ذلك عن هؤلاء المنافقين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } آية 97 التوبة.

لما ذكر عز وجل فيما مضى حال المنافقين في المدن ذكر حال المنافقين والكفار من الأعراب في البادية قال : { الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا } إذاً في الأعراب الكفر والنفاق وهو أشد من كفر و نفاق أهل المدن باعتبار ماذا ؟ باعتبار أنهم بعيدون عن تعاليم الدين { الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا } وليس معنى ذلك ذم الأعراب على وجه الإطلاق ولذا في الآيات التي ستأتي معنا { وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } التوبة آية 99

ثم ليعلم أن قوله تعالى : { الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا } أي من أهل المدن و إلا فأهل المدن فيهم نفاق وفيهم كفر { وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ } أي حقيقٌ بأن لا يعلموا حدود ما أنزل الله كذلك هؤلاء الأعراب هم أجدرُ أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله أعظم ممن كان في المدن { وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ رَسُولِهِ ۗ } ولذا مر معنا فيما مضى من آيات عن المنافقين { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ } التوبة آية 63 ، دل هذا على ماذا ؟ على أن هناك من أهل المدن من لم يعلم حدود الله ولم يعمل بحدود الله عز وجل فقال هنا : { وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فهو عز وجل عليمٌ بأحوال أهل المدن وبأحوال أهل القرى وممن كان حول المدينة وحكيمٌ عز وجل إذ هدى من شاء بفضلٌ منه عز وجل وخذل فأضل من شاء بحكمةٌ منه وبعدل { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } آية 98 التوبة.

أي ما ينفقه من هؤلاء الأعراب ما ينفق من الأموال يتخذها مغرما بمعنى أن هذه الزكاة وتلك الصدقة التي ينفقها إنما يراها أنها غُرم وأنها خسارةٌ عليه فقال عز وجل : { وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ۚ} ينتظر بكم دوائر الشر كالدائرة التي تحيط بالإنسان فهم يتربصون بكم الشرور من كل جانب { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۗ } عليهم دائرةُ السوء إما إخبارٌ بأن الدائرة السيئة تكون عليهم أو دعاءٌ عليهم ولا تنافي بين هذين الاحتمالين فهو دعاءٌ عليهم بالسوء ومعلوم أن خاتمة هؤلاء أن خاتمتهم تكون دائرةُ السوء عليهم {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } سميعٌ لما قالوه من أن هذه الزكاة غُرم وعليمٌ عز وجل بحالهم ومن ثم فأنه سيجازيهم على ما فعلوه وعلى ما قالوه.

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } آية 99 التوبة.

دل هذا على أن القرآن بين أن هناك من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر خلافاً للصنفين السابقين { وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ } قال هنا : { وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } هذا مقابل أولئك اللذين قال فيهم : { الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا } وقال بعدها : { يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ } هذا مقابل ما قال عز وجل عن أولئك : { وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ۚ} فهنا هؤلاء جمعوا بين الإيمان بالله وباليوم الآخر وكذلك انفقوا ابتغاء وجه الله عز وجل { وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ } أي ما ينفقه يكون ذلك ابتغاء وجه الله من أجل أن تقربه هذه النفقة إلى الله { وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ } أي من أجل أن يدعو له الرسول ﷺكما سيأتي معنا في قوله تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } التوبة آية 103 فإذا أتاه أهل قومٍ بالزكاة قال اللهم صلِ على آل فلان كما ثبت قوله الرسولﷺ لما أتاه آل أبي أوفى قال اللهم صلِ على آل أبي أوفى لما أتاه بالصدقة فقال هنا : { وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا } ألا تنبيه { إِنَّهَا } للتأكيد {قُرْبَةٌ} أي الصدقة قربة يعني يتقربون بها إلى الله { أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ } فدل هذا على ماذا ؟ على أن الإيمان بالله واليوم الآخر وانفاق الأموال ابتغاء وجه الله سببٌ لنيل رحمة الله { سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فمع ما أتو به من هذه الأعمال فما حصل من نقصٍ فأن الله غفورٌ ورحيمٌ عز وجل بهم إذ لم يُكلف عباده فوق ما يُطيقون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } آية 100 التوبة.

سبحان الله لما ذكر أصناف هؤلاء من المنافقين اللذين هم في المدن وكذلك من الأعراب اللذين هم في البادية ذكر هنا من ؟ الصنف الذي هو أعظم الأصناف اللذين سابقوا وسارعوا إلى الإيمان بالله وبرسول الله ﷺفقال  : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} من باب ماذا ؟ من باب أن العبد يحرص على أن يقتدي بهؤلاء وينأ بنفسه عن الاقتداء بأهل النفاق والكفر والشك والشقاق والشرك من أهل المدن ومن أهل البادية فقال هنا : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} قال والسابقون يعني هم سبقوا وأيضاً هم الأولون { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ}  من هؤلاء ؟ من المهاجرين والأنصار فقدم المهاجرين لأن معتقد أهل السنة والجماعة أن المهاجرين أفضل من الأنصار مع ما لكل صنفٍ من الفضل رضي الله عنهم وأرضاهم ، فقال هنا : { مِنَ  الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ } اللذين نصروا رسول الله ﷺ { مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } أي من جاء بعد هؤلاء ممن أتى بعدهم في زمن النبي ﷺ بعد السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن جاء بعدهم من التابعين وتابعي التابعين إلى قيام الساعة من حذا حذوهم وكان ذلك الحذو وكانت تلك الطريقة على نفس طريقتهم فأنه ينالُ مثل ما نالوه وإن كانوا قد نالوا ماذا ؟ نالوا السبق في الخير باعتبار أنهم سبقوا إلى الخير لكن كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } قيد قال بإحسان فدل هذا على من أن قال أنني من أتباعِ أصحاب النبي ﷺ ، أو قال أنني من السلف ، أو إنما أقوله فيما أذكره من أدلة من القرآن أو من السنة هي طريقة السلف فنقول له إذا كانت طريقتك وإذا كانت أعمالك وإذا كان استدلالك وإذا كان فهمك للنصوص الشرعية على حسب ما فهمه سلف هذه الأمة من الصحابة رضي الله عنهم تكون كذلك وتكون قد اتبعتهم بإحسان وإلا فلا { وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } ما جزاؤهم؟ { رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } رضي الله عنهم إثبات صفة الرضا لله عز وجل بما يليق بجلاله وبعظمته هنا رضي عز وجل عن أهل الخير والصلاح والإيمان رضي الله عنهم وبما قدموه من أعمل طيبة ورضو عنه بما أعد لهم وبما أعطاهم من النعيم والثواب { رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } وهذا فيه منقبة لسلف هذه الأمة من صحابة النبي ﷺوكذلك من جاء بعدهم وفي هذا ردٌ على الرافضة اللذين يسبون أبا بكر رضي الله عنه فأنه أعظم الصحابة على الإطلاق فدل هذا على أن هذه الآية فيها الرد العظيم على الروافض اللذين يسبون أبا بكر وعمر ويسبون سائر الصحابة رضي الله عنهم فلا خير في قوماً سبوا أصحاب النبي ﷺ ولذا قال عز وجل كما ذكر عز وجل في سورة الفتح : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ } الفتح آية 29

أخذ الإمام مالك في بعض أقواله من أن الرافضة كفار لأنه قال : { لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ } فدل هذا على ماذا ؟ على عظم وخطورة مذهب الرافضة.

{ وَأَعَدَّ لَهُمْ } أي هيأ لهم { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ } أي بساتين { تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ } ولم يقل هنا من تحتها فدل هذا على ماذا ؟ دل هذا على أن من للتوكيد تُزاد للتوكيد وهنا حُذفت والعلم عند الله لأن التأكيد من حيث الظرف يكون أقل من غيره وهي مع الظرف لا يُحتاج إلا توكيدٍ أكثر ولذا في قراءة سبعية ذُكرت ( من تحتها ) إذاً فلا يُنظر إلى أولئك اللذين دخلوا في هذا القرآن وأولوه وحرفوه على حسب نظريات فيزيائية أو عقلانية ممن جعل على حسب عقله جعل القرآن حسب ما يدعو إليه عقله وما تدعوا إليه نظرياته من أنه فرق بين وجود ( مِن ) ومن عدم وجودها فنقول هناك قراءة سبعية فيها كلمة ( مِن ) وهذا يعتبر قاعدةً فيما يتعلق بهؤلاء فلا يجوز لأحدٍ أن يفسر القرآن بنظريات عقلية أو فيزيائية كصنيع بعض القوم في هذا الزمن ولا يجوز لأحدٍ أن يُتابع هؤلاء أو أن يستمع لهؤلاء حتى لا يُضلوه وحتى لا يصرفوا قلبه عن تدبر هذا القرآن الذي فهمه السلف رحمهم الله على أحسن ما فُهم لأن الصحابة رضي الله عنهم هم من عاصر تنزيل القرآن وعاصروا النبي ﷺ{ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ } فهم خالدون فيها لا يخرجون عنها أبد الآباد { ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } هذا هو الفوز العظيم يوم القيامة يوم أن يدخل المسلم في جنات النعيم ويرضا الله عز وجل عنه ويرضا عن الله لما أعد الله عز وجل ولما أعطاه من النعيم العظيم { ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .

       ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } آية 101 التوبة.   

بين هنا ماذا ؟ أن هناك من قد بلغ في النفاق مبلغاً عظيما قال : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ } أي حول المدينة من القبائل منافقون { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ } أي من أهل المدينة من مرد على النفاق أي أن النفاق قد بلغ به مبلغه وهذا لا يُعارض ما ذكرناه في قوله تعالى : { الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا } هذا من حيث العموم لكن هناك طائفة لأن منشأ النفاق من ماذا ؟ من المدينة ولذا قال البعض { وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ } فهناك رؤساء بلغوا الرأس العظيم في النفاق فقال هنا : { وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ } أي  من بعض منافقِ أهل المدينة هم قومٌ مردوا على النفاق { مَرَدُوا } أي أنهم تجردوا للنفاق كأنه لا يوجد عندهم إلا تتبع النفاق كما يُقال ( غصنٌ أمرد ) لأنه سقطت أوراقه بمعنى أنهم تجردوا وجعلوا أنفسهم دعاةً ورؤساء لهذا النفاق وهذا تحذيرٌ من الله للنبي ﷺ  وللصحابة رضي الله عنهم.

{ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ  } فدل هذا على أن النبي ﷺ لا يعلم الغيب وفي هذا أيضا الرد على الصوفية اللذين يقولون إن الحُجب تنكشفُ لهم حسب تلك الأفعال من تجويع أنفسهم أو ما شابه ذلك من حبس النفس أو من الخلوة فأن تلك المكاشفات هي مخالفة لشرع الله فدل هذا على ماذا ؟ على أن النبي ﷺإذا كان لا يعلم بحال هؤلاء المنافقين فكيف بأولئك  الصوفية اللذين يقولون تنكشفُ لنا الحُجب فنرى ما لا يراه غيرنا.

{ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } إذاً لا تقلق يا محمد ولا تحزن فأنك في حفظ الله وفي رعاية الله.

{ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } يردون أي يرجعون إلى عذاب عظيم وهو يوم القيامة وهنا ذكر قال : { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ }  هل هذه المرة في الدنيا بحيث يُصيبهم ما يُصيبهم من الأمراض الهموم وما شابه ذلك ثم عند قبض أرواحهم كما قال تعالى في نفس السورة :

 { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } التوبة آية 85  ، أي تخرجُ أرواحهم بشدة حال قبضِ أرواحهم ، أو أن كلمة مرتين ليس المقصود العدد وإنما المقصود التكرار لأن التثنية قد تأتي ولا يُراد منها التنصيص على اثنين وإنما يُراد التكرار كما قال تعالى : { ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ } الملك آية 4 ، يعني كرر النظر وليس المقصود العدد اثنتين فقط فقال هنا : { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } قال بعض العلماء أي أن الله عز وجل يعذبهم باستمرار فما يزالون في عذابٍ مستمر ولعل قوله عز وجل فيما ممن مضى معنا : { فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ } التوبة آية 55 ، يشمل هذا كله من حيث التكرار تتكررُ عليهم الهموم والخوف من أن تنكشف أحوالهم وما شابه ذلك.

{ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } .  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } آية 101 التوبة.

  هنا ليس معطوفاً على ما سبق يعني ليس هؤلاء اللذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئا ليسوا من أهل النفاق لا هم من أهل الإسلام قال :

{ وَآخَرُونَ } أي وآخرون من المسلمين غير هؤلاء أهل النفاق.

{ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا } أي وآخرون اعترفوا بذنوبهم كحال من استأذن ولم يكن له عذر وكان قلبه تقياً مؤمنا لكن جرى ما جرى من كسلٍ أو ما شابه ذلك فاعتذر لكسلٍ أو ما شابه ذلك وتاب فالله عز وجل سيغفر له قال : { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا } أي وعملاً آخر سيئا.

 { عَسَى اللَّهُ } عسى من الله واجبة ومتحققة الوقوع لكن ذكر كلمة ( عسى ) من باب ألا يطمئن العبد إلى عمله فيكون بين الخوف وبين الرجاء { عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ } بمعنى أنه يوفقهم للتوبة ويقبلُ هذه التوبة منهم { عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فهو الغفور عز وجل الذي يغفر الذنوب لعباده وهو رحيمٌ بهم إذ شرع لهم هذه التوبة { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

،، تم بحمد الله ،،