التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (111) إلى نهاية السورة الدرس (89)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (111) إلى نهاية السورة الدرس (89)

مشاهدات: 515

تفسير سورة المائدة من الآية (١١١) إلى نهاية السورة

الدرس (٨٩)

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

قوله تعالى :

{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} عدها عزوجل نعمه سبحان الله من صرف عنه هذا المخلوق فإنها نعمة ،  وأيضا من قُبل قوله لأنه قول حق فإنها نعمة فلما آمن به الحواريون عدّها عزوجل نعمة لكن ليُعلم أن الإنسان لا يفرح بقبول الناس لقوله إذا لم يكن على الطريق الصحيح فلا تغرنك الكثرة ولذا قال بعض السلف لشخص قيل له من أن فلان لم يذمه أحد من أهل بلدته قال إنه رجلٌ سوء لأنه يرى المنكر ويرى ما يغضب الله وإذا به يسكت إذاً قد يقبل الإنسان ويُقبل قوله باعتبار أنه يتهاون في ما يتعلق بالأمر بالمعروف و بالنهي عن المنكر ويتهاون في تبيين الحق والدين {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} {وَإِذْ أَوْحَيْتُ} هنا وحيٌ من الله لمن؟ للحواريين وهذا الوحي قال بعض العلماء إنما هو أمرٌ مما جاء في الإنجيل فهذا يكون وحياً بهذا الاعتبار والذي يظهر انه وحي إلهام كما هو الشأن في من أوحى الله عزوجل إليه الهاما { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ} فهذا وحي الهام فتوفيق من الله إذاً قول الحواريين في ما مضى معنا في سورة آل عمران { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ} هذا ليس من حولهم ولا من قوتهم الهداية من الله والتوفيق من الله عزوجل ولذا قال {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} { أَنْ آمِنُوا بِي} على أن هو الإله الواحد الأحد الذي لا شريك معه قال {وَبِرَسُولِي} من باب التنصيص والتأكيد على أن عيسى ليس إلٰهاً ولا ثالث ثلاثة ولا ابناً لله وإنما هو رسول لله ولذا قال {وَبِرَسُولِي} {قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} ومر معنا من هم الحواريون؟ وما أوصافهم في سورة آل عمران {قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} من باب التأكيد في سورة آل عمران {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ  قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} قال هنا بأننا مسلمون من باب التأكيد على أنهم مع أن الأولى فيها تأكيد التي في سورة آل عمران لكن هنا به تأكيد على تأكيد بأننا مسلمون وذلك والعلم عند الله لماذا أتى هنا بكلمة بأننا عن هؤلاء وفي سورة آل عمران بأن باعتبار أنهم سيطلبون طلباً ذلكم الطلب في ظاهره أن فيه شكاً في قدرة الله عزوجل وتأملوا قدم الإيمان و أخر الإسلام مما يدل على ماذا؟ على أن الإيمان لما امتلأ بالقلوب ظهر على الجوارح لأن الإيمان إذا اجتمع مع الإسلام فالإيمان من حيث الباطن والإسلام من حيث الظاهر {قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} هنا قول عظيم من حيث الظاهر {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ} في ظاهره أنه شكٌ في قدرة الله عزوجل على القراءة السبعية إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل تستطيع ربك يعني هل تسأل ربك فهذا لا إشكال في ذلك يعني هل تستطيع أن تسأل ربك لكن على هذه القراءة {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ} ومن ثم قال بعض العلماء ليسوا بمؤمنين فهؤلاء ليسوا بمؤمنين إذاً ماذا تقول في الآيات السابقات {قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ} قال إنّ كلمة إذ متعلقة بقولهم آمنا بالله فإنهم قالوا هذا القول مدعين حال قولهم الإيمان والإسلام ومع ذلك فليسوا بأهل إيمان وليسوا بأهل إسلام والصحيح من حيث الظاهر من أن هؤلاء يعني الحواريين من أنهم مؤمنون وأن قوله {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ} أي واذكر فهي جملة مستأنفة ليست متعلقة بما سبق فيكون هؤلاء من؟ يكون الحواريون مؤمنين وليسوا بأهل شك في قدرة الله عزوجل لما؟ لأن الله عزوجل قال عن هؤلاء في الآيات السابقات {قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} فلو كانوا أهل نفاق فإن الله عزوجل سيفضحهم هذا أولاً ثانياً في سورة آل عمران {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ} فكفر غيرهم وآمنوا فإنهم أظهروا الإيمان وبينوا أنهم مؤمنون باعتبار الرد على من كفر والمعارضة لمن كفر ثالثاً : الله جل وعلا أمر هذه الأمة بأن تقتدي بالحواريين { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ} رابعاً: هم لما طلبوا هذا الطلب {قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} فما طلبوها شكاً في قدرة الله وإنما طلبوها من باب زيادة العلم اليقيني كما قال عزوجل عن إبراهيم {ولكن ليطمئن قلبي} إذاً كيف يكون معنى هذه الآية {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} يعني يكون معناها هل يطيعك ربك في هذا الأمر لأن التاء و السين تكون زائدة كما في قول أجاب و استجاب فهما بمعنى واحد وأيضاً لو قيل هي على ظاهرها {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ}  بمعنى أنهم لم يشكّوا في قدرة الله فهم يعلمون قدرة الله على ذلك وإنما من باب الطلب كما تقول لشخص ولله المثل الأعلى أتستطيع أن تفعل هذا الشيء؟ أو أن تقول أتستطيع أن تحمل هذا الشيء؟ وهو يستطيع حمله تعرف علم اليقين أنه يستطيع أن يحمله كما لو قلت لك أنت مثلاً هل تستطيع أن تحمل هذا القلم ؟ فأنت تستطيع بمعنى: الطلب يعني به طلبٌ مني لك بأن تحمل هذا القلم مع علمي اليقيني من أنك قادرٌ على حمله فيكون هذا المعنى كهذا المعنى ولله المثل الأعلى {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ } المائدة هي الشيء الذي يوضع عليه الطعام هذا هو ما عليه الأكثر وبعضهم قال المائدة هي الطعام نفسه ولا تعارض بين هذا وهذا فهم طلبوا ماذا طلبوا مائدة عليها عليها ماذا ؟عليها طعام قال: {أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أمرهم عيسى عليه السلام بتقوى الله لأن مثل هذا الطلب طلب لا طائل من وراءه لأن الآيات إذا أتت قد تأتي ومع ذلك قد لا يُؤمَنُ بها ماذا قال عزوجل عن بني إسرائيل في الآيات السابقات {وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ} فأنتم تطلبون البينات وأنتم مؤمنون لكن ربما أن تُفتنوا فتُصرفوا عن هذا الإيمان {قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فهذه الاقتراحات لا ينبغي أن تذكروها قالوا: معللين هذا الطلب {قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا} أن نأكل منها من أجل الأكل {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} فيصل هذا إلى العلم اليقيني {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا} فنحن نصدقك لكن لما تأتي الآيات تلوَ الآيات و آية ظاهرة تختلف عن آية أخرى هنا أي شيء تأتي به يعظم عندنا صدقك {وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} أي: نشهد على من كفر بك بأنه كفر طغياناً فنكون قد شهدنا لما نزلت هذه المائدة ورأيناها عياناً نشهد على من لم يؤمن بك بأنه من الطغاة ومن الكفار{ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا} وهذا أيضاً دليل على ماذا؟ على أنهم كانوا مؤمنين لو كان تعنتاً لما طلب عيسى ماذا؟ هذا الطلب {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ} عيسى عليه السلام تضرّع إلى الله ولذا جمع بين كلمة اللهم وكلمة ربنا وهذا يدل على أن العبد إذا دعا الله يتضرع إليه ويثني عليه ويكثر من الثناء عليه وهذا يدل على أن الجمع بين كلمة اللهم و الرب في الدعاء من أنه جائز بل نقول هو مسنون ليس بما جاء عن عيسى عليه السلام فقط بل بما جاء عن رسولنا ﷺ جاءت أحاديث كثيرة منها عند مسلم “اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل …” الحديث ،  { قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا} ماذا قال ، تكون لنا عيداً سبحان الله هم طلبوا أول ما طلبوا الأكل مما يتعلق بالمصلحة الدنيوية لكن عيسى عليه السلام ذكر ما يتعلق بالمصالح الدينية فقال هنا تكون لنا عيداً لأولنا وذكر العيد والعيد هو: ما عاد على وجهٍ معتاد إما بتكرر اليوم أو الشهر أو الأسبوع أو السنة وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن الأعياد من الشرع فإنه ما قال تكون لنا عيداً إلا من أجل من أن الأعياد تكون من الشرع فمن ابتدع في دين محمد ﷺ عيداً فإنه خالف سنة النبي ﷺ وخالف سنة المرسلين ولذا قال هنا : { تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا} ولذا قال ﷺ: “إن الله قد أبدلكما بخير منهما” عيد الفطر وعيد الأضحى فما يأتي أحد ويقول على شيء قد تكرر مجيئه في زمن معين يقول هذا يوم أو هذا كذا أو هذه مناسبة هي هي هو عيد بحسب التعريف ومن ثم يقع في مخالفة حديث النبي ﷺ {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} بمعنى أنها نعمة من الله علينا ونتخذ هذا عيداً نتعبد لك فيه ونفرح فيه سبحان الله قال هنا {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} هي ما نزلت إلا عليهم فكيف تكون لأولهم؟ {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} هذا يدل على ماذا؟ يدل على أن من في الحاضر ممن هو في مثل هذا الزمن يصدق عليه أن يقال هو أول باعتبار ما ذكر بعده من كلمة الآخر فكلمة الآخر تدل على ماذا على أن كلمة الأولية باعتبار المخلوق تكون لمن كان في زمن الحاضر {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ{ أي علامة ودلالة منك تدل على ماذا تدل على صدقٍ { وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا} وارزقنا أخر ما يتعلق بالمصلحة الدنيوية ولم يقل لنأكل منها قال: الرزق لأن بها رزقاً فليس بها رزق فقط في ما يتعلق بالمصلحة الدنيوية بل بها رزق أيضاً في ما يتعلق بالمصالح الدينية ولعلّ كلمة وارزقنا تشمل كل ذلك وارزقنا ثم أثنى على الله عزوجل كما أثنى عليه في أول الدعاء أثنى عليه في آخر الدعاء{ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} وهل هذه المائدة نزلت أم لا؟ قال عزوجل بعدها {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ} منزّلها عليكم منزلها بالتشديد يدل هذا التضعيف والعلم عند الله على أنها نزلت كثيرة أو نزلت شيئاً فشيئاً باعتبار التضعيف وإن كان على القراءة الأخرى إني منزلها فتكون نزلت دفعة واحدة والله أعلم بالحال فقال هنا: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي} أي بعد هذه الآية {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا} أكد ذلك بكلمة عذاباً من باب التأكيد على أنه عذاب حقيقي {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} وذلك لخطورة ماذا؟ لخطورة هذا الأمر بأن تقترح الآيات وتنزل وإذا بهؤلاء يكفرون بها ومن ثم فهل هي نزلت أم لا ؟ بعض العلماء يقول إنها لم تنزل وإنما هذا ضرب مثال ولم يحصل نزول وقال بعض أهل العلم إنما لما قال عزوجل {فمن يكفر بعد منكم فإني اعذبه عذاباً} قالوا :لا تنزل علينا والصحيح أنها نزلت باعتبار ظاهر السياق {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} وقد جاء حديث عند الترمذي لو صح لكان فيصلاً نزلت المائدة من السماء وعليها خبز ولحم فأمرهم الله عزوجل أن يأكلوا وأن لا يخونوا وأن لا يدخروا فخانوا و اتدخروا فعذبهم الله عزوجل لكن هذا الحديث ضعيف وجاءت بعض الآثار التي تدل على ذلك فعلى كل حال المائدة نزلت لظاهر الآية ولهذه الآثار لعلها يعضد بعضها بعضاً باعتبار ما جاء عن بعض السلف في هذا إن كان يعضد بعضها بعضاً وإلا فظاهر الآية واضح وما ذكر من أن هناك أشياء نزلت هذه المائدة وبها أنواع من الأطعمة قلت لكم عند الترمذي خبز ولحم وعلى كل حال أفاض المفسرون كثير من المفسرين في هذا الباب وليس هناك دليل صحيح في بيان نوعية ذلك الطعام الذي نزل في هذه المائدة فالإنسان يعتبر بدون النظر إلى ما نزل من هذه الأطعمة فلو كان في توضيحها فائدة لذكرها الله عزوجل أو لذكرها النبي ﷺ في ما صح عنه {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ} هذه الآية قال عنها بعض أهل العلم هذا القول من الله عزوجل لعيسى ابن مريم إنما هو في الدنيا وإنما قالوا في الدنيا باعتبار كلمة إذ {وإذ قال الله} فكلمة إذ لما مضى وكلمة إذا لما يستقبل و القيامة لم تقم بعد فقالوا بهذا القول والصحيح أن هذه الآية إنما هي في يوم القيامة لما ؟ لدلالة الآيات السابقات {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} وكذا بدلالة آخر الآيات التي بعدها { هذا يوم ينفع الصٰدقين صدقهم} فتكون كلمة إذ بمعنى المستقبل لأن كلمة إذ إذا دلت القرائن ودل السياق تكون بمعنى المستقبل ولذا كانت هنا بمعنى الماضي باعتبار أنه لابد من وقوعه فهو متحقق وقوعه ومن ثم أتى بكلمة إذ كما قال تعالى {أتى أمر الله} والآيات في هذا كثيرة {وإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} يعني في يوم القيامة على رؤوس الخلائق وهذا من باب السؤال منه عزوجل من أجل أن يجيب عيسى بالنفي من باب التحقير والتبكيت لحال من جعله إلها {وإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} ولم يقل واصفاً له بالنبوة أو بالرسالة من باب أنه ابن لمريم {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} سُئل هنا من باب التبكيت والتحقير لمن عَبَدهُ كما قال عزوجل: { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} سئلت باعتبار التحقير لمن قتلها {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ} وهذا يدل على أن عيسى عليه السلام كما اتُخذ إلٰهاً اتخذت أمه إلٰهاً ولذا هذا يرجح ما ذكرناه في الآيات السابقات { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةِ} باعتبار عيسى ومريم ويقولون معهما الله تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ} قال بعض العلماء لم تتخذ مريم على أنها آلهة يقولون ما ذكر هذا فالجواب عن هذا من أن مريم اتخذها بعض النصارى إلٰهاً حتى لو قيل تنزلاً من أن هؤلاء لم يتخذوا مريم إلٰهاً فإن عيسى جزء منها فمن زعم بأن عيسى إله يلزمه أن يقول بأن مريم إله {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ} ولذلك في الآيات السابقات في ثنايا هذه السورة ماذا قال تعالى :{مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} دل هذا على أن قوله كانا يأكلان الطعام من أن مريم اتُخذت إلٰهاً كما اتخذ عيسى إلٰهاً {قَالَ سُبْحَانَكَ}قال عيسى سبحانك قدم كلمة سبحانك تنزيهاً لله عزوجل عن ما لا يليق به ومنه ما يقال من هذا القول الفظيع { سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} هذا ليس من حقوقي ولا حق لغيري من البشر وهذا يدل على ماذا؟ على أن التوحيد حق لله عزوجل وأن العبادة حق لله عزوجل ومن ثم فإن قول لا إله إلا الله تعريف البعض لا معبود إلا الله خطأ لابد أن نضيف كلمة حق لا معبود بحق إلا الله {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ} لأنه عالم الغيب والشهادة {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ} ومر معنا الحديث عن إثبات النفس لله عزوجل وهل هي صفة أم أنها ليست صفة وإنما هي نفس الله عزوجل وذات الله عند قوله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} في سورة آل عمران {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ} أكد ذلك {عَلَّامُ الْغُيُوبِ}  ولم يقل عالم الغيوب كما قالته الرسل في أول الآيات {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} فقال عيسى عليه السلام هنا :{إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}{ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} ما هو؟ أن تفسيرية {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ} في ثنايا السورة {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} سبحان الله! تأمل إلى ماذا إلى خضوع عيسى عليه السلام لم يقل ما أمرتهم إلا بما أمرتني به وإنما قال  {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} مع أن القول هو أمر من الله وذلك من باب تعظيم الله عزوجل {والأمر يومئذٍ لله} فلا أمر إلا أمره {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} كنت شهيداً ومطلعاً عليهم لما كنت بينهم {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} قال بعض العلماء { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} بمعنى: أنه اماته الله عزوجل ثم رفعه ومن ثم فإن الصحيح هو القول الآخر{ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} أي : قبضتني ورفعتني حيّاً إلى السماء لأنه على القول الآخر يكون رفع وهو ميت لكن المعجزة تدل على أنه رُفع وهو حي لما أرادوا قتله لما أرادوا قتله {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ} أنت ضمير يؤكد أيضاً ما سبق {كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} أنت الرقيب والمطلع على حال هؤلاء كنت أنت الرقيب عليهم ثم من باب التعظيم لله عز وجل { وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ليس على هذا الأمر أنت شهيد ومطلع ورقيب بل {عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} أنت المتصرف فيهم والمتولي أمورهم { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قال {فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.ولم يقول الغفور الرحيم {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} مع علمه عليه السلام من أن الله لا يغفر لمن لكافر فكيف يقول {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قال بعض العلماء هذا من باب الاستعطاف والرأفة بحالهم مع علمه أن الله عزوجل لن يغفر لهم وقيل هناك فصل {إِن تُعَذِّبْهُمْ} أي ممن كفر {فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ} ممن آمن {فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} والذي يظهر الذي يظهر من قوله : {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تفويض الأمر إلى الله وتدبير الحال من الله عزوجل فله تدبير ما يريد وما يشاء ولذا ختم الآية بقوله: {فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أنت القوي الغالب فمن قدرتك لو أردت أن تغفر لهم فلك ذلك وأنت الحكيم فيما تحكم به {فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وهذا من باب تفويض الأمر لله عزوجل وتعظيم الله عزوجل فقال عيسى هذا القول مع علمه أن الله عزوجل لن يغفر لكافر لن يغفر لكافر {فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قال الله ولذا والعلم عند الله ظهرت لي الآن فائدة وهي قال: {فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} بأنه عزوجل لن يغفر لهم لأنهم كفار باعتبار ماذا من أنه عزوجل والعلم عند الله من عزته أنه حكم على هؤلاء بماذا؟ بالكفر وعدم الغفران كما مر في نفس السورة في شأن السارق { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} عز فحكم فقطع إذاً هنا والعلم عند الله عز فحكم وحكمه فيما أخبر به أنبياءه من أنه لن يغفر لكافر قال {الله قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ} أي يوم القيامة {هَٰذَا يَوْمُ} يوم خبر معرب لكلمة هذا قراءة أخرى هذا يومَ باعتبار أنها مبنية على الظرفية ومن ثم أردت لهذا مع أنها كما قلت فيما مضى من أن مثل هذه الفرائض قد لا أتعرض لها لكن من باب أن أوضح أمراً وهو قول النبي ﷺ كما في الصحيحين: “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيومَ ولدته أمه” أو كيومِ على أنه معرب كيومِ ولدته أمه و الأحسن كيومَ ولدتهُ أمه فالأفضل في قوله عليه الصلاة والسلام : كيومَ ولدته أمه من أنها تكون مبنية باعتبار أن ما بعدها فعل ماضِ ولدته لكن إذا كان ما بعد كلمة يوم جملة فعلية وهي مضارع هنا يكون الإعراب كما هنا : {هذا يوم ينفع} ينفع فعل مضارع {هذا يوم ينفع الصٰدقين صدقهم} سبحان الله! لما ذكر ما يتعلق بعيسى قال: {هذا يوم ينفع الصٰدقين صدقهم}  لما لأن من بين هؤلاء الصادقين عيسى عليه السلام لما سأله الله عزوجل {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ} صدق عيسى أيضاً في نفس السورة أمهُ ماذا قال أمه صِدِّيقَةٌ إذاً هذا اليوم يوم القيامة ينفع مَن ؟يوم ينفع أصحاب الصدق {هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} مما يدل على فضله عزوجل إذ جعل هذا الصدق جزاءً لهم {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي} أي بساتين {تجرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} أي لا يخرجون منها أبداً ولا يبغون عنها حِولاً{ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} بما أتوا به من الأعمال الطيبة { وَرَضُوا عَنْهُ ۚ} بما أعدّ لهم من الثواب وفي هذا إثبات الرضا لله عزوجل بما يليق بجلاله وبعظمته {ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الفوز العظيم الذي لا أعظم منه ما ذكر من نعيم هؤلاء ثم لما ذكر ما ذكر عزوجل في ختام هذه السورة قال : {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ} إذاً ما مضى مما ذكر في هذه السورة مما شرعه عزوجل من أحكام حكم بها على عباده هم ملك لله فواجب عليهم أن يطيعوا الملك ما ذكر عزوجل من حال عيسى عليه السلام هو ملك لله وهو من ضمن من في الأرض فكيف يكون إلهاً فإذاً لو تأملت السورة كلها وتأملت هذه الآية الأخيرة لوجدت التناسب العظيم قال : {مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ} وأيضاً من ملكه أنه حكم حكمه الجزائي فحكمه حكمٌ قدري على ما يقدّره عزوجل على الناس مما يلائمهم ومما لا يلائمهم حكمه الشرعي على عباده من العبادات حكمه الجزائي الذي يجزي به عباده { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ} لأن بعض من يملك قد لا يقدر لكن هنا قال: {وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فهو عزوجل مالك الملك وهو قدير عزوجل على كل شيء ولا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض وبهذا بحمدٍ من الله عزوجل تم الانتهاء من تفسير سورة المائدة ونشرع بإذن الله عزوجل في الدرس القادم في سورة الأنعام وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وصلى الله وسلم وبارك على نبينا مُحمد.