بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة المائدة من الآية
(20) إلى آية (٣١)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
قوله تعالى :
{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} وإذ قال موسى لقومه يا قوم سبحان الله هنا ذكرَ ما يتعلق بمن ؟ باليهود فيما سبق ذكر شيء مما يتعلق بالنصارى هنا ذكر ما يتعلق بشيءٍ من اليهود من باب التسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن حال هؤلاء كحال أجدادهم وأسلافهم لما عصوا من ؟ موسى عليه السلام، فلا تحزن على هؤلاء يا محمد قال هنا: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ } قال يا قومي ذكرها مرة أخرى ولم يقل وإذ قال موسى لقومه اذكروا وإنما قال يا قوم لعل ذلك من باب التلطف معهم من أنه منهم و أنهم يعرفون صدقه وكان الواجب عليهم أن يطيعوه فقال هنا : { قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } ونعمه عز وجّل عليهم كثيرة تفسير هذه النعمة مذكورة هنا : { جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ } وتذكروا ما قلناه من أن الأنبياء كثر في بني إسرائيل بعد موسى ،
كما قال عز وجل وذكرنا ذلك مفصلاً في سورة البقرة : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } قال هنا إذ جعل فيكم أنبياء و كما مر معنا في سورة البقرة : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ } دل على أن الأنبياء أتت متوالية بعد من بعد موسى فكان آخر رسول لبني إسرائيل من هو عيسى عليه السلام فقال : { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا } إذ كنتم خدماً وكنتم أسرى و عبيداً عند فرعون فنجاكم وملككم الأرض :{ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } ،{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ } إلى غير ذلك من هذه الآيات ومن أعظم ما يملكه الإنسان أن يملك التصرف في نفسه وفي ماله فأنتم جعلكم الله ملوك وبالفعل آتاهم الله عز وجّل مع النبوة الملك ولذا مر معنا في سورة البقرة: { وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} وذكر عز وجّل كما مر معنا في سورة النساء: {
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} ومن الملك ما جاء في صحيح مسلم ، من أن رجلاً أتى إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال له عبدالله : ألك امرأة تأوي إليها ؟ قال : نعم ، قال : ألك مسكن تسكن فيه ؟ قال: نعم ، قال : أنت من الأغنياء ، قال :لي خادم ، قال : إذاً أنت من الملوك ، فدل هذا على أن من كان له بيت يسكنه وأن له زوجه يأوي إليها وأن له خادمه فهو ملك ، فهو ملك ، فقال له : إذاً فأنت من الملوك .
{ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا } ولذلك هنا ماذا قال : { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ } دّل على أن الكل ليس بنبي وإنما النبوة فيمن اختاره عز وجل : { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } لكنَّ الملك هنا لم يقيد بكلمة في الظرفية باعتبار أنهم ملكوا أنفسهم من أسر ومن خدمةِ فرعون وقومه فقال هنا { وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ }أي أعطاكم مالم يعطِ أحداً من العالمين ، من هم العالمون مر معنا في سورة البقرة مفصلاً هذا القول ، وهل هم أفضل من أمة محمد ﷺ أم لا ، كما في قوله عز وجّل : { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } وضحنا ذلك مفصلا ، والسياق يدل على أن الخطاب موجه لمن ؟ لبني إسرائيل خلاف لمن قال إن الخطاب موجه إلى أمة محمد ﷺ فلو كان الخطاب موجه لأمة محمد ﷺ فلا شك أن أمة محمد هي أفضل الأمم ، كما جاءت في ذلك الأحاديث لكن السياق } وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ } الخطاب موجه لمن ؟ لبني إسرائيل ،{ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ } أدخلوا الأرض المقدسة ، الأرض المقدسة ، اختلف فيها هل هي أريحا ؟ أم أنها مصر ،أم أنها بيت المقدس ،ولا شك أن القول بأنها مصر بعيد لمَ ؟ لأنهم كانوا في مصر وخرجوا منها ، كيف خرجوا منها ،لأن الأرض المقدسة والصحيح أنها بيت المقدس لأن أريحا ليست على طريقهم إلا على قول من يقول من أن أريحا منطقه في بيت المقدس فيمكن أن يقال بهذا القول ، لكن الأظهر من أن الأرض المقدسة هي بيت المقدس . وقال هنا : { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } أي كتب الله عز وجّل أن تكون لكم وأمركم بأن تدخلوها وهي أيضاً أرض ومكان ومدينة جدكم ، من هو جدهم ؟ يعقوب عليه السلام كيف ؟ لما أظهر الله عز وجّل يوسف عليه السلام وكان في مصر انتقل إليه مَن ؟ انتقل إليه يعقوب وأبناؤه قال تعالى : { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } الآيات في سورة يوسف ، فهنا ذهب يعقوب و أبناؤه وزوجته إلى مصر ، فباقي يعقوب عليه السلام مع هؤلاء في مصر، إلى أن حصل نسل منه فبقي الحال على ما هو عليه ففرعون طغى على هؤلاء ، فلما قدر الله عز وجل وجعل الله موسى نبيا جرى ما جرى بينه وبين فرعون وخرج موسى بمن معه إلى ماذا ؟ إلى خرج من ماذا ؟ من مصر، إلى الأرض المقدسة يعني لتعودوا إلى ما كان عليه جدكم يعقوب ، فقال هنا : { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ } لا ترتدوا على أدباركم : أي عن دين الله عز وجّل وعن طاعته ومن طاعته ما أمركم به من ماذا من الدخول إلى هذه الأرض المقدسة لتفتحوها ولتأخذوها من القوم الذين هم فيها ، فقال هنا : { وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ } فتنقلبوا أي ترجعوا تخسرون ماذا ؟ دينكم و تخسرون دنياكم { قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ }إن فيها أي في هذه الأرض المقدسة قوماً جبارين أي عظماء وعمالقة وأقوياء { قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا } إن خرجوا منها من غير قتال دخلناها ،{ فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ }إن خرجوا منها من غيرِ قتال، { قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } رجلان قوله عز وجّل { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا } قال بعض المفسرين من أن هؤلاء جعلهم موسى عليه السلام جعلهم نقباء من أجل أن يذهبوا فيستطلعوا خبر من في الأرض المقدسة ، فرجع الكل فأخبر عشرة من هم قبائلهم وأسباطهم إلا اثنين لم يخبرا فهما هذان الاثنان هذا ما يذكره المفسرون لكن لا أعلم دليلاً صريحاً حول هذا، ولذلك حتى إن هذين الرجلين اختلف فيهما هل من بينهما يوشع بن نون الذي أصبح نبياً فيما بعد ، أو أنهما من الجبارين أو ما شابه ذلك ، المهم لو كان في التصريح باسمهما فائدة لذكر فقال عز وجّل هنا : { قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ } أي يخافون الله { أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }أنعم الله عليهما بماذا بالخير وبالطاعة ،ومن يقول بأنهما من ضمن النقباء أنعم الله عليهم بالعصمة فلم يخبرا قومهما ، لكن الذي يظهر ما ذكرناه من أن الآية عامة ، قال هنا : { أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا } دلّ هذا على أن من أعظم النعم هو الدين { ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ } أي باب المدينة دلّ على أن لها بابا { فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ } بمجرد الدخول فإنكم غالبون ، أخبروا بهذا الخبر إما لعلمهم بأنهم مجرد أقوام ولهم قوة ولهم عظمة في الجسم لكن قلوبهم ضعيفة أو أنهما قالا ذلك ثقة بالله ، ولعل هذا هو الأقرب ، ولا يتنافى مع القول الآخر لأن من لم يطع الله عز وجّل ولو كان جبارا فإن مصيره إذا كان كافرا فإن مصيره إلى الهزيمة { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ } فقال هنا : { دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } الواجب عليكم إن كنتم أهل إيمان أن تتوكلوا على الله في جميع أموركم ومن ذلك هذا الأمر لا سيما وأنتم رأيتم آيات الله رأيتم كيف أغرق الله عز وجّل فرعون وكيف دمره عز وجّل ورأيتم من الآيات والعبر، فكان من المتعين عليكم أن تُقدموا على هذا الأمر، ولذلك هؤلاء ماذا قالوا { قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا } أكدوا ذلك بكلمة أبدا لأنهم في المرة الأولى ماذا قالوا{ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا }هنا لما تكرر عليهم الأمر أكدوا ذلك بكلمة الأبدية { قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا } ما داموا فيها أي مادام هؤلاء الجبارون فيها ، ومن ثم فإنه جاءت آثار متنوعة من أن هؤلاء القوم وهم الجبابرة من أنهم أصحاب أجسام عظيمة ، وذكروا من بينهم رجل يقال هو اسمه و ضبط بعدة ضوابط ،عُوج وبعضهم ضبطها عَوْج ابن عُنق وقيل ، ابن عِناق ابن عِناق وهذه فيما يتعلق بهذا الرجل من أنه لما أتى هؤلاء لما أرسلهم موسى عليه السلام من أنهم لما دخلوا أتى إليهم عُوج أو عَوْج فرآهم في بستانه فأخذهم واحدا واحدا وجعلهم في كمه مع فاكهته فأتى بهم إلى الملك وقال عودا إلى موسى وأخبروه بالخبر وبقوتنا فأعطوهم عنقود من العنب فما استطاعوا أن يحملوه بمفردهم إلا لما اجتمعوا عليه ، وذكروا أن عُوج أو عَوْج ذكروا من أن طوله أكثر من ثلاثة الآف ذراع ،
ابن القيم رحمه الله كما في المنار المنيف قال: مما يدل على وضع الحديث وعلى اختلاق على النبي ﷺ ، أنه يعارض الأحاديث الصحيحة قال لا أعجب من افتراء أهل الكتاب على الأنبياء بمثل هذه الافتراءات لكنني أعجب ممن وضع هذا الأثر في كتبه من المفسرين والمؤرخين ولم يتعرض لتحذير منه وبالتنبيه عليه قلت و بعض المفسرين ذكره مثل القرطبي رحمه الله ولم يتعرض له في شيء لكن ابن كثير رحمه الله وهو تلميذ لابن القيم قال : فما أسفه هذا الكلام يقول ما أسفه هذا الكلام يقول لولا أنهم ذكروا ذلك في الكتب لما ذكرته لأن به سفه وذلك أنهم قالوا من أن هذا الرجل هو من ابنة لآدم قد زنت ، وأن هذا الرجل كان في عهد نوح ، وهو لما جاء الطوفان لم يصل إلا إلى كعبيه ، ولما خاض البحر لم يصل عمق البحر إلا إلى حقويه ، وكان يأخذ السمك من قعر البحر ويشويه على حرارة الشمس ، وذكروا ما ذكروا في ما يتعلق بهذا الأمر فيقول رحمه الله كما قال شيخه ابن القيم ، يقول كيف والنبي ﷺ قال :” إن الله خلق آدم وطوله في السماء ستون ذراعا ” فما زال الخلق ينقص ستون ذراعا فكيف يكون هذا أكثر من ثلاثة الآف ذراع ثلاثة الآف وثلاث مائة وذكروا كسرا ، وأيضا يقول هؤلاء من الكفار فكيف لهذا الرجل أن ينجوَ من الغرق ؟ بل طلب نوح منه كما زعموا من أنه يحمله، من أنه يحمله، فكيف يكون ذلك فينجوَ هذا الرجل ويترك ابن نوح الكافر ،لأن كليهما هو كافر فما الفرق؟ ثم مع هذا كله كيف يبقى هذه المدة والله عز وجل ذكر عن نوح قال : { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } كيف يبقى إلى هذا الوقت. ثم من الذي بقى بعد نوح ، إنما بقى ذريته وهذا ليس من ذريته { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ } فدل هذا على أن هذا الحديث باطل فيتنبه في مثل هذا الأمر { قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } سبحان الله قالوا هنا اذهب أنت وربك فقاتلا، فقاتلا إن كانوا يشكون من أنه نبي يعني يقولون إن كنت نبيا فليعنك ربك فيكون هذا من الفسق لأنه قال بعدها في { الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }
يكون كفرا ،وإن كان المقصود منهم من أن الله عز وجل سيعينك أما نحن فلا، فلا يكون كفرا، وعلى كل حال قال هنا عن هؤلاء { فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }قالوا إنا هاهنا قاعدون لن نبرح من هذا المكان ، فسبحان الله ما أعظم الفرق بينهم و بين الصحابة رضي الله عنهم في غزوة بدر لما استشارهم ﷺ ، فقالوا اتريد أن نقول لك كما قالت بنو إسرائيل { فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } بل اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، وهذا دليل على الفرق الشاسع بين من امتلأ قلبه بتوحيد الله وبين من ليس كذلك ، فقال عز وجل عن موسى { قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي } أي لا أملك إلا نفسي وأخي لأنه يطاوعني وقيل لا أملك إلا نفسي ، وأخي لا يملك إلا نفسه ، وإن كان الأول هو الأظهر، ومع هذا فالرأي الآخر كذلك ، هارون لا يملك إلا نفسه ، لكن كليهما متعاضدان ، ولذا قال عز وجل { قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين كيف أي افصل بيننا وبين هؤلاء فلا يشملنا العذاب إذا نزل بهم وأيضا افرق بيننا بالعصمة اعصمنا حتى لا نقع في مثل ما وقعوا فيه، ففرق بيننا وبين القوم الفاسقين { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً } هنا محرمة ما هي الأرض المقدسة محرمة التحريم هنا عند الجماهير هو تحريم قدري بمعنى المنع أي ممنوعون من الدخول فيها وليس تحريم شرعي وإن كان قد قيل به، لكن الصحيح أن التحريم هنا تحريم قدري بمعنى أنه يمتنع على هؤلاء أن يدخلوا هذه الأرض المقدسة لأن التحريم نوعان : تحريم قدري كما هنا ، وتحريم شرعي كما في قوله تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ } ،{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ } فهذا تحريم شرعي يختلف عن التحريم القدري.
{ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً } هنا { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } تقف هنا أو { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً } تقف هنا ، إن وقفت على قوله :{ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } بمعنى أن هؤلاء الذين مع موسى محرمة عليهم أبد الآباد ، بمعنى أنهم سيفنون في هذه الأرض التي يتيهون فيها ، وإن كان الوقف عند قوله سنة ، أربعين سنة ، بمعنى أنها محرمة على هؤلاء ، إلا من بقي منهم بعد مرور هذه السنوات ومن سيأتي من ذريتهم ونسلهم . { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً }. أيهما أرجح كلا القولين له وجه، لكن الذي يظهر من أن هؤلاء كما قال عز وجل { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ } يتيهون : أي يتحيرون في الأرض لا يصلون إلى مقصد ، ولا يقول أحد كيف يتيهون في الأرض وهي أرض قريبة بعضها من بعض ، فالله عز وجل قادر على أن يقلبهم ، و قادر على أن الأرض يحركها من حيث لا يشعرون ، فيصبحون تائهين ،يتيهون في الأرض . ومن ثم فإن هذه الأرض المقدسة فتحت ، لكن هل فتحها موسى عليه السلام ، أم فتحها نبي بعده . الذي يظهر مما جاء في الصحيح من أن الذي فتح يوشع بن نون كما دل عليه الحديث الصحيح ” غزى نبي من الأنبياء حتى كادت الشمس أن تغرب و كان يوم جمعة فقال : لأنهم في يوم السبت إذا غربت دخل يوم السبت وهو ممنوعون من القتال ومن ثم إذا منعوا فطن لهم العدوا فلربما أنه آذاهم ، فقال :اللهم قال للشمس اللهم إنك مأمورة وأنا مأمور فحبست له الشمس حتى فتح الله له الأرض المقدسة ، بمن ؟ من معه ؟ معه من هم من نسل أولئك ، أما أولئك فقد ماتوا ، وهذا هو الأظهر، خلافا لمن قال من أن موسى عليه السلام هو الذي فتحها ، وذكروا من أنه دليلهم من أنه هو الذي قتل عَوج ، لكن كما سلف قصة عَوج هذه باطلة فهذا هو الأظهر والعلم عند الله ، لكن هل كان موسى وهارون معهم في التيه ؟ قيل لا وقيل كانوا معهم لكن لم يكن عقاب لموسى وهارون بل حالهما كحال إبراهيم لما ألقي في النار فصارت عليه بردا وسلاما ، ومن ثم فإنما يذكر وقد ذكر المؤرخون من أن هارون مات في هذا التيه ، وبعده بثلاث سنوات مات موسى عليه السلام ، ولا أعلم دليلاً صحيحا٠ حول هذا ، وأيضا مما ذكروه من أنه يعني هارون لما مات أخذه في التيه أخذه موسى فدفنه فقالت بنو إسرائيل إنما قتلته لأنهم كانوا يحبونه يحبون هارون على موسى فقال الله عز وجل لموسى قل لهم سيحيي الله لكم هارون فذهب بهم معهم فأحياه الله ، فقال : أقتلتك أنا ، قال : لا ، إنما أنا مت ، فقال : عد إلى مضجعك ، هذا أيضا لا يعرف له أصل في ما نعلم في سنة النبي ﷺ ، قال ابن كثير رحمه الله في هذا التيه حصل لهم من العجائب ، من أن الله ظللهم بالغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى وكذلك لما استسقوا موسى فضرب بعصاه الحجر، { وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا } فتبين من هذا من أن يوشع بن نون عليه السلام فيما يظهر هو الذي فتح بيت المقدس ، ولما فتح بيت المقدس لكن سبحان الله هؤلاء طبيعتهم العصيان ولذلك لما دخل بيت المقدس وأمرهم في دخولها كما مر معنا من أنهم يدخلونها سجدا وأن يقولوا حطه بدلوا وغيروا ، إذن قوله عز وجل { وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ } مع من ؟ مع يوشع بن نون عليه السلام ، فقال الله عز وجل { فَلَا تَأْسَ } فلا تحزن { عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} فإن هذا هو شأن القوم الفاسقين وهؤلاء من ضمن الفاسقين الذين كانوا مع موسى عليه السلام فكذلك لا تحزن على حال هؤلاء فإنهم قد تشابهت قلوبهم . { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ } واتلُ عليهم :أي على اليهود ، نبأ : أي خبر ، ابني آدم بالحق : أي هو قصص حق، لكن لماذا كان الخطاب موجه لليهود لأنهم قتله فأراد الله عز وجل آمرا نبيه ﷺ أن يتلوا عليهم ما حصل ما بين ابني آدم مما حصل من قتل بسبب الحسد بسبب الحسد ، وهؤلاء اليهود حسده ، وكذلك قتله { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ } نبأ ابني آدم قال هنا ابني آدم هل هما من صلبه ، أم أنهما من بني إسرائيل الذي يظهر من السياق من صلبه عليه السلام لظاهر السياق ، ولقوله ﷺ كما ثبت عنه في الصحيح قال ” ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول قال الأول الأول دل على أنه من صلب آدم إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها لأنه كان أول من سن القتل . وهذه القصة ذكر المفسرون من القصص ومن الآثار الشيء الكثير منها ، اذكرها حتى إذا فسرت هذه الآية يكون التفسير واضحا وخاليا من ما ذكر من ما لم يصح عن النبي ﷺ ، ذكر المفسرون من أن هذا القاتل هو قابيل والمقتول هابيل ، وأن هابيل صاحب ماشية ، وأن قابيل صاحب زراعة ،فقدما قربان والسبب أن آدم كان يزوج الأنثى من البطن هذا لأن حواء كما قالوا تحمل بذكر وأنثى ثم تحمل بذكر وأنثى فالذكر من هذا البطن يزوج بالأنثى من ذلك البطن ، فكانت أخت قابيل جميلة ، فسيتزوج بها هابيل ، وكانت أخت هابيل ليست بذاك ، فحسد قابيل هابيل ، فحصل ما حصل من تقديم القربان كسبب ، فمن تقبل منه فهو الذي يستحقها فقدما قربان فقدما هابيل شاة طيبة وقدما قابيل زرع سيئا فجاءة النار فأحرقت قربان هابيل ، فحسده أيضا ، هذا إذا سبب آخر من أنه حسده بسبب هذا القربان حتى قالوا إن هذا الكبش الذي تقبل هو الكبش الذي فدي به إسماعيل عليه السلام ، وذكروا أيضا من بين الآثار من أن قابيل حسد هابيل لأن الله عز وجل زوج قابيل من امرأة جنية وهابيل من حورية فحسده فقتله فلما قتله وكان آدم في مكة كما قالوا وساء آدم ذلك حتى إنه لم يضحك مائة سنة فجاءته الملائكة فقالت له حياك الله وبياك ، قال لها آدم وما بياك قالوا: أضحكك الله ، بياك ، بياك يعني أضحكك الله ، فلما قتله تغيرت أمور الأرض فأنتنت البحار والفواكة و صار ما صار للأرض من التغير ، ثم إن هذا الذي هو قابيل اختلفوا في قتله ، هل رضخه ، أنا اذكر هذه لأنها تذكر في التفسير حتى نتنبه لا تنقل هكذا من أنه لمَ قتله لم يدري عن القتل لأنه أول من قتل فما يدري كيف يقتله فأتاه إبليس فقال خذ هذه الصخرة ثم أرضخ بها رأسه ، وقيل إنه عضه ، وقيلت أقوال أخرى وقيل إن آدم دعى عليه فانحدر من جبل فتهدم وسقط منه فمات ، فعلى كل حال كل ذلك لم أرَ دليلا صحيحا لسنة النبي ﷺ بذلك ، حتى فيما أعلم لا أعرف دليلا صحيحا في أن اسم القاتل قابيل ،والمقتول هابيل ، حتى إن بعض المفسرين مما يدل على الاختلاف من أن صاحب الزرع هو الذي تقبل منه ، فخلاصة القول الآية قصه عن شأن من ؟ عن شأن ابني آدم من هما ؟ ما اسمهما؟ الله أعلم ما السبب في القتل ؟ يسألونك شيء محدد الله أعلم ، اللهم إلا هذا القربان المذكور في الآية { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ } { إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ } ما يذكره عز وجل حق ، { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا } ، { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا }، { إِذْ قَرَّبَا } نوعية هذا القربان الله أعلم به { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ } قال الذي لم يتقبل منه { لَأَقْتُلَنَّكَ } قال المقتول الذي يراد به القتل { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } فمن كان متقيا تقبل الله عز وجل منه ، وهذا يدل على أن من اتقى الله فإن أعماله حري بأن تقبل ، ولذلك ابن القيم رحمه الله ذكر أن القبول على ثلاثة أنواع ، قبول براءة ذمة من غير ثواب ، وذلك كأن يصلي الإنسان ولم يخشع في صلاته فيقبلها الله كإبراء لذمته فقط ، لكنه لا يثاب على ذلك لكنه لا يثاب على ذلك ، هناك قبول يثاب عليه العبد وذلك بأن يعطي الحسنات ، هناك قبول ثناء ولعل هذه الآية تدل على ذلك { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } بمعنى أن من أنواع القبول أن الله عز وجل يثني على العبد في الملأ الأعلى لما فعل هذا العبد هذه الطاعة { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ } أي مددت { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ }قال { إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } أخاف من الله عز وجل فلا يكون في قلبي حرص على أن أقتلك { إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } أن تبوء بإثمي ، بإثمي يعني بإثم قتلي لما تقتلني ، وإثمك يعني الآثام التي فعلتها قبل قتلي، أما ما يقال وهو قول لكنه ليس بصواب من أنه { إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } أي بإثم قتلي وبإثمك، يعني الآية بمجموعها قالوا يتحمل إثم قتله ويتحمل ذنوب المقتول فالذنوب المقتول تكون عليه ، قال ابن كثير رحمه الله هذا ليس بصواب { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }ولذلك قال رحمه الله قول الناس ما ترك القاتل على المقتول من ذنب حديث لا أصل له، وقال حديث ما مر القتل على ذنب إلا محاه فيقول لا أصل له ، قال اللهم إلا إذا لم تولد حسنات لهذا القاتل فإنه يؤخذ من سيئات هذا المقتول وتوضع على القاتل . أما بمجرد القتل توضع آثام المقتول على القاتل فلا ، { إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } سبحان الله يريد ، كيف يريد والمعصية لا تراد ، وهو ماذا وهو تورع عن قتله في المقصود من هنا بعضهم قال إيراده مجازيه لكن الصواب من أنه قال { إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } هذا من باب وعظه وزجرة أراد أن يعظه وأن يزجره عن هذا الفعل { إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } فتكون من أصحاب النار بعضهم قال يعني هذه تدل على كفره ، لكن لا يلزم من مصاحبة النار أنه إذا كان مسلما وكانت له ذنوب لا يلزم أن يخلد ،{ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ }هذه عقوبة من الظالمين وأي ذنب أعظم من أن يقتل المسلم من هو معصوم الدم { فَطَوَّعَتْ } أي سهلت ويسرت له نفسه{ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ } بأي طريقة تلك الآثار كما قلت لكم ليس لها دليل صحيح فيما نعلم { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } في الدنيا وفي الآخرة بعضهم قال هو من الخاسرين في الدنيا فقد علقت إحدى قدميه في فخذها في السماء إلى يوم القيامة ويدور حيث تدور الشمس وإذا جاء الشتاء سلط عليه من جهنم الثلج وفي الصيف يسلط عليه النار من جهنم لكنه لا يعلم له أصل في سنة النبي ﷺ ، إذا الخسران هنا يشمل الخسران في الدنيا وفي الآخرة ،{ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي } ليريه إما أن يكون الضمير عائد إلى الله أو إلى الغراب ، ليريه ولو كان الضمير الغراب فإنما هذا بمن بأمر الله عز وجل ، { لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي } أي كيف يغطي { سَوْءَةَ أَخِيهِ } السوءة هنا العورة قيل بهذا وقيل الجثة بأكملها وهو الأظهر { لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي } وهذا يدل على أن السوءة كما تطلق على العورة أيضا تطلق على الجسم بأكمله على هذا القول { لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا } أصلها يا ويلتي لكن عند النداء عوض عن الياء الألف بالتخفيف { قَالَ يَا وَيْلَتَا } أي دعاء بالويل والحسرة { أَعَجَزْتُ } استفهام لتعجب يتعجب { أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي } فأغطي سوأة أخي { فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ } فأصبح من النادمين على قتله لا لأنه تاب لو كانت له توبة لذكرها عز وجل لكن هنا يدل على ولذلك بعضهم قال إنه ندم لأن الندم توبة إنما في هذه الشريعة أما في الشرائع الأخرى فلا ، لكن يقال{ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ } أي لأنه لم يستفد من قتله أي شيء لم يحصل له فائدة . { فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ } لكن لو قال قائل لماذا أتي بالغراب ليريه كيف يواري سوأة أخيه دون الطيور الأخرى ؟ قيل من أن الإتيان بالغراب لأنهم كانوا في الجاهلية يتشاءمون بالغراب ولاسيما إذا صاح قبل السفر فإنهم يتشاءمون منه ، ولذلك يقولون غراب البين يعني غراب الفرقة ولذلك العشاق مِن مَن مضى في الجاهلية يذكرون هذا في أشعارهم لانهم يظنون من باب التشاؤم أن هذا هو الذي يفرق بين الأحباب لكن مثل هذا وإن كان واقع في الجاهلية إلا أنه لا يجوز في سنة النبي ﷺ ولا يجوز اعتقاده ، فقال ﷺ كما ثبت عنه : ” الطيرة شرك ” وأيضا ما قيل من أن الإتيان بالغراب لأنه أسود والسواد علامة على الحزن و والمصيبة علامة عن الحزن والمصيبة ، فأتي به فكان الغراب دون غيره من الطيور و هذا أيضا لا يجوز اعتقاده ، ولذلك أخشى ويجب أن ينبه و يتنبه له النساء اللواتي يتوفى الله عز وجل أزواجهن يلبسن الثوب الأسود في الإحداد هذا لا أصل له هذا لا أصل له و لا يجوز اعتقاده ، وإنما المرأة ممنوعة من لبس الثوب الجميل الحسن ، لكن لو لبست أي ثوب سواء كان ثوب أو قميص أو ما شابه ذلك فلتلبس ، لكن لا يكن مجمل و لا محسن يعني من الثياب المعتادة ولذلك الاعتياد على لبس هذا الثوب والاستمرار عليه قد يوصل إلى البدعة ، فالذي والعلم عند الله الذي يظهر لي من أنه ذكر الغراب هنا لأن طبيعة الغراب يبحث في الأرض ليخفي أشياءه ، فكان من هذا المنطلق ، أما ما يذكر من أنه الغراب قتل غراب ثم دفنه وما شابه ذلك فأيضا هذا لا أعلم له دليلا صحيحا ، فإذا جاء الغراب فبحث في الأرض كعادته ليخفي شيئا فاستفاد منه هذا القاتل فوارى و غطى سوءة أخيه و صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.