﷽
التفسيرالمختصر الشامل
سورة النساء
(( من الآية ١ إلى الآية ٣))
لفضيلة الشيخ / زيد بن مسفر البحري
قال تعالى “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ” هذه السورة سورة النساء بها أحكام كثيرة وبإذن الله عز وجل يتيسر بإذن الله لنا أن نطرحها بأسلوب سلس مختصر بإذن الله تُفهم.
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ” صدرت السورة بقوله ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ” وفي هذا رد على من قال أن أي سورة فيها يا أيها الناس فهي سورة مكية يُرد عليه من أن سورة النساء مدنية ومع ذلك أتى فيها بقوله “يَا أَيُّهَا النَّاسُ” كما مر في سورة البقرة مع أنها مدنية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} “يَا أَيُّهَا النَّاسُ” وسُمي الناس بالناس لأن الناس من الحركة فهم يتحركون لا يفتر الإنسان عن الحركة إما إلى خير وإما إلى شر وأيضا لأن الناس يأنس بعضهم ببعض ولأن الناس يصيبهم ما يصيبهم من النسيان ولأن الناس في هذه الكلمة يحبون الظهور وهذا من ما يتعلق بالناس {آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} “يَا أَيُّهَا النَّاسُ” لجميع الناس “اتَّقُوا” أمرهم بالتقوى اتقوا من “اتَّقُوا رَبَّكُمُ” قال “اتَّقُوا رَبَّكُمُ” وهذا يدل على ماذا على إلزام الكفار لأن الكفار يقرون بتوحيد الربوبية ولذا قال “اتَّقُوا رَبَّكُمُ” والذي يقر بتوحيد الربوبية الذي يقر من أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت يلزمه أن يعبد الله لأن من له هذه الصفات وهذه الأفعال هو الذي يعبد ولا تصرف العبادة لغيره ولذا هذه الآية نظير قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا} ماذا قال ؟ “رَبَّكُمُ” لأنهم يقرون بتوحيد الربوبية وهذه قاعدة قاعدة عند أهل السنة والجماعة (توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية ) يعني يلزم من قال بأن الله هو الرب يلزمه بأن يعبد الله عز وجل لأنهم يقرون بتوحيد الربوبية {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّه} {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه} “اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي” انظر أتى بالإسم الموصول الظاهر من باب التقرير والتأكيد على أمر عظيم وأي أمر أعظم من التوحيد! “الَّذِي خَلَقَكُم” فهم يقرون من أن الله عز وجل خلقهم وهذا مما يتعلق بتوحيد الربوبية “الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ” وهي نفس آدم عليه السلام “وَخَلَقَ مِنْهَا” أي من آدم “وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا” وخلق منها زوجها فحواء سُميت بهذا الاسم وقد ورد الحديث بإسمها قال ﷺ كما في الصحيح (ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها). ليست خيانة الزنا أو الكفر هنا لا ولكن قال الشراح ومر معنا ذلك في سورة البقرة من أنها حببت لآدم أن يأكل من الشجرة فإسمها حواء جاءت بذلك الأحاديث خلافا لمن قال لم يرد هذا الإسم في حديث وسُميت حواء لأنها خُلقت من حيّ “وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا” وأما ما يُذكر من آثارمن أنها خُلقت من ضلع آدم أو من ضلعه الأيسر أو أنه لما نام في الجنة فاستيقظ فوجدها عنده خُلقت من ضلعه كل هذه الآثار لا تصح ليست صحيحة بل مما يؤكد من أن حواء خلقت منه قبل دخول الجنة قوله عز وجل {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } فهي خلقت منه لكن من ضلع آدم أو من ضلعه القصير الأيسر كما تأتي بذلك الآثار فليس بحديث صحيح وليست بآثار صحيحة وأما قول النبي ﷺ كما في الصحيحين ( المرأة خلقت من ضلع ) تبينها الرواية الأخرى في الصحيحين وهذا هو الظاهر ( المرأة كالضلع ) المرأة كالضلع الضلع أعوج به عوج فكذلك المرأة بها اعوجاج لكن هذا الاعوجاج لا يحكم على المرأة حكما مطلقا هكذا لا بينه النبي ﷺ قال ( ولن تستمر لك على طريقة وكسرها طلاقها) فالشاهد من هذا أنها خلقت من آدم لكن ما يذكر من الضلع اليسرى والقصير هذا ورد ولكنها ليست بأحاديث وآثار صحيحة “وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا” أي نشر منهما أي من آدم وحواء “وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ” أي ونساء كثيرات دل هذا عليه الوصف الذي وصف به الرجال “رِجَالًا كَثِيرًا” بثهم في الأرض كما قال عز وجل {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} المرجع إلى الله {وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} “وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ” وذكر من أنه خلقنا من نفس واحدة وخلق حواء من آدم لأن هناك أحكاما ستأتي تتعلق بتلك النفس بنفوس البشر وأيضا تتعلق بالنساء ولذلك هذه سورة ماذا ؟ سورة النساء لأن هناك أحكاما ستأتي عن النساء ومن باب ماذا ؟ من باب التذكير بحقوق من ؟ هؤلاء النساء اللواتي خلقن منا يعني خلقت حواء من آدم “وَاتَّقُوا اللَّهَ ” سبحان الله قال ” وَاتَّقُوا اللَّهَ ” أعاد الأمر بالتقوى وقال “وَاتَّقُوا اللَّهَ ” لم يقل واتقوا ربكم في صدر السورة {اتَّقُوا رَبَّكُم} هنا “وَاتَّقُوا اللَّهَ” لأن من له تلك الأفعال أفعال الربوبية هو الله والله هو المألوه المعبود محبة وتعظيما وخوفا ورجاء “وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي” أنظر “الَّذِي” صرح بالاسم الموصول للتأكيد “الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ” تساءلون به تسألون الله به أسألك بالله كذا أسألك بالله كذا والأرحام نصبت هنا “تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ” أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها قال تعالى {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ} ومن ذلك الأرحام وقال تعالى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} قال هنا “وَالْأَرْحَامَ” أي واتقوا الارحام أن تقطعوها وهناك قراءة وأنا لم أعهد بأن أتحدث عن أي قراءة لأن المقصود هنا قراءة حفص المختصر الشامل لكن من غير القراءات لكن لو مرت قراءة قد يكون بها إشكال نوضحها في قراءة سبعية وهي “وَالْأَرْحَامِ” يعني اتقوا الله الذي تساءلون به والذي أنتم تتساءلون بالأرحام تقولون أسألك بالله وبالرحم أسألك بالله وبالرحم وهذه القراءة قراءة حمزة وهي من القراءات السبع ولذا قال بعض أهل اللغة من أئمة أهل اللغة قال لو دخلت المسجد فسمعت الإمام يقرأ بها لأخذت نعلي ثم خرجت وهذا لا شك أنه جفاء فيما يتعلق بهذا الأمر وأيضا فيه عزة نفس من أن الإنسان وصل إلى مرحلة من العلم باللغة ولو كان إماما في اللغة من القدامى لكن مثل هذا ورد به القرآن وهي قراءة وردت عن النبي ﷺ وهي قراءة سبعية حتى قالوا إن مما يوهن هذه القراءة أي مما يضعفها وليست ثابتة أنه قال ” وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ” يعني لما أتى بالاسم الظاهر كان من المفترض كما زعموا من حيث الأسلوب المتعارف عليه في اللغة واتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام يأتي بحرف الجر وعلى كل حال هذه قراءة سبعية وثابتة لكن توجيهها لأنه لا يجوز للإنسان أن يقول أسألك بالرحم أسألك بالله هذا يجوز في بعض الأحيان وليس عاما ولذلك النبي ﷺ قال (من سألكم بالله فأعطوه) لكن ليس السؤال بالله في جميع الأحوال يكون محمودا لأن الانسان قد يدخل في قضية ماذا ؟ في قضية سؤال الناس أموالهم في غير ضرورة وما شابه ذلك مما مر معنا في التوحيد باب من سأل بالله المهم ” وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ ” على هذه القراءة نقول ليس هذا فيه تأييد لقول أسألك بالرحم وإنما تذكير لهم بما كانوا يصنعونه في الجاهلية من أنهم يسألون بالله وبالرحم فيذكرهم من أنهم كانوا يعظمون هذه الأرحام بأن يقولوا وبالرحم لكن لما جاء الإسلام عظم أمر الأرحام لكن نهى هن السؤال بماذا ؟ بالأرحام ولا يكون في ذلك تعارض فيكون قوله تعالى على هذه القراءة ” وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ” على ما كانوا عهدوه في السابق وليس كل ما عهدوه في السابق فذُكِّروا به جائز في الشرع ” إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” إن الله كان عليكم رقيبا كان هنا في أصلها في اللغة فعل ماضي للمضي لكن فيما يتعلق بأسماء الله عز وجل فهو عز وجل كان في الماضي رقيبا ولم يزل فهي في حق الله فيما يتعلق بأسماء الله أيضا كما هو رقيب في الماضي أيضا لا يزال رقيبا ” إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ” رقيب عز وجل وعالم وشهيد على ما تعملونه فيما يتعلق بماذا ؟ بالتوحيد فيما يتعلق بمراعاة حقوق النساء بما يتعلق بالحقوق التي بينكم فأنتم خلقتم من نفس واحدة فيما يتعلق بالسؤال بالله فيما يتعلق بقطيعة الرحم.
“وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ” سبحان الله “وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ” لأنهم كانوا في الجاهلية وهذا يؤكد ما قررناه في ماذا؟ في قضية قراءة والأرحامِ في قراءة والأرحامِ “وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ” يعني يلزمكم أن تعطوا اليتامى أموالهم واليتيم من مات أبوه قبل أن يبلغ وبعد البلوغ فليس هناك يتم يزول عنه اليتم وهذا هو قول الجماهير خلافا لمن قال لا يزال يتيما ولو بلغ ونقول الدليل قطع في هذا قوله ﷺ كما ثبت في السنن (لا يتم بعد احتلام) “وَآتُوا الْيَتَامَىٰ” يعني أعطوا اليتامى من باب التذكير من أن اليتامى نحن وهم كما قال تعالى {الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} فأنتم إخوة من نفس واحدة وما كان من نفس واحدة فإنه يحرص عليها أيضا احرصوا على حقوق هؤلاء اليتامى “وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ” وآتوا اليتامى أموالهم متى؟ بعد البلوغ وبعد الرشد وليسوا فيما قبل البلوغ ولذا قال بعدها {وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وإنما قال “وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ” وصفهم باليتم بعد إعطائهم باعتبار ما مضى باعتبار ما كانوا فيه فيما مضى من وصف اليتم “وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ” أموالهم دل هذا على أن تلك الأموال إنما هي أموالهم ورثوها من موَّرثهم ويشمل المال كل شيء ليس النقود قال “أَمْوَالَهُمْ” مما يدل على ما يدخل في ذلك من عقارات وأموال وحقوق وما شابه ذلك “وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ” “وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ” هذه الآية في سياق أموال اليتامى وهي يؤخذ منها أيضا العموم فلا يجوز للإنسان أن يبدل الخبيث بالطيب “وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ” لا من حيث الأقوال ولا من حيث الأفعال ولا من حيث الصفات فالإنسان يحرص على الطيب من القول ومن الطيب من الفعل والأوصاف وما شابه ذلك لكن هنا نص المفسرون على ماذا؟ وهذا ولا شك داخل لسياق الآيات “وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ” بمعنى أنكم تأخذون الطيب وهو الجيد من أموالهم فتجعلون ذلك في أموالكم وتأخذون الخبيث الردئ فتضعونه في أموالهم مبادلة كأن يأخذ الشاة السمينة من أموالهم ويضع الشاة الهزيلة في أموالهم فقال هنا “وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ” “وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ” بعض العلماء يقول “إِلَى” هنا بمعنى مع باعتبار أن الحروف ينوب بعضها عن بعض وقررنا قاعدة من أن الحروف الصحيح وهذا رأي شيخ الإسلام رحمه الله من أن الحروف لا ينوب بعضها عن بعض وإنما تبقى الحروف على ماهي عليه والفعل يُضمَّن أفعالا أو فعلا آخر حتى يكون المعنى أكثر لكن لو قلنا “وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ” أي ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم لانحصر في هذا المعنى لكن يُضَمَّن الأكل هنا كلمة الضم “وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ” أيضا يتضمن ولا تضموا أموالهم إلى أموالكم وانظر ثلاث جمل بها ثلاثة أحكام بها تنفير الوليّ وهذا يدل على ماذا؟ لما قال “وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ” يدل على أن الولاية على الأيتام وعلى القصَّر وعلى من به سفه في تصرفه في المال أن هذه الآية دليل على ذلك وجاءت السنة أيضا بذلك لأنه قال “وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ” دل هذا على أن هناك من له ولاية على هؤلاء الصغار قال هنا ثلاث جمل للتنفير من الاعتداء على حقوق الأيتام قال أولا “وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ” هذا هو المتعين عليكم والواجب عليكم إذا بلغوا ورشدوا أيضا الحكم الثاني التحذير قبل أن يبلغوا وأن يرشدوا انتبهوا أن تأخذوا الطيب من أموالهم وتضعوا الردئ من أموالكم في أموالهم كل ذلك منهي تدرج أيضا “وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ” يعني أنكم لا تضموا أموالهم إلى أموالكم “إِنَّهُ” أي ما سبق من تلك الجمل الثلاث “إِنَّهُ كَانَ حُوبًا” أي إثما “كَبِيرًا” قال هنا “إِنَّهُ كَانَ حُوبًا” ووصفه بأنه كبير “إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا” الحوب ورد حديث عن النبي ﷺ بتفسيره بأنه الإثم الكبير لكن الحديث ضعيف لكن المعنى هذا هو المعنى لذلك الحوب هو كلمة تزجر به الإبل لأن هذه الكلمة تزجر الإنسان عن الوقوع فيما حرم الله عز وجل قال “إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا” فدل هذا على أن الاعتداء بأي وجه من الوجوه السابقة أو بغيرها على أموال اليتامى من الكبائر وقد ثبت بذلك كما في الصحيحين قال ﷺ (اجتنبوا السبع الموبقات) يعني المهلكات لأنها كبيرة ذكر منها (وأكل مال اليتيم) ومما يدل عليه ما سيأتي {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} وهنا تأمل ماذا قال “وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا” ذكر الأكل لم؟ لأن معظم ما تطمح إليه النفوس هو الأكل لكن يدخل في ذلك الانتفاع لو أنه انتفع بشئ من أموال اليتامى وأخذه وليس بمأكول يدخل في ذلك فهو شامل ثم إن كلمة الأكل تدل على ماذا؟ تدل على أن المأكول يصل إلى البطن وما يصل إلى البطن فإنه صعب صعب أن يعاد ففي هذا تنفير من الأكل وذلك يتضمن التنفير مما سوى الأكل من الانتفاع بأموال اليتامى بأي وجه من الوجوه من غير الأكل.
“وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ” “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ” هذه الآية ذكر المفسرون لها أقوالا لكن الصحيح والذي يدل عليه الحديث الصحيح عند البخاري عن عائشة رضي الله عنها قوله تعالى “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ” قالت رضي الله عنها (هي اليتيمة تكون عند قريبها وتكون ممن تحل له أن يتزوج بها فإن كانت مرغوبا فيها وكانت جميلة لم يعطها مثل مهر غيرها وإن كانت ليست جميلة وليست مرغوبا فيها تركها فأُمروا إذا أرادوا أن يتزوجوا باليتيمة أن يقسطوا في مهرها وأن يعطوها سنة مهرها كغيرها فقالت اقرأ قوله تعالى {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ }) فدل هذا على أن الإنسان نُهي عن أن يتزوج باليتيمة التي تحل له نهي أن يتزوج بها حتى يعطيها مهرها الذي تستحقه “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ” هذا هو القول الصحيح في هذه الآية وهو الظاهر مما ذكرته عائشة رضي الله عنها وهذا يشير إلى أنها أخذته من النبي ﷺ “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا” أي تعدلوا “فِي الْيَتَامَىٰ” أي في نساء اليتامى لأن الحديث عن النساء ولذلك ماذا قالت؟ {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا” أُمروا بأن يعدلواعنهن إذا لم يعطوا اليتيمة حقها من المهر أن ينكحوا غيرها أن يتزوجوا غيرها “فَانكِحُوا مَا طَابَ” “مَا طَابَ” طاب أي حسن وفضل وأُبيح يعني الطيب والحلال من النساء ومعلوم أن ما لغير العاقل ومن للعاقل ولذا لم يأت بها هنا فلم يقل فانكحوا من طاب قال “مَا طَابَ” لم؟ لأن الأمر يعود إلى الصفات يعني فانكحوا صفات من هي طيبة من النساء ” فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ” يعني اثنتين اثنتين “وَثُلَاثَ” أي ثلاث ثلاث “وَرُبَاعَ” أي أربع أربع أي خير لكم ما تشاؤونه من النساء بهذا العدد ” فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ” قال “مَثْنَىٰ” معدول عن اثنين اثنين “وَثُلَاثَ” معدول عن ثلاثة ثلاثة “وَرُبَاعَ” معدول عن أربعة أربعة ولذا الرافضة يستدلون بهذه الآية على جواز أن يجمع الرجل بتسع وهذا يدل على ماذا؟ يدل على عدم فهمهم للغة العربية لأنه قال “فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ” جعلوا “مَثْنَىٰ” اثنتين “وَثُلَاثَ” جعلوها ثلاث هذه كم؟ خمس “وَرُبَاعَ” جعلوها أربع تسع وهذا خطأ لأنه قال ” مَثْنَىٰ” لم يقل اثنتين ولو كان كما قالوا وقد وقع فيما سأقوله وقع فيه أناس آخرون لو كان كما قالوا لكان الزواج ب؟ ليس بتسع لا بثمان عشرة امرأة لم؟ “مَثْنَىٰ” يعني اثنتين اثنتين “وَثُلَاثَ” ثلاث ثلاث “وَرُبَاعَ” أربع أربع المجموع ثمان عشرة امرأة وقد قيل بهذا وللأسف فدل هذا على ماذا؟ دل على أن المقصود ليس المقصود اثنتين وثلاثة وأربعة لأ وإنما قال “مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ” ولذلك “مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ” لا تأتي إلا بعد جمع ما الجمع الذي قبله؟ ” فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ” ولذلك يقال جاء القوم مثنى مثنى وثلاث ورباع يعني أتوا هم مجموعات لا يعلم بعددهم لا يعلم عددهم بمعنى أنهم أتوا مجموعات مجموعة أتت اثنين اثنين ومجموعة أتت ثلاثة ثلاثة وهكذا ومما يدل على أن ما استدلوا به غير صحيح النبي ﷺ لما أسلم رجل كما ثبت وكان تحته ثمان قال (اختر منهن أربعا) فالزواج بتسع الجمع بتسع من خصوصيات النبي ﷺ “فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ” ولذلك أتى بالواو أتى بالواو “مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ” ليقرر ما ذكرناه هنا خلافا لما تُوهم من الاستدلال بهذه الآية على جواز الجمع بتسع ” فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً” أي تزوجوا واحدة “فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” وهن الرقيقات والرقيقات إنما يحصلن لما كانت هناك حروب بين المسلمين وبين الكفار فيؤسر نساء الكفار فيصبحن رقيقات ومن ثَمَّ تكون رقيقة مملوكة والمملوكة لا يشترط لها في الحقوق كالحرة يستحب ذلك نعم لكن لا يشترط وأيضا النكاح بالإماء لا يحصر بعدد كالأحرار من النساء أربع المملوكات من أراد أن يملك مملوكات طبعا غير موجودات الآن فإنه لو شاء أن يملك عشر أو عشرين أو ثلاثين أو ما شابه ذلك فله ذلك وله أن يجامعهن لا إشكال في ذلك “أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ” أقرب “أَلَّا تَعُولُوا” أي ألا تجوروا حتى لا تقعوا في الظلم حتى لا تقعوا في الظلم فيما لو تزوجتم بأربع ولم تعدلوا ومن هذه الآية “فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ” قدم ماذا؟ التعدد “وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً” أخر الافراد فدل هذا على ما ذهب إليه بعض أهل العلم من أن التعدد أفضل باعتبار أنه قدم التعدد ولأن النبي ﷺ عدد وكثير من الصحابة عدد ولهذا قالوا من باب الاستحباب من باب الاستحباب أنه يعدد وقول آخر من أنه ليس بمستحب ليس هو الأفضل باعتبار ماذا؟ باعتبار أن التعدد يودي بالإنسان إلى عدم العدل ولذلك قال “فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا” ففي عدم التعدد سلامة للإنسان في دينه وعلى كل حال وقد قررت ذلك في موطن آخر بإسهاب أكبر وأكثر من أراد الرجوع إليه فليرجع إليه ليس هناك دليل صحيح في أن الأفضل هو التعدد أو أن الأفضل عدم التعدد وكل أعلم بحاله فمن احتاج إلى أن يعدد فالتعدد له أفضل بشرط سلامة دينه من الظلم وإن لم يحتج فالأفضل عدم التعدد وكل أعلم بحاله قال هنا “ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا” أي ألا تجوروا أي ألا تظلموا ولذلك سبحان الله ذكر حال النساء هنا السابق ذكر حال اليتامى وذلك لأن شأن النساء وشأن اليتامى مبخوس عند أهل الجاهلية ولذلك ثبت عند النسائي قوله ﷺ (إني أُحرِّج) أي أؤثم (إني أحرج حق الضعيفين المرأة واليتيم) المرأة واليتيم قال هنا “ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا” الإمام الشافعي رحمه الله قال “ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا” أي من عال وهي العيلة يعني الفقر يقول يعني ذلك أدنى ألا تفتقروا لأنه إذا كثر عيالكم افتقرتم إذا كثر عيالكم افتقرتم وقد خطَّأ بعض الناس الشافعي قالوا إن هذا لا يكون في اللغة العربية ولكن يقال سبق الشافعي إمامان قبله من أن هذا موجود في لغة العرب “ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا” أي لا تكثر عيالكم مأخوذ من العيلة وهي الفقر كما قال عز وجل { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ} {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ} لكن يقال ليس المقصود من الاقتصار على الواحدة هو كثرة العيال وذلك لم؟ لأن الشرع حث على ماذا؟ على كثرة النسل ولذلك النبي ﷺ كما ثبت عنه يقول (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) ويدفع قول الشافعي مع أن بعضهم نظّر هذا الكلام لكن يدفع قوله من أنه لو كان المقصود ألا يكثر العيال فالله عز وجل أباح أن يمتلك الإنسان إماء كثر فالإنسان حينما يمتلك إماء كثر ويطأ هؤلاء الإماء لأنهن في ملكه ما يحملنه من الأولاد يعتبرون أولادا له فإنه لما قال “أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” إذا ما كان يخشى عليه من كثرة العيال فيما لو حصل التعدد في الأحرار من النساء هو حاصل في ملك اليمين الذي لا يشترط فيه عدد “ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا”