تفسير سورة النساء
من آية ٦٠ إلى آية ٧٠
الدرس ٦٢
للشيخ زيد البحري – حفظه الله –
الحمدالله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء و إمام المرسلين نبينا محمد و على آله و أصحابه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد :
فكنا قد توقفنا عند قول الله عزوجل
(أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آمَنوا بِما أُنزِلَ إِلَيكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلَى الطّاغوتِ)
لما ذكر عزوجل في الآيات السابقات من أن اليهود يؤمنون بالجِبت والطاغوت ثم أمر بعد ذلك بآيات أمر بطاعة الله عزوجل وطاعة النبي صلى الله عليه و آله وسلم فإن بها الفلاح .
ذكر هنا أن المنافقين أيضا هم يؤمنون بالطاغوت فقال عزوجل
(أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آمَنوا بِما أُنزِلَ إِلَيكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ)
إنما هو زعمٌ و قول لكن لا حقيقة له في قلوبهم كما قال عزوجل :
﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَقولُ آمَنّا بِاللَّهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ وَما هُم بِمُؤمِنينَ﴾
فقال عزوجل هنا: (أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آمَنوا بِما أُنزِلَ إِلَيكَ)
هنا فيه تعجيب لحال هؤلاء
(أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ يَزعُمون)هذا استفهام يراد منه التعجيب
(أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آمَنوا بِما أُنزِلَ إِلَيكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ)
ما أُنزل إليه هو القرآن و ما أنزل من قبله الكتب السابقة
(يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلَى الطّاغوتِ)
و مر معنا توضيح الطاغوت في قوله تعالى: (يُؤمِنونَ بِالجِبتِ وَالطّاغوتِ)
و الفرق بين الجِبت و بين الطاغوت
(يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلَى الطّاغوتِ)
و هذا و لا شك أن فيه مناقضه لما ؟
لأن من آمن بالله و آمن بالكتب السابقة و منها القرآن فإنه لا يتحاكم إلى الطواغيت و إنما يتحاكم إلى إلى شرع الله عزوجل .
ولذا قال هنا: ( يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلَى الطّاغوتِ وَقَد أُمِروا أَن يَكفُروا بِهِ ) وَقَد أُمِروا أَن يَكفُروا بِهِ أمروا أن يكفروا بالطاغوت فكيف يحكمونه !؟
إذاً ما زعموه من الإيمان زعمٌ باطل
( يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلَى الطّاغوتِ وَقَد أُمِروا أَن يَكفُروا بِهِ )
كما قال عزوجل:( فَمَن يَكفُر بِالطّاغوتِ وَيُؤمِن بِاللَّهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى لَا انفِصامَ لَها)
(يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلَى الطّاغوتِ وَقَد أُمِروا أَن يَكفُروا بِهِ وَيُريدُ الشَّيطانُ أَن يُضِلَّهُم ضَلالًا بَعيدًا)
هنا ذُكر الشيطان مما يدل على أن كلمة الطاغوت يدخل فيها كل من تجاوز حده من معبود أو متبوع أو مطاع .
و لذا قيل الطواغيت خمسة ومرّ الحديث عن ذلك في سورة البقرة أولهم و رأسهم الشيطان فدل هذا على أن ذكر الشيطان يدل على ماذا ؟
يدل على أنه أعظم الطواغيت و أن من حكّم غير شرع الله عزوجل و أراد التحاكم إليه فإنه يصدق عليه هذا الوصف (يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلَى الطّاغوتِ وَقَد أُمِروا أَن يَكفُروا بِهِ وَيُريدُ الشَّيطانُ أَن يُضِلَّهُم ضَلالًا بَعيدًا)
و أي ضلال أعظم من أن ينصرف العبد عن شرع الله عزوجل و يقبل على شرع الطاغوت .
ولذا قال 🙁 وَيُريدُ الشَّيطانُ أَن يُضِلَّهُم ضَلالًا بَعيدًا)
لأنهم ما أقدموا على هذي الأمور إلا عن طريق تسويف و تزيين الشيطان.
( وَيُريدُ الشَّيطانُ أَن يُضِلَّهُم ضَلالًا بَعيدًا)
(وَإِذا قيلَ لَهُم تَعالَوا إِلى ما أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسولِ)
و إذا قيل لهؤلاء تعالوا إلى ما أنزل الله و إلى الرسول أي إلى شرع الله عزوجل و إلى ما سنّه النبي صلى الله عليه و آله و سلم
(رَأَيتَ المُنافِقينَ يَصُدّونَ عَنكَ صُدودًا)
وهذه الآية لها سبب نزول و لا تُحصر به و ذلك أن هنالك خصومة بين يهودي و بين منافق فقال اليهودي تعال بنا لنحكم محمد فإنه لا يأخذ الرِشوة لكن المنافق رفض لأن الخصومة عليه نحكم الكاهن لعلمه لأنه يأخذ الرِشوة و سبب النزول يدل على ماذا ؟
يدل على أن الكهنة من الطواغيت
ولذا قال عزوجل :
(رَأَيتَ المُنافِقينَ يَصُدّونَ عَنكَ صُدودًا)
وأكد ذلك بقوله ( صدودا) فهو مصدر ومن ثم فإن الفعل إذا أُكِد بمصدر يدل على أن هذا الصدود حقيقي وأنه انصراف حقيقي .
فهم لا يريدون شرع الله.
و لذلك قال عزوجل هنا :
(رَأَيتَ المُنافِقينَ يَصُدّونَ عَنكَ صُدودًا)
ومن ثم فإن أهل النفاق هم أهل الصدود عن شرع الله عزوجل و لذا قال عزوجل:
﴿وَإِذا قيلَ لَهُم تَعالَوا يَستَغفِر لَكُم رَسولُ اللَّهِ لَوَّوا رُءوسَهُم وَرَأَيتَهُم يَصُدّونَ وَهُم مُستَكبِرونَ﴾
فهم أهل صدود مع كبر و هذا يدل على أن صدودهم ليس عن شي معين من الشرع بل لجميع الشرع و ذلك لأن الإيمان لم يكن في قلوبهم
(رَأَيتَ المُنافِقينَ يَصُدّونَ عَنكَ صُدودًا) (فَكَيفَ إِذا أَصابَتهُم مُصيبَةٌ بِما قَدَّمَت أَيديهِم)
أي بسبب ما قدمته أيديهم من هذه الذنوب و من هذا الكفر
(فَكَيفَ إِذا أَصابَتهُم مُصيبَةٌ)
ما ذا يصنعون إذا أصابتهم مصيبة من بلاء ومرض وفقر و بؤس و ما شابه ذلك فما يكون حالهم؟ (فَكَيفَ إِذا أَصابَتهُم مُصيبَةٌ بِما قَدَّمَت أَيديهِم)
و تلك المصيبة إنما هي عدل من الله عزوجل إذا أنزلها بهم ودل هذا على ماذا ؟ دل هذا على من أقبل على شرع الله عزوجل فإنه محفوظ بحفظه عزوجل
ولذا ثبت قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث ابن عباس ( احفظ الله يحفظك )
(فَكَيفَ إِذا أَصابَتهُم مُصيبَةٌ بِما قَدَّمَت أَيديهِم)
تم الكلام هنا ثم استأنف (ثُمَّ جاءوكَ يَحلِفونَ بِاللَّهِ)
جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم معتذرين كحالهم إذا كذبوا و إذا نافقوا جاؤا معتذرين يظنون أن هذا الأمر يخفى على الله عزوجل و لذا قال (ثُمَّ جاءوكَ يَحلِفونَ بِاللَّهِ)
يحلفون بالله لأن من سمة هؤلاء الحلف بالله كذب حتى إنه كما قال عزوجل في سورة المنافقون و أنزل فيهم سورة ﴿إِذا جاءَكَ المُنافِقونَ قالوا نَشهَدُ إِنَّكَ لَرَسولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعلَمُ إِنَّكَ لَرَسولُهُ وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّ المُنافِقينَ لَكاذِبونَ﴾
(اتَّخَذوا أَيمانَهُم جُنَّةً فَصَدّوا عَن سَبيلِ اللَّهِ) مع أنهم صدوا عن الشرع أيضاً صدوا عن سبيل الله عزوجل و من ثم فإنه قال هنا: (ثُمَّ جاءوكَ يَحلِفونَ بِاللَّهِ)
حتى إنه من سفاهة عقولهم إذا بعثهم الله عزوجل يوم القيامة يحلفون له يظنون أن الأمر يخفى عليه ﴿يَومَ يَبعَثُهُمُ اللَّهُ جَميعًا فَيَحلِفونَ لَهُ كَما يَحلِفونَ لَكُم وَيَحسَبونَ أَنَّهُم عَلى شَيءٍ أَلا إِنَّهُم هُمُ الكاذِبونَ﴾
وهذا إن دل يدل على أن من ترك الشرع فإن عقله يكون به سفه .
لأنه لا يُقدم على مثل هذا الأمر أمام الجبار عزوجل لا يقدم على هذا القول و على الحلف بالكذب لا يقدم عليه إلا من هو جاهل فدل على أن الشرع يغذي القلوب و يغذي العقول. فقال هنا: (ثُمَّ جاءوكَ يَحلِفونَ بِاللَّهِ)
على عادتهم( إِن أَرَدنا إِلّا إِحسانًا وَتَوفيقًا﴾ إن بمعنى ما لأن علامة إن التي بمعنى ما فالغالب أن يأتي بعدها إلا و هي أداة الاستثناء .
( إِن أَرَدنا إِلّا إِحسانًا وَتَوفيقًا﴾
أي ما أردنا ( إِلّا إِحسانًا وَتَوفيقًا﴾ كما قال عزوجل مما يدل على هذه القاعدة أو الأمثلة على هذه القاعدة .
﴿إِن أَنتَ إِلّا نَذيرٌ﴾ أي: ما أنت إلا نذير
( إِن أَرَدنا إِلّا إِحسانًا ﴾ أي إحساناً ما اردنا بهذه الحكومة إلى هذه إلى هذا الكاهن إلا احسانا من باب أننا نريد الإحسان و إيصال الخير إلى الغير بهذه الحكومة لم نرد الشر .
( إِن أَرَدنا إِلّا إِحسانًا وَتَوفيقًا﴾ بمعنى التوفيق التوفيق بين المتخاصمين .
فنحنوا ما أردنا إلا الإحسان و ما أردنا إلا التوفيق و هذا يدل على ماذا ؟ يدل على أنهم مع ما أنطبعت عليه قلوبهم من الكفر إذا بهم يكذبون و يزكون أيضا أنفسهم و هذا يدل على ما ذكره عزوجل في الآيات السابقات عن اليهود فأن شأن المنافقين كشأن اليهود في ماذا ؟
في تحكيم الطواغيت و الإيمان بها أيضا في تزكية النفس .
قال تعالى كما مرّ معنا اليهود في نفس السوره كما سبق كما ذكرت لكم في سورة آل عمران و كذلك في سورة البقرة .
من قرأ السورة يتأمل أولها و ثناياها و آخرها يجد أن هناك ترابطا و لذا زكوا أنفسهم أيضاً اليهود و قعت التزكية منهم لأنفسهم قال تعالى كما مرّ معنا ﴿أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ يُزَكّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكّي مَن يَشاءُ وَلا يُظلَمونَ فَتيلًا﴾ .
( إِن أَرَدنا إِلّا إِحسانًا وَتَوفيقًا﴾ و من ثم فإن شيخ الإسلام رحمه الله قال إن هذه الآية تدل على شر ما يصنعه من أصحاب الفرق التي ضلت في باب الأسماء و الصفات . فإنهم يقولون نحن ننفي هذه الصفة عن الله أو هذا الاسم أو نقول هي أسماء من غير صفات ان أردنا إلا الإحسان و التوفيق . أردنا الإحسان في الشرع و أردنا التوفيق بين النصوص و هذا و لا شك أنه من باب التدليس .
فإن الإحسان و التوفيق بين المتخاصمين إنما يكون بشرع الله عزوجل فهوا أحسن الأحكام و لا حكم أحسن منه و لذا ما ذا قال عزوجل كما في سورة المائدة
(وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكمًا)
و هذا أيضا شأنهم يدعون أنهم يحسنون ولذلك لما بنوا مسجد الضرار ماذا قالوا ؟! قالوا كما قال عزوجل (وَالَّذينَ اتَّخَذوا مَسجِدًا ضِرارًا وَكُفرًا وَتَفريقًا بَينَ المُؤمِنينَ وَإِرصادًا لِمَن حارَبَ اللَّهَ وَرَسولَهُ مِن قَبلُ وَلَيَحلِفُنَّ إِن أَرَدنا إِلَّا الحُسنى)
(إِن أَرَدنا إِلَّا الحُسنى)
(وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّهُم لَكاذِبونَ)
فقال عزوجل عن هؤلاء: ( إِن أَرَدنا إِلّا إِحسانًا وَتَوفيقًا﴾ .
(أُولئِكَ الَّذينَ يَعلَمُ اللَّهُ ما في قُلوبِهِم) فالله مطلع على أحوالهم و من ذلك أنه سيعاقبهم على تلك الأفعال و تلك الأقوال و يتضمن أيضا من أن الله عزوجل عالم بما في قلوبهم ومن ثم فإنك لا تخف و لا تخشى من هؤلاء فكل أعداء الله عزوجل في قبضته بل إن الخلق كلهم في قبضته و في تصرفه و يعلم حالهم و أحوالهم و لذا قال:
(أُولئِكَ الَّذينَ يَعلَمُ اللَّهُ ما في قُلوبِهِم)
إذاً ماذا يصنع !؟
(فَأَعرِض عَنهُم) أعرض عن هؤلاء المنافقين إما بعدم قبول عذرهم إن شئت أو مثلا عدم التعرض لهم بالقتل و ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله و سلم لما قيل له اقتل هؤلاء المنافقين قال من باب المصلحة قال لا ؛ لأنهم يظهرون الإسلام في ظاهر الأمر فلربما لو قتلهم لظن أولئك الذين لم يدخلوا في الإسلام من أن محمد يقتل أصحابه لأنهم ليس لهم إلا الظاهر فقال ﷺ 🙁 حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ) وهم ليسوا بأصحابه و إنما هم أظهروا الإيمان و أظهروا الإسلام
(أُولئِكَ الَّذينَ يَعلَمُ اللَّهُ ما في قُلوبِهِم فَأَعرِض عَنهُم)
لكن ماذا عليك !؟
(وَعِظهُم) و عظهم عليك بأن تعظهم قيل الوعظ هنا يكون علانية و لا شك أن الوعظ يكون علانية و سرا و إنما قيل علانية لأنه قال بعدها
(وَقُل لَهُم في أَنفُسِهِم) يعني في الخلاء و في السر بمعنى أنك تعظ هؤلاء موعظة في العلانية والسر عليك أن توعظهم و أن تؤكد لهم القول البليغ في الخفاء ولذلك قال هنا: (فَأَعرِض عَنهُم وَعِظهُم وَقُل لَهُم في أَنفُسِهِم قَولًا بَليغًا)
قولا بليغا :بمعنى أنه قول عظيم يبلغ قلوبهم لعل الله عزوجل أن يهديهم لكن من لم يهتدي
فالله عزوجل هو الذي بيده الحكم و بيده التقدير فقال عزوجل هنا :(فَأَعرِض عَنهُم وَعِظهُم وَقُل لَهُم في أَنفُسِهِم قَولًا بَليغًا) ( قَولًا بَليغًا)
(وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلّا لِيُطاعَ بِإِذنِ اللَّهِ) أتت هذه الآية من باب بيان ماذا؟ من باب بيان أن هؤلاء لم يطيعوا النبي ﷺ و أن طاعة النبي ﷺبها الخير و أن طاعته و أن تحكيمه بها الإحسان و بها التوفيق و أيضا يا محمد أنت حالك كحال الأنبياء السابقين .
فإنه ليس من ما أراده الله عزوجل أن يؤمن الكل أو أن يحكم الكل ما أتيت به من الشرع من ما أوحينا به إليك و لذا قال: (وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلّا لِيُطاعَ بِإِذنِ اللَّهِ)
لكن قد لا يطاع و لذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله قال :هذه الآية
الآية التي هي ﴿وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ﴾خلقهم لعبادته فقد يعبد بعضهم و قد لا يعبد الله عزوجل .
ومن ثم قال هنا أيضا هذه الآية
(وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلّا لِيُطاعَ بِإِذنِ اللَّهِ) و من ثم يكون الإذن هنا من الله أذن شرعي بمعنى أن هذا الإذن هو الإذن الشرعي يحبه الله عزوجل و يرضاه.
ولكن لا يلزم أن يقع.
لكن بالنسبة إلا الأذن من الله عزوجل القدري الكوني الذي لا بد أن يقع . الذي لابد أن يقع فإنه يكون فيما يحبه الله وفيما لا يحبه الله وإذا أذن به فإنه يقع لا محالة كما مرّ معنا في سورة آل عمران ﴿وَما أَصابَكُم يَومَ التَقَى الجَمعانِ فَبِإِذنِ اللَّهِ ﴾
فبقضاء الله وبقدره هنا ما ذا قال ؟
(وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلّا لِيُطاعَ بِإِذنِ اللَّهِ) ويدخل في ذلك من أن بعض المفسرين قالوا إن الإذن هنا من الله بالنسبة إلى طاعة المطيع بمعنى أنه ليس هناك أحد يستطيع أن يطيع الله إلا بإذنه فيكون الإذن هنا على رأيهم هو الإذن القدري الكوني لأنه لا يمكن أن يفعل العبد الطاعة إلا بأمر الله عزوجل و لتعلم و لتعلم من أن إذن الله الكوني والقدري و الإذن الشرعي الديني يصدق على المطيع بمعنى أن من أطاع الله و أطاع النبي ﷺ فبإذنه عزوجل
الكوني أعان هذا الشخص فأطاع الله و أيضا هذه الطاعة تدل على ماذا ؟ تدل على أنه عزوجل رضيها وأحبها (وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلّا لِيُطاعَ بِإِذنِ اللَّهِ)
و لا تعارض بين القولين لأنه لا يمكن أن يطيع أحد النبي ﷺ إلا بإذنه القدري لكن الآية هنا دليل على الإذن الشرعي من أنه يرسل الرسول و قد يطلع و قد لا يطاع وهذا هو الإذن الشرعي.
(وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلّا لِيُطاعَ بِإِذنِ اللَّهِ وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَلَموا أَنفُسَهُم جاءوكَ) ظلموا أنفسهم بهذه الذنوب جاؤوك (فَاستَغفَرُوا اللَّهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسولُ)
أي :طلبوا المغفرة من الله و طلبوا منك أن تستغفر لهم لكن طبع على هؤلاء طبع ذميم به صدود و إعراض
﴿وَإِذا قيلَ لَهُم تَعالَوا يَستَغفِر لَكُم رَسولُ اللَّهِ لَوَّوا رُءوسَهُم وَرَأَيتَهُم يَصُدّونَ وَهُم مُستَكبِرونَ﴾
فهنا ماذا قال عزوجل ؟
(وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَلَموا أَنفُسَهُم جاءوكَ فَاستَغفَرُوا اللَّهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوّابًا رَحيمًا)
ومرّ معنا الحديث عن التواب الرحيم مرّمعنا كثيراً في سورة البقرة وفي سورة آل عمران فالله عزوجل من أسمائه التواب و الرحيم و ذلك لرحمته لعباده لمن أقبل عليه و هو تواب عليه عزوجل تواب على عبده .
ومن ثم فإن قوله هنا :
(وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَلَموا أَنفُسَهُم جاءوكَ فَاستَغفَرُوا اللَّهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسولُ)
هنا ما ذا قال : (وَلَو أَنَّهُم إِذ)
و إذ لظرف الذي يدل على الماضي يعني في حياة النبي ﷺ يئتون إليك أما الآن بعد وفاته فإنه لا يجوز أن يأتي أحد إلى قبره و يقول للنبي ﷺ استغفر الله لي فإن هذا مخل و قادح في توحيد العبد و من ثم فإن كلمة إذ تدل على ماذا؟ تدل على انه للمضي ولو قيل تنزلاً قلتم هذا الكلام مع أن اذ تحل محل اذا المستقبل كما قال عزوجل :
(وَإِذ قالَ اللَّهُ يا عيسَى ابنَ مَريَمَ)
هذا متى!؟ يوم القيامه قال :
(وَإِذ قالَ اللَّهُ يا عيسَى ابنَ مَريَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنّاسِ اتَّخِذوني وَأُمِّيَ إِلهَينِ مِن دونِ اللَّهِ)
قيل إن كان للمستقبل نعم هي للمستقبل لكنه أتى بكلمه إذ باعتبار أن يوم القيامة محقق و من ثم يحصل و مع هذا كله لو زعمتم من أن معنى إذ بمعنى إذ تقول فعل. الصحابة رضي الله عنهم يدل على نكران ما تذهبون إليه لأن القبوريين يحرصون على مثل هذه الأمور فيقال الصحابة رضي الله عنهم لم يجري منهم مثل ذلك فدل على أن الصحابة الذين نزل عليهم القرآن فهموا هذه النصوص و ما يذكر و أن كان ابن كثير رحمه الله يعتب عليه في هذا المقام أنه ذكر قصة العتبي و لم يتعرض لها بشي ربما يلتمس له العذر من أنه أراد أن يتحدث عنها و لكنه نسيها أو غفل عنها أو ما شابه ذلك فإنه و لا شك حريص على تبين مثل هذه الأمور لكن ربما جرى ما جرى من سهو أو ما شابه ذلك منه رحمه الله قصة العتبي من أن هذا العتبي كان عند قبر النبي ﷺ فجاء أعرابي فقال يا رسول الله و هذا بعد وفاة النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إن الله أمرنا أن نأتيك و تستغفر لنا ذنوبنا و إني جئتك مستغفر لذنبي فإذا برجل يقول أبيات من الشعر:
“يا خير من دفنت بلقاع أعظمه
فطاب من طيبهن القاع و الأكمُ
فننسى بالغداء لقبر أنت ساكنه
فيه العفاف و فيه الطهر و الكرم “
فانطلق الأعرابي فهذا العتبي هذا العتبي نام فلما نام إذا به يرى النبي ﷺ و يقول له يا عتبي انطلق إلى هذا الأعرابي و أخبره أن الله قد غفر له فهذه القصة
إسناده مظلم و أنها باطله مختلفة موضوعه على النبي ﷺ و لا تصح.
و لو قيل بذلك فإن كما أنها مختلقة موضوعة في اسنادها نكارة و في منتهاها نكارة أيضا لما ؟
كيف يكون هناك حكم شرعي بناء على رؤيا رآها من العتبي رآها العتبي و من ثم أفضع من ذلك ما ذكره القرطبي رحمه الله من أن أعرابيا أتى إلى قبر النبي ﷺ بعد وفاته وتمرغ على القبر و إذا بهذا الرجل يقول جئتك مستغفرا لذنبي فإذا بصوت من داخل القبر يقول قد غفر لك يا أعرابي فهذه لا إسناد لها و لا صحة لها و حالها أفضع من حيث النكارة من قصة العتبي إن لم يشتركا في النكارة فهذه أنكر و أعظم و هذا يدل على ماذا؟ يدل على أن ما يفعله القبوريون إنما هو مخالف للتوحيد
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم)
فلا وربك فلا وربك هنا قال بعض العلماء قال: لا هنا زائدة بمعنى فوربك فوربك و من ثم قال بعض أهل العلم قالوا أنه أتى بلا النافية قبل القسم و أتى مكرر النفي بعد القسم مما يدل على الاهتمام .
فالله عزوجل أقسم بنفسه الكريمة على هذا الأمر ( فَلا وَرَبِّكَ ) قال: لا قبل القسم و ربك لا يؤمنون هذا النفي للتأكيد أيضا ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ ) يا محمد وهذا فيه رد على من ؟ مرّ معنا ذكرهم في أوائل الآيات (أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آمَنوا بِما أُنزِلَ إِلَيكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلَى الطّاغوتِ)
و يدخل فيهم هؤلاء وغيرهم ممن تصدق عليهم هذه الآية(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم)
أي: ما حصل بينهم من خلاف مأخوذ من النزاع و الافتراق كما يقال عن الشجرة شجرة و ذلك لتباعد أغصانها .
قال: ( حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم)
ثم هذا أمر زائد( ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم) أي في البواطن أي في باطنهم .
(ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا) أي ضيقا أو اثما أو ماشابه ذلك مما يدل على عدم رضى النفس
﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمّا قَضَيتَ وَيُسَلِّموا تَسليمًا﴾
من حيث الظاهر فلابد من الرضا بحكم النبي ﷺ ظاهراً وباطنا .
ولذا ماذا قال (وَيُسَلِّموا تَسليمًا) أكد ذلك بكلمة تسليما من باب أنه تسليم ليس بناقص و إنما تسليم كامل حقيقي ( وَلَو أَنّا كَتَبنا عَلَيهِم) هذا من رحمة الله عزوجل فلو كتب الله عزوجل على الناس من أنهم يقتلون أنفسهم أو أنهم يخرجون من ديارهم لكان في ذلك مشقة إذا ما أتى به الشرع مما أمروا به إنما به الخير و السعادة و الراحة لهم في دنياهم و في أُخراهم .
لكن لو أمروا بمثل هذه الأمور الشاقة ما فعله إلا قلة و لذلك بعض الصحابة رضي الله عنهم لما حصل بينهم و بين اليهود بعض الكلام قال اليهود نحن أمرنا بقتل أنفسنا فقتلنا أنفسنا فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم و الله لو أمرنا و الله لو أمرنا بقتل أنفسنا لقتلناها .
ولذلك ما ذا قال عزوجل؟ (وَلَو أَنّا كَتَبنا ) وهذا عام وشامل مما يدل على أن ما جاء بع الشرع هو خير وسهوله و يُسر و لم يأمركم الله بشي يشق عليكم من القتل أو الخروج من البلد.
(وَلَو أَنّا كَتَبنا عَلَيهِم أَنِ اقتُلوا أَنفُسَكُم أَوِ اخرُجوا مِن دِيارِكُم ما فَعَلوهُ إِلّا قَليلٌ مِنهُم) قليل هنا مرفوعة و لم يقل إلا قليلا .
قليل منهم على هذه القراءة هي بدل من الواو في قوله: ( فَعَلوهُ)
(ما فَعَلوهُ إِلّا قَليلٌ مِنهُم)
كحال بعض الصحابة الذين مر ذكرهم من أن الله لو أمرهم بأن يقتلون أنفسهم لقتلوها قال عزوجل: (وَلَو أَنّا كَتَبنا عَلَيهِم أَنِ اقتُلوا أَنفُسَكُم أَوِ اخرُجوا مِن دِيارِكُم)
ذكر هنا إخراج الإنسان من دياره والقتل يدل على ماذا ؟! يدل على أن إخراج الإنسان من بلده أمر شاق كمشقة قتل النفس .
و قد مر معنا الحديث في مثل ذلك في قوله تعالى :
(وَقَد أُخرِجنا مِن دِيارِنا)
و عند قوله تعالى: ﴿وَإِذ أَخَذنا ميثاقَكُم لا تَسفِكونَ دِماءَكُم وَلا تُخرِجونَ أَنفُسَكُم مِن دِيارِكُم ﴾
فطبيعة النفوس فطرت على حب الأوطان وقد مر معنا تفصيل ذلك في سورة البقرة فقال عزوجل هنا
(ما فَعَلوهُ إِلّا قَليلٌ مِنهُم وَلَو أَنَّهُم فَعَلوا ما يوعَظونَ بِهِ)
مما أمر به الشرع و مما وعظ بهم النبي ﷺ
( فَأَعرِض عَنهُم وَعِظهُم وَقُل لَهُم في أَنفُسِهِم قَولًا بَليغًا)
(وَلَو أَنَّهُم فَعَلوا ما يوعَظونَ بِهِ لَكانَ خَيرًا لَهُم)
مالنتائج؟ ( لَكانَ خَيرًا لَهُم) لكان خيراً لهم في جميع أنواع الخير في دنياهم و أخراهم .
(لَكانَ خَيرًا لَهُم) الثاني( وَأَشَدَّ تَثبيتًا﴾ يدل هذا على ماذا !؟ يدل على أن الإنسان إذا استقام على شرع الله فإن الله عزوجل يثبته بمعنى: أنه إذا عمل الطاعات واستمرعليها و دعا الله أن يثبته فإن الله يثبته( لَكانَ خَيرًا لَهُم وَأَشَدَّ تَثبيتًا﴾
في الدنيا وعند الموت وفي القبر إذا سئل و في يوم القيامة
(لَكانَ خَيرًا لَهُم وَأَشَدَّ تَثبيتًا)
الثالث( وَإِذًا) و مرّ معنا كتابة إذا وهل تكتب بالألف و التنوين أو بنون كما مر معنا في قبل ذلك في آيات .
قال عزوجل هنا :(وَإِذًا لَآتَيناهُم مِن لَدُنّا)
من لدن من ؟! من لدن رب العالمين
(أَجرًا عَظيمًا) أجر عظيم شديد العظمة و أشد العظمة ما يكون رؤية الله عزوجل ﴿وَإِذًا لَآتَيناهُم مِن لَدُنّا أَجرًا عَظيمًا﴾
الرابع :﴿وَلَهَدَيناهُم صِراطًا مُستَقيمًا﴾
و هو الصراط المستقيم الذي لا عوجاج فيه ، كما قال عزوجل عن أهل الصلاح و الخير من أنهم يدعون الله عزوجل
﴿اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ﴾
و الصراط المستقيم هو شرع الله .
قال تعالى: (وَأَنَّ هذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ)
و من السبل التي تفرق الإنسان عن سبيل الله تحكيم الطواغيت كما مر معنا في الآيات السابقات قال هنا
﴿وَلَهَدَيناهُم صِراطًا مُستَقيمًا﴾
قال : (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسولَ)
لما أمر بطاعة الله و بطاعة الرسول ﷺ .
بين هنا أن هناك من أطاع الله عزوجل و الرسول ﷺ
كما مر معنا ( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا أَطيعُوا اللَّهَ وَأَطيعُوا الرَّسولَ)
بين هنا أن هناك صنفا أطاعوا الله عزوجل فكان لهم هذا الثواب (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم)
أعظم النعم النعم الدينية
وهذه الآية تفسر ما أجمل في الآية التي في سورة الفاتحة ﴿اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ﴾(صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم)
منهم؟ الذين أنعم الله عليهم.
هم المذكورون في هذه الآية
(فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَوَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ) بعض الصحابة رضي الله عنهم قالوا : يا رسول الله كما ذكر المفسرون وهو عبدالله ابن زيد الذي أوري الأذان قال يا رسول الله و قيل غيره من الصحابة قالوا يا رسول الله نحن معك في الدنيا فإذا افترقنا عنك اشتقنا إليك فكيف يكون حالنا في الجنة و أنت في الدرجات العلى .
نحن إذا دخلنا الجنة فكيف نراك فأنزل الله عزوجل هذه الآية و المعية هنا معية ماذا ؟! معية التلاقي بينهم و معلوم أن درجة النبيين أعظم وأعظم وهؤلاء لا يصلون إلى درجة النبيين و لكن قال
(فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم)
بمعنى أنهم يتقابلون و يتزاورون فيما بينهم لكن كل في درجته و كل مقتنع و راضٍ بما هو عليه
و لذا ماذا قال تعالى :﴿وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِن غِلٍّ إِخوانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ﴾فالمعية هنا إذاً المقصود من ذلك مطلق المصاحبة من أنهم يلتقي بعضهم ببعض وهذا يكون قاعدة كالأحاديث التي قال عنها النبي ﷺ كما ثبت عنه ( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين ) المقصود من ذلك بيان عظم ماذا ؟! منزلة كفل اليتيم و أن له هذه المنقبة و ليس معنا ذلك أنه يكون في درجة النبي ﷺ و من ثم فإن قوله تعالى
(فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ)
النبيون مرّ ذكرهم و بيناهم (مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ)
الصديق هو الذي بلغ في الصدق مبلغه بمعنى :أن أقواله تصدق أفعاله و قلبه قد امتلئ بالصدق و لذلك النبي ﷺ كما في الصحيحين ما ذا قال ؟ ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر و إن البر يهدي إلى الجنة و لا يزال الرجل يصدق و يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا) ولذلك أعظم ما يكون من هؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم هو الصديق رضي عنه و قد أجمعت الأمة على أن لقبه الصديق و لذا ما ذا قال عزوجل ﴿وَالَّذي جاءَ بِالصِّدقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ المُتَّقونَ﴾
و سيأتي لها تفسير بإذن الله أشمل من هذا .
إذاً (مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ) الشهداء هم الذين استشهدوا في الحرب في سبيل الله عزوجل لتكون كلمة الله هي العليا ( و الصالحين ) والصالح هم من قام بحق الله و قام بحق المخلوق و من كان صالحا فإن الأمة فإن الأمة تدعوا لها في صلاتها و لذلك النبي ﷺ لما ذكر التشهد قال : السلام علينا و على عباد الله الصالحين .
قال فإذا قالها المصلي أصابت كل عبد صالح في الأرض و في السماء .
إذا إخوانك المسلمون إن كنت مستقيما إن كنت صالحا فإخوانك المسلمون يدعون لك في كل صلاة من صلواتهم حتى إن التشهد وهو التشهد هذا عدّه العلماء ركن من أركان الصلاة .
مما يدل على أنه لا يجوز أن يسقط في الصلاة و من ثم فإن هذه الآية دليل على ماذا ؟
دليل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه وأنه هو الخليفة بعد النبي ﷺ و فيه رد على الروافض و لذا قال ما ذا قال (مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ) ذكر من الصديقين و أجمعت الأمة على أن لقب الصديق هو لأبي بكر رضي الله عنه فإذا ذكر الصديق هنا من بعد النبيين .
و أيضا يدل على ماذا ؟
يدل على أن الصديق لا يكون في مرتبة الأنبياء لا يكون في مرتبة الأنبياء و لذا هذا فيه دليل لأولئك العلماء و قد مر معنا بيان ذلك في أوائل سورة آل عمران من أن مريم ليست بنبية على الصحيح لأنه قال تعالى : ( وَأُمُّهُ صِدّيقَةٌ) و هنا لو كانت نبية لقال وأمه نبيه لأنه فرق بين النبي و الصديق بدليل هنا قال: (مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ)
و قد ذكر بعض المفسرين من أن الصديقين هو أبو بكر المقصود أبو بكر و الشهداء عثمان و علي و الصالحين هم سائر الصحابة ولا شك أن هؤلاء يدخلون فهم أعظم الناس لكن الآية عامة الآية عامة تشمل كل صديق و كل شهيد و كل صالح .
(مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقًا)
(وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقًا) بمعنى: رفقاء كما قال تعالى (ثُمَّ يُخرِجُكُم طِفلًا)
يعني أطفالا
(وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقًا) فما أحسن رفقة هؤلاء ، فما أحسن رفقة هؤلاء .
وقال هنا (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقًا)
و لذلك النبي ﷺ كما ثبت و هو في سكرات الموت ما ذا كان يقول ؟ في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى.
مما يدل على ما ذا مما يدل على أن مصاحبة هؤلاء ورفقة هؤلاء كلها خير ومن ثم ما ذا قال هنا
(مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ) كم عددهم ؟كم عدد هؤلاء كم عدد هؤلاء الأصناف أربعة .
قال القرطبي رحمه الله : و تأمل حينها ذلكم الحديث و هو خير الرفقاء أربعة خير الرفقاء أربعة .
قلت لوصح هذا الحديث لكان دليل على ما ذكره رحمه الله
و هناك حديث آخر خير الأصحاب أربعة حسنه بعض أهل العلم فلعله يكون شاهد لما ذكره القرطبي رحمه الله .
ولا شك أن مصاحبة هؤلاء لا شك أنها أنها خير بدليل ) وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقًا)
(ذلِكَ الفَضلُ مِنَ اللَّهِ)
هذا فضل من الله ما وصلوا إلى هذه المرتبة بقوتهم و لا بحولهم و لا بذكائهم .لا
و لذلك فضل من الله عزوجل إذ منّ عليك بطاعة اذ منّ عليك بالاستقامة فليس كما يزعمه أولئك مما مر معنا من أنهم يزكون أنفسهم من أن الطاعة تكون سمة لهم ولذلك قال عزوجل فيما مر معنا في آيات (أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ يُزَكّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكّي مَن يَشاءُ)
وكذلك قول المنافقين قول المنافقين (إِن أَرَدنا إِلّا إِحسانًا وَتَوفيقًا) (ذلِكَ الفَضلُ مِنَ اللَّهِ)
ما أحد يصل إلى هذه المراتب إلا بفضل من الله .
ولذلك النبي ﷺ كما في الصحيحين لما كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه فتقول له عائشة يا رسول الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر فيقول : أفلا أكون عبدا شكورا .
عبدا شكورا لأن من أعظم ما يشكر الله عليه أن يوفقك لدينه ولطاعته فقال هنا: (ذلِكَ الفَضلُ مِنَ اللَّهِ) ذلك المشار إليه من صحبة هؤلاء وهذا الخير الذي لهم ذلك الفضل من الله(وَكَفى بِاللَّهِ عَليمًا)
هو عليم عزوجل بكل شي و من ذلك هو عليم بمن يستحق الهداية فيهديه وعليم بمن يستحق الضلالة فيضله فهو عزوجل هو المدبر فهو العليم.
و لذلك ماذا قال عزوجل (اللَّهُ أَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسالَتَهُ)
و قال تعالى (فَعَلِمَ ما في قُلوبِهِم فَأَنزَلَ السَّكينَةَ عَلَيهِم وَأَثابَهُم فَتحًا قَريبًا)
فإذا علم الله عزوجل من العبد صدق النية و الإخلاص وحب الخير وفقه الله عزوجل .
فقال عزوجل هنا ﴿ذلِكَ الفَضلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَليمًا﴾
ثم إن قوله (ذلِكَ الفَضلُ مِنَ اللَّه)
فيه رد على القدرية الذين يقولون إن الطاعة إنما يخلقها المطيع نفسه بمعنى أن الطاعة من نفس المطيع و هذا لا شك ضلال مبين .
فلا يمكن لأحد أن يفعل شيئا أو أن يصرف شيئا أو أن يحرك شيئا أو أن يسكن شيئا أو أن يفعل شيئا من أمور دينه أو دنياه إلا بأمر من الله عزوجل قال تعالى : (وَما تَشاءونَ إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ) .