تفسير سورة النساء
من آية ١٥ إلى آية ٢١
الدرس ٥٤
للشيخ زيد البحري – حفظه الله –
(وَاللّاتي يَأتينَ الفاحِشَةَ مِن نِسائِكُم فَاستَشهِدوا عَلَيهِنَّ أَربَعَةً مِنكُم)
سبحان الله ! ما أعظم هذا القرآن لما ذكر ما يجب للنساء من حقوق، وبين أن النساء لهن حقوق ويجب أن تُراعى المرأة وأن تُعطى الحق الذي لها بين أنها إن عصت الله وخالفت أمر الله، لا يدل على أنها بمنجى من العذاب الدنيوي والأخروي ولذا قال (وَاللّاتي يَأتينَ الفاحِشَةَ )
واللاتي مفردها التي وهي تصغر وهنا نحن وغيرنا احياناً نقول التي والتيّا ، والتيّا تصغير لكن النطق الصحيح ليس بالضم وإنما التَيّا ولذا النطق الصحيح ايضاً مع اللفظ ان تُقَدَم التيا والتي وهو مثل يُطلق على شخص لما أخذ امرأة وتزوج بها وهي صغيرة فشق عليه ذلك وتعب منها لقصرها، أخذ امرأة طويلة فكانت المشقة عليه أعظم فقال لا التيّا ولا التي ، التيا من باب التصغير لا التيّا ولا التي لا أتزوج و قيل يطلق على غير هذا المهم هذه فائدة عرضية (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ) الفاحشة يعني الزنا من نسائكم دل هذا على أن السياق سياق إناث وليس سياق ذكور بمعنى أن الزنا واقع ممن؟ وقع من النساء (وَاللّاتي يَأتينَ الفاحِشَةَ مِن نِسائِكُم فَاستَشهِدوا عَلَيهِنَّ أَربَعَةً مِنكُم) أربعة دل هذا على أن الشهادة في الزنا لابد فيها من أربعة شهود، ويصفون ما وقع بين هذا و هذه من الزنا الصريح ولا يختلف أحدهم عن الآخر.
لو اختلف فهم قذفة مما يدل على حرص الإسلام على ماذا على صيانة الأعراض ولذا قال ( لَولا جاءوا عَلَيهِ بِأَربَعَةِ شُهَداءَ)
قال أربعة مما يدل على أن النساء لا تقبل شهادتهن في الحدود ومر تفصيل للشهود عند قوله تعالى في آية الدّين (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ) فهنا قال (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ) ولذا لابد حتى في الإقرار، لو أقر إنسان على نفسه بالزنا، لابد أن يقر الإقرار الصحيح، ولذا لما أتى ذلكم الرجل إلى النبيﷺ وأقر على نفسه بالزنا أعرض عنه ﷺ فقال لعلك قبلت لعلك غمزت المهم أنه كرر عليه فلما لم يكن هناك بُدٌّ من أن يصرح هذا الذي وقع في الزنا بأنه زنا صرح ﷺ لأن الحدود تدرى بالشبهات تكون واضحة قال: أنكتها أنكتها؟ فلما أقر بذلك رجمه ﷺ فدل هذا على ماذا على أن النساء لا تقبل شهادتهن في الحدود أما ما سوى ذلك فهناك خلاف بين أهل العلم ومر الحديث كما سلف عن ذلك في آية الدّين ولعله يأتي إن شاء الله ما يتعلق بذلك أكثر.
(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ) فلا تُقبل شهادة من؟ الكُفار ولو كانوا ذميين ولذلك كما سيأتي معنا لا تقبل شهادة كافر على مسلم إلا في حال الموت إذا وصى كما قال عز وجل في سورة المائدة ( إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوتُ حينَ الوَصِيَّةِ اثنانِ ذَوا عَدلٍ مِنكُم أَو آخَرانِ مِن غَيرِكُم) وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى فإن شهدوا شهادة واضحة جلية فأمسكوهن في البيوت، أي تحبس في البيت قال بعض المفسرين تحبس في بيت آخر لما لأن الله عز وجل قال لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا يأتين بفاحشة مبينة ومع هذا كله فليس ما قاله واضح جليًّا عندي ف المهم أنها تحبس في البيت تحبس في البيت فماذا قال الله عز وجل (فَأَمسِكوهُنَّ فِي البُيوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ المَوتُ) إلى الوفاة (أَو يَجعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبيلًا) (أَو يَجعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبيلًا) أي حكماً أو طريقاً من هذا الطريق وهذا الحكم (أَو يَجعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبيلًا) ولذا بعض المفسرين قال أن هذي الآية منسوخة باعتبار ماذا باعتبار أن النبيﷺ قال كما ثبت عنه خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مئة، وتغريب عام، والثيب بالثيب الرجم والجلد، وبعض أهل العلم يقوله ليست منسوخة،
وإنما ما قالهﷺ بيان من أن هذا السبيل الذي ذكره الله عز وجل هذا هو السبيل المذكور في الحديث وهذا هو الأقرب ثم قال ﴿وَاللَّذانِ يَأتِيانِها مِنكُم) ﴿وَاللَّذانِ يَأتِيانِها مِنكُم )أي الفاحشة(فَآذوهُما) بالكلام يقال ألا تستحي ألا تخجل على نفسك وما شبه ذلك من هذا الكلام وكذلك الأذى بضرب النعال وما شبه ذلك ومن هنا قال بعض المفسرون هذه الآية في حق الذكور أما الآية السابقة في حق من؟ في حق النساء فالنساء في ما سبق يحبسنا وهنا الرجال إذا وقع منهم زنا يؤذون بماذا؟ بالضرب أو بالكلام وبعض أهل العلم قال إنما قوله ﴿وَاللَّذانِ يَأتِيانِها مِنكُم )يشمل الذكور و الإناث بمعنى أن الإناث كما أن عليهن الحبس أيضاً هنّا يؤذينا أما الرجال فالأذيةُ فقط و بعضهم فرق بين البكر والثيب والكلام يطول حول هذا لكن على كل حال السنةُ والشرعية بينت ماذا؟ أن الرجل إذا أحصن وكذلك المرأة إذا أُحصنت الرجم وهل يكون معه الجلد؟ لقوله ﷺ الثيب بالثيب الرجم والجلد أم يكون رجمًا من غير جلد؟ خلاف بين أهل العلم منهم من قال بذلك أخذًا بهذا الحديث لكن الذي يظهر من أنه لا يجلد الثيب لأن الرجم هو حد أكبر فدخل فيه الأصغر بدليل ماذا؟ بدليل أن النبي ﷺ لما زنت الغامدية وزنا ماعز وأقيم عليهم الحد لم يحصل منه جلد ﷺ لهما إنما هو الرجم و لذلك آية الرجم موجودة في القرآن لكن نسخ لفظها وبقي حكمها وهي وسيأتي لها بيان إن شاء الله “الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذا زنيا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “هذه آية لكن نسخ لفظها وبقي حكمها ولذا ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال ربما أن الناس يطول بهم زمان فيقولون أين الرجم لا نجد الرجم في كتاب الله وقد نزلت آية الرجم فعقلناها و وعينها وحفظنها ورجم رسول ﷺ ورجمنا من بعده وقد بينت في غير هذا الموطن بياناً واضحاً جلياً في الرد على من أنكر الرجم ممن ينتسب إلى العلم في مثل هذا الزمن فالشاهد من هذا من أن هذي الآية موجودة وقد جاءت من حديث عمر وجاءت من حديث أُبي وغيره في الكتب المعروفة وبالأسانيد الصحيحة .
فالشاهد مِن هذا مِن أنّ مَن زنا وهو ثيب فهذا هو حكمه ألا و هو الرجم سواء كان ذكرًا أو أنثى و أما إذا لم يحصن فإنه يجلد مئة، و يغرَّب سنة، كما سيأتي في أول سورة النور ( الزّانِيَةُ وَالزّاني فَاجلِدوا كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِائَةَ جَلدَةٍ ) فقال هنا( وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا) إن تابا عن الزنا وأصلحا بمعنى أن الإنسان إذا وقع في مثل هذا الذنب لأن الإنسان ضعيف فتاب إلى الله وأصلح من حاله لأن الوقوع لأنه ربما يقول إنسان لماذا ذكر الإصلاح هنا؟ لأن من وقع بمثل هذه الشهوة يصعب عليهِ إن لم يوفقه الله عز وجل يصعب عليه أن يدعها لأن النفس ميالة لأن النفس ميالة إلى هذه الشهوة وهي شهوة الفرج فإذا تاب فهنا يشترط مع التوبة الإصلاح أن يصلح من حاله ( فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا) فأعرضوا عنهما بمعنى أن من تاب تاب الله عليه فلا ُيتعرض لهما لا بأذية قول ولا بأذية فعل (فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)
بعض العلماء يقول فَأَعرِضوا عنهما بمعنى اعراضاً منكراً بحيث لا يكون هناك طلاقة وجه أو ما شابهه ذلك لكن في ما يظهرون لي أنه من ليس هناك دليل على ما ذكروا و إنما من تاب و أصلح فإنه يحبب إليه الخير وتحبب إليه التوبة فقال عز وجل (فَأَعرِضوا عَنهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوّابًا رَحيمًا﴾ مما يدل على ما ذكرته من أنه يعرض عنهما فلا يتعرض إليهم لا بأذية قول ولا بأذية فعل بل على هؤلاء أن يعينوا هؤلاء على أن يبقوا على هذه التوبة.
ولذلك شيخ الإسلام رحمه الله لما ذكر ما يتعلق بمثل هذي الأمور قال لا يقنط الناس من دين الله ولا من التوبة وإنما يفتح لهم أبواب التوبة كما جاء في ذلك ما جاء من الأدلة الشرعية بمعنى أنه يفتحُ لهم بمعنى أنهم لا يقنطون ولا تسد عليهم الأبواب بالفتاوى أو بالآراء أو ما شابه ذلك ولذا قال ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) هو تواب الله عز وجل تواب و أتت هذي الكلمة على وزن فعّال “المبالغة” ومر معنا في آيات كثيرة التعليق على هذين الأسمين التواب الرحيم إذاً من توبته عز وجل من أنه عز وجل يوفق هؤلاء للتوبة و يقبل التوبة منهم و هو رحيم عز وجل بهم إذا قبل منهم التوبة وشرع لهم التوبة إذاً الله عز وجل تابا عليهم ورحمهم أيضا إذا تابوا و أصلحوا فنعرض عنهم ولا يتعرضون لا بأذية قول ولا بأذية فعل فقال عز وجل و لذلك قال بعدها(إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللَّهِ) .
و بعض أهل العلم في قوله تعالى ( وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا) بعض أهل العلم قال هذا يدخل فيه اللواط بمعنى أن من وقع على ذكر مثله فإن هذا النص يدخل فيه ولا شك أن النبي ﷺ قال من وجدتموه كما ثبت عنه من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فقتلوا الفاعل والمفعول به فدل هذا على ماذا؟ على أنه يقتل ومن ثَمَّ فإن الاستدلال بهذه الآية يعني يكون إلى حد ما يكون فيه دلالة أو الدلالة خفية ولكن النص عندنا هو واضح وجلي وهو ما قاله ﷺ وأيضاً الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على قتل اللوطي لكن اختلفوا هل يحرق؟ هل يقتل كالقتل العادي؟ هل ينظر إلى أعلى مكان في البلد ويرمى به كما فعل الله عز وجل بقوم لوط؟ المهم أن مثل هذه الفاحشة فاحشة عظيمة نسأل الله السلامة والعافية.
قال تعالى( إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللَّهِ) لمّا ذكر ما يتعلق بالتوبة على من زنا وتاب وأصلحَ بين عز وجل من أن توبته على جميع الخلق ومن هؤلاء ممن مضى من الزناة إنما هي واجباً عليه بفضل منه وكرم وليس للعباد واجب على الله إلا ما أوجبه على نفسه كما قال تعالى(كَتَبَ رَبُّكُم عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ) فقوله تعالى ( إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللَّهِ) بعض العلماء يقول على بمعنى عند حتى لا تكون كلمة على يستدل به على أنه شيء مفروض على الله عز وجل بمعنى إنما التوبة عند الله لكن الذي يظهر أن كلمة على تدل ماذا؟ تدل على الوجوب ، ومن أوجبه؟ هو عز وجل ولماذا أوجبه؟ تفضل منه عز وجل وهو الرحيم الغفور العزيز كما قال عز وجل(كَتَبَ رَبُّكُم عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ) (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)يجهلون عظمة الله وليس معنى ذلك بالجهل لأن الإنسان إذا اقترف معصية وهو لا يدري أنها محرمة وإنما عن جهل هذا لا يؤاخذ ولذلك ماذا قال عز وجل كما مر معنا في آخر سورة البقرة(رَبَّنا لا تُؤاخِذنا إِن نَسينا أَو أَخطَأنا) قال الله عز وجل كما في صحيح مسلم (قد فعلت) وفي رواية قال:((نعم)) وأيضاً قوله ﷺ كما ثبت عنه ” إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ” فالجهل يختلف عن الجهالة فهناك من هو مقدمٌ على الذنب بجهالة بمعنى عن عمد لكنه حال اقترافه لهذه المعصية جهل ماذا؟ عظمة الله ولذلك قال بعض العلماء لا تنظر إلى المعصية من حيث هي ولكن انظر إلى عظمة من عصيت ولذا قال تعالى:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) العلماء الذين تعلموا العلم الشرعي وعملوا العمل الصالح وليس معنى ذلك من لديه علم وهو لم يعمل فهذا غير داخل ولذلك قال العلماء من عصى الله فهو جاهل من عصى الله فهو جاهل فإذاً هنا فرق بين قوله جهالة وجهل ولذلك قال عز وجل كما في أواخر سورة النحل(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذينَ عَمِلُوا السّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابوا مِن بَعدِ ذلِكَ وَأَصلَحوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعدِها لَغَفورٌ رَحيمٌ ) فدل هذا على ماذا؟ على أن من وقع في السوء بجهالة فالواجب عليه أن يُبادر بالتوبة ﴿إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتوبونَ مِن قَريبٍ﴾ انظر يعملون السوء بجهالة لأن العمل هو صيغة فعل مضارع يحصل للإنسان لأن الإنسان لا يخلو من الوقوع في الذنب لكن أيضاً أتت كلمة التوبة على صيغة الفعل المضارع بمعنى أنه متى ما وقعت في الذنب عن جهالة بادر بالتوبة بادر بالتوبة حتى يتوبَ الله عليك ومن ثمّ فإن الإنسان لو وقع في ذنب على الصحيح من أقوال العلماء من وقع في ذنب فتاب منه توبة نصوحة وثم بعد حين ضعُفت نفسه فوقع في هذا الذنب فإن التوبة السابقة مقبولة وكذلك فيه الرد على من قال إن من تاب من ذنب وهو باق على ذنب آخر من أن توبته لا تقبل وهذا غير صحيح فمن تاب من أي ذنبٍ سواءً كان من جنس هذا الذنب أو من ذنب آخر ولكن تاب توبة نصوحة بمعنى أنه ندم بمعنى أنه استغفر الله عز وجل بمعنى أن هذه التوبة خالصة لوجه الله عز وجل بمعنى أنه عازم عن ألا يعود إلى هذه مرة أخرى فإنه حينها تقبل توبته وإن كان فيما يتعلق بحقوق الآدميين فإنه يؤدي إلى الآدميين حقوقهم مع ما ذُكر من هذه الشروط.
ة﴿إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتوبونَ مِن قَريبٍ) (ثُمَّ يَتوبونَ مِن قَريبٍ)
معناها كما جاء في الحديث الصحيح يقبل الله توبة العبد ما لم يغرغر بمعنى إذا لم تصل الروح إلى الحلقوم هُنا فتوبته مقبولة وقال بعض المفسرين وهو داخل أيضاً وهو داخل قال: يتوبون من قريب بمعنى أنهم حينما يقعون في الذنب يبادرون بالتوبة خيفة من أن تُقبض أرواحهم وهم لم يتوبوا من ذلك الذنب ولا شك أن هذا القول قول عظيم بمعنى أن العبد فيما لو وقع في ذنب عليه أن يتوب وأن يحرص على التوبة من حينه حتى لا تتراكم الذنوب عليه فلا ربما يختم له بشر نسأل الله السلامة والعافية ولذا ثبت عند الترمذي قوله ﷺ (إنَّ العبدَ إذا أذنب ذنباً نُكِت في قلبِهِ نُكْتةٌ سوداءُ، فإن عاد كان كذلك حتى يُغلف قلبه وإن تاب واستَغفرَ سُقِلَ منها )سُقِلَ منها بمعنى أنها تمسح منه كما تمسح المرآة فالشاهد من هذا من أنَّ العبد يتوب من قريب ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم سبحان الله انظر قال فأولئك يتوب بصيغة الفعل المضارع مما يدل على ماذا؟ من أنه عز وجل كثيراً ما يتوب على عباده لكثرة ذنوبهم و هو عز وجل الرحيم فيتوب عليهم ولذلك في الآية السابقة (إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوّابًا﴾ على صيغة فعال (إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوّابًا رَحيمًا﴾ ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوبوا الله عليهم وصرح باسمِه عز وجل الله من باب ماذا؟ من باب محبته عز وجل وفرحه بتوبة العبد كما جاء في ذلك الحديث الصحيح ((لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم كان في فلاة ومعه راحلتُه وعليها متاعهُ فأضلها ثم وجدها)) الحديث دل هذا على حبه عز وجل للتوبة و لذلك ماذا قال الله عز وجل ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوّابينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرينَ﴾
(ثُمَّ يَتوبونَ مِن قَريبٍ فَأُولئِكَ يَتوبُ اللَّهُ عَلَيهِم وَكانَ اللَّهُ عَليمًا حَكيمًا﴾ سبحان الله عالم بكل شيء حكيم في أفعاله حكيم في أقواله حكيم في شرعه جل وعلا فهو عليم بحال بمن أذنب و هو عليم عز وجل بحالِ هؤلاء العباد وخُلق الأنسان ضعيفا
وقال تعالى(هُوَ أَعلَمُ بِكُم إِذ أَنشَأَكُم مِنَ الأَرضِ)فأَنتُم في أصل خلقتكم تذنبون ولذا قال ﷺ: كما عند مسلم “لو لم تذنبوا لذهب الله بكم و لجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم” فهو عز وجل عليماً بحالنا، يعلم أننا نذنب ونحن بحاجة إلى توبته و إلى مغفرته فهو حكيم في أقواله وأفعاله وفي شرعه ومن ذلك هو أوجب لحكمته أوجب لحكمته ورحمته أوجب على نفسه التوبة تفضل منه عز وجل.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَليمًا حَكيمًا﴾ ﴿وَلَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئَاتِ) وليست هنا نفي لمّا ذكر التوبة تقبل إذا تاب العبد إلى الله من قريب من وقته أو قبل أن يغرغر ذكر إن هناك صنف لا تقبل التوبة منهم لما؟ لأنهم لم يأتوا بالتوبة في زمنها ولذا قال ( وَلَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئَات حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ)(حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ) انتبه أحدهم الموت بمعنى أنه عاينَ ماذا؟ أنه عاين الموت فلا تقبل التوبة متى يعاين الموت؟ إذا غرغر إذا وصلت الروح للحلقوم وهذا الكلام (حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ)هذا يطلق أيضاً على من حضرت به أسباب الموت ولم يعاين الموت كما مر معنا في سورة البقرة (كُتِبَ عَلَيكُم إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوتُ إِن تَرَكَ خَيرًا الوَصِيَّة لِلوالِدَينِ)هنا أُمر بالوصية وقد حضره الموت لكن ما الذي حضره؟ أسباب الموت لكن لم يعاين الموت لم يغرغر فدل هذا على أن كلمة حضر الإنسان الموت أو حضر أحدهم الموت أحدكم الموت تطلق هكذا وتطلق هكذا قال عز وجل(وَلَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئَاتِ) ومن ثَّم أن مثل هذه الجملة(وَلَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئَاتِ حَتّى إِذا حَضر أَحَدَكُمُ المَوتُ) قوله (إِذاحَضرأَحَدهُمُ المَوتُ)هذا تعليق مني لبيان هذين المعنين في الصحيح لما حضرت أبا طالب الوفاة قال النبيﷺ يا عم: قل لا إله إلا الله، كلمةً أحاجُّ لك بها عند الله) هل حضر الموت أبا طالب بمعنى أنه عاين الموت؟ أو أسباب الموت إن كانا قبل أن يعاين الموت فلو تاب لو قدر الله له فتاب وأسلم فإنه حينها تاب قبل أن يغرغر وإن كان المقصود حضرت أبا طالب الوفاة بمعنى أنه عاين الموت فهذه خصوصية للنبيﷺخص بها من أجل عمه أبي طالب كما هو الشأن من أن أبي طالب من حيث الأصل أنه في الدرك الأسفل مِن النار فيشفع له النبي ﷺ تخفيفًا عنه حتى يكون في ضحضاح من النار يكون في قدميه يغلي منه دماغه ولذلك قالﷺ لولا أنا كما ثبت عنه لا كان في الدرك الأسفل من النار.
(وَلَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئَاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ قالَ إِنّي تُبتُ الآنَ) غرغر والنبي ﷺ يقول” إنَّ اللهَ يقبلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغرغرْ”.
(قالَ إِنّي تُبتُ الآنَ وَلَا الَّذينَ يَموتونَ وَهُم كُفّارٌ)بمعنى أنهم يتوبون قال هنا يموتون وهم كفار التوبة إنما تكونُ في الدنيا ولذلك قال بعض المفسرين بمعنى( وَلَا الَّذينَ يَموتونَ وَهُم كُفّار) أي لا تقبل توبة من أشرف على الموت ومن ثَّم فإن المعنى يكون كالمعنى السابق في قوله ( حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قالَ إِنّي تُبتُ الآنَ) والذي يظهر وهو الذي عليه أكثر المفسرين من أن قوله (ولا الذين يموتون وهم كفار) بمعنى أنه يموت وإذا مات تاب إما بعد معاينة الموت للرأي الآخر هذا قد يكون مقبولاً أو ماذا أو في يوم القيامة ولذلك يوم القيامة يندمون ومع ذلك ماذا قال عز وجل (وَلا هُم يُستَعتَبون﴾ (وَلا هُم يُستَعتَبون﴾ ولذلك ماذا قال عز وجل( هَل يَنظُرونَ إِلّا أَن تَأتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَو يَأتِيَ رَبُّكَ أَو يَأتِيَ بَعضُ آياتِ رَبِّكَ يَومَ يَأتي بَعضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفسًا إيمانُها لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو كَسَبَت في إيمانِها خَيرًا) .
(وَلَا الَّذينَ يَموتونَ وَهُم كُفّارٌ) قال وهم كفار لأن من تاب من كفره قبل يغرغر فإن توبته مقبولة فإن توبته مقبولة.
(قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا)
(وَلَا الَّذينَ يَموتونَ وَهُم كُفّارٌأُولئِكَ أَعتَدنا لَهُم ﴾ “أَعتَدنا” أي هيأنا ( لَهُم عَذابًا أَليمًا) عذاب مؤلم يتألمون به.
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثُوا النِّساءَ كَرهًا) لما ذكر الله عز وجل ما يتعلق بحقوق النساء لأنهم كانوا لا يورثون النساء ولا يعطون النساء مهورهن ثم لما بين عز وجل مالي للنساء من إرث ذكر الواجب على النساء من أنهم يصون أعراضهن فإن وقعنا في الفاحشة فلا يدل ما ذُكر من أحكام من أنهن لن يؤخذن بل سيأخذن هنا والعلم عند الله قال (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثُوا النِّساءَ كَرهًا) من باب ماذا؟ من باب أنه لا يظن أن ما وقعت فيه النساء مما سبق من أنّ الرجل له الأحقية في ماذا؟ في أن يهضم أو يظلم المرأة ولذا قال (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا) نادى أهل الإيمان حتى لا يقعوا في ما وقع أهل الجاهلية.
(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا يَحِلُّ لَكُم) كلمة لا يحل تدل على التحريم ) لا يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثُوا النِّساءَ كَرهًا)
سبحان الله لما ذكر ما يتعلق من أنّ إرث النساء من حيث المال من حيث التركة يأخذه الرجال أيضاً حذرهم عز وجل مما كان يُفعل في الجاهلية من أن المرأة تورث أي يورث ذاتها بمعنى أن الرجل من أهل هذا الميت يأتي ويضع ثوبه عليها أو شيء من ذلك وإذا به يملكها إن شاء تزوجها وإن شاء عضلها ومنعها من الزواج حتى تُعطيه المال من أجل أن يأذن لها بالزواج من غيره فقال تعالى(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثُوا النِّساءَ كَرهًا) لا يجوز أن تتزوج بها إلا برضاها فإن رضيت أن تتزوج بك ورضيت بذلك فلها ذلك وإلا فلا لذا قال (كرها) مما يدل على أنه مع الرضا إذا كانت بالغةً رشيدة فلا إشكال في ذلك ولا تعضلوهن العضل هو المنع مر معنا بمعنى أنه يمنعها حقها (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) بمعنى أنه لا يجوز للأزواج أن يعضل المرأة و أن يضيق عليها إذا كرهها من أجل أن يسترد صداقها أو شيء من ذلك ولذلك لا يجوز للزوج أن يأخذ من مهرهِ مِن زوجته أبداً إلا برضاها أو إذا كرهته هي وحدها و أرادت أن تخلعه أن تعطيه صداقهُ كما مر معنا في سورة البقرة(وَلا يَحِلُّ لَكُم أَن تَأخُذوا مِمّا آتَيتُموهُنَّ شَيئًا إِلّا أَن يَخافا أَلّا يُقيما حُدودَ اللَّهِ فَإِن خِفتُم أَلّا يُقيما حُدودَ اللَّهِ فَإِن خِفتُم أَلّا يُقيما حُدودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيهِما فيمَا افتَدَت بِهِ ) ومن ثَّم فإنه لو كرهها وكانت الكراهية مشتركة بينهما فلا يجوز له أن يأخذ ولو ريالاً واحداً لكن لو كانت الكراهية منها وحدها كرهته إما في دينه وإما في خلقته، كما قالت تلك المرأة لما قال ﷺأتردين عليه حديقته فقالت نعم” ومر هذا مفصل في آية البقرة.
(وَلا تَعضُلوهُنَّ لِتَذهَبوا بِبَعضِ ما آتَيتُموهُنَّ) حتى لوكان البعض وذكر هنا البعض من باب أنه إذا لم يحل لك أن تعضلها من أجل تأخذ شيءً يسيراً إذاً الكل من باب أولى.
(وَلا تَعضُلوهُن َّ لِتَذهَبوا بِبَعضِ ما آتَيتُموهُنَّ) أي من الصداق( إِلّا أَن يَأتينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) بفاحشة مبينة أعلى الفاحشة مبينة، قال مبينة يعني مِن أنها واضحة في نفسها ولذا أتى باسم الفاعل مبينة بمعنى أنها واضحة أن تقع في الزنا فيمنعها ويضيق عليها حتى ترد عليه صداقهُ ومن ثَّم يسرحها، ومن الفاحشة أيضاً من أنها تكون ناشزاً بمعنى أنها لا تقوم بواجباتهِ التي أوجبها الله عز وجل عليها اتجاه الزوج بأن تسيء في ألفاظها وأفعالها ولا تقوم بواجباتهِ ( إِلّا أَن يَأتينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) فيجوز ذلك( وَلا تَعضُلوهُنَّ لِتَذهَبوا بِبَعضِ ما آتَيتُموهُنَّ إِلّا أَن يَأتينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)(وَعاشِروهُنَّ بِالمَعروفِ) (وَعاشِروهُنَّ بِالمَعروفِ)أُمروا بالمعاشرة بالمعروف كما مر معنا من أنه إذا كرهها أو كانت الكراهية منهما حينها يعاشرها بالمعروفَ, ولذا قال عز وجل(فَأَمسِكوهُنَّ بِمَعروفٍ أَو سَرِّحوهُنَّ بإحسان) (وَعاشِروهُنَّ بِالمَعروفِ فَإِن كَرِهتُموهُنَّ) أي هؤلاء النساء الأزواج( فَإِن كَرِهتُموهُنَّ فَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيرًا كَثيرًا) قال( فَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا) ولم يقل فَعَسى أَن تَكرَهون من أجل أن يعمم مِن أن الإنسان ربما يكره أي شيء وإذا بتلك المكروهات وإذا بتلك المحن بها مِنح بها فضائل بها راحة كم مر معنا توضيح ذلك عند قوله تعالى(وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم) فقال هنا (فَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيرًا ) وأي خير وصفه بالكثرة( فَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيرًا كَثيرًا) ربما أن اخلاقها تتحسن، ربما أنه يولد منها بولد وإذا بالولد يكون قرة عين، وإذا بالأحوال تصلح فما تدري ولذلك ماذا قال عز وجل في أوائل سورة الطلاق (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُم لا تُخرِجوهُنَّ مِن بُيوتِهِنَّ وَلا يَخرُجنَ إِلّا أَن يَأتينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلكَ حُدودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللَّهِ فَقَد ظَلَمَ نَفسَهُ لا تَدري لَعَلَّ اللَّهَ يُحدِثُ بَعدَ ذلِكَ أَمرًا) سبحانه عز وجل ولذلك النبي ﷺ كما ثبت عنه قال:( لا يفرك أي لا يكره ولا يبغض لا يفرك مؤمن مؤمناً ولو كره منها خلقا رضي منها خلقاً أخر”) فلربما تلك الصفات السيئة تتغير ولربما تلك الصفات التي كرهتها في هذه المرأة تُغطى بصفاتٍ أخرى حسنة في هذي المرأة فلا ينظر الإنسان من جانب واحد.
﴿وَإِن أَرَدتُمُ استِبدالَ زَوجٍ مَكانَ زَوجٍ وَآتَيتُم إِحداهُنَّ قِنطارًا) ذكر عز وجل هذه الآية بعد الآية السابقة من أن الإنسان ربما أنه يمنع المرأة و يضيق عليها من أجل يعود له المهر أو شيء من المهر كذلك نبه على حالة أخرى من أنه لا يجوز له إذا طلقها وأراد أن يأخذ امرأة غيرها أن يأخذ مِن مهرها شيء ولذلك قال المهر عظيماً ولذا قال( وَإِن أَرَدتُمُ استِبدالَ زَوجٍ) الزوج هنا الزوجة ومر معنا الحديث من أن كلمة الزوج تطلق على الزوجة عند قوله تعالى في آية البقرة (وَلَهُم فيها أَزواجٌ مُطَهَّرَةٌ ﴾(وَإِن أَرَدتُمُ استِبدالَ زَوجٍ مَكانَ زَوجٍ ) أي إذا أردتم أن تطلقوها وأن تأخذوا امرأة أخرى ﴿وَإِن أَرَدتُمُ استِبدالَ زَوجٍ مَكانَ زَوجٍ وَآتَيتُم إِحداهُنَّ قِنطارًا) يعني من المهر لو كان قنطار ومر معنا من أنّ القنطار اختلف العلماء فيه في قوله تعالى في سورة آل عمران(وَالقَناطيرِ المُقَنطَرَةِ) ولكن الذي رُجح مِن أنه مالٌ عظيم فلو أن الرجل أصدق المرأة مهراً عظيماً فلا يجوز له حال طلاقهِ لها واستبدال هذه المرأة بامرأة أخرى أن يأخذ من مهره ولو ريالاً واحداً إلا كما سلف إذا خلعته وكانت الكراهية من قِبَلها وحدها هي فقط وقوله تعالى(وَآتَيتُم إِحداهُنَّ قِنطارًا) يدل هذا على ماذا؟ يدل على أن المهر لا يحد بحد بمعنى أنه لو كثر المهر فلا إشكال فيه ذلك لكن الافضل مِن أنه لا يغلا في المهور ولذلك ثبت عن عمر رضي الله عنه لا تغلوا في صداق النساء فلو كانت مكرمة عند الله لكان أولاكم بها النبيﷺلكن الزيادة في المهر ولو زاد بأعدادٍ هائلة تصور لو أن إنسان أعطى امرأة مهراً في زمننا هذا امهرها مليوناً أو عشرة ملايين فلا إشكال في ذلك أي لا يكون حراماً لكن الأفضل يكون بأقل ما يكون ثم إن المهر لا يصْدق فقط على المهر القليل متعلق بالمال بل ربما يكون المهر بمنفعة تعود على الزوجة فيما يتعلق بدينها أو بدنياها لو أن الرجل مثلاً امهرها بأن يرعى لها مثلاً غنمها كما في قصة موسى عليه السلام مع ذلك الرجل (إِنَّ خَيرَ مَنِ استَأجَرتَ القَوِيُّ الأَمينُ﴾ ﴿قالَ إِنّي أُريدُ أَن أُنكِحَكَ إِحدَى ابنَتَيَّ هاتَينِ عَلى أَن تَأجُرَني ثَمانِيَ حِجَجٍ) أو منفعة دنيوية كأن يعلمها القرآن ولذلك النبيﷺ قال لذلك الرجل زوجتكها بما معك من القرآن فدل هذا على أن المطالب به أن تخفف المهور وألا تغلا لكن حديثنا هنا حتى لا يظن مِن أننا نُجرِّأْ الناس على المغلاة في المهور لا, نحن نقول لا يجوز لا أحدٍ أن يقول لشخص أمهر مهراً عظيماً أنك فعلت فعلت محرماً نقول فعل خلاف الأولى وخلاف السنة نعم لكن ما وقع فيه ليس بمحرمٍ و أما ما ورد مٍن أن عمر رضي الله عنه خطب وبين من أن المهر لا يتجاوز عدد معينا فقامت امرأة وأنكرت عليه وقالت مستدلة بهذه الآية(وَآتَيتُم إِحداهُنَّ قِنطارًا فَلا تَأخُذوا مِنهُ شَيئًا) استدلت على أن المهر يدفعُ بأكثر فقال عمر رضي الله عنه أخطأ عمر وأصابت امرأة فإنّ هذا الأثر فإن هذا الأثر لا يصحُ فليس بثابت وإن كان ابن كثير رحمه الله صحح بعض الروايات فيما يتعلق به لكن الظاهر عند المحققين من أن هذه القصة وهي خطبة عمر، وأن تلك المرأة العجوز أو المرأة التي ذكروا لها أوصافاً مِن أنها أنكرت عليه فأقرها عليه وقال أصابت امرأة وأخطأ عمر فهي آثار غير ثابتة .
(وَآتَيتُم إِحداهُنَّ قِنطارًافَلا تَأخُذوا مِنهُ شَيئًا) ولو بما قل فهذا حقٌ لها ولذا قال في مطلع السورة ﴿وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحلَةً) وأيضاً في ظاهر هذه الآية ﴿وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحلَةً) مع هذه الآية (وَآتَيتُم إِحداهُنَّ قِنطارًا فَلا تَأخُذوا مِنهُ شَيئًا) خصوصاً الآية السابقة ﴿وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحلَةً) تدل على أن لو كان المهرُ مؤجلاً يسميه البعض بالمؤخر فإنه لا إشكال في ذلك ونص الفقهاء أنه لا إشكال أن يكون في العقد مهرٌ مؤجل لكن لا يستحب بل يكره لماذا؟ لأن الرجل سيشغل ذمته بدينٍ عليه لكن من حيث الجواز يجوز ولا إشكال في ذلك.
(وَآتَيتُم إِحداهُنَّ قِنطارًا فَلا تَأخُذوا مِنهُ شَيء أَتَأخُذونَهُ ) استفهام إنكاري (أَتَأخُذونَهُ بُهتانًا وَإِثمًا مُبينًا﴾
ثم دل هذا على ماذا؟ على أن الأخذ من المهر ولو عظم هذا المهر الذي يعطى وأخذ منه الزوج بما قل يعد من البهتان والبهتان هو التطاول على الغير، التطاول على الغير ومن ثَّم البهتان كما يقع ويصدق على القول كما يقال هذا قولٌ بهتان كذلك يصدق على الفعل لأن الأخذ فعل ولذلك ماذا قال عز وجل ( أَتَأخُذونَهُ بُهتانًا)وبهتان لماذا؟ لأنك أي أنت أيها الزوج اعتديت على حق من؟ المرأة (وَإِثمًا مُبينًا﴾
هو آثم واضح وبين وصريح فاعتديت على حق الله واعتديت على حق هذه المرأة.
(أَتَأخُذونَهُ بُهتانًا وَإِثمًا مُبينًا﴾ ﴿وَكَيفَ تَأخُذونَهُ) على وجه التعجب ﴿وَكَيفَ تَأخُذونَهُ وَقَد أَفضى بَعضُكُم إِلى بَعضٍ ﴾
(أَفضى بَعضُكُم إِلى بَعضٍ) هذا فيه ما يدل على الجماع كما قال عز وجل (أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُم)
فالإفضاء هنا هو الجماع ﴿وَكَيفَ تَأخُذونَهُ وَقَد أَفضى بَعضُكُم إِلى بَعضٍ ﴾ بل إن المهر يكون متعين على الزواج ليس فقط في الجماع, الجماع هذا متفق عليه بين أهل العلم لكن على القول الصحيح أيضاً إذا خلا بها فإن المهر كله يثبت ولذلك قضى الخلفاء الراشدون أن من أرخى سترا وأغلق بابا فقد وجب المهر ووجبت العدة عليها ولذا لو أن الإنسان مثلاً عقد على امرأة يعني تملك عليها كما يقال عندنا وإذا به يأتي إليها في بيت أهلها وإذا بهما يجلسان مثلاً في غرفة أو في المجلس الذي نسميه المجلس وأغلق عليهما الباب ولو لم يصنع شيئا من تقبيل وغيره فهنا لو طلاقها فالمهر كله لها قضى الخلفاء الراشدون أن من أغلق باباً وارخى سترا وجب المهر.
(وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذنا منكم ميثاقاً غليظاً) ميثاق غليظ وهو ما أوصى الله به وأوصى به النبي ﷺولذلك هذا الميثاق الغليظ بينه ﷺ كما ثبت عنه قال” واستحللتم فروجهن بكلمة الله ” إذاً هذا هو شرع الله فمن تجاوز هذا الشرع فقد نقض هذا العهد المُّوثق وأخذنا منكم ميثاقا غليظا.