التفسير المختصر الشامل ( 130 ) تفسير سورة يونس من الآية ( 57) إلى (74 )

التفسير المختصر الشامل ( 130 ) تفسير سورة يونس من الآية ( 57) إلى (74 )

مشاهدات: 566

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة يونس

من آية 57 إلى آية 74

(الدرس 130)

للشيخ زيد البحري – حفظه الله –

 

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على ختام الأنبياء وإمام المرسلين ، نبينا محمد وعلى اله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد

فكنا قد توقفنا عند قول الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}: لما ذكر عز وجل فيما مضى من آيات بها تكذيب كفار قريش لهذا القرآن ذكر صفات القرآن {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}:، نداءٌ لجميع الناس {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُم}: اي هذا القرآن موعظة من ربكم، موعظة، فيها الترغيب وفيها الترهيب ، وهي من الله عز وجل إذاً به الخير كله، {مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}: فهو شفاء لما في صدور الناس من الشبهات والشكوك، وما شابه ذلك، {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى}: به الهدى وبه العلم النافع {وَرَحْمَةٌ}: أي هو رحمة، ومن ثَمَّ من أخذ به، فإن الله عز وجل سيرحمه، ومن ثمَّ فإن ذكِر هذه الصفات الذي يظهر لي والعلم عند الله من أنها أتت مرتبة، لأن قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُم}: أي بالوعظ بالترغيب وبالترهيب، هنا تُقبل النفوس واذا أقبلت النفوس، فإن الصدور يزول ما بها من ماذا؟ من أمراض الشبهات والشكوك، ثُم بعد ذلك يكون الهدى يكون العلم النافع، ويستمر الإنسان، لما؟ لأن قلبه شُفي من الشكوك والشبهات، وما شابه ذلك، وإذا أتى الهدى فإن الرحمة تكونُ للعبد الذي أخذ بهذا القران {قُلْ}: يا محمد {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ}:  فضلُ الله ورحمةُ الله: اختلف العلماء قيل: فضل الله هو الإسلام، والرحمة القرآن ، وقيل: العكس، وقيل: الرحمة هي الجنة ، والذي يظهر أن هذا الدين الذي أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم  مع هذا القرآن، هذا هو فضل من الله عز وجل ورحمة لأهل الايمان، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ}:  ومن ثم كرر الباء مرة أخرى، باعتبار تكرارِ الفضائل العظمى، فكل فضيلة لها ما تستقل به، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ}: ثم كرر {وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}: أي فليفرحوا لأن العبدَ المؤمن إذا وفقه الله عز وجل فإنه يفرحُ بالايمان، فهذا أعظم ما يفرح به المؤمن، يفرح بدين الله يفرح بهدايه الله، يفرح بتوفيق الله عز وجل له ، إذ وفقه لهذا العلم، وللانتفاع بالقرآن، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}: فإن ما أُعطي الإنسان من هذا القرآن، ومن العلم النافع ومن الدين، خير مما يجمعه الناس، وبذلك فليفرح العبد المؤمن، فقال هنا {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ}: قل يا محمد لهؤلاء الذين حرموا ما أحل الله، وأباحوا ما حرم الله، كما ذكر عز وجل في سورة الأنعام {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا}: وكما قال تعالى {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ}: كما مَرَّ معنا مُفصلا، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ}: ، من رزق كما ذكر عز وجل في سورة الأنعام {مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا}: قل لهؤلاء: {آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ}: هل أَذِن لكم بهذا؟ {أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}: ، {قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ}: أي أذن الله لكم بهذا، الجواب: لا، ولذا قال بعدها، لمّا قال، {قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}: دل هذا على أنهم إنما قال هذا افتراءً، ومن تلقاء أنفسهم، {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: كحال هؤلاء ما ظن من افترى على الله كذبا، أيظن أن الله عز وجل لا يعاقبه يوم القيامة! {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ}: ففضلُ الله عز وجل على الناس كثير، ومن ذلك ما ذكره عزوجل فيما مضى من آيات فيما يتعلق بهذا الدين، إذ قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}: إلى أن قال: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ}: لكنَّ أكثرَ الناس لا يشكرون، فمن أعظم ما يُشكرُ الله عز وجل عليه نعمة الدين لكن الموفقَ من وفقه الله، {وَمَا تَكُونُ}: يا محمد {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ}: أي وما تتلو منه من قرآن في ذلكم الشأن، لأن شؤونه صلى الله عليه وآله وسلم في ذكر الله، ومنه هذا القرآن، ولذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما ثبت كان يذكر الله على كل أحيانه، وكما قالت عائشة رضي الله عنها كما ثبت: “كان خلقه القران” ، فقال عز وجل: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ}: ذكر النبي صلى الله وآله وسلم هنا على وجه الإفراد لأن شؤونه صلى الله عليه وآله وسلم كما سلف في كل شأنه، وفي كل حال من أحواله إنما هو في ذكر الله، وفي قراءة القرآن، ثم لما ذكر ما يتعلق بعموم الأمة، قال {وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ}: أي: عمل {إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا}: أي رقباء، وشاهدون على ذلك {إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}: أي إذ تدخلون وتلِجُون فيه ، {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}: وهذا يدل على ماذا؟ يدل على عموم علمه عز وجل وسعة علمه عز وجل بأحوال الناس، فهو عالم بشؤون النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعالمٌ بما يتلوه من القرآن ، وعالمٌ بما يعمله الناس من صغير ومن كبير، ومن ثمَّ فإن العبد عليه أن يتقي الله عز وجل، وأن يراقب الله فمن اتقى الله عز وجل، وخاف من الله واستحضر علمَ الله عز وجل، هنا يكون من المحسنين ، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت عنه : (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، ومن ثم فإن هذه الآية تدل على عموم علم الله عز وجل وعلى سَعة علم الله عز وجل ، وأن العبد ما يتحرك بحركة ولا يسكن من سكون، ولا يلفُظ من قول من خير أو ما شابه ذلك، فإن الله عز وجل مُطَّلع عليه فقال عز وجل هنا ، {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}:  {وَمَا يَعْزُبُ}: أي: وما يغيب {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ}: لما ذكر ما يتعلق بحاله صلى الله عليه وآله وسلم، وبشؤونه ، وذكر ما يتعلق بعموم أحوال الناس، ذكر هنا أن كل شيء على وجه العموم لا يغيب عنه ولا يعزب أي: ولا يغيب {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ }: أي: من وزن ذرة، قيل النملة، وقيل الهباءه، وعلى كل حال، هذا يدل على أي شيء و لو صَغُر  فإنه لا يغيب عن علم الله عز وجل، {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ}: {وَلَا}: الواو عاطفة على الصحيح خلافاً لمن قال هي استئنافية، الذي يظهر أنها عاطفة على ما سبق  {وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}: أي: في اللوح المحفوظ ذكر عز وجل هنا مرتبتين من مراتب القدر، ومرَّ معنا ذلك عن عند قوله تعالى {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}:  وكما قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}: فذكر الكتابة، وذكر العلم، وهي من مراتب القدر؛ لأن مراتب القدر: “العلمُ والكتابةُ والمشيئةُ والخَلْق”: علمٌ كتابةُ مولانا مشيئتُه وخَلْقُهُ وهو ايجادٌ وتكوينُ،  فقال هنا ذاكراً العلم وذاكراً ماذا؟ وذاكرا الكتابة {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}: وهو اللوحُ المحفوظ، {أَلَا}: تنبيه على ماذا؟ على أن ما ذكره عز وجل من عمومِ وسعة علمه عز وجل بأحوال البشر، بيَّنَ أن هناك من البشر من هو ولي لله عز وجل، فنال الخير العظيم، {أَلَا}: تنبيه إن تأكيد، وكلُّ ذلك التنبيه وإنَّ للتوكيد، كلها للتوكيد {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}: أولياء الله عز وجل لا خوفٌ عليهم، ولذا قال عز وجل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}: ثم ذكر بعد ذلك، {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}: ومر معنا تفسير هاتين الآيتين {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}:، {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}: في ما يستقبلونه ، {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}: في ما مضى وتركوه، {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}: لا خوف ولا حُزن لا في الدنيا ولا في القبر ولا في الاخرة، ثم بين عز وجل صفات هؤلاء الأولياء: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}: فمن آمن واتقى الله عز وجل، نال مرتبةَ الولاية، وتلك الولاية تنقُص بقدر ما ينقص العبد من الإيمان والتقى، وتزداد إذا زاد إيمانه وتقواه، والجزاء من جنس العمل: {والله لا يضيع أجر من أحسن عملا}: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}:، وتأمل {الَّذِينَ آَمَنُوا}: أتي بصيغة الماضي، مما يدل على أن الإيمان من حيث الماضي في قلوبهم، ومستقر في قلوبهم، وقال في التقوى {يَتَّقُونَ}: على صيغه الفعل مُضارع، الذي يدل على الاستمرار بمعنى أنهم يتقون الله عز وجل باستمرار {الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ }: لهم البشرى لهم الحياه الطيبة في الدنيا وفي الآخرة، لهم ما يستبشرون به وما تسعد به قلوبهم، ولذا قال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}: ويدخل في ذلك دخولاً أوليًا ما قاله صلى الله عليه واله وسلم  كما ثبت عنه فيما يتعلق بالبشرى في الدنيا قال: “هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له” {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}: في الآخرة تتلقاهم الملائكة كما قال تعالى {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}: لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله، لا أحد يستطيع أن يبدل كلمات الله، كلمات الله نوعان: كلماتٌ كونية قدرية، وكلماتٌ شرعية دينية، ومر تفصيلها عند قوله تعالى، {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا}: فلا أحد يستطيع أن يغير كلمات الله عز وجل أو أن يُبدلها، ولذا قال {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ}: ولو تأملنا ما جاء في هذه السورة، لما قال عز وجل في أولها عن أولئك الكفار {قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقران غير هذا او بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي}: لا تبديلَ لكلمات الله: ومن كلمات الله البشرى، التي جعلها لأوليائه {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَة}: فليطمئن المؤمن التقي من أنَّ البشرى حاصلة له في الدنيا وفي الآخرة، فإنه وإن أُصيب ما أصيب به في هذه الدنيا، فليعلم بأن فرج الله قريب، {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله}: ثم قال {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}: تلك البِشارة في الدنيا وفي الآخرة، هي الفوز العظيم ذلك هو الفوز العظيم، {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ}: يا محمد لا يحزنك قول هؤلاء مما قالوه، كما ذكر عز وجل في أول السورة: {قال الكافرون إن هذا لساحرٌ مُبين} ، {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}: {إِنَّ الْعِزَّةَ}: وهنا يقف العبد {ولا يحزنك قولهم} ولا يَصِل لأنه لو وصل لكان المعنى ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا، لأن كلمة إن العزة لله جميعا لا تُحزن النبي صلى الله عليه واله وسلم، وإنما يقف العبد حالَ القراءة، {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}: فالعزة كلها لله عز وجل، ولذا مر معنا ما يتعلق بذلك لما أراد المنافقون أن يتخذوا الكفار {أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}: فالعزة كلها لله عز وجل، ومن ثَمَّ من أراد أن تكون له هذه العزة وأن يعزه الله فكما قال عز وجل {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}: أي: فليطلبها من الله، فالعزة لله جميعا يهبها عز وجل لرسله و للمؤمنين، ولذا ماذا قال تعالى : {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}: هذا لا يخالف قوله {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}: لأن العزة التي نالها صلى الله عليه واله وسلم ، ونالها المؤمنون إنما هي بفضل من الله عز وجل {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}: السميع لقولهم الذي يحزنك، وعليمٌ بأحوالهم وسيجازيهم على ما قالوه وما فعلوه {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}: {أَلَا}: للتنبيه على {أَلَا إِنَّ}: مؤكدة أيضاً {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}: فكل من في السماوات والارض فهو لله عز وجل، ولذا أتى بها من باب ماذا؟ من باب أن يُبين أنه عز وجل، لا ولد له  لأنهم قالوا كما سيأتي {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}: فكيف يكونُ المملوك ولداً لله عز وجل، ولذا قال: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ}: ما يتبعون شركاء حقيقةً، وإنما هم أتوا بهؤلاء وسموهم من تلقاء أنفسهم بأنهم شركاء، {وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} أي: ما يتبعون إلا الظن {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُون}: أي: ما هم إلا يظنون، ولذا مر معنا في نفس السورة  {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يُغني من الحق شيئا} ومن ثَمَّ فانه كما مر في ما يتعلق في قوله تعالى {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}: يضاف إلى ما ذكرناه من أنه لو اتخذوا شركاء يعقلون، لو اتخذوا شركاء يعقلون من دون الله فإنهم مذمومون فكيف إذا اتخذوا مع الله شركاء ليسوا بعقلاء لأنه قال هنا: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ}: ومن للعاقل، وأما ما فهي لغير العاقل، ومن ثم مع ذلك كله مر معنا قبلها بآيات:  {ألا إن لله ما في السماوات والأرض} فدل هذا على أنه مالكٌ لكل شيء من الصغير والكبير، من العقلاء وغير العقلاء، من الجمادات وما شابه ذلك، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ}: هو هذه من دلائل عظمة الله التي يجب على الإنسان أن يعبد الله  {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}: {لِتَسْكُنُوا فِيهِ}: ولتأووا في الليل حيثُ الراحة، والنهار جعله مُبصراً، من حيثُ المعاش، ولذلك ماذا قال عز وجل في أول السورة؟ {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ}: ذكر هناك في أول السورة على وجه الإجمال، بيَّنَ هنا بين هنا من أنه عز وجل جعل الليل سكنا والنهار مُبصرا من أجل معاش، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}: أي: جَعْل الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لآيات، لمن؟ لقوم يسمعون سماع تدبر وتفهم وتعقل، لا مجرد سماع {فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}: ولذا ماذا قال عز وجل؟ {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}: قال قبلها {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ}: نزه نفسه عما لا يليق به، ومن ذلك أنه يتخذ الولد، {سبحانه هو الغني} فله الغنى المطلق، واذا قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}: والذي يحتاج إلى الولد هو الفقير الناقص لكنَّ الله عز وجل، هو الكامل وله الغنى الكامل والمطلق ، هو الغني ولذا ماذا قال؟ {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}: أفيكون المملوك ولد الله عز وجل، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}: وفي ذلك رد على من قال كما قال عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}: وكما قال عز وجل: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا}: إلى غير ذلك ، من الآيات، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ}: {إِنْ}: هنا نافية، أي: ما عندكم من سلطان، {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا}: أي: ما عندكم من سلطان وحجة على هذا القول، {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا}: وهذا يدل على ماذا؟ على أن من قال قولاً بغير علم فإن قوله مردود عليه، ولا يقبل منه ، فإنه لا حجة في قول أحد إلا إذا أتى بالدليل ، {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا}: ثم أكَّدَ ذلك {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}: هذا تَقَوُّلٌ على الله عز وجل {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}. {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.

قل يا محمد لهؤلاء {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}: ولذا هذه الآية وضحت ما مر في قوله عز وجل {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: ذكر هنا العذاب المفصل لهم: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}: لا فلاح لهم لا في الدنيا ولا في الآخرة. {مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا}: مجرد متاع، يستمتعون بذلك {مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ}: بعد المرجِع بعد ما يردون إلى الله، {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}: أي: بسبب كفرهم.

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ}: لما عاند من عاند من قريش فأراد عز وجل إن يُسليَ نبيه صلى الله عليه واله وسلم فذكر له بعض الأنبياء الذين جرى لهم ما جرى مع أقوامهم من العناد، فذكر نوحا لأنه هو أول الرسل ولم يذكر قصةَ نوح مُفصلة لأن المقصود هنا هو: تسلية النبي صلى الله عليه واله وسلم، ومر معنا شيء من ذلك في سورة الأعراف عن قصة نوح فقال عز وجل لمحمد {وَاتْلُ}: يا محمد علي قومك {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ }: أي: خبر نوح {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ}: أي: عظم وشق عليكم، {إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي}:، أي: مدة إقامتي لأنه لبث في قومه ألف سنه إلا خمسين عاماً، {إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ}: عَظُمَ عليكم تذكيري لكم بآيات الله {إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ}: توكلت على الله وحده، فأنا ماضٍ فيما أدعوكم إليه، لأنني رسولٌ من رب العالمين ولن أهابَكم، فعلى الله توكلت {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} أي: أنكم تجتمعون وتتشاورون في الأمر حتى يجتمعَ رأيكم على رأي واحد، وادعوا من تستطيعون أن تستعينوا به في ذلك الأمر من شُركائكم ممن تعبدونهم من دون الله {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً}: يعني هذا الأمر بعدما تجتمعوا ليكُن هذا الأمر الذي اجتمعتم عليه لا لَبْسَ عندكم فيه ولا مِرية، ومن ثمَّ يدخل فيه أيضاً قَوْل من يقول حتى يزول عنكم الغم بسبب وجودي معكم {ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ}: {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ}: أي أدُّوا ما تريدونه بعدما اجتمعتم مع شركائكم وبعد ما اتفقتم على رأيكم، فإني باقٍ على هذا الأمر، وداعٍ الى الله عز وجل {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ}:  أي ولا تمهلون ويكون أيضا معنى القضاء:  اي أنكم حكمتم علي بأمرٍ وهو أنكم تهلكونني، {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} وهنا تحدَّاهم، تحداهم مع أنه لم يؤمن معه إلا قليل {وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}: لم؟ لأنه فوض امره الى الله عز وجل، ولذا هذا هو حالُ الأنبياء ولذا قال عز وجل عن إبراهيم: {قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا}: وقال عز وجل عن هود لما قالوا: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ}: والنبي صلى الله عليه واله وسلم لما ذكر عز وجل في أواخر سورة الأعراف {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}: فإن توليتم، أي: أعرضتم فما سألتكم من أجر، ما سألتكم من أجر على هذه الدعوة {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ}: أي، ما أجري إلا على الله وحده {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}: أمرني ربي أن أكون من المسلمين الذين انقادوا لحُكمه وانقادوا لشرعه، فأنا متوكل عليه، فكذبوه فكانت العاقبة أنهم كذبوه: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ}: وكما قال تعالى: {وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}: وسياتي ذِكْرٌ لقصته في سورة هود وفي سور أخرى مفصلة فقال عز وجل: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ}: أي: في السفينة {وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ}أي: جعل من معه يخلُفون قومهم {وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ}: فانظر نظر اعتبار كيف كان عاقبة هؤلاء الذين أنذرهم نوح عليه السلام، وفي هذا تهديد لكفار قريش من أنَّ عاقبةَ أولئك الْمُنْذَرِينَ لما كذبوا نوحا من أنَّ عاقبتهم الهلاك، فسيكون الهلاك لمن كذَّب رسل الله عليهم السلام، فانظر كيف كان عاقبة المنذرين.

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ}: أي: من بعد نوح {رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ}: من بعده هود ثم صالح وهكذا كما سياتي معنا ، ومر معنا شيء من ذلك في سورة الأعراف، {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ}: وهذا على وجه العموم مما يدل على أن نوحاً هو أول الرسل وقد صرح بذلك الحديث الثابت عنه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال هنا:{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}: جاؤوهم بالبينات، الدلائل الواضحة{فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ}:، يعني قبل مجيء الرسل، لأن مجيء الرسل كانوا  كفاراً ، أيضا بعد مجيء الرسل صاروا على الكفر “هذا قول”،  وقيل: من أنهم لما أتتهم الرسل كذبوا  ثم لما أتت الرسل بالبينات أيضا كذبوا، {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ}: أي: فما كان هؤلاء الأقوام، أن يؤمنوا بما كذبوا به من قبل ، وقوله {كَذَّبُوا بِهِ}: عند بعض العلماء راجعٌ إلى قوم نوح، يعني أن تلك الأقوام لم يؤمنوا ولم يعتبروا بما حصل لقومِ نوح لما كذبوا، وعلى كل حال، سواء قيل بهذا أو بهذا ، دلَّ على أنهم معتدون ، وعلى أنهم طُغاة ، ولذلك ماذا قال عز وجل: {كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}: أي: كما طبعنا على قلوب أولئك من الأمم السابقة أيضا من هو مُعتدٍ من هذه هذه الامة نطبع، ولذلك مر معنا في سورة الاعراف، قال عز وجل: {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ}: أيضا هم أصحابُ كفر وأصحاب اعتداء ولذلك ماذا قال بعدها زيادة في سورة الأعراف؟ {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ }: ما وَفَّوا بأيِّ عهدٍ عَهِدَهُ الله عز وجل عليهم  {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}.