بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة يونس من آية 75 إلى نهاية السورة
للشيخ زيد بن مسفر البحري
قوله تعالى : “ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى” أي بعث الله ﷻ من بعد أولئك الرسل من؟ موسى وذكر موسى لأنه من جملة الرسل وذكرت هذه القصة ولم تذكر مفصلةً كما سيأتي معنا لمَ؟ لأن المقصود هنا هو تسلية النبي ﷺ ولذا قال ” ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ” ذكر هنا هارون مع أنه في سور أخرى دعا موسى ربه أن يجعل هارون وزيراً له كما سيأتي معنا مما يدل على أن المقصود في هذه الآية ليس التفضيل وإنما التسلية للنبي ﷺ ” ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا” بآياتنا التي ذكرها الله ﷻ في سورة الأعراف كما مر معنا ” وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ” وقال تعالى ” فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ” فقال هنا “ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا” ما الذي جرى ؟ ” فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ” ” وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ” في سورة الأعراف ” فَظَلَمُوا بِهَا فانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ” في سورة الأعراف ذكر الظلم وذكر الإفساد وهنا ذكر الاستنكار وذكر ماذا ؟ الإجرام وتأمل ذكر هنا الإجرام مما يدل على ماذا من أن هؤلاء مصيرهم إلى الهلاك ولذا في أول السور ” كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ” وقال ﷻ هنا ” فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ” ” فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا” من عند الله ﷻ جاءهم موسى بالحق ” فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ “وفي هذه تسلية للنبي ﷺ لأنهم قالوا كما ذكر الله ﷻ في أول السورة ” قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ”” فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ” ” قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذا” معناها لأن هناك حذفا دل عليه السياق ” قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ ” أتقولون للحق سحر ثم استفهم موبخاً لهم ” أَسِحْرٌ هَذَا ” هل هذا سحر أين عقولكم ” أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ “فالساحر لا فلاح له في الدنيا ولافي الآخرة فأنا لست بساحر ولذا الله ﷻ نصرني ووفقني إذاً لست من الساحرين ” وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ” ” قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا “أي لتصرفنا “عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا” سبحان الله لما دمغهم رجعوا إلى ماذا ؟ إلى عادة الأولين وإلى ما يتعلق بالأرض ” قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا ” أي لتصرفنا ” عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ” أي في أرض مصر تكون لكم الرئاسة والكبرياء كأنهم يشحذون همم الناس من أن هؤلاء أتوا من أجل أن يدمروا أوطانهم من أجل أن يدمروا أوطانهم وهذه طريقةُ من ؟ طريقةُ أهل الباطل إذا أرادوا أن يشككوا في أهل الخير لمزوهم بأنهم لا يريدون الإصلاح والصلاح للوطن وإنما هم مفسدون ويصفونهم بالأوصاف الخبيثة ولذا هذا حال ماذا ؟ حال أهل الباطل ” قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا” سبحان الله ولم أطلع على أحد سبقني إلى ذلك وقد يكون هناك من سبقني دل هذا على ماذا ؟دل هذا على أن آل فرعون إنما عبدوا ما عبدوه بناءً على ما كان من آبائهم دل على أنهم اقتدوا بآبائهم ولذا ماذا قال تعالى هنا عن هؤلاء” قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ “ثم قالوا”. وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ” يعني لتيأسوا من أننا نؤمن بكم ولذا ماذا قال الله ﷻ في سورة الأعراف ” وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ” ” قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ” ” وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ “ومر هذا معنا في سورة الأعراف وسيأتي مفصلاً في سورة الشعراء وفي غيرها “فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ” قال لهم موسى الذي نطق أولاً من ؟ موسى لكن هم نطقوا أولاً لما جاء في سورة الأعراف “قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ” ومن ثم فإن على المسلم إذا قرأ القرآن يتأمل ما في السور ” قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ أَلْقُوا ” لما قالو ا له لنلقي أو نلقي نحن “فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ” “فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ” ما وصوليه بمعنى الذي ” مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ” يعني الذي جئتم به هو السحر “إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ” سيبطلُ السحر “إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ” السحرُ هو إفساد وعمل المفسدين “وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ” فأحق الله ﷻ الحق بكلماته ولو كره هؤلاء المجرمون ولذا في سورة الاعراف ماذا ا قال ﷻ ” فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ ” ” فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ ” ذرية يعني عدد قليل من الشباب بخلاف كبار السن “فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ” أي أن يصرفهم عن الدين بما يأتي به من العقوبة ومن التعذيب لهم وهنا “فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ ” من قوم موسى أو من فرعون بعض المفسرين قال من قوم موسى “فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ ” “أي من قوم موسى ” عَلَى خَوْفٍ أي من أجل الخوف من فرعون وملائهم أن يفتنهم قالوا لأنه ليس هناك دليل يدل على أن قوم موسى من أن كلهم قد آمن وقال بعض العلماء إن قوله تعالى ” فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ ” من قومه راجع إلى من إلى ذُرية من ؟آل فرعون وهذا هو الأقرب عندي لمَ ؟ لأن قوم موسى كما في هذُه السورة ماذُا قال بعدها لما قال” عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ” ” وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ” ” فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ” فدل هذا على أن قوم موسى آمنوا إن لم يؤمن الكل فقد آمن الأكثر وليس القليل ولذا ماذا قال موسى في سورة الأعراف “ولما قال فرعون وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ” ” قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا اصبروا ولذا في سورة الأعراف ” “وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ” فدل هذا على أن قوم موسى قد آمن الكثير وأن هناك طائفة قليلة من الشباب من آل فرعون آمنوا خوفاً ولكن استتروا خوفاً من كبرائهم ولذا ماذا قال عز وجل ” فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ “ولم يقل وملائه وملائهم لأن الأمير أو الملك أو الرئيس يتبعه الملأ فأتى بكلمة وملائهم ولذا قال “أَنْ يَفْتِنَهُمْ” أن يفتنهم وأفرد هنا “أَنْ يَفْتِنَهُمْ” من باب ماذا؟ من باب أن الأمير إذا ذكر شيئاً فإن حاشيته تكون معه “عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ” أي في أرض مصر وإن فرعون لأنه لا يملك الأرض الأخرى ولذا هرب موسى عليه السلام إلى مدين كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى “وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ” ولذا ماذا قال الله جل جلاله عن فرعون “إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ” “وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ” “وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ “إن كنتم آمنتم بالله ففوضوا أمركم إلى الله ولذا قال الله جل جلاله عنه كما في سورة الاعراف” وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين” هذا من باب الحث “إن كنتم مسلمين” فعلى الله وحده توكلوا لا غيره ولذا دل هذا على ماذا ؟على أنهم لم ينتظروا وقتاً طويلا وإنما استجابوا لما قاله موسى ” فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ” ” لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً” أي لا تمكن هؤلاء من أنهم يؤذوننا فيظنون أنهم على حق ونحن على باطل فيستمرون على الباطل ومن هنا من مظاهر السياق يدل على أنهم اهتموا بالدين اهتموا بالدين قبل أنفسهم ولذا ماذا قالوا ” فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” هنا توسلوا إلى الله بصفة من صفاته وهي صفة الرحمة فذل هذا على أن التوسل بصفات الله وبأسماء الله موجود في الأمم السابقة ولذا مر معنا في سورة الأعراف” وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ” كما قال موسى عليه السلام ” وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ ” وأخوه من؟ هو هارون “وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا ” أي هيأ لكم مكاناً في مصر من أجل أن تستتروا في البيوت ودل هذا على ماذا ؟على أن موسى لما دعا فرعون وملأ آل فرعون لم يخرج مباشرة وإنما بقي في مصر حتى يأمره الله بالخروج ولذا لما حصل ما حصل لما قال فرعون لما قال له قومه “وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ” وَقَالَ أمرهم الله جل جلاله أن يتستروا في البيوت فقال جل جلاله ” وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا ” أي من أجل أن تتستروا فيها ” وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ” اجعلوا بيوتكم قبلة للعبادة تتعبدون الله فيها لم؟ لأنه لا تكون عباده للأمم السابقة إلا في الصوامع وفي البيع وفي الكنائس ولذا النبي صلى الله عليه وسلم كما قال في الصحيحين قال “أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد من قبلي وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا” دل على أن الأمم السابقة إنما عبادتها في أماكن معينة ولكن للحاجة والضرورة قال ” وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ” ومن هنا قال بعض العلماء دل هذا على أن قبلة موسى هي الكعبة وقال بعضهم هي بيت المقدس على كل حال المهم أن الله جل جلاله أمرهم أن يجعلوا بيوتهم مكاناً يتعبدون الله فيه” وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً “وهذا يدل على ماذا على أن العبادة لا تسقط عن العبد في أي حال من الأحوال وفي أي مكان من الأماكن بل يؤدي العبادة على قدر وسعه وطاقته ” وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ” أمرهم بإقامة الصلاة دل هذا على أن الصلاة كانت موجودة في عهد موسى عليه السلام لكن كما قال شيخ الإسلام رحمه الله أما من حيث الهيئة فإنهم يختلفون عنا لكن أصل الصلاة موجود في الأمم السابقة؟ وتأمل سبحان الله قال “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ” أمرهم بإقامة الصلاة بعد ماذا؟ بعد تلك الشدة والعناء ولذا النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه عند أبي داوود إذا حزبه أمر قال أرحنا بها يا بلال فدل هذا على أن الصلاة راحة حال وجود المصائب كحال موسى ومن معه “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ” بشر يا موسى المؤمنين وتأمل هنا قال في أول الآية قال “وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ” ذكرهما الاثنين لأن موسى هو الأصل وهارون تبع له لأنه وزير له ومعاونٌ له وهما في حاجة إلى أن يتبوؤوا في مصر بيوتاً من أجل قومهم ولذا قال “وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا” لكن هنا قال بعدها “وَاجْعَلُوا” للجميع لأنهم كلهم مطالبون بالعبادة “وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ” ثم في ختام الآية أفرد موسى “وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ” لأن الأصل كما سبق هو من ؟هو موسى عليه السلام “وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا” انظر دعا موسى ربه جل جلاله وتضرع إلى الله جل جلاله “وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً” هنا هذا الدعاء استجاب الله له وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن من أصناف الدعاء أن تدعو الله جل جلاله وأن تذكر حالتك، حالتك التي أنت فيها بتضرع ولذا موسى هنا ذكر حالته وحالة قومه ولذا ماذا قال الله جل جلاله عنه في سورة القصص ” إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ” فإذا سأل العبد ربه فيقول يا رب إني محتاج يا رب إني مهموم اللهم إنك تعلم حالتي وهمي وكربتي وكذا فيتضرع إلى الله جل جلاله ولذا ماذا قال موسى هنا “وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً” أي الزينة التي يتزين بها من جميع أنواعها “زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ” ليضلوا اللام قال بعض العلماء للعاقبة يعني عاقبة هؤلاء بعدما أنعمت عليهم أنهم أضلوا السبيل بسبب ما لديهم من هذه النعم وقال بعض العلماء اللام هنا للتعليل أنت أعطيتهم هذه الأشياء من أجل أن يفعلوا هذا الشيء لحكمة استدراجاً بهم ” لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ” قال هنا ” لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ” يعني يا ربنا أتلف أموالهم حتى لا يبقى لهم أموال فإذا افتقروا لم يكن لديهم ماذا؟ قوة لتسليطها على أوليائك ولذا قال “رَبَّنَا اطْمِسْ” انظر إلى عظم الدعوة “رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ ” لأن الطمس محو الأثر لأن النقود فيما سبق لها آثار وإذا طمست الآثار فلم يبقَ لها منفعة في هذه الأموال ” رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ” هنا فيما يتعلق بالأموال دعا عليهم بدعوة عظيمة “رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ ” هذه الدنيا ما يتعلق بالدين ” وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ” يعني اختم على قلوبهم ” فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ” لأنهم إذا رأوا العذاب الأليم آمنوا وإذا آمنوا ما نفعهم الإيمان كما قال ﷻ” فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا” ولماذا دعا عليهم موسى بهذه الدعوة العظيمة لأنه علم أن هؤلاء لن يؤمنوا وهذا حاله كحال من؟ حال نوح” وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا* إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا” “رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ” قال :أي الله ” قَدْ أُجِيبَتْ” تحققت دعوتكما “قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا” قال دعوتكما لم يدعو إلا موسى قال العلماء لأن هارون كان يؤمن والمؤمن بمثابة الداعي “قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا” لكن ماذا ؟ “فَاسْتَقِيمَا” على ما أمرتكما “وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ” انتبهوا استقيما على شرع الله ولكن انتبهوا سبيل من أعرض عن دين الله احذروا منه لأن تلك السبل ستفرق الدين ولذا ماذا قال تعالى “وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ” فهؤلاء لا يعلمون عظم الله ولا يعلمون قدر الله فكفروا بالله “وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ” في سورة الشعراء أتى التفضيل لكن هنا بعد ما جرى أمر الله ﷻ موسى أن يخرج مع قومه بعدما اشتد بهم العناء ” وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ” ” بَغْيًا” أي البغي والظلم ” وَعَدْوًا” يعني اعتداء أي حالة كونهم باغين ومعتدين أو من أجل أنهم يريدون بموسى ومن معه البغي والاعتداء ” فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ” من ؟فرعون ” قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ” وكرر ذلك “وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ” لما عاين العذاب سبحان الله تحققت دعوة موسى قال ” فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ” ومن ثم قال من باب التأكيد ” وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ” فأُجيب ” آلْآنَ” الآن تؤمن ” وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ” والعصيان هنا هو الكفر الأكبر دل هذا على أن المعصية منها معصية صغرى لا تخرج الإنسان من الملة ومعصية كبرى وهي الكفر بالله ” آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ” من قبل ” وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً” ننجيك ببدنك بعد موتك نقذف ببدنك من أجل أن تكون آية حتى يتأكد بنو إسرائيل من أنك مت وحتى تبقى أثراً لمن سيأتي ” فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ” بعد تلك الآيات كيف يغفل الناس ولذا ماذا قال تعالى في أول السورة ” إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ” قال هنا “وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ” “وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ” أي هيأنا لبني إسرائيل “مُبَوَّأَ صِدْقٍ” أي مكان صدق وصف المكان بأنه صدق يدل على ماذا؟ يدل على حسنه ولذا في أول السورة ماذا قال تعالى” وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ” وقال تعالى ” إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ” ” مُبَوَّأَ صِدْقٍ ” أين؟ مصر والشام كما قال تعالى في سورة الأعراف كما مر معنا قال تعالى في سورة الأعراف” وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا” ” مُبَوَّأَ صِدْقٍ ” ومن ثم فإن هنا الإرث بالنسبة للشام يكون لمن ؟يكون لذريتهم لأنها فُتحت بعد ماذا ؟بعد موسى فتحها يوشع بن نون كما مر معنا في سورة الأعراف وفي سورة البقرة فقال جل جلاله هنا “وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ” بعد أن بوئوا تلك الأماكن الطيبة رزقوا من جميع الطيبات فقال جل جلاله “وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ” كانوا على طريقة حسنة لكن بعدما جاءهم هذا العلم الذي كان من الواجب عليهم أن يستمروا عليه هنا اختلفوا ولذا ماذا قال تعالى في نفس السورة في الآيات السابقة ماذا قال عز وجل ” وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ* فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” وقال عز وجل “وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا” وقالوا ذلك القول لما كان فرعون حيا لما مات فرعون وأنقذهم الله من الغرق وأعطاهم الله التوراة ما الذي جرى؟ جرى لهم ما جرى وفعلوا من القبائح والرذائل كما مر معنا في سورة الأعراف وكما سيأتي في سور أخرى “فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ” قال بعض المفسرين من أنهم كانوا في عهد موسى على طريقة سوية متفقة لكن بعد مجيء التوراة جرى ما جرى منهم من العناد والشقاق وقيل إن المقصود من ذلك هم اليهود الذين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كانوا متفقين على نبوته فلما أتاهم صلى الله عليه وسلم كفروا به ومن ثم فإنه لا تعارض بين هذين القولين ” إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” فأهل الإيمان في الجنة وأهل الكفر في النار ” فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ” ولذا النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عن قتادة لكنه مرسل لكن يؤيده الآية التي بعدها قال لم اسأل ولم أشك ولذا ماذا قال تعالى؟ عن النبي صلى الله عليه وسلم بعدها بآيات” قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ” إذاً هذا فيه تعريضٌ لمن؟ لمن شك وكذب بالقرآن قال تعالى ” فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ” فإنه لو خوطب النبي صلى الله عليه وسلم فالمراد من ؟ المراد غيره ” فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ” الكتاب أي الكتب التوراة والإنجيل ولذا ماذا قال تعالى ” الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ” وصفه صلى الله عليه وسلم موجود في ماذا؟ في التوراة والإنجيل ولذا قال تعالى ” وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ” فقال عز وجل ” فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ” هذا القرآن هو الحق من ربك ” هذا القرآن هو الحق من ربك “لَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ” أي من الشاكين ” وَلَا تَكُونَنَّ ” مع أنه لم يكذب وحاشاه صلى الله عليه وسلم فهذا تعريض بمن كذب ” وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ* إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ” وهذا كشأن من ؟ كشأن من معنى من فرعون لما آمن لم يقبل منه ” إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيم” بمعنى أن من حقت عليه كلمة الله من أنه لا يؤمن فإنه لو جاءته أي آية لو كل آية أتته آية شرعية أو آية من الآيات التي هي معجزة للأنبياء السابقين فإنه لن يؤمن متى يؤمن؟ فقط إذا رأى العذاب وإذا رأى العذاب حينها فإن الإيمان لا ينفع ولذا ماذا قال تعالى؟ ” إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ” أيضاً لا يؤمنون لكن متى يؤمنون؟ ” حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ” فإذا رأوا العذاب الأليم فآمنوا فلا ينفع ” آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ” وكما قال عز وجل ” أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ”” فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ” بمعنى هل كانت قرية فيما مضى آمنت بأكملها وبجميع من فيها قبل نزول العذاب لكن من أولئك الذين استثنوا قوم يونس آمنوا كلهم تلك القرية آمنت فهنا فيه معنى النفي لم توجد أمة من الأمم السابقة آمنت بأكملها فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا ” كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا” دل هذا على أن نزول عذاب الله هو الخزي ” كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ” إلى وقت انقضاء أجلهم ومن ثم اختلف العلماء هل قوم يونس رأوا العذاب فيكون قوم يونس ممن استثناهم الله عز وجل ولذا ماذا قال ؟ ” إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ” فهل قوم يونس لما أتاهم العذاب ونزل بهم فآمنوا كشف عنهم العذاب بعد نزوله قبل أن يقع بهم فإن كان كذلك كما قال بعض العلماء فهم قد استثنوا من قوله تعالى ومن الآيات الأخرى “فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ” فيكون قوم يونس قد استثنوا لماذا قالوا بهذا القول ؟ لأنه قال “كشفنا” والكشف يدل على ماذا؟ يدل على أنه وقع وقال بعض العلماء إنما المقصود من أنهم لما رأوا أمارات العذاب دعوا الله عز وجل ومن ثم فإن عدم نزول العذاب يسمى ماذا؟ يسمى كشفا ومن ثم فإنه إن قيل بأن المقصود من الكشف من أنهم رأوا العلامات فلا إشكال في ذلك وإن كان المقصود من أن العذاب نزل بهم فلما كاد أن يقع بهم آمنوا فكشف عنهم فيكون قوم يونس قد استثنوا قد استثنوا من ذلك ومن ثم فإن هذه السورة ذكرت فيما ذكرت من آيات من إن من رأى العذاب فإنه إن آمن فلا ينفعه إيمانه إلا من؟ إلا قوم يونس وليس هناك دليل فيما أعلم ليس هناك دليل صحيح فيما أعلم يرجع أحد القولين وإن كان الأصل الأصل أن من رأى العذاب فآمن فإن إيمانه لا ينفعه والعلم عند الله ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ” يا محمد ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا” لكن حكمته عز وجل ماذا؟ جعلت هناك من يؤمن وهناك من يكفر لحكمته وعدله ولذا ماذا قال عز وجل ؟ ” وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ” “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” أفأنت تكره الناس وتلزم هؤلاء الناس بأن يكونوا مؤمنين الإيمان بيد الله عز وجل يعطيه من يشاء فالله عز وجل أراد من خلقه أن يكون منهم المؤمن ومنهم الكافر ” أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ* وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ” الإيمان إنما هو بإذنه عز وجل يهبه لمن يشاء ومن ثم فإن عليك أن تعلق قلبك بالله وأن تدعوا الله أن يثبتك ” وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ” أي نفس مهما عظمت ” وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ” يعني من يصرف عن الإيمان من ؟الذين اتبعوا الرجس ” وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ” الرجس الذنوب والكفر والشيطان وما يترتب على ذلك من العذاب إذا وقعوا فيما يخالف الله يجعله على من ؟ يجعله على الذين لا يعقلون ” وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ” ولهذا مرت معنا هذه الآية في سورة الأنعام سبحان الله عن الإيمان وعن الهداية قال تعالى:” فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ” لم؟ لأنهم لما لم يعقلوا آيات الله فأوقفوا الإيمان ” وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ” “قُلِ انْظُرُوا” قل يا محمد لهؤلاء ” قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” وما فيها من العبر ولذا في أول السورة ” إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ” هنا أمرهم بأن يتأملوا ولذا ماذا قال جل جلاله ” أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ” فقال عز وجل “قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ ” قل يا محمد لهؤلاء ” انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ” هنا نافيه ما ” وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ” الآيات والنذر لا تغني ولا تفيد هؤلاء لأنهم لم يؤمنوا وقيل استفهامية أي شيء يفيد هؤلاء من الآيات والنذر ولا تعارض بينهما ” وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ” الآيات أي المعجزات التي أتت بها الرسل والنذر هم الرسل الذين أتوا بالآيات الشرعية إذا لم يوفقوا ولن ينتفعوا لا بالآيات التي هي معجزات ولا بالآيات الشرعية من الكتب ” فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا” هؤلاء كفار قريش ” فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا” أيام يعني وقائع وعقوبة من عاقبة الله عز وجل من الأمم السابقة ” فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ” يعني ممن مضى” قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ” أي بما يحكم الله جل جلاله لي ولكم ” ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا” ينجي الله جل جلاله يرسل إذا نزل ما نزل بهؤلاء ” وَالَّذِينَ آمَنُوا” فمن آمن بالرسل ” كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ” حق وعد منه عز وجل وأوجبه على نفسه ” نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ” من ؟ من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وكذلك ينجي الله عز وجل من آمن إلى قيام الساعة وأي نجاه نجاة فيها الخير في الدنيا وفي الآخرة وليس كنجاة فرعون ” فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ” قل يا محمد ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ” تبرأ أولاً من ماذا؟ مما يعبدون ” فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ” الذي له من الصفات” الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ” أي أمرت أيضا أن أقيم وجهي لله عز وجل وهذا يتعلق بالإخلاص” وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ” أي مائلاً عن الأديان الشركية إلى دين الإسلام ولذا ماذا قال عز وجل في سورة الأنعام” قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” ” وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” كحال هؤلاء وهو حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكون من المشركين فهو معصوم لكن فيه التحذير للأمة ” وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ” ماذا ينفعك لو عبدته ولا يضرك لو تركت عبادته ولذا ماذا قال عز وجل في أول السورة ” وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ” فنهاه هنا ولا تدعون من دون الله كحال أولئك وحاشاه صلى الله عليه وسلم لكن كان التحذير لهذه الأمة” وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ” كحال من يدعو الحسين وكما تفعل الصوفية الدعاء للأولياء والقبور وما شابه هؤلاء ” وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ” الظالمين هنا هم الكفار لأن الشرك أعظم الظلم كما قال تعالى ” إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” ” وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ” سبحان الله تأملوا هذه السورة ماذا قال جل جلاله في أولها ” وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّه ” ماذا قال عز وجل؟ ” وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ” ماذا قال تعالى في نفس السورة؟ “قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ” قال هنا” وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ” أي ضر لن يكشفه إلا الله وقد مر معنا ذلك مفصلاً في قوله تعالى في سورة الأنعام” وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” ” وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ” ولذلك كشف عن أولئك الذين ذكرهم عز وجل في هذه السورة حتى كشف العذاب عن قوم يونس “لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا” “وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ” “وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ” لم يقل فلا راد لخيره لمَ؟ لأن الخير فضل من الله عز وجل إنما هو كرم من الله عليك “وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ “فلن يستطيع أحد أن يمنع عنك رزق الله ولو بلغ من القوة في الدنيا ما بلغ والله ما قُدر لك سيأتيك ولذلك ثبت قوله صلى الله عليه وسلم “إن الرزق يطلب العبد كما يطلبه أجله” فإن الرزق والأجل قرينان “فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ” يصيب به أي الضر أو الخير وهذا هو القول الصحيح خلافاً لمن قال إنه راجع إلى الخير “يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” غفور رحيم يتجاوز ويرحم فإن الضر إذا نزل بالإنسان أتى ليهلكه الله رحيم به قال عز وجل هنا “وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” لأن من أعطي الخير قد يقصر في الشكر فالله غفور رحيم من أصيب بضر قد يقصر فيما يتعلق بالصبر الله غفور رحيم فقال عز وجل “وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ “قل يا محمد “يَا أَيُّهَا النَّاسُ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُم” لما كذًبوا القرآن وكذبوا بالحق الذي أتى به “ماذا بعد الحق إلا الضلال كما ذكر الله عز وجل فيما يتعلق بهذا الحق أمرهم بماذا؟ بأن يتبعوا هذا الحق لأن هذا الحق قد جاءهم “يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُم” من ربكم وإذا كان من الله عز وجل فإنه خير “فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِه” النفع له هو “وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ” الضرر عليه ولن يضر الله شيئاً “وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ” لستُ عليكم بوكيل يعني أنت يا محمد لست على هؤلاء بوكيل تحفظ لهم أعمالهم حتى تجازيهم إنما أنت منذر إن عليك إلا البلاغ لكن مع ذلك من أعرض “وَاتَّبِعْ” لا يلتفت الانسان إلى حال الناس لما ينصرفون، لما ينصرف الناس عن دين الله وإذا به يتبع الناس، الناس ذهبوا وأنا مع الناس لا ولو كثر المخالفون لدين الله عز وجل في هذا الزمن أو في غيره “وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ” ولا تلتفت إلى هؤلاء ” وَاصْبِر” اصبر على ما يصيبك من الأذى اصبر على طاعة الله اصبر على اتباع شرع الله اصبر على أقدار الله المؤلمة اصبر على تكذيب هؤلاء ” وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ ” يحكم الله بينك وبينهم ” وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ” خير من حكم “أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ” فله الحكم القدري الكوني الذي لا يمكن أن يقع شيءٌ إلا بحكمه القدري الكوني، له الحكم الشرعي الذي لا يجوز لأحد أن يحلل أو يحرم التحريم والتحليل حق لله، فله الحكم الجزائي يعاقب من يشاء فينزل عقوبته على من يشاء وإن يكرم من يشاء ” وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ “ْ.