التفسير المختصر الشامل (165) تفسير سورة الكهف من الآية ( 32 ) إلى ( 59)

التفسير المختصر الشامل (165) تفسير سورة الكهف من الآية ( 32 ) إلى ( 59)

مشاهدات: 516

( بسم الله الرحمن الرحيـــــــم )

تفسير سورة الكهف من آية ( 32 ) إلى آية  ( 59)

الدرس ( 165)

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

 { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا } ( 32 ) الكهف

{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ } وهذه قصةٌ أخرى من القَصص التي ذكرها الله عزوجل في هذه السورة { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ } قال بعض العلماء: هذا على وجه التمثيل فلم يقع شيء من ذلك وإنما المقصود هو التمثيل فقط.

وقال بعض العلماء: بل إن هذا حدثٌ حدَث قيل في بني إسرائيل وقيل غير ذلك، والذي يظهر من أنه حدثٌ وقع

  { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ } واضرب لهم يا محمد مثلاً ما هو هذا المثل ؟ رجلين {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ } جنتين أحدهما وهو الكافر { جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ }وما أجمل ذلك أن يكون البستان به عنب، والنخل يكون من الجوانب { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ } بمعنى أن النخل قد أحاط بهاتين الجنتين  { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا } يعني دل هذا على ماذا ؟ على أنهما جنتان ليس بهما شيءٌ من المواد بل كل ما بهما حياة عن ، ونخيل ، وزرع ، ودل هذا على ماذا ؟ على أن تلك الجنتين بهما الثمار من النخيل والعنب وأيضاً بهما القوت وهو الحبوب { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا } .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا } ( 33 ) الكهف.

{ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا } أعطت أُكلها بأمر الله  { وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا }  أي ولم تنقص منه شيئاً في أي سنة من السنوات، فإن بعض البساتين ربما تنقص في بعض الأعوام فقال هنا :  { وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا }يعني في وسط هاتين الجنتين  { وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا } يعني مياه غزيرة لأنه قال  { وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا } وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على عِظم هاتين الجنتين مما أنعم الله عزوجل بهما على هذا الكافر فقال عزوجل:

 

 

{ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا } ( 34 ) الكهف.

{ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ }  { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ }  ثمر بمعنى أنها واحدةً من الثمار بمعنى أنها ثمار، وقال بعض العلماء: إنما المقصود من ذلك  { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ }  يعني أموال ، أموال طائلة لأنه جاء في قراءة ( ثُمُرْ) وكلمة ثُمُرْ تدل على المال) { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ }  {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ }  الذي هو المؤمن وقيل إنه صاحبه باعتبار ماذا ؟ باعتبار ما كان بينهما من مكان هو بجواره أوما شابه ذلك، أو باعتبار أنه صاحب له في مِثل هذا المَثل .

{ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ }  يعني يكرر عليه الكلام مرة بعد مرة  { وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } مفتخرًا بهاتين الجنتين { أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا }  { وَأَعَزُّ نَفَرًا }  أي من حيث عدد الخدم والأولاد والعشيرة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا }  ﴿ 35 )الكهف.

{ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِذلكم الكافر الذي اغترَّ بتلك الجنتين واستكبر على صاحبه المؤمن دخل جنته ، وقال عزوجل :  { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ } ولم يذكر عز وجل من إنه دخل الجنتين مع أن السياق السابق يدل على جنتين،

 وقد قال بعض المفسرين: { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ }  أفردها باعتبار أنها هي جنته في الدنيا ولا جنة له في الآخرة لأنه كان كافرًا

 وقال بعض المفسرين: ولعله هو الأظهر من أنه قال: { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ }  لأنه لا يمكن أن يدخل الجنتين في وقت واحد فدخل الجنة الأولى وحدَّث صاحبه بهذا الأمر { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ }  أي حالةَ كونه ظالمًا لنفسه بالكفر .

{ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا } {  قَالَ مَا أَظُنُّيعني ما اعتقد وهذا يدل على أنه أيقن من أن الله عزوجل لن يبعثه ، فقال : {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ}  يعني أن تهلَك { مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا } .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا } ( 36 ﴾ الكهف.

{ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ  قَائِمَةً  }  أي: وما استيقن لأن الظن هنا بمعنى اليقين { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي }  على افتراض أنني سأبعث { وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًابمعنى أن الله عزوجل سيعطيني أفضل منها حال انقلابي في الآخرة على افتراض وجودها .

وهذا كما قال عزوجل : { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ( 77أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ( 78 ) } مريم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا } 37

{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُقال له المؤمن وهو يحاوره:  { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ } الذي خلق أصلك وهو آدم من تراب  { ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍبمعنى أنك جئت من نطفة { ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ } ثم بعد ذلك انتقلت في أطوار { ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا } جعلك رجلًا مستويًا، مستوي القامة مستوي الصفات { ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًاأفبعد تلك النعم تكفر بالله عزوجل!

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا }  ( 38 ﴾ الكهف.

{ لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي } يقول المؤمن: { لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ }  أصلها: لكن أنا فحذفت همزة  أنا وأُدغمت النون في النون { لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا } كصنيعك لمّا أشركت بالله عزوجل  {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا } وكرر كلمة  الرب من باب ماذا ؟ من باب أن يبين له من أنه ربه وهو ربُّ أيضًا هذا الكافر الذي أعطاه الله عزوجل هذه النعم .

{ لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا } .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا }  ( 39 ) الكهف . { وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ } يعني هلَّا { إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِبمعنى لمَّا أعجبك ما أعجبك من هذه الجنة لولا قلت حال دخولك لهذه الجنة هذا القول فإنه ما شاء الله عزوجل كان وما أنت فيه من هذا النعيم من هاتين الجنتين إنما هو بمشيئة الله وبقوة من الله عزوجل إذ أعطاك هاتين الجنتين فقال هنا : { وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ }  ولذا بعض السلف أخذ من ذلك من أن الإنسان إذا أعجبه شيءٌ من ماله أو من أولاده أو من نفسه فليقل هذا، وقد ورد حديثٌ لكن به ضعف مما يدل على هذا ، وإن كان الصحيح من حيثُ السُنَّة من أن الإنسان كما ثبت عنه ﷺ يقول إذا رأى ما يعجبه من أخيه المسلم من إنه يقول: ( بارك الله له) ) ولذا قال: هلَّا بركت عليه ) بمعنى ألا قلت ( بارك الله له. .

{ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا }  

قلت هذا القول وتكبرت عَليّ وتراني مِن أني أقل منك مالاً وولدا { إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا}

 

{ فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } 40

{ فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِأن يعطيني { خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ } التي افتخرت بها { وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا } ويرسل عليها يعني على تلك الجنة { حُسْبَانًا }  يعني العذاب { حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا }  فتصبح أي تلك الجنة { صَعِيدًا زَلَقًا } بمعنى أنها تصبح ترابًا وتصبح لا نبات بها وتصبح زَلْقًا بمعنى أنها تدْحض بالقدم وتزلُّ بها الأقدام { فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا  } ( 41 ) الكهف.

{ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًابمعنى أنه يكون غائرًا  في الأرض كما قال تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ } ( 3 ) الملك .

{ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا } فلن تستطيع أن تأتي به لأن الله عزوجل قد قضى بذلك فقال هنا : { فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا } .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا } ( 42 ) الكهف .

{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِبمعنى أن الله عزوجل أنزل على تلك الثمار ذلكم العذاب الذي أحيط بثمره {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ } دل هذا على أن تلك الثمار دُمِّرت { فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ } وتقليب الكف من باب التحسر والتندم إما لأنه ضَرَب كفًا على كف أو أنه قَلَّب كفه مرة ظهرًا لبطن ومرة بطنًا لظهر فقال هنا : { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا } على ما أنفق فيها من مال وجهد

 { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا } وهي ساقطة على عروشها إذ سقطت سُقُوفها وجدرانها

 { وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا } هنا نَدِمَ ولكن لا ينفع الندم بعد نزول العذاب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا } ( 43 ) الكهف .

{ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌيعني جماعة مما كان يغتر بهم  { أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا }

{ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ }  ما هنالك جماعة تنصره من دون الله عزوجل أو أنها ترد عذاب الله عنه { وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا } أي وما كان منتصرًا بنفسه .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا }  ( 44 ) الكهف .

{ هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ } هنالك الولاية ، الوَلاية هي النصرة والحفظ، { هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ } يعني إذا جاء عذاب الله عزوجل ونزل عذاب الله عزوجل { هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ } ووصف نفسه بإنه هو الحق وذلك باعتبار ماذا ؟ باعتبار أنه إذا نزل عذاب الله، الجميع من مؤمن وكافر يتولون الله ويلتجئون إلى الله لكن الكافر لا ينفعه ذلك، قال تعالى :  { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } [غافر].

{ هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ }  يجعلونها كلها لله عزوجل وأيضًا يتضمن كما قال بعض المفسرين: يتضمن من أنه إذا نزل عذاب الله عزوجل نجَّى أهل الإيمان وترك أهل الكفر في هذا العذاب { هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا } ثوابه خيرٌ من ثواب غيره لو كان غيره يُثيب { وَخَيْرٌ عُقْبًا } أي خيرٌ مرجعًا ، والله عزوجل من انقلب إليه وهو مؤمن ومن رجع إليه وهو مؤمن فله الخير العظيم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا }  ( 45 ) الكهف .

{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } هُنا لمَّا ذكر عذابَ الله عزوجل الذي أُنزِل على ثمار ذلك الرجل ، النَضرة اليانعة التي ذكر الله عزوجل صفاتها في أول ضرب المثل، ذكر هُنا أن الدنيا كُلها ستزول في لمحة بصر إذ يغتر بها أصحابها لكن  سَرعان ما تزول ولذا قال في مقدمة السورة: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا }

وقال هُنا: { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } مثَلُها  { كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ } أي فاختلط بسببه لكثرته نبات الأرض فظهر هذا النبات، فاختلط به نبات الأرض فأصبح نَظِرا، فما الذي جرى بعد ذلك: { فَأَصْبَحَ هَشِيمًا } أي يابسا  { تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ } أي تتقاذفه الرياح وتنسِفُه الرياح كما قال عزوجل في سورة يونس {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ } الآية

{ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا } وهو مقتدر على كلُ شيء ، وهو قدير على كلُ شيء، على زوال هذه الدنيا ، وعلى غيرها ، وهو على كل شيء قدير  { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} فلا يستبعد أحدٌ أن يعطيه الله عزوجل من الخير ولو كان كثيرًا ، ولا يستبعد أحدٌ أن يُزيل عنه البأس والفقر ولو كان ما به ما به من هذا الفقر والبأس. {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف:46]

{ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } المال والبنون زينة الحياة الدنيا يتزين الإنسان بالمال ويتزين بالأولاد، وقدَّم المال لمَ ؟ لأن النعمة به أعظم والزينة به أعظم لأن الإنسان إذا كان عنده المال والبنون هُنا اكتملت زينة الدنيا عنده، لكن لو أنه من غير مال وعنده أولاد  فإنه ربما يضيق صدره من أجل هؤلاء الأولاد من حيثُ مطعمهم ومشربهم، لكن العكس تكون فيه زينة وليس كالسابق إذا انفرد لأن المال إذا أتى فإنه زينةٌ للإنسان ولو لم يكن عنده بنون ولهذا والعلم عند الله كان تقديمُ المال هُنا { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }  لكن مع ذلك فهو فتنة قال عزوجل : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [الأنفال:28]

وكما قال تعالى عن بعض الأولاد وعن بعض الأزواج من البعض وليس الكل{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ }  [التغابن:14].

 

 

{ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } لكن ما الذي يبقى؟ { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ } هل هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتنحصر في هذا؟ قيل بهذا ، والصواب: أن كل عمل صالح سواءً كان قولًا أو فعلًا فإنه من الباقيات الصالحات التي تبقى للعبد

 { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا } أي وخير ما يؤمل عليه الإنسان، لمَ ؟ لأن هذه الدنيا زائلة فلو أمَّل الإنسان في هذه الدنيا فتحصلُ له الأموال والأولاد لكن الأمل الحقيقي الذي ينفعه إنما يكون في الآخرة وذلك عن طريق العمل الصالح { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } 47

{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ }  أي واذكر يوم نُسيّر الجبال وذلك في يوم القيامة يُسيّرها الله عزوجل ويرفعها { وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً }  (14) الحاقة.

وكما قال تعالى: { وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } (88) النمل.

فقال هُنا: { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً } الجبال تكون هباءً منثورا كما ذكر عزوجل في آيات كثيرة { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً } أي ظاهرة وواضحة لا علَمَ فيها ولا شيءَ فيها مما يتعلق بهذه الدنيا كما قال ﷺيُحشر الناس يوم القيامة على أرضٍ عفراءكما ثبت عنه ﷺ ومرّ معنا مفصلًا ما يتعلق بذلك عند قوله تعالى: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ }  (48) إبراهيم.

وقال هُنا: { وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } حشر الله عزوجل جميع الخلائق {فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } كما قال عزوجل: { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:93]

وقال تعالى: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام:94]  { فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا }.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا } 48

{ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا }  عُرضوا على الله عزوجل صفا إما أن يكونوا صفاً واحد وهذا محتمل لقوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا }  [النبأ]

أو أنهم صفوف كما قال عزوجل : { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا }  [الفجر]

وكما قال تعالى : { وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً }  [الجاثية]

وقال هُنا : { وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } جئتمونا حُفاةً ،عُراةً، غرلًا، لا مال معكم كما خلقكم الله عزوجل في أول الأمر { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ }  [الأنعام:94] أي ما أعطيناكم { وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } .

وقال هُنا: { لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ } بل زعمتم وقلتم الظن الكاذب كما قال ذلك الرجل الكافر { مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا }  { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً }

{ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا } أن لن نجعل لكم موعدًا لجمعكم في يوم القيامة لكن الله عزوجل يؤخره لوقته { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ }  { يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } ( [هود: 104-105]

{ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا } .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ﴾( 49 ) الكهف .

{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ } كتاب الأعمال ، كُلُ إنسان يأخذ كتابه { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} مشفقين خائفين مع وَجل، خائفين مما كُتِب فيه لأنهم يعرفون حقيقة ما قدموه في هذه الدنيا { وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ }  يقولون يا ويلتنا، يا ويلتنا ويا حسرتنا يعني يا ويلتنا هذا هو أوانكِ فاحضري

 { يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا } أي ضبطها وعدّها وكتبها وأثبتها كما قال تعالى: { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} [الإسراء:13] منشورًا مفتوحًا، ظاهرًا بيّنًا كل ما فيه { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }  [الإسراء:14]

 

{ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا } وجدوا ما عملوه في الدنيا حاضرًا مقدمًا لهم وواضحًا وظاهرًا كما قال تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } [آل عمران:30]

وكما قال تعالى: { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [المجادلة:6]

وكما قال تعالى: { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا } ( [النبأ]

 { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } لكمال عدله قال تعالى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)  وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة]

وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا } [يونس]

وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ }  ( [النساء:40]

وقال تعالى: { وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء:47]

إلى غير ذلك من هذه الآيات { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا }  50

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ } واذكر وقت قولنا للملائكة { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } ومر معنا ما يتعلق بذلك في سورة الحِجر وفي سورة البقرة لكن هُنا قال : { كَانَ مِنَ الْجِنِّ } منعه من السجود من أن أصله قد خانه لأنه من الجن وقد خُلقت من مارجٍ من نار بينما الملائكة خُلقت من نور كما جاء في صحيح مسلم،

 ولذا مر معنا في سورة البقرة هل إبليس من الملائكة أو من الجن؟ ورجحنا هناك بالأدلة من أنه من الجن لكنه خُوطب بمثلِ ما خُوطبت به الملائكة باعتبار أنه كان معهم ويعمل بعملهم لكن قلبه كان راغبًا في الكفر والكِبر

 { كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } فلم يُطع أمر الله عزوجل بالسجود لآدم، والفسق هُنا هو: الفسق الأكبر وهو الشرك بالله عزوجل لأن الفسق نوعان : فسقٌ أكبر كما هُنا ، وفسقٌ أصغر لا يُخرج الإنسان عن ملة الإسلام إذا عمل ذنبًا صغيرًا  أو كبيرًا دون الشرك

 { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ } استفهام إنكاري وتوبيخي { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي } قال أولياء من دوني؛ هذا من باب الإنكار والتقبيح لهؤلاء؟ كيف تتخذون الشيطان وذريته أولياء تتبعونهم! كما قال عزوجل : { إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ }  [الأعراف:30]

وقال هُنا: { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ}  فهل له ذرية؟ نعم له ذرية كما ذكر عزوجل هُنا لكن ما طريقة هذا التناسل ؟ الله أعلم بحقيقته ولذلك قال بعض السلف: ذلك عرسٌ لم نحضره بمعنى أنه لا دليل على طريقة تناسلهم ، وبعض العلماء قال: إنما التناسل عن طريق التبييض والتفريخ لحديث ورد:  لا تكن أولَ من يدخل السوق فإن الشيطان باض فيه وفرّخ باض فيه وفرّخ وهذا الحديث فيه مقال بين أهل العلم ما بين مثبت ومضعف له، وعلى كل حال حتى لو ثبت فإنه لا يدل دلالةٌ قطعية على أنه عن طريق التبييض والتفريخ، ولعل المراد من قوله باض وفرّخ يعني باض وفرّخ الفتن والذنوب والتزيين لها في السوق

 { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } فكيف تتخذ العدو وليًا لك تناصره وتطيعه ما هذا إلا الحمق { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } ولم يقل أعداء لأن عدو مصدر يصلح للمفرد والمثنى والجمع.

{ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } ( بئس ) : فعلُ ذم ، (للظالمين) : هؤلاء ظلمة إذ اتخذوا الشياطين أولياء { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } كيف تتركون وِلاية الله ويتخذون وِلاية الشيطان!  وقد قال عزوجل : { هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا } [الكهف:44] { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} 51

{ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ } يعني هؤلاء الشياطين { مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ }يعني ولا خلق بعضِهِم لبعض { وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا } العضد هو: النصير والمساعد { وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا }  فكيف يتخذ الله عزوجل وهو القوي العزيز الغالب يتخذ هؤلاء أعونًا له فتعالى الله عزوجل عن ذلك علوًا  كبيرًا.

وقال عز وجل: { مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا } .

وقال هُنا: المضلين دل هذا على أن من كان في ولايةٍ سواءً كانت عامةً او خاصة أو حتى فيما يخصُ نفسَه فإنه لا يتخذ أهل الضلال معينين له ومساعدين له، ولذلك صرح بذلك ولم يقل وما كنت متخذهم عضُدًا ذكرهم على وجه هذا الوصف باعتبار أنهم مضلون وأيضًا لا يُتخذ المضلون عضدًا { وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا } 52

{ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا } في يوم القيامة لهؤلاء نادوا { شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} أمرهم الله عزوجل في يوم القيامة أن يقولوا لهؤلاء الذين عبدوا أولئك من دون الله نادوهم استغيثوا بهم ففعلوا بأمره عزوجل لكن لم يُجابوا

{ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ } وأضاف ذلك إليه باعتبار حال أولئك إذ جعلوهم شركاء مع الله وإلا فلا شريكَ معه عزوجل

 { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ } مجرد زعم منكم

 { فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا } جعلنا بين هؤلاء المشركين وبين شركائهم موبقًا وهو الشيء المُهلِك بمعنى أن بينهما ما يكون من الهلاك { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا } ويشمل هذا كل ما يتعلق بالموبق من نار ونحو ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا }53 .

{ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَرأوها { وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ } وهذا يدل على أنهم يبصرون يوم القيامة وقد مر معنا في تفسير سورة الإسراء { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا } وجمعنا بين تلك الأدلة في ذلكم الموطن

 { وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا } الظن هُنا هو اليقين { فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا}  { فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا }  بمعنى أنهم سيكونون فيها وسيقعون فيها .

قال تعالى : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [الطور:13]، يعني يُدفعون إلى جهنم دفعا.

{ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا } لن يجدوا شيئًا يصرفهم عن هذه النار لا من شركائهم ولا من غيرهم { وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا }.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا }54

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ } ومرت هذه الآية في سورة الإسراء { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِوهُنا قدّم القرآن وهناك قدّم الناس ولعله والعلم عند الله فيما يظهر لي:

 من أنه قدّم القرآن لأن الأصل في التقديم في التصريف أن يكون للقرآن كما هنا، لكن لمّا كان الحديث في سورة الإسراء عن أولئك المجرمين الذين تنوعت جرائمهم في سورة الإسراء من تلك الآيات التي اقترحوها ظلماً وعدواناً ذكر الناس مقدما.

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا } أي نوعنا وكررنا الأحكام والقَصص والوعيد والترغيب { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ }  فكل شيء فيه من حكمٍ وقصةٍ وما شابه ذلك هي بمثابة المثل الذي يجب أن يُعتبرَ به.

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُأي جنس الإنسان سواءً كان كافرًا أو غير كافر { وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } يعني أكثر ما في الإنسان هو الجدال والمخاصمة ومن أعظمُ ما يكون الجدال من أهل الكفر، ولذا قد يقع الجدال من المسلم ولا يكون في ذلك مذمومًا ولذلك كما ثبت بذلك الحديث: أتى النبي ﷺ إلى علي وفاطمة فقال ﷺ: ألا تصليان ؟  – أتاهما في الليل فقال علي : يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله إذا شاء الله بعثها بعثها فانصرف ﷺ وهو يقرأ { وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } فقال هنا : { وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا }.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا }55

{ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ } مرت هذه الآية في سورة الإسراء لكن ذُكِرَ هُنا الاستغفار يعني وما منع الناس من الإيمان والاستغفار يوم أن جاءهم الهدى والحق { إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا }

  { إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ } وذلك باعتبار ما جرى بالأمم السابقة لما أتاهم الإيمان والهدى فإنهم أعرضوا وانصرفوا فحل بهم العذاب فكذلك شأن هؤلاء، وكذلك يدخلُ في ذلك من أنهم طلبوا أن تأتيهم سُنَّة الأولين كما استعجلها الأمم السابقة فحل بهم العذاب { إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ } من العذاب الذي نزل بهم { أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا } يعني يأتيهم العذاب أنواعًا متنوعة ومختلفة .

{ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا } .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

{ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا }  56

{ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } فالهداية من الله، إنما على الرسل البلاغ والتبشير والإنذار، إنما عليهم البشارة لأهل الإيمان، والإنذار وهو الإعلام مع تخويف لمن عصى وتكبر .

{ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ } وهذا يدل على ماذا ؟ على أن أعظم الناس مجادلة هم أهل الكفر

 { بِالْبَاطِلِذلكم الباطل الضعيف الذي منتهاه إلى الزوال { لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ }  ليدفعوا به الحق ، فقال هُنا : { لِيُدْحِضُوا } والدحض هو الزلل والسقوط، يعني من أجل أن يُسقطوا الحق فسبحان اللهوما علموا أن الحق يُزِيل الباطل ويُسقطه ولذا قال تعالى : { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ } [الإسراء] ، فالباطل في أصله زهوق زائل ، ولذا قال تعالى : { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ }  [الأنبياء]

{ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا } يعني هؤلاء فعلوا هذه الأفاعيل الخبيثة من أنهم جادلوا بالباطل { لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي }  واتخذوا آيات الله عزوجل سواءً كانت الآيات الشرعية أو الكونية ، اتخذوها على سبيل الاستهزاء ، وأيضًا النُذر التي أتى بها الرُسل وأنذروا بها أقوامهم اتخذوها هزُوًا .

فقال عزوجل هُنا: { وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا } .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا } 57

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا } لا أحد أظلم ممن ذُكِر بآيات الله عزوجل لكنه عاند وطغى { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا } وأتى (بالفاء)  مما يدل على ماذا ؟ على أنه لم يتمهل ولم يتمعن حتى يتدبر لمَ ؟ لأن قلبه مليء بالكفر والعناد ولا يُحب الخير فقال عزوجل هُنا : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } { وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } من الأعمال الخبيثة التي لا يرضاها الله عزوجل.

 

{ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } يعني أغطية بسبب إعراضهم، لمّا أعرضوا جعل الله عز وجل على قلوبهم أكنّة ولذا صرحوا بذلك فقالوا: { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } [فصلت] .

فقال عزوجل هُنا: { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ } يعني أغطية من أن أجل ألا يفقهوا هذا القرآن وهذا الذكر { وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } يعني َصممًا وثِقلًا فهم لا يُريدون سماع الخير

 { وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا } { وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى } وهو الهدى الواضح النافع { فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا } وهم على هذه الحال لمّا جعل الله عزوجل تلك الأغطية على قلوبهم وما جعل من الصمم على أسماعهم وما ظلمهم الله وكما قال تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف:5]

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا } 58

{ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ } وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ : وذكر الصفة هُنا وهو عزوجل لمّا ذكر الاسم (غفور) فهو يغفر الذنب ويستره لمن تاب إليه، وهو يرحمه { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ } يعني من أراد أن يتعرض لرحمة الله فإن الله سيغفر ذنبه، ولذا قال تعالى كما مر معنا في سورة الأنعام { فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ }

{ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا } يعني: لو يعاقبهم بما كسبوا بسبب أعمالهم { لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ } ولذا قال تعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا } [فاطر]

فقال هُنا: { لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا } أي ملتجأً ومكانًا يأوون إليه وكما قال تعالى في ثنايا السورة: { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف:47]

{ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا } .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا }59

{ وَتِلْكَ الْقُرَى } وتلك القرى يا محمد { وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ } تلك القرى التي قَصَصْناها عليك ممن أهلكهم الله عزوجل فحال قومك كحالهم إن لم يؤمنوا .

{ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا } لمّا ظلموا { وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ } لوقتِ وزمان مَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا لا يمكن أن يستأخروا عنه أو أنهم يستبقونه كما قال تعالى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } [الأعراف:34]

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ