بسم الله الرحمن الرحيم
[ تفسير سورة مريم]
من الآية (51) إلى آخر السورة
الدرس (169)
لفضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري – حفظه الله –
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد.
فكنا قد توقفنا عند قول اللهِ عز وجل :
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ [51]
واذكر يا محمد {فِي الْكِتَابِ} يعني في القرآن {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى} وذكر اللهُ عز وجل موسى هنا من باب أن يتسلى النبي ﷺ بما أصاب موسى عليه السلام من قومه {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا} يعني: أخلصه الله عز وجل واختاره للنبوة.
ولذا قال عز وجل كما مر معنا في سورة الأعراف {اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف: 144] {إنه كان مخلَصًا} وفي قراءة {إنه كان مخلِصا} فدل هذا على أن موسى عليه السلام كان ممن أخلص للهِ عز وجل فأخلصه الله {إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} ووصفه بالرسالة وبالنبوة من باب التشريف والتعظيم، وإلا فإن الرسول تدخُلُ فيه النبوة.
﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ (52)
والمناداة هي رفعُ الصوت {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ} وذلك حينما رجع موسى عليه السلام من مَديَن فكلمه الله عز وجل كما سياتي مفصلًا في قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} [القصص: 29].
{وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} أي قربه اللهُ عز وجل بمناجاته تشريفًا لموسى وهنا جمع بين المناداة وبين المناجاة، والمناجاة: الكلامُ بصوتٍ خفيض، فدل هذا على أن كلام الله عز وجل صفة من صفاته عز وجل، وهذه الصفة يُثبَتُ لله عز وجل ما تتضمنه من نوعَي الكلام: المناداة والمناجاة.
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ (53)
فجعل الله عز وجل هارون نبيًا وهبه اللهُ عز وجل لموسى عليه السلام لما دعا ربَّه لما قال كما سيأتي معنا في سورة طه: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي- وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي -وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي- وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي- هَارُونَ أَخِي} [طه: 25-30]
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)﴾
وإسماعيل هو ابن لإبراهيم عليهما السلام وقد أرسله الله عز وجل إلى جُرهُم {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ} أي في هذا القرآن اذكر شأن إسماعيل عليه السلام لتُذَكِّرَ هؤلاء وهم كفار قريش من أن إسماعيل عليه السلام كان على التوحيد وكان على الخير.
{إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} بمعنى أنه إذا وعد شيئا فإنه يَصدُقُ في كلامه، وهذه صفةٌ بارزة في إسماعيل ولا أدلَّ مما ذكره عز وجل عنه في شأن ذبحه {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102].
{إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} وعدَّدَ هذه الصفة من باب الثناء على إسماعيل عليه السلام من أنه رسول وهو نبي وكما مر أرِسَل إلى جُرهم {وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} فكان يأمر أهله بهذه الصلاة وبالزكاة مما يدل على أن الصلاةَ والزكاة كانتا مشروعتين في الأمم السابقة، ولذا قال عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه:132]،
{وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} ورضي اللهُ عز وجل عنه لأنه كان أرضى ربَّه عز وجل بالأعمال الصالحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)﴾
وإدريس عليه السلام الصحيح أنه ليس قبل نوح وقد مر معنا ذلك مفصلًا في سورة آل عمران فقال هنا: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} فهو صدِّيق قد بلغ في الصدق مبلغًا عظيمًا {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} فقد رفعه الله عز وجل في مكانٍ وفي منزلةٍ عليًا، ومن ذلك ما رآه النبي ﷺ من شأنه في حادثةِ الإسراء والمعراج إذ رآه في السماء الرابعة.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ (58)
{أُوْلَئِكَ} المشار إليهم هم النبيون وأول هؤلاء ممن ذَكِرَ في هذه السورة هو زكريا عليه السلام {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} وما جاء ذكره من بعده من أنبياء.
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} أنعم اللهُ عليهم بنعمة الدين ولذا قال عز وجل {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} من ذرية آدم: نوح،
وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ: كإبراهيم عليه السلام
{ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ}
{وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ} كإسحاق ويعقوب {وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ} وإسرائيل هو يعقوب عليه السلام، ومن بين ذريته يوسف عليه السلام، {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا} أي هؤلاء هداهم الله عز وجل واجتباهم واختارهم واصطفاهم
{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} فهم إذا تُليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا تعظيمًا لله عز وجل وهذا السجود مصحوبًا بالبكاء.
ولذا عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه يقول فيما يتعلق بالسجدة هذا السجود فأين البكاء؟ ومع منزلة هؤلاء فإنهم يخرون لله عز وجل سُجدًا مع البكاء والتضرع لله عز وجل.
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾(59)
أي هؤلاء الأنبياء الفُضلاء {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} وكلمة خَلْف تدل على أنه أتى جيل بعدهم، ذلكم الجيل هو جيلٌ سيء كما قال عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا}[الأعراف:169].
{أَضَاعُوا الصَّلاةَ}[مريم:59] تضييع الصلاة كما جاء في الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم هو أنهم لم يتركوا الصلاة كلية وإنما أخرجوها عن وقتها فهم يصلون لكنهم يصلون خارجَ الوقت وهذا تضييع للصلاة {وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} بمعنى أنهم انغَرقوا في الشهوات، وذكر إتباع الشهوات بعد إضاعة الصلاة مما يدل على أن من أضاع الصلاة فإن أبوابَ الشهوات تُفتَحُ له، ولذا قال عز وجل {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ}[العنكبوت: 45].
{فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} والغي قيل هو: هو واد في جهنم، وقيل غير ذلك، وعلى كل حال هذا وعيد شديد لهؤلاء الذين أ{َضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾
﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ (60)
فإن من تاب تاب اللهُ عليه وسيكونُ مصيره إلى الجنة ولا يُنقَصُ من أعمالِهِ شيء {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾
﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ (62)
ثم بين هذه الجنات {جَنَّاتِ عَدْنٍ} يعني جنات إقامة فلا يتحولون عنها وهي ثابتة ومستقرة
{الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} وعد الله عز وجل عباده هذه الجنة بالغيب وهم لم يرَوها
{إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} أي ما وعد به مأتيًا أي أنه آتٍ لا محالة فإن وعدَه حق.
{لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} واللغو هو: الكلام الباطل والذي لا فائدةَ منه، فإنهم لا يسمعون هذا الكلام الذي هو اللغو.
{إِلَّا سَلامًا} يعني أنهم لا يسمعون إلا الكلام الذي هو الطيب السلام،
إذ يسلم الله عز وجل عليهم {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ} [الأحزاب:44]
ويسلم عليهم الملائكة {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ(23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } [سورة الرعد]
ويسلم بعضهم على بعض {إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} [الواقعة:26]
وقال عز وجل: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} البكرة أول النهار وعشيًا آخر النهار، ومعلوم أن الجنةَ ليس بها ليلٌ ولا نهار لأن الشمس والقمر كما ثبت بذلك الحديث الصحيح في يوم القيامة يُكوران فيلقيان في النار، وإنما هذا توقيت محدد لا يعني وجود شمس أو وجود قمر، لكن في مثل هذه الأوقات التي يعرفونها ويُطلعهم الله عز وجل عليها بأول النهار وفي آخره يأتيهم هذا الرزق {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}.
ثم قال تعالى: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾(63)
ثم قال {تِلْكَ الْجَنَّةُ} وهذا تعظيم لها إذ ذكر اسم الإشارة فقال: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} فمن كان تقيًا فإنه يرثُها، ولذا قال عز وجل في أول سورة المؤمنون {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1] إلى أن ذكر من صفاتهم فقال: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:10] وكما قال تعالى في سورة الأعراف {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)﴾
لما أراد النبي ﷺ أن ينزل عليه جبريل فبيَّن جبريل من أن نزوله إنما هو بأمر الله، وكذلك نزول الملائكة إنما هو بأمر الله عز وجل.
{لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} فهو عز وجل أحاط بهؤلاء الملائكة علمًا وقدرةَ بما يتعلق بما يفعلونه وبما لا يفعلونه وبكلِّ شيءٍ فعلوه وبكل ما قالوه.
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} فإنه عز وجل لم يكن تاركَك يا محمد عن الوحي وعن نزوله.
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} وكذلك هو عز وجل ليس به صفة النسيان فإنه عز وجل الذي أحاط بكل شيءٍ علمًا، ولذا قال عز وجل كما ذكر موسى فيما يتعلق بكلامه مع فرعون لما سأله: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى}[طه:52].
{رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ} وما بينهما مما خلق عز وجل من هواء ومن أجرام {فَاعْبُدْهُ} فعليك أن تعبدَه، فمن أيقن واعتقد بأن الله هو رب السموات والأرض وما بينهما فإن الواجبَ عليه أن يعبده.
قال: {وَاصْطَبِرْ} لم يقل واصبر من باب أن العبادة تحتاجُ إلى مصابرة وإلى مزيد جهد
{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} فليس له نظير وليس له مثيل وليس له نِد؛
وكذلك يدخل فيه {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} بمعنى: أنه لم يتسمى أحد باسمه عز وجل الذي هو “الله” وكذلك لم يتسمَّ أحد باسمه الذي هو “الرحمن” ولذا تكرر اسم الرحمن كثيرًا في هذه السورة، ولذا مَسيلمة الكذاب لما وصف نفسه بأنه رحمن ألصق الله عز وجل به وصفًا ذميمًا لا ينفك عنه فإذا ذكر اسم مسيلمة فإن اللسان ينطق مباشرة بكلمة: “الكذاب”.
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم:65]
وهذه الآيةُ كالآية الأولى في سورة الفاتحة ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ اشتملت على أقسام التوحيد الثلاثة كذلك هنا: {رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} توحيد الربوبية
{فَاعْبُدْهُ} توحيد الألوهية {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} توحيد الأسماء والصفات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)﴾
{وَيَقُولُ الإِنسَانُ} قال بعض المفسرين: نزلت في بعض كفار قريش لما استعظموا من أن الله يعيد الناسَ يوم القيامة بعد أن يكونوا عظامًا.
وهذا الذي قاله بعضُ المفسرين لا ينحِصُر في هؤلاء بل كل جنس من جنس هذا الإنسان الذي يُنكر البعث فإن الآية تصدق عليه.
{وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ} وهذا منه تعجب {لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} يستغرب ويستبعد ذلك! {أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} يعني خَلَقَه عز وجل من العدم فإذا أماته فإنه سهلٌ عليه عز وجل أن يعيده مرةً أخرى كما أنه سهل عليه عز وجل إذ أخرجه من العدم ولذا قال عز وجل في أول السورة لما قال زكريا:
{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}[مريم: 8]،
{ أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} ومعلوم أن حال زكريا عليه السلام ليس كحال هؤلاء، وإنما أردت بذكر هذه الآية من باب بيان أن الله عز وجل خلق الإنسان من عدم، فهو عز وجل قادرٌ على أن يعيده مرة أخرى وأن يُنجِبَ الزوجان بعدَ الكِبَر وحتى بعد حصولِ العقم هو عز وجل قادر على أن يكونَ منهما ولد.
﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾(68)
أقسم الله عز وجل بنفسه وذكر النبي ﷺ في هذا السياق من باب التشريف له قال: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} لنحشر هؤلاء والشياطين الذين يؤزونهم إلى المعاصي وإلى هذه المعتقدات الفاسدة {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} والجِثِي هو: أن الإنسان يكون جالسًا وجاثيًا على ركبتيه فهم يُحضَرون إلى نار جهنم ويوقَفُون عندها على صفة أنهم يكونون جثيًا ولذا قال عز وجل: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً}[الجاثية: 28] مما يدلُّ على الخضوع.
﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)﴾
﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ} أي لنأخذن بشدة {مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} والشيعة هم: الطائفة الذين تشيعوا على أمر ما، وهؤلاء تشيعوا على المعتقدات الفاسدة وشايَع بعضهم بعضاً وأحبَّ بعضهم بعضا على هذا المعتقد الفاسد، فتلك الشيعة ينزع الله عز وجل من هذه الشيعة الفاسدة من هو أشد في الفجور وفي الكفر وفي هذا المعتقد الفاسد.
{أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} يعني مخاصمةً وانصرافًا وإعراضًا عن الله عز وجل ونشرًا لباطله {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} فاللهُ عز وجل عالمٌ بمن هو يستحق وبمن هو أولى بمن يَصلى هذه النار.
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)﴾
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} أي ما منكم إلا وارد هذه النار {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} يعني قضاه اللهُ عز وجل وقدره وهو حَتْمٌ على وقوعه؛
ومِن ثَمَّ فإنَّ هذا الورود ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}:
هل الخطاب لجميع الخلق من المؤمنين والكافرين أم أنه خاص بالكفار؟
قال بعض المفسرين: هو خاص بالكافرين، بمعنى أن الكفار يرِدون هذه النار، بمعنى الدخول يدخلون في هذه النار.
وقال بعض المفسرين: هو ضمير للجميع للمؤمن وللكافر.
{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} لكن هل هذا الورود هو الدخول بمعنى أن الكل يدخل هذه النار ثم ينجي الله عز وجل المتقين؟
قال بهذا بعض المفسرين من أن الورود هو الدخول قالوا لأن كلمة الورود تدل على الدخول كما قال عز وجل {لو كان هؤلاء آلهةً ما ورودها} الورود هنا بمعنى الدخول {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}
ولذلك قال بعدها {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} فدل هذا على أنهم يدخلونها لكن أهل الإيمان وأهل التقى ينجون من هذه النار وهم لا يصيبهم أي شيء من أذاها،
وقال بعض المفسرين: إن الورودَ هنا هو العَرض على النار والمرور عليها كما جاء بذلك الحديث الصحيح: أن الناس يرِدون على النار ويسيرون على الصراط الذي يُنصَبُ على متنِ جهنم وهو أدقُّ من الشعر وأَحَدُّ من السيف وبه كلاليب، فإن المؤمن يكون سيرُه على هذا الصراط على حسب أعماله:
منهم كالبرق ومنهم كأجاويد الخيل والإبل ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من يسقط في ذلك إلى ما ذكر ﷺ عن هذا الورود.
قالوا: لأن الورود يَرِدُ أيضًا بمعنى القُرب والعَرض كما قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ}[القصص:23] فالورود هنا ليس هو الدخول، ولأن الله عز وجل قال:
{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ(101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ}[الأنبياء: 102]
وعلى كل حال سواء قيل بهذا أو بهذا فإن الأمر جد خطير مما يدل على أن الإنسان ستمر به أمورٌ عظام في الآخرة، فعليه أن ينجيَ نفسَه بتقوى الله عز وجل بعد توفيقه سبحانه وتعالى. ورجح بعضهم: أنه ليس هو الدخول، وإنما هو المرور.
وعلى كل حال دل هذا على أن الأمر خطير.
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)﴾
بمعنى أنهم يجثون على الركب- سبحان الله- يعني عند حضورهم إلى جهنم كما قال عز وجل: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} وأيضًا إذا قُذِفوا فيها ودخلوها فإنهم يكونون على هذه الصفة {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} والذي يجثو على ركبتيه يدل على أنه أصابه أمرٌ جلل عظيمُ الخطر.
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ (73)
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} إذا تليت على هؤلاء الكفار آيات الله البينات التي بها إثبات البعث والجزاء ويوم القيامة.
{قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ: نحن أم أنتم؟ خَيْرٌ مَقَامًا: أي خير استقرار ومكانة ومنزلة {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}: والندي هو المكان الذي يجتمع فيه القوم فيقولون نحن أحسنُ منكم من حيث الاستقرار ومن حيث المنازل ومن حيث مجتمع القوم.
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ (74)
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا} كم هنا للتكثير {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} يعني سبق كفار قريش قوم هم أحسن منهم من حيث الأثاث والمُتَع والمال وأيضًا أحسن منهم من حيث المنظر ومن حيث جمال وقوة الخِلقة ومع ذلك لما طغوا أبادَهم الله عز وجل.
﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا﴾ (75)
﴿قُلْ} يا محمد لهؤلاء {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} وذلك بأنه يُعطيه من هذه الدنيا ويكونُ ذلك استدراجًا له،
وقال بعض المفسرين كابن كثير رحمه الله: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ} هذه مما تسمى بآية المباهلة إذ فيها مباهلة بين المؤمنين وكفار قريش، أي: من كان على الضلالة فليمدده الله عز وجل ضلالة على ضلالته، وكما جرى فيما يتعلق من مباهلة بين المسلمين وبين النصارى في سورة آل عمران كما مر معنا، وكذلك ما يتعلق بالمباهلة التي بين المسلمين وبين اليهود في سورة البقرة وعلى كل حال مر ذلك مفصلًا.
{قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} ولعله والعلم عند الله وإن كانت الآية قد تدخل فيها ما يتعلق بالمباهلة إلا أن قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ} دل هذا على أن الأقرب من ذلك أنه استدراج لهؤلاء {حَتَّى} يعني بعد ما أُمهِلوا وأعطوا من هذه الدنيا
{إِمَّا الْعَذَابَ} يعني في الدنيا {وَإِمَّا السَّاعَةَ} يعني ما يكونُ في الساعة في يوم القيامة من العذاب {فَسَيَعْلَمُونَ} يعني حينها {مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا} لأنهم افتخروا بمقامهم وأيضًا افتخروا بالندي وهو مجتمع القوم والأنصار، وكما قال عز وجل كما قال عن هؤلاء:
{أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} فكان هنا الرد: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا}
﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا﴾ (76)
{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} ولعل هذا أيضًا مما يؤيد أن قولَه تعالى {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ} ليس للمباهلة، وإنما لاستدراج هؤلاء بإعطائهم النعم، فكما أمد هؤلاء بالضلالة وبالطغيان عن طريق التمتع، فذكر عز وجل هنا من أنه زاد أهل الإيمان {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} دل هذا على أن الحسنة تتبعها الحسنة، من أن من عمل خيرًا فإن الله عز وجل يفتح له أبواب خير أخرى قال هنا: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} وهذا يؤكد أيضًا من أن معتقد أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ومر معنا تفصيل ذلك في أولِ سورة الأنفال.
{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} جاء بعضُ الأحاديث من أنها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وعلى كل حال فالذي يظهر من أن الباقيات الصالحات تشمل: ما جاء في الحديث وتشمل كل عمل صالح، فكل عمل صالح فهو من الباقيات الصالحات
{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا﴾
{خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} يعني من أن صاحبها يُثابُ على تلك الباقيات الصالحات بأحسن ثواب ويكون مرده مردًا حسنًا كما قال عز وجل في سورة الكهف:
{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف:46] أي خير ما يؤمله الإنسان، فالعمل الصالح هو خير ما يؤمله الإنسان وخير ما يرجوه.
﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)﴾
{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} هذا استفهام للتعجب من حال هذا الذي كفر فإنه عز وجل لما ذكر جنس الإنسان من أنه قال كما قال تعالى {وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} ذكر هنا شخصًا وهو العاص الذي قال له بعض الصحابة لتعطينِ حقي، فقال هذا الكافر مستبعدًا قال: فإني إذا بُعثت فسيعطيني الله عز وجل المال وسأوفيك حقك، لما قال له لن أعطيك حتى تكفر بالله عز وجل فقال هنا {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} ومن تلك الآيات التي جاءت ببيان البعث والجزاء {وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} يعني كما أُعطيت المال والولد في الدنيا سوف أعطى ذلك في الآخرة، ولذا قال عز وجل: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}[سبأ:37].
{أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} استفهام للنفي، أَطَّلَعَ الْغَيْبَ؟ الجواب: لا، لأنه لم يطلع على الغيب {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} عَهِدَ اللهُ عز وجل له بذلك؟ الجواب: لا، ولذلك ماذا قال بعدها؟
﴿كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا(80)﴾
{كَلَّا} ليس الأمر كما قاله، فقال عز وجل: ﴿كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} مما قاله من ذلك القول ومن غيره {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} وَنَمُدُّ: أي نزيد له من العذاب، مَدًّا: زيادة على ما قاله وفَعَلَه {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} يعني هذا الذي يفتخر به من المال والولد سيموت وسيبقى فقال عز وجل {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} وقال بعض المفسرين: – ولا مانع من دخوله- {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} بمعنى: أن قوله هذا سيكونُ جزاءً له على هذا القول في يوم القيامة، يعني هذا القول سيكون وارثًا له فيتعذب به يومَ القيامة جزاء هذا القَول {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} كما قال تعالى:
{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الأنعام: 94].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)﴾
هؤلاء الكفار اتخذوا هذه الآلهة من أجل أن يستنصروا بها، ولذا كما قال تعالى عن هؤلاء:
{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: 3]
﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا} كلمة ردع وزجر، من أن هؤلاء لن يَنصروهم ولن يُعينوهم {سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} في يوم القيامة سيتبرؤون من عبادتهم ويكونون أعداءً لهم.
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾(83)
بمعنى أن الله عز وجل أرسل -بإرساله الكوني- وهذا يدل على أن الإرسال نوعان؛ إرسالٌ شرعي ديني كما أرسل الله عز وجل الأنبياء من أجل أن يبينوا للناس دينَهم،
وهناك إرسال كوني قدري كما في هذه الآية
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ أي: تدفعهم بقوة إلى المعاصي كما قال تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} [الأعراف:202] وكما قال تعالى في نفس السورة: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا}، فقال عز وجل هنا:
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾
﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)﴾
تسلية للنبي ﷺ ولأتباعه {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} يُعَدُّ لهم بالساعات وبالأيام فسيلاقون الله عز وجل، وسيُحشرون إلى الله عز وجل في يوم القيامة.
فقال عز وجل: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} {يَوْمَ} يعني: واذكر يوم أن نحشر المتقين إلى الرحمن وفدًا، (والوفدُ) كما قال العلماء: إنما يطلق على الوفد إذا قَدِمَ وهو راكب، دل هذا على أن انهم يقدمون على الله عز وجل وقد ركِبوا نجائب كما قال بعض المفسرين، أو بعض الدواب، فالشاهدُ من هذا من أنهم يحشرون إلى الله عز وجل من غيرِ أن يمشوا على أقدامهم وهؤلاء هم المتقون.
{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ} سَوْق يكونُ سَوقا بعنف وشدة {إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} يعني وهم عُطاش بمعنى أنهم في حالةِ حاجةٍ إلى الماء.
﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)﴾
{لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ} من؟ قيل: للكفار، وقيل: إن الضمير يعودُ على الجميع، ولعل هذا هو الأقرب لأن السياقَ السابق تحدثَ عن المتقين وعن المجرمين، يعني: لا يملكُ أحدٌ الشفاعة إلا بأمره عز وجل.
فقال عز وجل: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} ولا عهدَ لأحد بالشفاعة إلا إذا أذن الله للشافع أن يشفع، ورضاهُ عن المشفوع له -كما مر معنا في توضيح شروط الشفاعة- {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} وهذا لا يكونُ لهؤلاء المجرمين ولذلك قال عز وجل: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48]
﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)﴾
وهذا يشمل كفارَ قريش، ويشمل الذين قالوا إن الملائكة بنات الله، ويشمل النصارى ويشمل اليهود.
{لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} يعني شيئًا عظيمًا تفوهت به ألسنتُكم {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} يعني: يتشققن منه بسبب هذا الكلام {وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} يعني: أنها تسقُط لعظم هذه الكلمة، وهي كلمة الشرك، مما يدل على خطورة الشرك، ولا شك أن هذا من أعظم الشرك أن يُنسَبَ إلى الله الولد؛ ولذا هذه السموات مع عظمها فإنها تتفطر، والأرض تتشقق، والجبال تنهد بسبب ما قالوه من هذه الكلمة، ويدخل فيه قَول من يقول: أن الله عز وجل بسبب هذا الكلام يُفَطِّر السموات ويَشُق الأرض ويَهُد الجبال، ولا شك أن هذا القول لا يمكن أن يحصُلَ للسموات انفطارٌ ولا للأرض تشقق ولا للجبال انهداد إلا بأمر الله عز وجل فلا تعارضَ بين القولين.
{تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} لم؟ {أَنْ دَعَوْا}، أي لأجل {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا}.
﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)﴾
{وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} كلمة ﴿وَمَا يَنْبَغِي} إذا جاءت في النصوص الشرعية في كتاب الله وفي سنة النبي ﷺ كما في الحديث الصحيح: ” إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام” يقول ابن القيم رحمه الله: فإنه يستحيلُ أن تقع، فيستحيل وقوعها حِسًا وشرعًا.
فقال عز وجل: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} فكل من في السماوات ومن في الأرض عبيدٌ لله فكيف يكون أحدهم ولدًا لله.
{إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} العبودية هنا عبوديةٌ عامة تشمل الكافرَ والمسلم بخلاف قولِه تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63] عبودية خاصة تخص أهلَ الإيمان، وأعظم هؤلاء خصوصية في العبادة هم الأنبياء كما قال عز وجل عن نوح:
{إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء:3].
﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا(95)﴾
{لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} أَحْصَاهُمْ: إحصاءً دقيقًا، وَعَدَّهُمْ: من حيث العدد لأن الإنسان قد يُحصي الشيء ولا يكون وافيًا من حيث العدد لكن هنا {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} وإحصاؤه عز وجل لو لم تأتِ كلمة العدد فإحصاؤه يتضمن أنه أحصاهم من حيثُ الجملة ومن حيثُ العدد ومن حيثُ الأفراد.
{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} كما قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام: 94] لا مال ولا أولاد وما شابه ذلك من متع الدنيا.
قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:88-89].
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ (96)
فهنا إثبات صفة المحبة لله عز وجل بما يليق بجلاله وبعظمته فإنه عز وجل يحب أوليائه، ولذلك في الحديث الصحيح: ” إن الله عز وجل إذا أحب عبد نادى جبريل فقال: إني أحب فلان فأحبب فلان، فيحبه جبريل فينادي أهل السماوات إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القَبول في الأرض”
﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ (97)
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ} يعني هذا القرآن {بِلِسَانِكَ} يعني بلغتك {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} بالخير وبالثواب {وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} وهم القوم الذين هم أصحاب الخصومة ولذا قال ﷺ كما جاء في الصحيح: «إن أبغض الناس عند الله الألد الخَصِم» يعني الذي يكثر الخصومةَ والجدال.
ولذلك ثبت كما عند أحمد ” ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل” ثم قرأ:
{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا} [الزخرف: 58]
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ (98)
{وَكَمْ} كم هنا خبرية للتكثير {وَكَمْ أَهْلَكْنَا} من باب التسلية للنبي ﷺ، ومن باب التحذير لكفار قريش ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} يعني هل تجد عَيانًا أحدًا منهم؟
{أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} أي هل تسمع لهم أيَّ صوت ولو كان صوتًا خفيفًا؟ الجواب: لا، بمعنى أن الله عز وجل أهلَكهم وأبادهم فلم يُبقِ أعيانَهم ولم يُبقِ لهم حتى الصوت، ولو كان خفيضًا.
وبهذا ينتهي تفسير سورة مريم