بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير {سورة المؤمنون} من الآية 51 إلى آخر السورة
فضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله ربِّ العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماَ كثيراَ إلى يوم الدين أما بعد:
﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ(52)﴾
كنا قد توقفنا عند قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ أمر الله عز وجل الرسل عليهم السلام أن يأكلوا من الطيبات، كما أمر الله عز وجل أهل الإيمان أن يأكلوا من الطيبات:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾(البقرة:172) وهذا يدل على أن الأكل الطيب الحلال يعين العبد بإذن الله عز وجل على العمل الصالح، ولذا لما قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾ قال بعدها ﴿ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ ولذا النبي ﷺ كما عند مسلم:
“ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ “.
﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ وقد أحاط الله عز وجل بكل ما يعمله الخلق ومن هؤلاء هم الأنبياء.
﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ الأمة هنا هي العقيدة كما مر معنا في آواخر سورة الأنبياء:
﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فاعبدون ﴾(الأنبياء:92)، وأمر الله عز وجل أن يكون الناس كلهم على ملة التوحيد ﴿وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فاتقون﴾ أمرهم بتقوى الله عز وجل وذلك لأن تقوى الله عز وجل لا تتم إلا بالتوحيد وبالتمسك بالتوحيد.
﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾(53)
﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا ﴾ لكن مع ما أمر الله عز وجل به من أن يكونوا جميعاً على التوحيد إلا أنهم جعلوا هذا الدين فِرَقاً وأحزاباً، ولذلك قال ﴿ زُبُرًا ۖ﴾ يعني أنهم قطَعوا دين الله كما قال عز وجل في أواخر سورة الأنبياء: ﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ ( الأنبياء:93) ومن ثَم فإن مثل هذا يشمل أصحاب الفرق المبتدعة الذين خرجوا عن طريق الله عز وجل والذين قال فيهم النبي ﷺ كما ثبت في السنن:
” ستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: ماهي يا رسول الله؟
قال: على مثل ما أنا عليه وأصحابي ” وفي رواية ” قال: الجماعة “.
﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ كل حزب وكل طائفة فرِحَة بما عندها من العلم، تقول الحق معي فتكفِّر كل فرقة الفرقة الأخرى، وهذا يدل على أن الأمة لا يمكن أن تكون لها قوة إلا إذا اجتمعت على التوحيد،
أما ما يُقال – وقد ذكرنا ذلك مرارا وبينَّا ذلك وحذرنا منه – من أن يُقال أهلُ السنة يجتمعون مع أهل البدع من أجل نُصرة الدين!
فإنه لا يمكن أن يتم اجتماع ولا يتحقق نصر ولا يتحقق للمسلمين مكانة إلا إذا اجتمع الجميع على ملة الإسلام على ملة التوحيد، لا خرافات ولا أهواء ولا حزبيات ولا جماعات.
﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)﴾
﴿ فَذَرْهُم ﴾ وهنا أمر للتهديد أي اتركهم ﴿َغمْرَتِهِمْ ﴾ يعني في غفلتهم وفي جَهالتهم، ﴿حَتَّىٰ حِينٍ﴾ يعني إلى حين ما يَنزِلُ بهم عذاب الله عز وجل.
﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾
{نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ}: كلا {بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ بل هو استدراج ولذا قال تعالى: { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [آل عمران: 178]
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ(61)﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ هذا هو الصنف الذي أراد وجه الله عز وجل وأراد رضا الله، ﴿مُشْفِقُونَ﴾ هم من خشية الله مشفقون، يعني: أنهم خائفون
وهذا يدل على أن من أشفق من خشية الله دل هذا على أنه من أهل العلم وليس من أهل الجهالة كحال أولئك السابقين ﴿ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ وهم أصحاب علم، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ . ( فاطر 28)
﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ هذه هي الصفةُ الأولى.
والصفة الثانية: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ بكل آيات الله عز وجل الشرعية كهذا القرآن، وكذلك الكونية من آيات في السموات وفي الأرض.
الصفة الثالثة: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ﴾ مع هذا الإيمان لا يقعون في شرك لا في أكبر ولا في أصغر، لأن قوله ﴿ لَا يُشْرِكُونَ ﴾ يشمل الشرك الأصغر والأكبر.
الصفة الرابعة: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ يعني خائفة ﴿ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ ولذلك كما ثبت لما سألت عائشةُ رضي الله عنها النبي ﷺ عن هؤلاء؟
قالت: يا رسول الله ” أهم الذين يشربون الخمر ويزنون؟ قال لا يا ابنة الصديق ولكنهم قوم يتصدقون ويخشون ألا يُتقبل منهم “.
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}
لأن يومَ القيامة هو ماثل أمامَ أعينهم ويستحضرون ذلك كما قال تعالى:
﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ۗ﴾. (الشورى 18)
والصفة الخامسة: ﴿أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ يعني مع أنهم يسارعون إلى الخيرات أيضا يسبقون غيرهم، دل هذا على أنهم يسارعون إلى كل عمل طيب ويسبِقون غيرَهم إلى هذا العمل.
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾(62)
﴿ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ يعني مع ما أتوا به من تلك الأعمال العظيمة فالله عز وجل لا يكلف نفسا إلا وسعها، ومر معنا ما يتعلق بالتكليف، وهل يُطلق على الشرع من أنه تكليف؟
مر هذا مفصلاً عند قوله تعالى: ﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ ( البقرة 233)
﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ﴾ هو كتابُ الأعمال كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (الجاثية 29) ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ بمعنى أن ما عمِلوه هو مكتوب في كتاب الأعمال.
﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾(63)
هذا يعود إلى الصنف السابق الذين قال الله عز وجل عنهم: ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾
قال هنا: ﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَٰذَا ﴾ يعني في غفلة وفي جَهالة عن هذا القرآن وعن ما جاء به من الحق، ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَٰلِكَ ﴾ أي: من دون الشرك ﴿ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ يعني سيعملون ذنوباً ومعاصي على الشرك بالله عز وجل
وقال بعض المفسرين: إن هذا السياقَ يعودُ إلى أهل الإيمان، ما هو؟ ﴿ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَٰلِكَ ﴾
يعني: أهل الإيمان، لكن السياق يدل على أن الأرجح أنه يكون إلى أهل الشرك والضلال.
﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ(67)﴾
﴿ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ ﴾ يعني هم استمروا واستمرت قلوبهم على الغفلة وعلى الأعمال السيئة إلى وقت أن جاءهم العذاب ﴿ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ ﴾ من أُترِف وانغمس في ملاذ الدنيا وأعرض عن دين الله ﴿حَتَّىٰ إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ﴾ يرفعون صوتهم بالصياح يريدون أن يُغاثوا، كما قال عز وجل: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)﴾( الأنبياء ).
﴿ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ ﴾ لا تستغيثوا ولا ترفعوا أصواتكم حالَ نزول العذاب فلن ينفعكم ذلك لأن وقت المهلة قد انتهى﴿ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ﴾ لا تُنصرون ولن يستطيعَ أحدٌ أن ينصركم ولن تستطيعوا أن تنصروا أنفسكم من عذاب الله.
﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ﴾ آياتُ الله تتلى عليكم وهي آيات القرآن، ولستم كحال أولئك الذين قال عنهم في الآيات السابقات: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾
﴿فَكُنْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ﴾ يعني على مؤخرة الأقدام ﴿ تَنْكِصُونَ ﴾ أي ترجعون وتهربون ولا تريدون أن تسمعوا هذا القرآن .
﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ قولُ جماهير المفسرين ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ أي بالحرم تتكبرون بالحرم وتزعمون أنه لكم وحدَكم، ولذا قال عز وجل:
﴿وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ ( الحج 25 )
وليس هو مخصوصاً بكم ولذا قال تعالى هنا: ﴿ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا﴾ من السمر
﴿تَهْجُرُونَ﴾ أي أنكم تتركون هذا القرآن وتهجرونه وتقولون الأقوالَ القبيحة، فأنتم استكبرتم بالحرم بسبب أنكم في الحرم ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ أي بسبب الحرم زاعمين أن الحرمَ لكم ﴿ سَامِرًا﴾ يعني تسهرون بالليل وتقولون في شرع الله وفي دين الله القولَ الباطل، وأيضاً تُعرضون عنه.
﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ(70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)﴾
﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ﴾ همزة الاستفهام قبل فاء العاطفة تدل على أن هناك جملة تناسب المقام
﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ﴾ بمعنى أنهم أعرضوا وقالوا في القرآن ما قالوا من القول القبيح فلم يدبروا القول، لم يدَبروا القرآن، ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ﴾ دل هذا على أنهم لو أنهم ادبروا وتدبروا القرآن لانتفعوا،
قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ (محمد:24)
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كثيرا ﴾ (النساء 82)
﴿أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ هل هذا سبب مقنع بأن يتركوا دينَ محمد ﷺ من حيث إنه أتاهم بما لم يأت آباءهم الأولين!؟ كلا! قد أتى آباءهم الأولين أتاهم إبراهيم وإسماعيل والرسول ﷺ ليس بدعاً من الرسل.
﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ يعني هم لا يعرفون محمداً ﷺ فينكرون حاله وينكرون صدقه وينكرون رسالته؟ كلا هم يعرفونه حق المعرفة ولذا كانوا يلقبونه بالصادق الأمين. ﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ هذا كلُّه من باب الإنكار عليهم.
﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ﴾ يقولون به جنون وهم يعلمون أنه من أعقل الناس
﴿بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ جاءهم بالحق وهو هذا القرآن وما فيه من الهدايات وما فيه من الإيمان
﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ ولم يقل الجميع ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ كرِهوا الحق ومن كره الحق فقد كفر، ولذا قال تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ ( محمد 9) فقال هنا ذاكراً الأكثر لأن هناك قلة من الكفار هم لم يؤمنوا كأبي طالب مثلاً خيفةً من أن يُعيّر من ان يُقال تركت دين آبائك.
﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ قال بعض المفسرين: هو الله؛ وقال بعض المفسرين: هو القرآن،
وعلى كل حال لا تعارض بينهما لأن القرآن من الله.
﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ لمَ؟لأن السماوات والأرض ما تقوم إلا بالعدل إلا بالتوحيد
﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ وأهواؤهم ما هي؟ هي الشرك بالله والفساد والذنوب والفواحش.
﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ﴾ وهو القرآن ففيه الشرفُ لهم لو أخذوا به ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ ( الزخرف 44)
﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ ﴾ وأضافه إليهم لأن محمدًا ﷺ أتى إليهم، ففيه شرفٌ لهم لو أخذوا به، لكن الموفق من وفقه الله ﴿ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِم مُعرِضُون﴾ للأسف أنهم معرضون عن هذا الذكر الذي به الخير لهم في الدنيا والآخرة لو عملوا به.
﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا ﴾ يعني يا محمد هل تسألهم خرجاً يعني مالاً على هذه الدعوة؟ الجواب: لا،
﴿فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ﴾ يعني ما أعطاك الله عز وجل خير، وما يكون لك في يوم القيامة خير، ولذلك قال:
﴿ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ لأن العبد قد يعطي الإنسان شيئاً فيوصَف بأنه باعتبار ما أعطى يوصف بأنه رازق، ولكنه لا يمكن أن يُعطي المخلوق شيئاً إلا بأمر الله والله الذي أمره أن يفعل هذا الشيء ولذلك قال:
﴿ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ وإنما يا محمد ﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ ما طلبتهم أجرًا ولا مالًا
﴿ وَإِنَّكَ ﴾ يعني أنك ما أتيتهم إلا من أجل أن تهديهم إلى الصراط المستقيم تبين لهم هذا الدين.
﴿وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ(77)﴾
﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ وهو صراط الله الذي لا اعوجاج فيه
﴿ وإن الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ ﴾ عن صراط الله عز وجل
﴿ لَنَاكِبُونَ ﴾ يعني أنهم مائلون ومعرضون.
﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ﴾ كما حصل لكفار قريش لما أصيبوا بالقحط والجدب قال ﷺ كما ثبت عنه: ” اللَّهمَّ اجعَلْها عليهم سِنينَ كسِني يوسُفَ”، فماذا قال عز وجل:
﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ﴾
مما نزل بهم من الجوع والقحط فانكشف عنهم، مع ذلك: ﴿ لَلَجُّوا ﴾ أي تمادوا ﴿ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ ﴾
في الطغيان والتجاوز فيما يُغضب الله عز وجل ﴿ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ يعني أنهم حيارى ويترددون، وهذا يدل على أن المصائبَ لم تفد هؤلاء، ولذلك قال عز وجل:
﴿ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ ( الأنعام 42)
وفي سورة الأعراف ﴿ لَعَلَّهُمْ يَضَرَّعُونَ ﴾ (الأعراف:94)
ومع ذلك قست قلوبُهم فدل هذا على أن هؤلاء لم تُفِد معهم هذه المواعظ.
﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ﴾ أي ما نزل بهم من عذاب في هذه الدنيا من قحط وما شابه ذلك
﴿فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ ﴾ ما خضعوا لربهم ﴿ وما يتضرعون ﴾ يعني ما يتضرعون حال ما نزل بهم بعد زوال المصيبة، وإلا فهم في حال الضراء يتضرعون إلى الله
﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ ( العنكبوت 56).
فقال هنا: ﴿ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ ﴾ بعد ما أزال عنهم هذا العذاب من القحط ﴿وما يتضرعون﴾ واستمروا على ذلك لأنه قال ﴿ حَتَّىٰ ﴾ حتى تدل على أن هناك شيئاً مرتبطاً بها في السابق
﴿ حَتَّىٰ ﴾ يعني استمروا على الإعراض ﴿ حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ وهذا هو يوم القيامة إن استمروا في الدنيا فإذا فُتح لهم باب عذاب شديد في يوم القيامة ﴿ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ يائسون.
ــــــــــــــــــــــــ
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(80)﴾
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ ﴾ يعني خلق لكم السمع
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ قليلٌ شكركم فأين شكركم؟ هذه مصادر للتلقي وللتعلم والاستفادة لكنهم أعرضوا ولم يستفيدوا من تلك الحواس
﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ ( الأحقاف 26)
فقال عز وجل هنا: ﴿ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تشكرون ﴾ ( النحل 78)
﴿ وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ يعني بثكم في الأرض والمرجع إلى الله: ﴿ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾
كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتشِروُن﴾ ( الروم 20)
﴿وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ أحياكم من العدم ويميتكم إذا انقضت آجالكم.
﴿ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ يدخل هذا في هذا، فيقصر هذا ويطول هذا، يأتي هذا بعد هذا.
﴿ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ يعني أنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل فيطول هذا ويقصر هذا، وهذه علامات تدل على قدرته عز وجل، فلماذا لا تؤمنون بالبعث؟!
فقال هنا ﴿أَفَلَا تَعقِلوُن﴾ أين عقولكم؟ فلم تتدبروا ما يكون في هذا الكون لتستدلوا بذلك على انه قادرٌ على إحيائكم بعد موتكم.
﴿ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(83)﴾
﴿ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ ﴾ يعني حالُهم كحال من طغى من السابقين، كما قال تعالى عن هؤلاء:
﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُهتَدوُن﴾ يعني على عقيدة سابقة، وفي الآية الأخرى ﴿ مُقْتَدُونَ﴾ ( الزخرف: 23-22)
فقال هنا ﴿ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ ﴾ مَن؟ هؤلاء ومن سبقهم قالوا: ﴿ قالوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ يعني يستبعدون ذلك، كيف حالنا إذا كنا في التراب وأصبحنا عظاماً
ولذلك قال عز وجل عنهم: ﴿ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ – أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ ۗ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ} ( سبأ:7-8 )
﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَٰذَا مِنْ قَبْلُ ﴾ فأين آباؤنا؟ ولذلك قال عز وجل:
﴿ فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ( الدخان 36)
﴿إِنْ هَٰذَا﴾ أي ما هذا ﴿ إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ يعني ما أتيت به يا محمد في هذا القرآن من ذكر البعث إنما هو أساطير الأولين يعني ما يقوله الأولون من القصص والخرافات وما شابه ذلك.
﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ(89)﴾
قل يا محمد لهؤلاء حتى تحاجهم فإنهم لن يستطيعوا أن ينكروا هذه الأمور: ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ جوابهم: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾ قل لهؤلاء: ﴿ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ حتى تعلموا أن من له في الأرض أنه هو الذي يستحق العبودية وهو قادر على أن يبعثكم يوم القيامة.
﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ ونصّ على العرش العظيم لأنه غيرُ مُشاهد وهو أكبر المخلوقات، ونصّ على السماوات السبع لأن السماء مرئية، فإنه لما ذكر ما يتعلق بالأرض ذكر هنا ما يتعلق بالعلو من السماء المحسوسة التي تُشاهد ومن العرش الذي هو غيرُ مُشاهد لنا وهو أكبر المخلوقات ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ أفلا تتقون الله عز وجل فتوحدونه.
﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ﴾ أي مُلك، الواو والتاء تُزاد للمبالغة، ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ﴾ وأثبتنا صفة اليد لله تعالى وفصلنا ذلك تفصيلاً في سورة المائدة ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ ( المائدة 64) وفي غيرها من الآيات.
﴿وَهُوَ يُجِيرُ﴾ يعني من حفظ أحدا فلن يستطيع أحدٌ أن يمسه بسوء
﴿وَلَا يُجَارُعليه﴾ يعني من أراد أحداً بسوء فلن يستطيع العالم كلُّه أن يحفظه من عذاب الله عز وجل.
ولذلك يقول ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ إن كنتم أصحابَ علم في هذه الآية وفي الآيات السابقات
﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾ قل يا محمد لهؤلاء ﴿ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ ﴾ كيف تُصرفون عن الحق كحال من أصيب بسحِر لأن من أصيب بالسحِر يُصرَف.
﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(92)﴾
﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ}: أتيناهم بالحق الذي هو هذا القرآن وما فيه من ذكر التوحيد وذكر الجزاء والحساب
﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ هم كذبة فيما زعموه من أنه أساطير الأولين، وكذبة في ما قالوه من نسبة الولد إلى الله ومن نسبة الشريك مع الله كما في الآية التي بعدها.
ولذلك قال بعدها: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ ﴾ وفيه رد على كفار قريش الذين جعلوا الملائكة بنات الله و رد على اليهود والنصارى.
﴿وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ﴾ كما تزعمون ﴿ إِذًا﴾ لو كان معه إله ﴿ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ﴾ كل إله يريد ما خلقه فيحصل من ذلك التنازع ﴿ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ بل أراد بعضهم أن يعلو الآخر وأن ينتصر عليه
فنزَّه الله نفسه ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ عما يكذبون، فليس معه إله، لمَ؟
لأنه لو كان معه إله لاختلَّ النظام، فنظام الكون سائر بتدبيرٍ من الله عز وجل، فنزَّه نفسه فالكون يجري بانتظام دل على أن الذي يدبره الله الواحد الأحد، لذا قال تعالى:
﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ (الأنبياء22) ، كما قال عز وجل:
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾ (الإسراء42)
كما في أحد القولين ومر تفسيرها، أي: لطلبوا منازعة الله عز وجل
﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾ ( الإسراء43 )
﴿عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ هو عالم الغيب والشهادة، الْغَيْبِ: ما غاب عن الناس؛ وَالشَّهَادَةِ: يعني ما يرونه،
ومن عنده علم الغيب والشهادة فهو الإله الواحد الحق الذي لا يستحق العبودية إلا هو، ولذلك قال:
﴿ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ تعالى الله عما يقولونه من هذا الشرك.
﴿قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ(96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)﴾
﴿ قُلْ رَبِّ ﴾ قل يا محمد ﷺ سائلاً ربك إذا نزل العذاب بهؤلاء، لأن الله عز وجل قال:
﴿ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ﴾ يعني في حياتك ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ ( غافر 77)
فقال هنا: ﴿ قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ﴾ يعني إذا رأيتني وأنا فيهم ما يوعدون من العذاب قال بعدها:
﴿ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي ﴾ وكرر كلمة ﴿ رَبِّ} من باب الثناء على الله والالتجاء إلى الله والإلحاح بالدعاء، ﴿رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ لا تجعلني مع هؤلاء بل نجني، ولذلك قال عز وجل عن نوح كما مر معنا: ﴿ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ ( المؤمنون 28)
﴿ وَإِنَّا عَلَىٰ أَنْ نُرِيَكَ ﴾ يا محمد ﷺ ﴿ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ﴾ نحن قادرون على ذلك لكن:
قد يتأخر العذاب لحكمة أرادها الله عز وجل بحيث لا يستأصلهم بالعذاب، أو بحيث يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا.
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي ﴾ يعني عليك أن تتعامل مع هؤلاء بهذه المعاملة لعلهم أن يرعووا
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ﴾ يعني ما فعلوه من سيئة ادفعها بالتي هي أحسن وهذا قبل نزول آيات الجهاد، ومر معنا ما يتعلق بذلك مفصلاً في الآيات التي تتعلق بهذا الأمر في قوله تعالى في أول سورة البقرة: ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ ( البقرة109)
فقال عز وجل هنا ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ نحن أعلم يعني بما يقولونه من الكذب الذي وصفوه وامتلأت ألسنتهم وأفواههم به.
﴿ وَقُلْ رَبِّ ﴾ يعني يا محمد ﷺ سلْ ربك أن ينجيك من الشياطين ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾ من وساوس الشياطين ﴿ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ ﴾ كرر الاستعادة مرة أخرى من باب الإلحاح والثناء على الله
﴿ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ يعني من أن الشياطين لا يحضرونني في أي شيء، ولذلك ثبت قوله ﷺ كما في صحيح مسلم: “إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ”
﴿ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ ومن ثَم فإن الإنسان يستعيذ بالله عز وجل من همزات الشياطين ومن حضور الشياطين فنحن بحاجة إلى مثل هذا الدعاء، الاستعادة والالتجاء إلى الله من شياطين الإنس والجن.
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)﴾
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ﴾ يعني هؤلاء مستمرون على معارضتك إلى أن يأتي الموت
﴿قَالَ﴾ من حضرته الوفاة ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾ وأتى في كلمة ﴿ارْجِعُونِ﴾ بنون التعظيم من باب الاستعطاف والاسترحام، بمعنى يريد أن يرحمه الله؛ وهذا أظهر من قول من يقول معنى ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾ يعني أنه عائد إلى الملائكة، لأن كلمة الرب تدل على أن الضمير يعود إلى الله.
{لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}: ﴿لَعَلِّي﴾ يعني عند الموت يتمنى أن يعود مرة أخرى، ﴿أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ يعني في دنياي، ولذلك قال عز وجل في سورة الأنعام عن هؤلاء:
﴿ يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ ( الأنعام 31)
فقال هنا: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)﴾
﴿ كَلَّا﴾ كلمة ردع وزجر ﴿ كَلَّا﴾ ليس الأمر كما يريد ﴿ إِنَّهَا كَلِمَةٌ﴾ مع أنه قال أكثر من كلمة
﴿ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي َعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ دل هذا على أن الكلام الكثير يصح أن يُطلق عليه كلمة، كما نقول كلمة التوحيد وهي:” لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله”
﴿ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ مجرد أنه يقولها لكن لن يحصل له ذلك
﴿ وَمِنْ وَرَائِهِمْ ﴾ أي من أمامهم ﴿ بَرْزَخٌ﴾ أي حاجز
﴿إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ أي يتعذبون في قبورهم إلى يوم يبعثون.
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ(104)﴾
فإذا بُعثوا كما قال تعالى بعدها: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ نفخ إسرافيل في الصور
﴿ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ لا أنساب بينهم، لا ينفع النسب إلا إذا كان النسب يجمعه مع صاحبه التُّقى، ولذلك قال تعالى: { يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ – إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89] ؛ ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)﴾ ( عبس )
﴿وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ ولا يسأل بعضهم بعضا، كما قال تعالى:
﴿ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا(10) يُبَصَّرُونَهُمْ (11)﴾ ( المعارج )
مع أنهم في بعض مواقف القيامة يحصل منهم سؤال فهذا يختلف باختلاف مواطن يوم القيامة.
﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ رجحت الحسنات على السيئات ﴿فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ فازوا بالمطلوب ونجوا من المكروه. ﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾ زادت السيئات على الحسنات ﴿فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾ وهذا يصدق على أهل الكفر لأن أهلَ الإيمان فإنهم وإن عُذِّبوا ولو أتوا بكبائر عظيمة فالمرد إلى الجنة كما هو معتقد أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج.
﴿ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ خسروا أنفسهم لأنهم عرَّضوها لعقاب الله عز وجل، خسروا أنفسهم كان لهم منزل في الجنة قال ﷺ: ” مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا لَهُ مَنْزِلَانِ : مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ } “.
{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ(104)﴾
﴿ تَلْفَحُ ﴾ أي تُحرق الوجوه ﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ﴾ لأن الوجه هو أعظم الأعضاء وأشرفها، ولذلك قال عز وجل ﴿ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ ( إبراهيم 50) ﴿ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ الكالح: هو الذي تقلصت شفتاه فظهرت أسنانه كما يفعل بعض الناس لما يأتي برأس الذبيحة ويشويها وإذا بالشفتين لهذه البهيمة الشفة العليا ترتفع والسفلى تنزل فتظهر منها الأسنان.
﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ(108)﴾
﴿أَلَمْ تَكُنْ﴾ استفهام إنكاري ﴿ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ فدل هذا على أنهم لم يكونوا كأهل الإيمان ﴿والذين هم بآيات ربهم يؤمنون﴾ وقال عز وجل في نفس السورة:
﴿لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُون (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)﴾ قال تعالى في الآيات السابقات: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ (90)
﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ بمعنى غلبتنا الملاذ والشهوات وما شابه ذلك فسببت لنا هذا الشقاء الذي كتبته علينا فيما قدرته علينا: ” فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ، وَأَجَلُهُ، وَرِزْقُهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ “
﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ واعترفوا بالضلال ﴿ وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ﴾
﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ وقد قال عز وجل:
﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ ( الأنعام 28) ولذلك ينادون مالكاً الذي هو خازن النار:
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ ( الزخرف 77)
وقال عز وجل عن هؤلاء وهم ينادون الملائكة: ﴿ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ (غافر50)
فقال هنا عن هؤلاء: ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾
﴿ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ خسّأهم الله عز وجل: ﴿ اخْسَئُوا فِيهَا ﴾ يعني اصمتوا على ذل وعلى هوان واحتقار ﴿ وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ يعني أبدا لا في هذا الأمر ولا في غيره.
﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)﴾
﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي ﴾ وهم أهل الإيمان ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ كان أهلُ الإيمان يدعون الله بالمغفرة والرحمة ويتوسلون إلى الله عز وجل بأنه خير الراحمين
﴿ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ﴾ استهزأتم بهم ﴿ حَتَّىٰ أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي﴾ يعني أنكم استمريتم على السخرية تلك السخرية بأهل الإيمان أنستكم ذكري
﴿ وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴾ يعني مع تلك السخرية تضحكون من أفعالهم، ولذا قال عز وجل:
﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ﴿29﴾; وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴿30﴾; وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ﴿32﴾; وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ﴿33﴾; فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾ من الذي يضحك؟ أهلُ الإيمان
﴿ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ﴿35﴾; هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [سورة المطففين]
هل وجدوا ثوابهم؟ نعم وجد أهلُ النار ثوابَهم.
﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا﴾ دل هذا ان على الإنسان أن يصبر على ما يلاقيه من أهل الباطل ومن السخرية به ﴿أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ الذين فازوا بالخير وبجنات النعيم.
﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115)﴾
﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ ﴾ استفهام للتوبيخ لهؤلاء: ﴿ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ كم سنة لبثتم؟
﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ وقد مر معنا من أن بعضَهم اختلف في كلامهم، بعضهم يقول ساعة وبعضهم يقول يوما وعشرة أيام. ﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ استقصروا المدة لأن العذاب عذاب مهين، ولذلك على أحد الأقوال التي مرت معنا ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ ( الحج47 )
﴿ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴾ يعني من يحصي ومن يعد كالملائكة.
﴿ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ يعني ما لبثتم إلا قليلا ﴿ لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ أن الدنيا قصيرة بالنسبة إلى هذا العذاب الطويل الذي أنتم فيه لما آثرتم الدنيا على الآخرة.
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ ﴾ هل تظنون ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ هذا يتنافى مع حكمة الله عز وجل، قال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴿36﴾; أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ ﴿37﴾; ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ ﴿38﴾; فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَوَالْأُنْثَىٰ ﴿39﴾; أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ(40)﴾ [سورة القيامة] بلى.
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا ترجعون﴾ ولذلك قال عز وجل:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ۗ﴾ ( الأنعام91 ) لا يترك الله عز وجل الناس من غير أن يرسل إليهم رسولا فلم يخلقهم عبثاً
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ ( الذاريات 56)
﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ(118)﴾
﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ تعالى الله له العلو المطلق، ومر معنا ما يتعلق بعلو الله عز وجل
﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ ﴾ انظر﴿ الْمَلِكُ ﴾ ، ﴿ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ ( غافر 16)
﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ ( الفاتحة 3)
{الْحَقُّ﴾ قال عز وجل: ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَٰنِ ۚ ﴾ (الفرقان26) وقال عز وجل: ﴿ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ ۚ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)37)﴾ ( الأنعام )
﴿لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾ لا معبود بحقٍ إلا هو لأنه هو الله هو الملك وهو الحق
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ ( الحج 62)
﴿رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ ووصف العرش بأنه كريم باعتبار ما خلق الله عز وجل فيه مما يدل على عِظم هذا العرش، ولذلك قال عز وجل عن هؤلاء لأنهم يقرون بالعرش: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾ فدل هذا على أن العرش وصف بالعظيم وبأنه كريم.
﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ ﴾ لا حجة له به، لأنه لا حجة له أصلاً وهذا من باب التقبيح لهم لأنه لا يمكن لأحد أن يأتي بدليل شرعي أو بدليل عقلي على أنه يجوز له أن يشرك بالله، ولذلك قال تعالى: ﴿ أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ﴾ ( الروم 35) وكما قال عز وجل: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ۗ﴾ ( الحج 71)
فقال هنا: ﴿فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ ومن يشرك بالله عز وجل حسابه عظيم، ولذلك قال: ﴿فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ۚ﴾ لأنه كافر ولذلك ختم الآية ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ انظر إلى أول الآيات في السورة:
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿1﴾الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿2﴾ إلى أن قال ﴿أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴿10﴾ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فيها خَالِدُونَ(11)﴾
﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ۚ﴾ قال عز وجل:
﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ﴾ ( المائدة 72).
﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ قل يا محمد ﷺ سائلاً ربك:
﴿ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ ﴾ اغفر وتجاوز وارحم ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ أنت خير من يرحم لأن المخلوق يرحم ولذلك قال ﷺ: ” ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” ، “من لا يرحم لا يُرحم ” كما ثبت عنه ﷺ
وتأمل حال أهل الإيمان: ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ هنا في آخر الآية وقل يا محمد ﷺ: ﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ ورحمته عز وجل وسعت كلَّ شيء.
وبهذا ينتهي الحديث عن تفسير سورة المؤمنون.