بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس المائة من الفقه الموسع – باب ستر العورة
لفضيلة الشيخ زيد البحري
ــــــــــــــــــــــ
ما يقال عند اللبس ـ الاهتمام بالمظهر ـ حكم لباس الشهرة ولبس السراويل
باب استحباب البدء باليمين عند لبس اللباس
يستحب في اللباس أن يُبدأ باليمين، فقد جاء عند أبي داود قوله ﷺ:
( إذا لَبِسْتُم ، وإذا توضَّأتُمْ ، فابدَؤوا بأيامنِكُم )
وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين:
” كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، في تَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وطُهُورِهِ، وفي شَأْنِهِ كُلِّهِ “
وزاد مسلم ( وفي سواكه) وفي رواية لأبي داود: ( ما استطاع )
” كانِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ.. وذُكِرَ الحديث ” فيستحب أن تكون البداءة باليمين.
ــــــــــــــــــــــ
ويستحب أن يقول الأدعية الواردة في اللبس
من بينها: ما جاء عند الترمذي وابي داود: أن النبي ﷺ إذا استجد ثوباً سماه باسمه قيمصاً أو عمامة وقال:
” اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ، وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ “
ــــــــــــــــــــــ
ومما ورد في أدعية اللبس مما يستحب قوله من اللابس: ما جاء عند أبي داود قال ﷺ:
مَن لَبِسَ ثوباً جديداً فقال: ” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ” وهو صحيح بدون زيادة ” وَمَا تَأَخَّرَ ” كما ذكر الألباني رحمه الله.
وجاء عند ابن ماجه: قول النبي ﷺ، مَن لبس ثوباً جديداً فقال:
” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي. ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ فِي كَنَفِ اللَّهِ ، وَفِي حِفْظِ اللَّهِ، وَفِي سِتْرِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا “. قَالَهَا ثَلَاثًا. ولكنه حديث ضعيف
وجاء عند الحاكم وقال: لا أعلم في أحد من رجاله جَرحاً:
قال: [هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَعْلَمُ فِي إِسْنَادِهِ أَحَدًا ذُكِرَ بِجَرْحٍ ]
“مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ثَوْبًا بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَيْهِ إِلَّا لَمْ يَبْلُغْ رُكْبَتَيْهِ حَتَّى يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ “
وهذا قول الحاكم وقد بحثت ولكن ليس ببحث طويل فما وجدتُ أحداً ذَكَر هذا الحديث أو علق عليه فهو يحتاج إلى بحث أكثر لكن البحث كان سريعاً أهو صحيح أم غير صحيح؟
لكن هذا قول الحاكم والعهدةُ على الحاكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومما جاء من الأدعية التي تقال لمن لَبس ثوباً جديداً:
ما جاء في صحيح البخاري: أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ، فَقَالَ: (مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ). فسكت القوم، فقال: (ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ) فَأُتِيَ بِهَا تُحمل، فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا، وَقَالَ: (أَبْلِي وَأَخْلِقِي). وَكَانَ فِيهَا عَلَمٌ أَخْضَرُ. فقال لما رأى فيها خطوطاً جميلة: ” يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَاهْ “
وكلمة ” سَنَاهْ ” عند أهل الحبشة: أي جميل وحسن.
فالنبيُّ ﷺ دعا لها بطول العمر، أن تبقى إلى أن يَبلى هذا الثوب ويَخلُق. (أَبْلِي وَأَخْلِقِي).
ــــــــــــــ
وجاء عند ابن ماجه: ” أَنَّ النبيَّ ﷺ رأى علَى عمرَ ثوبًا فقالَ : أجَديدٌ هذا أم غسيلٌ ؟ قالَ: بل غسيل، فقالَ : البَس جديدًا ، وعِش حميدًا، ومت شَهيدًا “
وهذا من باب الدعاء أن يقال لمن رؤيَ عليه ثوب جديد .
ــــــــــــــ
وقد جاء عند أبي داود: أن الصحابة رضي الله عنهم إذا رأى أحدُهم على الآخر ثوباً جديداً قال:
” تُبْلي وَيُخْلِفُ اللَّهُ “
الشاهد من هذا: الكلمة الأخيرة، فإن في هذه الدعوة دعاءً له بأن يخلف الله عليه ثمن هذا الثوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[باب استحباب اهتمام المسلم بمظهره]
فقد حرَّص النبي ﷺ على أن يكون المسلمُ في أحسن هيئة ولذا عند أبي داود:
” أنَّ النَّبيَّ ﷺ رأى رجلًا ثائرَ الشَّعرِ فقالَ : أما وجدَ هذا ما يُسَكِّنُ بهِ شعرَهُ “
ورأى رجلا آخر وعليه ثوب متسِخ فقال: ” أما كان هذا يجد ماءً يغسل به ثوبَه “
وفي المقابل نهى النبي ﷺ عن كثير الإرفاه، والأحاديث التي تدل على هذا مرت معنا، ولذا أحب النبي ﷺ أن يُظهِرَ العبدُ أثَرَ نعمةِ الله عليه، لكن جاء عند أبي داود: أن النبي ﷺ قال:
” مَن تَرَك أن يَلبَسَ صالِحَ الثِّيابِ وهو يَقدِرُ عليه؛ تواضُعًا للهِ تبارك وتعالى، دعاه اللهُ على رُؤوسِ الخلائِقِ حتى يُخَيِّرَه في حُلَلِ الإيمانِ أيَّتَهنَّ شاء “
وهذا قد يناقض ما سبق، ولذا قال بعض العلماء:
إن هذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص:
فقد يكون لُبسُ صالح الثياب في حق شخص مدعاة إلى الكِبْر، فيكونُ تَرْكُه لِلُبْسِ أجملِ الثياب خيراً له،
وقد يكون باختلاف الأحوال، كأن يلبس ثياباً جميلة لكن إذا كان مُجالساً لفقراء أو مارًّا بهم لَبِسَ من قليل الثياب حتى لا يكسر قلوبهم،
وقال بعض العلماء: إنه محمولٌ على الثياب الفخمة جداً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[باب في لباس الشهرة]
وجاء عند أبي داود وابن ماجه: أن النبي ﷺ قال:
” مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِى الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارًا “
وجاء عند ابن ماجه:
” مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى يَضَعَهُ مَتَى وَضَعَهُ ” لكنه ضعيف
ولباس الشهرة هو: أن يُلفِتَ أنظارَ الناسِ إليه، بأن ترتفع أبصارُهم إليه من باب الاستنكار والتعجب.
وثوبُ الشهرة لا يصدق على الجميل بل قد يصدق على الثوب الخَلِق القبيح، فمتى لبس لباس شهرة، سواءٌ كان هذا الثوبُ رفيعاً أم وضيعاً فإن الحديث يصدق عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[باب ما جاء في لبس السراويل]
أيضاً/ مسألة السراويل:
جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ: ” نهى المحرم أن يلبس السراويلات “
وقد جاء عند أحمد وابن ماجه: أن النبي ﷺ قيل له: ” يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلَا يَأْتَزِرُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ “
ــــــــــــــــــ
وجاء عند الخمسة الذين هم أحمد وأهل السنن: أن النبي ﷺ اشترى سراويل
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: ما اشتراها الا ليلبسها.
ومن ثم: اختلف العلماء ألبسها ﷺ أم لم يلبسها؟
جاء عند أبي يعلى الموصلي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن أبا هريرة قال للنبي ﷺ: أتَلْبَس السراويل؟
قال: ” أَجَلُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنِّي أُمِرْتُ بِالسَّتْرِ فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَسْتَرَ مِنْها “
وهذا لو صح كان فيصلا لكنه حديث ضعيف جدا
ولذا قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار: لم يأت دليل صحيح أن النبي ﷺ لبسها، إنما الدليل الصحيح جاء في شرائها
ولذا قال بعض العلماء كما نقله الشوكاني، قالوا: إن ما ذكره ابن القيم في زاد المعاد سَبْقُ قلم.
تنبيه: وأيضا ذكرت في مسائل اللباس ما جاء عند مسلم: أن عائشة رضي الله عنها قالت:
” خرج رسول الله ﷺ وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل ” وهذه رواية الجمهور
يعني: عليها صورة الرَّحل الذي يكون على ظَهْرِ البعير، وضبط عند البعض ” مُرَجَّل ” وأنكِرَت هذه اللفظة، لأنهم قالوا: إن المرجل ما كان على صورة الرجال
ولو أثبتت لما كان هناك ضير، لأن تخصيص المرجل بصورة الرجال غير لازم، بل قد يكون من الترجيل الذي هو التسريح بدلالة ما بعدها ” عليه مِرط مرحل مِن شعر أسود “
والمرط: هو كساء يتزر به، ويصدق عليه اسم الإزار.