الدرس ( 103 ) شروط الصلاة ـ اجتناب النجاسة( 2)( صلى على نجاسة بينهما حائل طاهر ـ جبر عظمه بعظم نجس )

الدرس ( 103 ) شروط الصلاة ـ اجتناب النجاسة( 2)( صلى على نجاسة بينهما حائل طاهر ـ جبر عظمه بعظم نجس )

مشاهدات: 475

بسم الله الرحمن الرحيم

باب اجتناب النجاسة

الدرس (103) من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: [لو صلَّى على نجاسة بينه وبينها حائل طاهر، كمن طيَّن أرضاً نجسة فصلى عليها، أو فرَشَ بِساطاً طاهراً على أرض نجسة فما حكم صلاته؟]

الجواب: الصلاةُ صحيحة، لكن اختلف العلماء: في الحكم المترتب على هذا الفعل؟

فالمشهور من المذهب: أن هذا الفعل مكروه؛ وذلك لأنه اعتمد على ما لا تصح الصلاة عليه، فاعتماده على ما لا تصح الصلاة عليه يوقعه في المكروه،

 ولو قيل لهم: لمَ لمْ تبطلوا صلاته؟

قالوا: لأنه لم يحمل النجاسة ولم يلاقِها.

 ولو دخل عليهم داخل فقال: لو أن شخصا يصلي على أرض صغيرة في طرفها نجاسة، وصلى وهو لم يلاقِ هذه النجاسة، أصلاته صحيحة؟ فيقولون: نعم.

أو صلى على بساط في وسط هذا البساط نجاسة، إذا سجد لم يلاق هذه النجاسة وإنما هي بين رجليه إذا سجد أتصح الصلاة؟  قالوا: نعم تصح الصلاة؛ لأنه لم يحملها ولم يلاقِها.

القول الثاني: أن صلاته صحيحة بدون كراهة، والدليل هو عدم الدليل على الكراهة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: ما حكم الصلاة على البساط؟

الجواب عن هذا: اختلف العلماء في هذه المسألة:

القول الأول: يكره الصلاة على البساط.

 بل قال بعض العلماء: يكره الصلاة على غير الأرض وما خُلِقَ منها.

 

القول الثاني: تجوزُ الصلاة على البساط؛ والدليل ما جاء في الصحيحين أن النبي كما في حديث أنس” صلى على حصير” وجاء في رواية في الصحيحين: “ونُضِحَ بسَاطٌ لَنَا فصلَّى عَلَيْهِ “

وهُنا فيه تسمية الحصير بأنه بساطا؛ وذلك لأنه يبسط على الأرض.

 

 بل قال معظم العلماء: إن الصلاة على الحصير مستحبة؛ وذلك لفعله .

 

ولو قال قائل: جاء عند أبي يَعلى الموصلي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: ” لم يصل النبي على حصير” قال العراقي: رجاله ثقات، فما الجواب عن هذا؟

الجواب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أنه حديث ضعيف لشذوذه؛ فإنه خالف ما جاء في الصحيحين، والشذوذ علّةٌ تجعل الحديث ضعيفا.

الوجه الثاني/ لو صح هذا الحديث لقلنا إن هذا منتهى علم عائشة -رضي الله عنها- وقد علم غيرُها كأنس بل حضر أنس والقاعدة [إن من علم حجة على من لم يعلم] والقاعدة الأخرى [أن المثبت مقدم على النافي] فهي نفت وأنس -رضي الله عنه- أثبت.

 

ولو قال قائل: هذا هو القول في البساط أو الحصير، فما القول في الخمرة؟

ج/ الخمرة هي مصنوعةٌ من النخيل، على قدرِ ما يسجد عليه المصلي.

 وقال بعضُ العلماء: على قدرِ ما يكون لجبهته وأنفه، فإذا زاد عن هذا الحد خرج عن مسمى الخُمرة إلى مسمى الحصير أو البساط، شريطةَ أن يكفي لجسده، فقد جاء في الصحيحين من حديث ميمونة -رضي الله عنها- “أن النبي كان يصلي على الخمرة” وجاء أيضا في الصحيحين “أن النبي أمر عائشة ان تناوله الخمرة من المسجد”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولو قال قائل:

ما حكم لو صلى الإنسان على حصر بعضها على بعض أو على سجادات بعضها على بعض؟

الجواب عن هذا: أن أبا الدرداء -رضي الله عنه-

” قَالَ: مَا أُبَالِي لَوْ صَلَّيْت عَلَى خَمْسِ طَنَافِسَ ” وفي رواية: ” سِتُّ طَنَافِسَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ “

والطنافس: هي السجاجيد، فمن هذا يجوز للإنسان أن يصلي على بسط بعضها على بعض ولو كثرت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة عابرة وهي: لو كانت المرأة حذاء الرجل، أي بجانبه، فصلى وهي ليست في صلاة:

 فإن مذهب أبي حنيفة ان صلاته غير صحيحة، بمجرد جلوسها حذاء المصلي فإن صلاته باطلة ولو لم تصل مؤتمة به، ويرد على هذا بما ذكرناه في قصة ميمونة أنها كانت حذاء النبي فكان يصيبها ثوبه إذا سجد، فهذا رد على أبي حنيفة.

عن ميمونة رضي الله عنها في قصة أخرى كما في الصحيحين:

” عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ وَأَنَا حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ “.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل، ما ذكرا الفقهاء:

مسألة: [لو أن إنساناً جُبَّر عَظْمُهُ أو عضوٍ منه بعظم، أو بعضوٍ نجس، أو خِيطَ جِلدُه أو جُرحُه بخيط نَجِس فما الواجب عليه؟]

ج/ الواجبُ عليه: أن يزيل هذا العضو أو هذا الخيط النجس، شريطةَ ألا يكون هناك ضرر،

 فإن حصل ضرر؟ فإنه لا يجبُ خَلْعُه ولا إزالتُه؛ وذلك لأن القاعدة الشرعية تقول [الضرر ُيزال] ولا شك أن وجود النجاسة في بدن الإنسان ضرر، فتأتي هذه القاعدة فتوجب إزالتَه، إلا إذا كان هناك ضررٌ يترتب على إزالته، تأتينا القاعدة الأخرى [الضرر لا يزال بضرر] وكلُّ هذا مبني على قول النبي   كما عند ابن ماجه وغيره: ” لا ضررَ ولا ضِرارَ “، وفي رواية: ” لا ضَرَرَ ولا إضْرارَ “

وهذا القول منه عدَّه العلماء قاعدةً كبرى، وفُرِّع من هذا الحديث قواعد شتى.

 

 فإذا قيل إن هناك ضرر بإزالته؟ فيقال: يبقى على ما هو عليه،

 لكن إذا أراد أن يصلي ماذا يصنع تجاه هذه النجاسة؟

اختلف العلماء في هذا على قولين:

القول الأول: يجب عليه أن يتيمم لهذه النجاسة؛ وذلك لأن النجاسة تُزال بالماء، وهذه النجاسة لا يمكن أن تزال بالماء؛ لأنها نجاسةٌ عينية وليست نجاسة حكمية، فالماءُ لا يزيلها، فإذا كان لا يزيلها يأتي البدل، ما هو بدل الماء؟ التراب، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، ولذا قال الله عز وجل بعد ما ذكر آية الوضوء وذكر في ثناياها صفة التيمم في سورة المائدة قال عز وجل:

 {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} ] المائدة -6[

فيكون التيمم بمثابة المُطهر لهذه النجاسة.

 

القول الثاني: لا يتيمم، وهو اختيار شيخ الإسلام -رحمه الله- والدليل على هذا القول هو عدم الدليل،

 فلم تأت الشريعةُ بوجوب التيمم عن النجاسة، ولأن التيمم لمَّا ذُكر في قوله تعالى في آية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ] المائدة -6[

فإن التيمم إنما ذُكِر في طهارة الحدث لا في طهارة النجاسة

 فالتيممُ من خلال ما ذُكِر في هذه الآية لا يكون إلا عن طهارة حدث، فإذا لم يجد الماء لغسل أعضاء الوضوء، أوجده وكان في استعماله ضرر عليه؟ يعدل إلى التيمم،

 أما تطهيرُ النجاسة فلم يرد في الدليل ما يُشير إليه، وهذا هو القول الراجح.

وأما بقاءُ النجاسة وهي عليه: فإنه معذور في مثل هذه الحال لقوله تعالى:

{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ]التغابن:16[، ولقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ] البقرة :286[

ولقوله تعالى: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} ]البقرة:233[

ولقول النبي ﷺ: ” إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ “.