بسم الله الرحمن الرحيم
[ باب نواقض الوضوء]
شرح كتاب: منهج السالكين ـ كتاب الطهارة الدرس ( 11 )
من باب المسح على الخفين حتى كتاب الصلاة
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد..
باب نواقض الوضوء: [ وهى: الخارج من السبيلين مطلقاً، والدم الكثير ونحوه، وزوال العقل بنوم أو غيره، وأكل لحم الجزور، ومس المرأة بشهوة، ومس الفرج، وتغسيل الميت، والردة: وهى تحبط الأعمال كلها.
لقوله تعالى: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء } [المائدة:6]
وسئل النبي ﷺ: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ فقال : نعم” رواه مسلم .
وقال في الخفين: “ولكن من غائط وبول ونوم” رواه النسائي والترمذى وصححه ]
الشرح/ نواقضُ الوضوء: يعني مُبطلات الوُضوء، فالوضوءُ له نواقض، مِن بينها كما ذَكَر المصنف رحمه الله: [ الخارج من السبيلين مطلقا ] يكونُ ناقضًا للوضوء.
والسبيلان هما: القُبُل والدُّبُر، فلو خَرَج بول أو غائط أو حصاة أو دود أو سائل أو دم، وكان متوضئاً فإن وضوءَه يبطُل.
إذًا: الخارج مِن السبيلين مطلقا، فكلُّ ما خَرَجَ مِن السبيلين يُعَدُّ ناقضا مِن نواقض الوضوء، حتى لو خرجت ريح مِن الذَّكَر، فإنَّ الصواب مِن قولَي العلماء: أنها مبطلة للوضوء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ والدم الكثير ونحوه ] نحو الدم الكثير: القيء، لو تقيأ كثيرا بطَلَ وضوؤه،
والمقصود من خروج الدم الكثير: خروجه مِن غيرِ السبيلين،
لأن الخارجَ من السبيلين قلَّ أم كَثُرَ مُبطِل للوضوء،
أما هذا فيقول: إذا كان دما كثيرا أو ما يشابهه: فلو خَرَجَ مِن البدن مِن غير السبيلين دمٌ كثير أو قيءٌ كثير أو قيحٌ كثير أو أيُّ خارجٍ آخَر: فإنه مُبطِلٌ للوضوء، وهذا على أحدِ أقوالِ العلماء، ويستدلون على ذلك:
بأن الرسولَ ﷺ كما عند الترمذي: ” قاء فتوضأ “.
والصواب: أنَّ الدمَ الكثير ونحوَه مما يخرُجُ مِن البدن أنه غيرُ ناقِضٍ للوضوء،
لأن فِعلَ الرسول ﷺ لما ” قاء فتوضأ” هذا فِعلٌ على وجهِ الأكمل وليس على سبيل الوجوب،
لأن فِعلَه ﷺ المجرّد لا يدلُّ على الوجوب.
ومما يدل على أن الدمَ الكثير لا ينقُض الوضوء:
” أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يصلون في جُروحاتهم ” وكان الواحدُ منهم يخرُجُ منه الدمُ الكثير وهو يصلي ومع ذلك ما كان يقطعُ صلاتَه، فدل على: أن الدمَ الكثيرَ لا ينقُضُ الوضوء،
وغيرُه مِن باب أولى مما هو خارجٌ مِن البدن مِن غير السبيلين.
ــــــــــــــــــــــــــ
[ وزوال العقل بنوم أو غيره ] إذا زال العقل بجنونٍ أو بإغماء أو بغيبوبة أو بِشُربِ مُسْكِر أو بِشُربِ دواءٍ مُباح فأذهَبَ عقلَه: فإن وضوءَه يبطُل ويلزمُه أن يتوضأ إذا أفاق.
والمؤلفُ رحمه الله هنا أطلق، حتى ذَكَرَ النوم، والصواب مِن أقوال العلماء:
أن النومَ إذا كان كثيرا: يُبطِلُ الوُضوء، أما إذا كان قليلا: فإنه لا يُبطِلُ الوضوء،
فالنبيُّ ﷺ جاء عنه في أحاديث أن النومَ مُبطِلٌ للوضوء، كقوله ﷺ: ” مَنْ نام فليتوضأ “
وجاءت أحاديث تُبيّن أن الصحابةَ -رضي الله عنهم- كما في صحيح مسلم وفي سنن أبي داود وفي غيرِهما، من مجموع ما جاء: ” أنه كان يخفِق رأسُ أحدِهم قبلَ صلاةِ العشاء، كانت تخفِقُ رؤوسُهم مِن النوم “
وفي رواية: ” كانوا يضعون جنوبَهم فيقومون فيصلون مِن غيرِ وضوء “
فهذه الأحاديث تعارَضَت، منها ما أوجَبَ الوضوء ومنها ما لم يُوجِب الوضوء؛ فيكونُ الجَمْعُ بينها:
أن النومَ الكثير مُبطِل للوضوء، بينما النوم اليسير لا يُبطِلُ الوضوء، هذا هو الجَمْعُ بين القولَين.
وضابطُ النومِ القليل: -على أصح ما ذُكِرَ من أقوالِ العلماء- أنه النوم الذي لا يذهَبُ معه شعورُ المسلم النائم، فلو كان نائما وكان يسمعُ أصواتا حولَه، لكنه مِن نومِه لا يتحقق مِن كلماتهم ومما يقولون، لا يُدرِك ذلك، هو يقول: أنا أسمعُ أصواتا ولكني لا أُدرِك ما يقولون، هذا هو النومُ اليسير.
بينما إذا ذهب شعورُه فلم يعرِفْ ما يجري حولَه وما يدورُ حولَه فإنه: هو النومُ الكثير،
ويدلُّ لذلك ما جاء في الصحيحين قوله ﷺ:
” إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ “
ماذا قال؟ ” فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ “
دَلَّ على أنه نائم لأنه لا يدري ما هو حالُه، فدل على أنه لو كان يدري مع وجود النوم الخفيف، دل على أنه غيرُ مُستغرِق، وأنَّ هذا هو النومُ اليسير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[وأكْل لحمِ الجَزور] نصَّ المؤلفُ رحمه الله هنا على اللحم، لأن هناك قولا وهو قولُ (الحنابلة) يقولون:
بأن الناقضَ للوضوء هو اللحم فقط، لحم الجَزور فقط الذي هو لحمُ البعير؛ وأما ما عدا ذلك مِن أجزاءٍ تكونُ في البعير مِن شحمٍ ومِن كِلْيَةٍ ومِن كَبِدٍ وما شابه ذلك: فإنه لا ينقُضُ الوُضوء.
والصواب: أن الجميع ينقض الوضوء، لم؟
لأن الرسول ﷺ ذَكَرَ اللحمَ لأنه هو الغالب، لأن غالب ما يأكُلُه الإنسان هو اللحم، وغالب ما يكونُ في الجَزور هو اللحم.
وأما شُربُ لبنِ الجَزور: فإن السُّنَّةَ في حَقِّ مَن شَرِبَه أن يتوضأ، وليس بواجب، لأن الرسول ﷺ كما جاء في الصحيحين: لما أتى ذلك الوفد الذي أصابَهم مَرضٌ في بطونِهِم، أمَرَهُم أن يشربوا من أبوال وألبان الإبل ولم يأمُرْهُم بالوضوء، فدل على أن اللبنَ مُتسامَحٌ فيه،
لكن السُّنَّة أن يتوضأ: لأن النبي ﷺ لما سأله أعرابي: ” أأتوضأ من لحوم الإبل وألبانها؟ قال: نعم “
هذا هو المندوب.
ويدخُلُ في ذلك المَرَق إذا ظهرت رائحةُ اللحم: والأحوط في ذلك أن يتوضأ، لماذا؟
لأن المرقَ له تأثير في تحلُّل اللحم، ولذلك الرسول ﷺ قال لأبي ذَر -رضي الله عنه-:
” يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ “
فدل على أن السائلَ الموضوع في المرق أن له طعما وأثرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ ومسُّ المرأة بشهوة ] ويستدلون على هذا الناقض بقوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء}
فإذا لَمِسَ المرأة بشهوة سواءً كانت زوجتَه أم لم تكن، إذا كان بشهوة فإنه ناقضٌ للوضوء، وهذا هو مذهب الحنابلة في المشهور عنهم.
والصواب: أن مس المرأة بشهوة أو بدون شهوة لا ينقض الوضوء، لأن قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} ليس المراد منه اللمس المُجَرَّد وإنما المقصود منه الجماع، لمَ؟
لأن الرسول ﷺ ” كان يُقبِّلُ بعضَ نسائه ثم يخرجُ إلى الصلاة ولا يتوضأ ” وهذا الحديث صححه بعض العلماء وضعفه آخرون، ويؤكد هذا الحديث ويقرر معناه وحكمَه:
” أن الرسول ﷺ كان يصلي وفي قبلته عائشة -رضي الله عنه- وكان البيتُ ضَيِّقًا، فكان إذا أراد أن يسجد غَمَزَ رِجلَها وهو يصلي، فرفعت رِجلَها فإذا قام مِن السجود مَدّت رِجلَها “
فهذا يدل على أن مسَّ المرأة ليس ناقضا للوضوء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ ومَسُّ الفَرْج ] لقول النبي ﷺ كما في السنن: ” مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ ” وفي رواية: ” مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ ” فيشمل ذَكَرَ الرجل ويشمل قُبُلَ المرأة، ويشمل مع ذلك الدُّبُر، الدُّبُر يدخُلُ ضمنَ معنى الفرج،
فمن مَسَّ ذَكَرَه أو مَسَّ ذَكَرَ أو مَسَّ فَرْجَ غيرِه فإن وضوءَه ينتقض، والمسألةُ خلافيةٌ بين العلماء،
لأن الرسول ﷺ كما في السنن: لما سئل عن مس الذكر؟ قال: ” إنما هو بَضْعَةٌ مِنك ” بمعنى العضو الذي تَمَسُّه كأن تَمَسّ يدَك أو رِجلَك، فالأمْرُ فيه سَواء، هل إذا مَسَسْتَ يدَك أو رَجلَك ينتقِضُ وضوؤك؟ (لا) فيكونُ الذَّكَر مِثْلُ ذلك، ومِن ثَمَّ فإن العلماءَ اختلفوا بتعارضِ هذَين الحديثين،
والصواب: أن مس الفرج ينقض الوضوء، وأن الأحاديث التي قالت ” إنما هو بَضْعَةٌ مِنك ” إنما هو إذا كان مس الفرج بحائل، فإذا مس فرجه بحائل فإنه لا ينقض الوضوء، بينما إذا مس فرجَه مِن غير حائل فإنه ينقض الوضوء
فحديث النبي ﷺ: ” إنما هو بَضْعَةٌ مِنك ” هذا إذا مسَّهُ وبينه حائل مِن سِروالٍ أو ثوبٍ ما شابه ذلك،
ومما يدل على هذا ما جاء عند أبي داود:
أن الرسولَ ﷺ سئل عن مس الذَّكَرِ في الصلاة؟ فقال: ” إنما هو بَضْعَةٌ مِنك “
ومعلومٌ أنه أثناء الصلاة يكونُ ساتِرًا لعورته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ وتغسيلُ الميت ] لقول النبي ﷺ: ” مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ “
والصواب: أن تغسيلَ الميت ليس بناقض للوضوء، إنما الوضوء مِن تغسيل الميت على وجه الاستحباب، لم؟ لأنه ورد عن ابنِ عمر وابن عباس وغيرِهما من الصحابة رضي الله عنهم:
” أنهم كانوا يغسلون الموتى ويحملونهم، فكان البعضُ يتوضأ وكان البعض الآخَر لا يتوضأ “
فدلَّ على أن الأمْرَ على سبيلِ الاستحباب لا على سبيلِ الوجوب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ والردة : وهي تحبِطُ الأعمالَ كلَّها ] لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]
– فنسألُ اللهَ عز وجل العافية – لو أنَّ شخصا كان متوضئًا ثم كَفَر بالله -ارتدَّ عن الدين- ثم عاد إلى الإسلام: فوضوؤه السابق باطل لأن الردة أحبطت العمل لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}
والصواب: أن الردة غيرُ مُبطِلةٍ للوضوء، بل إنَّ جميعَ الأعمال لا تُبطُلُ بالردة إلا إذا مات الإنسان على هذه الردة -نسألُ اللهَ العافية – لقوله تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]
فقيَّد حبوطَ العمل بالموتِ على الردة، أما إذا أنقَذَه اللهُ سبحانه وتعالى مِن هذا الكُفر فعاد:
فإن أعمالَه السابقة لا تكونُ باطلة ومِن ضِمنِها الوضوء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف رحمه الله: لقوله تعالى: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [المائدة: 6]
هذا الدليل المَذكور ذَكَرَه المصنف مِن أجل أن يُبيّنَ أن الخارِجَ مِن السبيلين، وأن مَسَّ المرأة بشهوة أنهما ناقضان للوضوء.
” وسُئل النبي ﷺ أنتوضأ من لحوم الإبل؟ فقال: نعم” رواه مسلم:
وهذا الدليل ذكره من أجل أن يبينَ أن لحمَ الجَزور ناقضٌ للوضوء.
وقال في الخفين: “ولكن من غائطٍ وبولٍ ونوم” رواه النسائي والترمذي وصححه:
وهذا الحديث ذَكَرَه مِن أجل أن يُبيّنَ أن المسح على الخفين لا يكونُ إلا في الحَدَث الأصغر، لأنه قال:
“ولكن من غائطٍ وبولٍ ونوم” وأيضا هذا الحديث ذكَرَه مِن أجل أن يبين أن النومَ مُبطِلٌ للوضوء،
فهذا الحديث أطلَق وذَكَر أنَّ أيَّ نوم يُبطِلُ الوُضوء، وقد سَبَق التفصيلُ في هذه المسألة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ