الدرس ( 110 ) استقبال القبلة ( 1) ( تعظيم الكعبة والحجر الأسود ـ لماذا سميت القبلة بهذا الاسم )

الدرس ( 110 ) استقبال القبلة ( 1) ( تعظيم الكعبة والحجر الأسود ـ لماذا سميت القبلة بهذا الاسم )

مشاهدات: 538

بسم الله الرحمن الرحيم

من شروط صحة الصلاة: استقبال القبلة

الدرس (110) من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من شروط صحة الصلاة (استقبال القبلة)

واستقبال القبلة دلَّ عليها الكتاب، والسُّنة، وإجماع الأمة:

أما دليلُها مِن الكتاب فقوله تعالى:

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ] البقرة -150[

وأما من السنُّة: فقول النبي للمسيء في صلاته -كما في الصحيحين-:

” إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ “، فذكر هُنا الأمر باستقبال القبلة.

وأما الدليل الثالث فهو الإجماع وهو إجماع الأمة على وجوب استقبال القبلة.

ـــــــــــــــــــــ

 ولو قال قائل: هناك آية قد يُفهم منها عدم وجوب استقبال القبلة وهي قوله تعالى:

{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ] البقرة -115[

فيُفهمُ من هذه الآية أن الإنسان لو استقبل أي جهة فإن صلاته صحيحة، أليس هذا هو الظاهر؟ بلى؛

الجواب عن هذا:

أن هذه الآية لها سبب نزول، وسبب نزولها كما جاء عند الترمذي وابن ماجه:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ” كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَنَزَلَتْ: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115]

ومِنْ ثم: فإن هذه الآية يُراد منها أن مَن عَجَزَ عن معرفةِ القبلة؛

 أو اجتهد فظن أن اجتهاده صواب فتبين الخطأ: أن صلاته صحيحة.

ــــــــــــــــــــــــــ

 

 

مسألة:

-وإن كنَّا قد تطرقنا إلى شيء يسير من ذلك- أن مسألة استقبال القبلة: أهي شرط للصحة أم أنها واجبة؟

الشوكانيُّ رحمه الله في نيل الأوطار يرى أنها واجبة وليست شرطاً لصحة الصلاة، وهذا هو نفسُ رأيه في اجتناب النجاسة، ويستدل على ذلك -رحمه الله-

بالقصة التي مرت معنا عند الترمذي وغيره:

أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا مع النبي ﷺ ذات ليلة مظلمة؛ فخفيت عليهم القبلة؛ فصلَّى كلُّ واحدٍ منهم حِيالَه، فلما أصبحوا أخبروا النبي ﷺ فأنزل الله عز وجل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ] البقرة -115[

فيقول -رحمه الله” هذا الدليل يدلُّ على أنها ليست شرطاً؛ إذ لو كانت شرطاً من شروط صحة الصلاة لأُلزِمَ الصحابةُ بإعادتها، والشرط لا يتخلف عن المشروط  “

ومعلومٌ أن قول جماهير العلماء: أنها شرط من شروط صحة الصلاة، وهذا هو الصواب.

أما ما ذهب إليه -رحمه الله- فإنه يُمكن أن نخلُصَ إلى الجواب أو التوضيح عمَّا ذكره -رحمه الله- من عدة أمور/ الأمر الأول:

أن الدليل الذي استدل به ليس صحيحا ومقبولاً عند جميع العلماء؛ فإن من العلماء مَن يُضعفه، وقلنا: إن هذا الحديث يحسنه الألباني -رحمه الله- وغيره، وإذا كان ضعيفاً فلا تقوم به الحجة.

وأجاب -رحمه الله- بقوله: هو وإن كان ضعيفاً فإن له من الشواهد ما يقويه ” وذَكَر الشواهد

والصواب: صحته وقبوله.

 

الأمر الثاني:

-وهذه من وجهة نظري أو في نظري- مع أنه إمامٌ مجتهد -رحمه الله- ولا نُقاسُ به:

أن نزول الآية يؤكد أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، لِمَ؟

لأنه لمَّا شَقَّ عليهم فيه دليل على عِظَم ما فعلوه، وهو تَرْكُ استقبال القبلة

ولو كان من الواجبات لمَا حصل لهم مثل هذه المشقة؛ لأن الواجب يسقُطُ مع العجز

وهذه قاعدة مُستفادَة من النصوص وهم أعلم الأمة بما يُتَخرَّج من هذه النصوص.

 

الأمر الثالث: أنهم لم يتوجهوا إلى غير القبلة في حالة العجز، وإنما توجهوا إلى القبلة التي أُمِروا بها، وهذا هو مدلول الآية إذ قال عز وجل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ] البقرة -115[

فَهُم في مثل هذه الحال توجهوا إلى القبلة، لكن أهي الكعبة؟

نحن في مَحَلِّ نِزاعنا أنه لابد من استقبال القبلة ويؤكد هذا، وهو الأمر الرابع:

أن النبي ﷺ كما جاء في الصحيحين” كان يصلي على راحلته أينما توجهت به”

قالوا: ” غير أنه لا يفعل ذلك في الفريضة “

 

وقولهم: ” غير أنه لا يفعل ذلك في الفريضة “

يُدخلنا إلى أمر هو أقر به -رحمه الله- وهذا هو الأمرُ الخامس:

وهو لو سَلّمْنا بما قاله -رحمه الله- حول هذا الدليل لقلنا:

” إن هناك فرقاً بين الفريضةِ والنافلة “

بدليل أن ما فَعَلَه الصحابةُ -رضي الله عنهم- في نفل

لو كانوا في فَرْض لأتموا بالنبي ﷺ

بل قال -رحمه الله” -القولُ الصحيح أن الآية نزلت في التطوع كما جاء في صحيح مسلم “

 

الأمر السادس: أن قوله -رحمه الله- يترتبُ عليه صحةُ الصلاة لغير القبلة ممن هو متعمد لكن مع الإثم، فيترتبُ على قوله في مِثلِ حالِنا:

أن مَن صلى جهة الشرق -بالنسبة إلى الرياض- أن صلاته صحيحة حتى لو كان متعمداً لكنه آثم؛ لأن هذا ليس شرطاً من شروط صحة الصلاة

وفرقٌ بين الإثم وبين صحة الصلاة؛ ومعلوم أن استقبال القبلة من أعظم الشعائر لدين الله

(هذا ما استبان لي حول ما ذهب إليه -رحمه الله)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لو قال قائل: أنتم تُنكرون على عُبَّادِ القبور وأهلِ التبركِ بالأحجار تُنكرون عليهم هذا الفعل – وهذا واضح مما أخذ مسبقاً في كتاب التوحيد – ومع ذلك فإنكم تُعَظِّمون هذه الكعبةَ التي هي أحجار، وتطوفون بها، وتُمسَحون منها الركنَ اليماني، وتمسحون وتُقَبِّلون منها الحجر الأسود؛ ألا يكونُ هناك تناقض؟

فالجواب عن هذا:

أننا عِبادٌ مأمورون منقادون لأمْرِ الله عز وجل، وأمْرِ رسولِه ﷺ؛ فالآيات والأحاديث جاءت بالنهي عن التبركِ بالأحجار، وعن الغلو في قبورِ الصالحين، لكن الشرع استثنى من ذلك أمور -وله الحقُّ في ذلك-

استثنى مِن ذلك في الطواف: بالكعبة

واستثنى في المسح باليد: استثنى الحجرَ الأسودَ والركنَ اليماني

واستثنى مِن النهي عن التقبيل على وجه التعبُّد: تقبيل الحجر الأسود

فنحن إذاً: نُعَظِّمُ ما عَظّمَه الشرع؛ فليس في هذا تعظيمٌ لهذه الكعبة مجردا، ولا تعظيم لهذا الحجر، ولا لهذا الركن؛ وإنما التعظيم لله عز وجل حيثُ امتثلنا، فنحن نُعظم ما عظّمَه الله عز وجل، وما عظمه النبي ﷺ

ولذا لمَّا وقف عمرُ -رضي الله عنه- عند الحجر الأسود قال كما في الصحيحين:

” أَمَ وَاللَّهِ، لقَدْ عَلِمْتُ أنَّكَ حَجَرٌ لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ يُقَبِّلُكَ ما قَبَّلْتُكَ “

انظر إذاً هو الاتباع مِن عمر رضي الله عنه: ” وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ يُقَبِّلُكَ ما قَبَّلْتُكَ “.

ــــــــــــــــــــــ

ولو قال قائل: لماذا خُصَّ هذا المَقام الذي هو الحجر الأسود أو الركن اليماني، أو الكعبة؛ بهذا التعظيم؟

فالجوابُ عن هذا:

أن مِثلَ هذه الأشياء فيها نوعٌ مِن الابتلاء والامتحان لأهلِ الحق ولأهل الزيغ

فأهلُ الحق يقبلون، وأهلُ الزيغ يُنكِرون أو يُعارضون، وهذا مِن المُتشابه الذي يكونُ في الشرع مِن أجل الابتلاء والامتحان؛ ولذا قال عز وجل عن أهل الزيغ لمَّا ذَكَر أن في القرآن متشابها ومُحكَما:

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} هنَّ الأصل؛ {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} ] آل عمران -7[

ما موقفُ الراسخين في العلم؟

{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} ] آل عمران -7[

فكلاهما حق

لكن ماذا يصنعون في هذا المتشابه؟

يردون هذا المتشابهَ إلى المُحكَم حتى يكونَ كلَّه مُحكَمًا؛ ولذا قال بعدها:

{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} ] آل عمران -7[

وأظهروا ضَعفهم وافتقارَهم إلى الله عز وجل مع أنهم راسخون في العلم؛ ولذا قالوا:

{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران -8[

وذكَّروا أنفسَهم بذلك الموقفِ الرهيب:

{رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} ] آل عمران -9[

ولذا تأتي نصوص كثيرة مُحكَمَة، ويأتي نَصٌّ في مسألة ما، فيه نوعٌ مِن التشابه

فأهلُ الزيغ يُغمِضون أعينَهم وأبصارَهم عن هذه الأحاديثِ الكثيرة التي هي مِثلُ الجبال في العَظَمَة والقوة، ويَنظرون بنظرةٍ واحدة إلى هذا النص الوحيد الذي فيه تشابه.

والأمثلة كثيرة -وسيأتي معنا- مثلُ التصوير:

حرَّمه النبي ﷺ -كما سيأتي معنا- قال: “إلا رقماً في ثوب “؛ هذا نص وَرَد

فمن أخَذَ به؛ أخذ بنص واحد وجملة واحدة وترك نصوصاً كثيرة في التحريم! كلُّ هذا مِن باب الامتحان.

 

مثل الحلِف بغير الله: النصوص جاءت صريحةً -كما سيأتي معنا –

جاء حديثٌ في رواية -عند مسلمقال أفلح وأبيه إن صدق “فكلمة أبيه هُنا حَلِف:

هل هي حلف أم غير حلف؟ لها توجيهات؛ ولذا النسخ من أحكامه أنه ابتلاء وامتحان:

{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ] البقرة -106[

{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النحل -101[

{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا} ] النحل -102[

ولذا يقولُ شيخ الإسلام -رحمه الله-:

ـــ لا يجوزُ الطوافُ بشيءٍ على وجه الأرض إلا الكعبة.

ـــ ولا يجوزُ تقبيلُ ولا مَسْحُ شيءٍ على وجه التعبد على وجه الأرض إلا الحجر الأسود.

ـــ ولا يجوزُ مَسْحُ شيءٍ على وجه التعبد على وجه الأرض إلا الركن اليماني.

وأما ما عداه: فيُحجِم الإنسان، هذه كلها ابتلاء وامتحان من الله عز وجل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ولو قال قائل: لماذا سميت القبلةُ بهذا الاسم؟

فالجواب عن هذا: لأن الناس يُقبلون عليها بوجوههم، فتُسمى [الكعبة] وتُسمى [القبلة].

ـــــــــــــــــــــ

ثم إن من الحِكَم في كون الناس يتوجهون إلى القبلة:

ــ إخراجُ صورةِ اجتماعِ المسلمين، إذ يتجِّه المسلمون كلُّهم في أقطار الدنيا إلى جهةٍ واحدة؛ وهي جهةُ الكعبة؛ وهذا فيه مظهرٌ اجتماعي، واتحاد ولَمُّ الشمل، ولذا مُنطَلَق اجتماع الأمة مِن هذه الصلاة

وحُقَّ لهذه الصلاة أن يُفتيَ بعضُ العلماء بأن تارِكَها كافر؛ لِمَ؟

لأنها هي المُنطَلَق لوحدة المسلمين، ووحدةُ المسلمين واجتماعُهُم، فيه قَهْرٌ لأعدائهم؛ والأمثلة كثيرة واضحة،

ولذا: نجِد أن النبي نهى عن الاختلاف في الصفوف قال: ” لا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلوبُكُمْ “

وفي رواية: في الصحيحين: ” لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بيْنَ وُجُوهِكُمْ “

ونجِد: في هذه الصلاة الانقياد والانضباط؛ الكل يجتمع في الركوع، وفي السجود، في صورة واحدة، لكن بعد إمامهم، وتجد أن اتجاههم واحد إلى جهة القبلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فائدة: وهي ثابتة في الصحيحين: أن النبي صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشَرَ شهرا، قيل بأكثر من هذا وقيل بأقل -ولكن لست بصدد البحث في هذا؛ وقد استوفاه ابن حجر -رحمه الله- وجمع ما جمع؛ لكن السؤال الذي يطرح نفسَه وهو:

هل كان النبي وهو في مكة؛ قبل أن يهاجر من مكة إلى المدينة، هل كان يصلي إلى بيت المقدس أم كان يصلي إلى الكعبة؟

فظل ﷺ ستة عشر شهرا أو سبعة شهرا في المدينة يصلي، والنسخُ جاء في المدينة؛ ومعلومٌ أنه بعد هجرته كان يصلي إلى بيت المقدس؛ ولذا قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ] البقرة -144[

فماذا كان يتوجه إليه في صلاته في مكة؟

قال بعض العلماء: إنه كان يصلي إلى جهة بيت المقدس لكن الكعبة بينه وبين بيت المقدس.

 

وفائدة ذكرها النووي -رحمه الله- في المنهاج وهو شرح صحيح مسلم من الحجاج يقول:

” إن بيت المقدس يسمى بيت المَقدس والمُقدَّس وإلياء، والمُقدَّس: يعني المُطَهَّر

فكان يصلي إلى جهة بيت المقدس لكن الكعبة بينه وبين بيت المَقدِس؛ فكان يقف بين الحجر الأسود والركن اليماني ويصلي ﷺ.

قال بعض العلماء: كان يصلي إلى بيت المقدس مباشرة.

وقال بعض العلماء: إنه كان يصلي الى الكعبة فقط.

قال ابن حجر-رحمه الله-: وهذا القول (الثالث) ضعيف؛ لأنه يلزم منه أن يقع النسخ مرتين؛

ولذا في تبويب البخاري، وما نحى إليه ابن حجر -رحمه الله- قال: الصحيح هو القول الأول، وهو أنه كان يجعلُ الكعبةَ بينه وبين بيت المقدس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فائدةٌ أخرى: ما هي أول صلاة صلاها نحو الكعبة لمَّا نُسِخَ في المدينة استقبالُ بيتِ المقدس؟

أولُ صلاةٍ صلّاها هي صلاةُ العصر؛ ولذا لما صلَّى بعضُ الصحابة وأتى على قومٍ وهم يصلون صلاةَ العصر قال لهم: لقد صليتُ مع النبي ﷺ صلاةَ العصر إلى الكعبة، فداروا وهم ركوعٌ إلى الكعبة.

استُفِيد من هذا؛ كفائدة عَرَضيّة:

أن خبر الواحد حُجّة؛ لأنهم أخذوا بقول شخص واحد

لكن فيه ما يُشكِل على هذا:

وهو ما جاء في الصحيحين “أن أهل قباء بينما كانوا يصلون في صلاة الصبح أتاهم آتٍ” فهنا اختَلف الأمر

هل أول صلاة صلاها هي العصر أم الفجر؟

فأجاب ابنُ حجر -رحمه الله- فقال:

” إن الآتي لمن يصلي العصر -وهم بنو حارثة- كانوا داخلَ المدينة، فجاءهم الخبر وهم يصلون صلاةَ العصر، وأما أهلُ قباء في صلاة الفجر كانوا خارجَ المدينة فتأخر مجيءُ مَن أخبَرَهم إلى صلاة الصبح’’

ولذا، يقول: اختلف الشخصان، فمَن أتى بني حارثة هو غيرُ مَن أتى بني عمر وهم في قُباء.

 إذاً/ لا إشكال في هذا.