بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (122) من الفقه الموسع
آداب المشي إلى الصلاة
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: أن الآتيَ إلى المسجد يُسنُّ له سنن فعلية؛ وسنن قولية عند خروجه
فيُسن له:
الأمور الفعلية:
أولاً: أن يستاك -كما سبق معنا- من المواضع التي يُتأكدُ فيها السواك إذا خرج من بيته إلى المسجد للصلاة، لما جاء عند الطبراني:
” مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَخْرُجُ مِنْ شَيْءٍ لِشَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَسْتَاكَ “.
ـــــــــــــــــ
ثانياً: من السنن الفعلية إذا خرج إلى المسجد: أن يمشيَ إلى الصلاة بسكنيةٍ ووقار، لما جاء في الصحيحين قوله ﷺ:
” إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَلَكِنِ ائْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا “
وقال ﷺ كما عند جاء البخاري: ” إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا “.
وهناك فرقٌ بين السكنية والوقار:
فالسكنيةُ: تكونُ في الأفعال، وذلك بأن لا يُكثرَ مِن الحركة؛ وألا يكثرَ من الالتفات، وإنما تكون عليه السكنية.
وأما الوقار: فإنه متعلقٌ بالهيئة، فإن الإنسان إذا خرج إلى المسجد ينبغي له أن يكونَ على وقار في هيئته، فلا تكن ملابسُه غيرَ مرتبة؛ كأن يكونَ كافًّا لِكُمَّيه، أو رافعاً لثوبه، أو غيرَ مساوياً لشماغه، ولذا جاء في صحيح مسلم قوله ﷺ: ” فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ “.
يقول ابنُ حجر رحمه الله في الفتح:
” فينبغي له ما ينبغي للمصلي؛ وينبغي له أن يجتنبَ ما يجتنبُه المصلي “
ولا شك أن قولَه -رحمه الله- ليس على وجه العموم وإنما في الغالب، ولذا كان النبي ﷺ مطبقاً لهذا القول فإنه قال: “عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ “
وأيضا جاءت رواية تدل على أن الإنسان عليه السكينةُ والوقار وإن لم يسمَعِ الإقامة؛ لأن الحديث الذي ذكرناه آنفا ” إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ “
فيُفهَم مِن ذلك أن الأمرَ مخصوصٌ إذا سَمِعَ الإقامة، ولكن الرواية الأخرى تفيد بأنه إذا خرج إلى الصلاة فعليه السكينةُ والوقار، وبالتالي: يدخلُ في ضمن هذا الحديث الإمام، والحديث هو قولُ النبي ﷺ:
” إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْن، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السكينةُ وَالْوَقَارُ “
فالإمام لو تأخرَ عن الإقامة وخشِيَ أن يُصلى عنه نيابة؛ فلا ينبغي له أن يسرع؛ لأنه داخلٌ ضمنَ هذا الحديث: ” إذَا أتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعلَيْكُم بالسَّكِينَةِ “
” إذا أتيتم الصلاة فأتوها وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ والوقار “
والنبي ﷺ كان متمثلاً للسكينة والوقار ليس في إتيانه إلى الصلاة فحسب بل في جميع أحواله ﷺ؛ فقد جاء عند الحاكم “أن النبي ﷺ إذا مشى لم يلتفت”
وكان ﷺ متمثلاً لقول الله عز وجل: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} ] لقمان -19[
فالقصدُ في المشي: أن يكونَ متوسطاً؛ لا مُسرِعاً ولا مُتبختراً، ولذا مدح اللهُ عز وجل عبادَ الرحمن في قوله: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} ] الفرقان -63[
والقصدُ في المشي مطلوبٌ في جميعِ الأحوال؛ ليس في حالةٍ دون أخرى، ولذا قال شيخُ الإسلام -رحمه الله- في الفتاوى: إن الله عز وجل قال: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} ] لقمان -19[، فأطلَقَ القصدَ في المشي؛ وقَيّدَ في الصوت، فدل على: أن الإنسان مطلوبٌ بأن يكونَ قاصداً في مشيه في جميع الأحوال، بينما في صوته، قال تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ، ولم يقل واغضض صوتَك؛ لم؟ لأن الإنسان قد يحتاجُ في بعضِ الأحيان إلى رَفْعِ الصوت
ومِن ثَم: فإن الأحاديث التي ذُكِرَت عن سرعته ﷺ لا تدلُّ على السرعة التي تُذهِبُ هيبةَ المؤمن، فقد جاء في حديث ” سرعة المشي تُذهب هيبة المؤمن ” لكنه حديث لا يصح
ولذا جاء عند مسلم “كان إذا مشى ﷺ كأنما ينحط من صبب “
وفي رواية “من صبوب” مثلُ الماءِ الذي يَنزلُ مِن عُلُوٍّ إلى أسفل، وهذا تشبيهٌ من الصحابي لِدَفْعِ ما قد يُتوَهم مِن تبخترٍ للنبي ﷺ، وليس المقصود السرعةَ الفائقة التي تُذهِبُ الوقار، كيف وقد قال عز وجل: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} ] لقمان -19[ ، وقال تعالى: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} ] الفرقان -63[
ولذا جاء عند الطبراني “أن النبي ﷺ كان إذا مشى أقلع”
وجاء عند أبي داود “كان النبي ﷺ إذا مشى كأنما يتوكأ”
قال بعضُ الشُّراح: المراد من التوكؤ (السرعة)
وقال بعضُ الشراح -وهو الأظهر؛ والعلم عند الله-: يمشي إلى قُدَّام، فنجد أن جِسمَ النبي ﷺ يكونُ إلى الأمام أكثر مِن الخلف، فلعل مَن رآهُ بهذه الصورة قال إنه في حالةِ إسراع.
ولذا جاء عند ابنِ عساكر وحسنه الألباني -رحمه الله- ما يَفْصِلُ هذا الموضوع
قال الصحابي: ” كَانَ يَمْشِي مَشْيًا يُعْرَفُ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَاجِزِ وَلاَ كَسْلاَنَ “.
ـــــــــــــــــــــــــ
لكن لو كان المجيءُ على مركوب فما الحكم؟
الجواب: أن الحكمَ هو هو، فلا يختلف؛ فالحديثُ مُطلَق: ” إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْن “
فهو شاملٌ لمن أتى ماشياً أو أتى راكباً؛ ولا اختلاف بين الحالتين.
وأما ما قد يقال بناءً على هذا السؤال:
أيؤجرُ الإنسان على إتيانه إلى المسجد وهو راكب كحاله وهو ماشي؟
الجواب: أنه لا يُؤجَرُ إذا نُزِّلَ الحديثُ على هذه الحال؛ لأن الحديثَ نَصَّ على المشي قال:
” لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً “، ولاسيما إذا قلنا إن رواية الضم هي روايات مسلم “خُطوة” لأنها ما بين القدمين.
الأمرُ الثاني: أن ما جاء عند مسلم: “من حديث أُبَيَّ في قصة ذلك الرجل لما اقترح عليه أن يشتري حماراً يركبه في الظلماء والرمضاء، فقال قولَتَه تلك: إني أحب أن يكتب ممشاي ورجوعي إلى بيتي، فأخبِرَ النبي ﷺ فقال: قد أعطاك الله ذلك كلَّه”
فلو كان حاصلاً له لقال ﷺ: لك الأجر ولو كنت آتياً إلى المسجد راكبا.
لو قال قائل: ربما كان النبي ﷺ أجابه على مقتضى سؤاله لأنه قال: ” إني أحب أن يكتب ممشاي إلى المسجد ورجوعي إلى بيتي ” فأجابه بمُقتضى كلامه؟
فالجوابُ عن هذا: أن في مِثلِ هذه الحال؛ وقد حصل حوارٌ بين هذا الصحابي وبين الصحابة الذين اقترحوا عليه أن يشتري حماراً، يُقال: لو كان للمركوب أجْر الماشي مما ورد في الحديث لبينه ﷺ لقال له: لك الأجر لو أتيت راكباً ولكن إتيانك إلى المسجد ماشٍ هو الأفضل،
لكن من حيثُ النية: فإن النية لها شأنُها، فلربما يكونُ الإنسان عاجزاً عن الإتيان إلى المسجد وهو ماشٍ، وفي نيته لو لم تكن هناك عقبات لأتى إليها ماشياً، فيُؤجرُ على حُسنِ نَيتِه، لكن لا يُلزَمُ له بذلك، ولكن جاء حديث “نيةُ المؤمن أبلغُ من عمله” لكن الحديث فيه ما فيه من الضعف.
ولو قال قائل: -بناءً على مسألة الإتيان إلى المسجد بسكنية ووقار- جاء في سنن النسائي وصححه الألباني من حديث أبي رافع: ” أن النبي ﷺ كان إذا صلى العصر أتى إلى بني عبد الأشهل فيجلسُ عندهم ثم ينحدر إلى المغرب “
يعني: يُسرِع إلى صلاةِ المغرب؛ لأن الانحدار هو ما كان من علوٍّ إلى سُفل، قال أبو رافع: “فإذا به يُسرع إلى الصلاة” ثم ذكر تمام الحديث، فهذا الحديث فيه مُعارَضة لما ذُكِر، وذلك لأن قولَه ﷺ قد يُخالف في الظاهر فِعلَه المذكور في سنن النسائي؟
فالجوابُ عن هذا: أن النسائي -رحمه الله- بوَّبَ فقال: [بابُ السرعةِ إلى الصلاة مِن غيرِ سعي] وذلك لأن الحديثَ الذي أتى فيه النهي ” فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ “
فتبويبُ النَّسائي -رحمه الله- يريدُ به الجمع، فيكون ما ورد عند النسائي هو: الإسراع دون السعي، ولكن ليس الإسراع المذموم، وذلك لأن أول الحديث قال فيه “ينحدر إلى المغرب”
-وقد سبق معنا- أن النبي ﷺ كما عند مسلم: “كان إذا مشى كأنما ينحط من صَبب” وفي رواية “من صبوب”
فهذا يدل على حِرصِه للإتيان إلى الصلاة مِن غيرِ تماوت، فتلك الأحاديث تُبينُ ما قد يُشكِلُ في حديث أبي رافع في سنن النسائي
ولذا ابنُ عباس -رضي الله عنهما- كان لا يحبُّ مِن أحدٍ أن يقومَ إلى الصلاة وفيه تماوت أو تكاسل حتى لا يَتشبهَ بالمنافقين،{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} ] النساء -142[
– ولو قال قائل: جاء في صحيح البخاري: “أن النبي ﷺ لما صلى العصر قام مسرعاً فعجب الصحابة من سرعته، فسئل ﷺ؟ قال تذكرتُ تِبْراً من ذهب فخشيت أن يحبسني”
فهذه سرعةٌ طارئة عارضة -كما هو الشأنُ في قصة عائشة- ولذلك جاء عند أبي داوود أنها سبقت النبيَّ ﷺ وسَبَقَها.
وهذه السرعة ليست سرعة مفرطة لكنها سرعة خارجة عن المعتاد الذي اعتاده النبي ﷺ في مشيه، من أجل أن يقسم هذا المال لئلا يشغله.
– لو قال قائل: إن الذهاب إلى المسجد من المسارعة إلى الخيرات؛ وإن إدراكَ الصلاة من أولها من المسارعة إلى الخيرات؟
فنقول: إن النص قد جاء بالفيصل هنا.
ولو قال قائل: وهذا قولٌ لبعض العلماء قال: إذا خشِيَ أن تفوتَه صلاةُ الجماعة؛ فلْيُسرِع؟
هذا القول لم أقرأه حقيقة، لكني تلقيتُه في كلية الشريعة مِن أحدِ المشايخ، وتلقّيه ليس مستغرباً؛ ولكن المُستغرَب – وأنا لم أقف عليه حقيقة ولم أبحث – أنه نَسَبَه إلى شيخِ الإسلام -رحمه الله- وأنا لم أقف على قوله -رحمه الله- فلو خشِيَ أن تفوته صلاة الجماعة فلْيُسرع، وذلك إذا كان الإمام في الركعة الأخيرة؛ لأن إدراكَ صلاة الجماعة إنما يكون بإدراك ركعة، فإذا خشي أن يفوتَه الركوع من الركعة الأخيرة فليسرع، ولكن الحديث يَرُدُّ هذا، بل جاء في المسند وسنن أبي داوود والنسائي أن النبي ﷺ قال:
” مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوؤهُ ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا وَحَضَرَهَا لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَجْرِهِمْ شَيْئًا “.
إذاً لو فاتته الصلاةُ كلُّها؟
ويؤكد ذلك ما جاء في صحيح مسلم قوله ﷺ: ” فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ “.
لو قال قائل: هذا وهو ذاهبٌ إلى المسجد هو في صلاة، ألا يكونُ في صلاة وهو راجع إلى بيته؟
الجواب: نقول: خروجُه من بيته إلى الصلاة هو في صلاة لما جاء عند مسلم:
” فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ “
وكذلك إذا رجع من المسجد إلى بيته فهو في صلاة لما جاء عند الدارمي، أن النبي ﷺ قال:
” إِذا تَوَضَّأَ أحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ كانَ فِي صلاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ، فَلَا يَقُلْ هَكَذا وشَبَّكَ بَيْنَ أصابِعِهِ “
ــــــــــــــــــــــــ
ثالثاً/ من الأمور الفعلية التي تُسن: ألا يشبك بين أصابعه.
ومسألة التشبيك -ستأتينا إن شاء الله تعالى في مكروهات الصلاة-
ذكَر الفقهاء -رحمهم الله- أن من بين مكروهات الصلاة: تشبيك الأصابع.
ومسألة التشبيك مسألة مختلفٌ فيها، أيُنهى عن التشبيك إذا خرج إلى الصلاة؟ أم لا يُنهى؟
يقولُ ابنُ حجر -رحمه الله-: تبويبُ البخاري يدلُّ على أن الحديثَ الوارِدَ في النهي عن التشبيك، يدل على أنه ضعيف؛ وذلك لأن الحديثَ الوارد عند الدارمي حديثٌ ضعيف، فيما يَرمُزُ إليه تبويبُ البخاريِّ -رحمه الله- كما أفاد ابنُ حجر
ذلك لأن النبي ﷺ كما في قصةِ سلامِه مِن ركعتين مِن إحدى صلاتَي العشي؛ إما الظهر وإما العصر؛ “
قام فشبك بين أصابعه “
فهذه القصةُ تُضَعِّفُ هذا الحديث، وذلك لأن التشبيكَ في مِثلِ هذه الحال قد يُفهَمُ منه أنه تشبيكٌ بعد الصلاة، وقد يُفهمُ منه أنه تشبيكٌ أثناءَ الصلاة، فمَن نظر إلى ما آل إليه اجتهادُ النبي ﷺ:
من رأى ذلك قال: إن التشبيك حاصلٌ له بعد الصلاة.
ومَن نظر إلى مقتضى الحال قال: إن التشبيك أثناءَ الصلاة.
ولكن الصحيح: أن الحديثَ صحيح، وصححه علماء آخَرون؛ وقد جاء في سنن أبي داود:
“أن أبي بن كعبٍ رأى رجلا قد شبك بين أصابعه وهو يريد الصلاة فنهاه؛ ثم قال: قال رسول الله ﷺ:
” إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يُشَبِّكَنَّ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي صَلاَةٍ “
فيكونُ على هذا الحديث: النهي إنما هو في الذهاب وفي أثناء الصلاة،
وبالتالي لا تكون هناك معارضة مع ما ورد عند الدارمي، لأن ما ورد عند الدارِمي قال ﷺ في نهاية الحديث قال: “فلا يفعلن هكذا ” وشبك بين أصابعه ” فهو في صلاة حتى يرجع”
والنبي ﷺ شبك بين أصابعه بعد الصلاة، ولكن هذا الإشكال يزول بأحدِ أمرَين:
الأمر الأول: إن جعلنا التشبيك منه ﷺ بناءً على اجتهاده أنه بعد الصلاة فإن المُعَوَّلَ عليه ما جاء عند أبي داود.
أو وهو الأمر الثاني: أن ما جاء عند الدارمي مخصوص مِن فِعلِه ﷺ، فيبقى أصل النهي مِن حين ما يخرُجُ إلى الصلاة وفي أثناء الصلاة، أما بعد الصلاة: فقد خُصص ما عند الدارمي بفعله ﷺ،
ومِن ثَم لا يكونُ هناك معارضة بين الحديثين -والعلمُ عند الله-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعاً/ من السنن الفعلية: أن يرفعَ طرفه إلى السماء إذا خرج إلى المسجد أو غيره.
فمن (السنن الفعلية) أن يرفع طرفه إلى السماء قائلا دعاءً حينما يخرج مِن بيته إلى الصلاة أو إلى غير الصلاة لعموم الحديث، وهو حديث أم سلمة -رضي الله عنها- كما عند أبي داود قالت:
” مَا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ:
” اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ “
وجاء زيادة: ” أَو أبغي أَو يُبغى عَليّ “، لكن هذه الزيادة يُضعفها الألبانيُّ رحمه الله.
فتكونُ العينُ إلى السماء حين قولِ هذا الدعاء مِن السنن
وهذا على ثبوت هذه الزيادة وهي: رَفْعُ طرْفِه إلى السماء، هذه يُصححها الألباني -رحمه الله- وأظن ظناً راجحاً أنه تراجع عن تصحيح هذه الجملة؛ وذلك لأنه ورد عند مسلم: “النهي عن رفع البصر إلى السماء أثناء الدعاء”
ولعل إن شاء الله إذا أتى معنا فيما عقَدَه الفقهاء في باب مكروهات الصلاة: [رَفْعُ البصرِ إلى السماء في الصلاة]، لعله إذا وصلنا إلى ذلك نتذكر كلامَ الألباني -رحمه الله- تحت هذه الجملة؛ ونذكُر ما جاء عند مسلم؛ وما تحدث به شيخُ الإسلام -رحمه الله- في رَفْعِ البصر إلى السماء أثناء الدعاء؛ فله كلامٌ في الفتاوى -يأتي في حينه إن شاء الله-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن السنن الفعلية كما قال بعض العلماء: إن هناك سنةً فِعليّةً تُفعَلُ عند دخول المسجد -وقد مرت معنا- في باب السواك، وذلك أنه إذا دخل المسجدَ يستاك؛ قياساً على ما كان يفعله النبي ﷺ إذا دخل إلى بيته؛ فقد سُئلت عائشةُ -رضي الله عنها- كما عند مسلم:
” بأَيِّ شيءٍ كانَ يَبْدَأُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قالَتْ: بالسِّواكِ “
لكن رُدَّ هذا وقلنا: إن هذه عبادة قُرِنَت بسبب، هذا السبب كان في عهدِ النبي ﷺ ولم يفعله،
فدل على أنه فِعلَه ليس بمشروع، ولذا لا يُسَنُّ السواك عند دخولِ المسجد تقصُّداً،
أما إذا وَقَع اتفاقاً فلا بأس بذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعد بيان السنن الفعلية، نذكر السنن القوليّة.
فمن السنن القولية:
أولا: ما ذُكِرَ آنِفًا، وذلك أن يقول:
” اللَّهُمَّ إني أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَىَّ “.
وهذا عام مِن حين ما يخرج مِن بيته للصلاة أو لغير الصلاة.
ثانياً/ من السنن القوليّة: ما جاء عند أبي داود والترمذي: أن النبي ﷺ إذا خرج من بيته قال:
” بسمِ اللهِ، توكَّلتُ على اللهِ، لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ، فيُقالُ له:
حسبُكَ، قد هُدِيتَ وكُفيتَ ووُقِيتَ. فتتنحَّى له الشياطين، فيقول له شيطانٌ آخرُ: كيف لك برجلٍ قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ؟! “
ثالثاً/ من السنن القوليّة: ما جاء في صحيح مسلم في حديث نومِ ابن عباس -رضي الله عنهما- عند النبي ﷺ وذَكَرَ تفاصيلَ صلاةِ النبي ﷺ بالليل
قال ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما- “فخرج النبي ﷺ إلى الصلاة فقال:
” اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ خَلْفِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللَّهُمَّ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ