الدرس ( 126 )
من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد البحري
مسألة : إذا وقف الإمام في مصلاه للدخول في الصلاة لا يستحب له بعد الأمر بالتسوية أن يقول شيئا لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في مصلاه كبر ) ويستفاد منه فائدة وهي / أن النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يجهر بالنية ، ولم يكن يتلفظ بها بل من حين ما يـأمر الناس بتسوية الصف يشرع في الصلاة .
تكبيرة الإحرام لها فضل جاء في الحديث الحسن عند الترمذي قوله عليه الصلاة والسلام ( من صلى مع الإمام أربعين يوما يدرك التكبيرة الأولى كتبت لها براءتان براءة من النفاق وبراءة من النار )
وهذا الحديث جاء فضله في الصلاة في المدينة ولفظه ( من صلى أربعين يوما في مسجدي يدرك التكبيرة الأولى كتبت لها براءتان براءة من النفاق وبراءة من النار ) فهذا الحديث ضعيف كما قال الألباني رحمه الله قال : والصواب ما ذكر عند الترمذي من عموم هذا الفضل في جميع المساجد وجاء عند البيهقي ( لكل شيء صفوة وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى ) لكنه ضعيف .
المسألة الثانية : ما هو اللفظ الذي تبرأ به الذمة في الدخول في الصلاة ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة ،
القول الأول : ينعقد بأي لفظ يدل على تعظيم الله عز وجل وهذا هو رأي الحنفية ،
القول الثاني : أنه يسقط الواجب بقول الله الأكبر ولا يلزم الله أكبر وهذا قول الشافعية .
القول الثالث : أنها لا تنعقد إلا بقول الله أكبر وهذا هو الصواب لما يأتي :-
أولا : عموم قول النبي عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ( صلوا كما رأيتموني أصلي )
ثانيا :ما جاء في الصحيحين صلاته على المنبر فقال عليه الصلاة والسلام ( إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي ) وهو عليه الصلاة والسلام لم يرد عنه غير لفظ الله أكبر
ثالثا : ما جاء في سنن أبي داود قوله عليه الصلاة والسلام ( لا تتم صلاة لأحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يكبر ) وفي رد على الحنفية .
رابعا : قوله عليه الصلاة والسلام كما في السنن ( مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير ) فكما ان الصلاة لا تفتح إلا بالوضوء كذلك تحريم الصلاة لا يكون إلا بالتكبير , ولذا أضافها إضافة تخصيص مما يدل على أهمية اللغة العربية قال ( وتحريمها التكبير ) الإضافة هنا للخصوص كما يقال : علم زيد علم النحو يعني أنه لا علم عند زيد إلا علم النحو ، فكذلك هنا تحريمها التكبير .
خامسا : قوله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) ورد : هنا مصدر بمعنى اسم المفعول أي مردود
سادسا : قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في لفظ الطبراني ( لا تتم صلاة لأحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يقول الله أكبر ) وهذا في رد على الشافعية ومن باب أولى أن يكون ردا على الحنفية ،
سابعا : ما جاء في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام للمسيء في صلاته ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم كبر )
الدرس مائة وخمسة
من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد البحري
المسألة الثالثة : تكبير الإحرام مع هذا الخلاف أهي خلاف في كونها ركنا أو في كونها شرطا أو في كونها سنة .
ثلاثة أقوال :
اختلف العلماء في هذه المسألة
القول الأول :أن تكبيرة الإحرام سنه وهذا ما ذهب إليه الزهري رحمه الله
القول الثاني:أنها شرط من شروط صحة الصلاة وليست ركناً.
القول الثالث :أنها تسقط إذا اجتمعت مع تكبيره الركوع فتغني تكبيره الركوع عن تكبيره الإحرام .
القول الرابع :وهو قول الجمهور هي ركن من أركان الصلاة بل لا تنعقد إلا بها وهذا هو الصواب وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام كما مر معنا كما عند أبى داود { لا تتم صلاه لأحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يكبر } وفي رواية الطبراني { فيقول الله اكبر } فنفى أن يكون للصلاة تمام إلا بتكبيرة الإحرام ولان النبي عليه الصلاة والسلام قال {مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبيرة وتحليلها التسليم} فدل على أن باب الصلاة مسدود إلا بمفتاح الطهور وكما أن الصلاة لا تفتح إلا بالطهور فكذلك لا يحصل لها تحريم وهو الدخول في الصلاة إلا بالتكبير كما انه لا يمكن الخروج منها إلا بالتسليم أما ما ذهب ليه الزهري رحمه الله فإنه غريب منه مع سعة اطلاعه وهذا إن دل ،دل على أن الإنسان مهما بلغ في العلم فلا يأمن علي نفسه أن يقع في الخطأ المخالف للنصوص الشرعية الواضحة ولذا جاءت عبارات الأئمة من أن كل شخص يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي عليه الصلاة والسلام ومن ثم فان الإنسان إذا رأى رأيا بناءا على مترجح حسب الأدلة لا يقبح ولا يستصغر ولا يسفه أقوال العلماء الآخرين وذلك في المسائل التي هي مسائل قويه يحتمل أن يكون الصواب مع الآخر أما إذا كانت الادله واضحة وبينة وليس مع المخالف دليل فان هذا القول شاذ ولا يلتفت إليه ومع هذا لا يقبح هذا القول وذلك ان الانسان العالم لا يرضى ان يسفه قوله فيما لو اخطأ فيما يخالف الدليل وهذا قد يقع ولذا وقع في مثل هذا أئمة كبار فمن باب أولى في مراحل لا توصف ولا تعد من هو دونهم ولذ يقول ابن تيمية رحمه الله أن الزهري مع سعة اطلاعه وكثرة حفظه لا يعرف انه قد اخطأ يعنى في ذكر الدليل يعنى وهم أما بالنسبة إلى الفقه والفهم فهذا شئ يؤتيه الله من عباده ولذا في صحيح البخاري قيل لعلي رضي الله عنه هل أوصى النبي عليه الصلاة والسلام بشيء ؟ قال : لا إلا ما في هذه الصحيفة أو فهما يؤتيه الله عز وجل لمن شاء في هذا القران
و أما القول الثاني القائل بأنها شرط فكذلك يجاب عنه بما يجاب عن من قال بالسنية , و أما من قال بأنها تسقط إذا أتى بتكبيره الركوع والإمام راكع فانه قول غريب من حيث أن هذه عبادتان من جنس واحد فمن المفترض ان تدخل الصغرى في الكبرى لا أن تدخل الكبرى في الصغرى
ولذ تأتينا مسألة , وهي مسألة ما إذا أدرك المأموم إمامه في الركوع أيستغني بتكبيره الإحرام عن تكبيره الركوع أم لابد أن يأتي بتكبيره الإحرام ثم يأتي بتكبيره الركوع ؟
المسألة الرابعة :اتفق العلماء من أن تكبيره الإحرام لا تجزئ الا باللغة العربية لمن يحسنها أما من كان لا يحسنها فبلغته ولا يكلف ما لا يستطيع لقوله تعالي { فالتقوا الله ما استطعتم } ولقوله عليه الصلاة والسلام { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } .
المسألة الخامسة : لابد أن تكون هذه التكبيرة حتى تكون تكبيرة مقبولة معتبرة ان يأتي بها وهو قائم في الفرض قادر عليه ومن قدر عليه وخالف في هذا فان صلاته لا تنعقد فرضا و إنما تكون نفلا لان النفل كما سيأتي معنى إن شاء الله تعالى يصح من قاعد مع القدرة لكن له نصف أجر القائم ويشترط في صحتها نفلا أن يتسع الوقت فإذا كان الوقت ضيقا فانه يقطعها وذلك لان الوقت المتبقي حق لصلاة الفرض فإذا أكملها نفلا لا تصح فيكون بمثابه من اغتصب الوقت أما إن كان الوقت متسعا فيستمر فيها نفلا فتصح منه نفلا ثم يأتي بالفرض وكذلك الشأن فيما لو أتمها وهو قائم بمعنى انه أتى ببعض حروفها وهو قائم وأتى بالحروف الأخرى وهو منحنٍ فإن الحكم في هذه الحال كالحكم في المسألة السابقة ما الحكم في المسألة السابقة ؟ تصح نفلا إن اتسع الوقت ومن ثم فان من يأتي والإمام في حالة الركوع ويكبر تكبيرة الإحرام وهو منحن فيكبر أولها وهو قائم ويكمل وهو منحنٍ فان صلاته لا تصح على أنها فرض .
وهذه المسائل المذكورة من بعد مسألة اختلاف العلماء في كونها ركن أم شرط أم سنه هذه المسائل مبنية على القول بأنها ركن .
المسألة السادسة :هذه المسألة وهي مسألة الترتيب فإن نكسها فقدم اكبر على كلمة الله فإنها لا تنعقد لا فرضا ولا نفلا لقول النبي عليه الصلاة والسلام { من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد } وللأحاديث السابقة { لا تتم صلاه أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يكبر } .
المسألة السابعة : ألا يمططها فان مططها فأحال التمطيط المعنى لم تصح الصلاة بل لا تنعقد سواء كانت فرضا أم نفلا وذلك كان يمد الباء في اكبر فيكون أكبار وأكبار تغير المعنى لأن أكبار هو نوع من أنواع الطبول وان مد حرف الألف في الله أو في كلمة أكبر فلا تنعقد الصلاة لا فرضا ولا نفلا وذلك لان المعنى سيخرج من الإخبار الى الإنشاء فإذا قلت الله اكبر أخبرت بان الله أكبر من كل شئ فقد سمى الله عز وجل نفسه بالكبير ولا تعارض بينهما ولذا يخطئ من يقول أن اكبر بمعنى الكبير فيقال ورد هذا وورد هذا فينتقل السياق من الإخبار إلى الإنشاء والإنشاء الذي سيقع هنا هو الاستفهام فكأنه يستفهم أألله أكبر وبالتالي يختل المعنى أما إن مططها مع بقاء المعنى فيكره
وقد رأى بعض العلماء أن الركنين الذين بينهما وقت طويل يستحب فيه إطالة التكبير حتى يستغرق التكبير ما بين الركنين وذلك كان ينتقل من القيام بعد الركوع إلى السجود وهنا فاصل طويل وكذلك إذا نهض من السجدة الثانية إلى القيام فان هذه مسافة طويلة بينما المسافة التي بين القيام والركوع يسيرة وسيأتي الكلام حول ما استحبه هؤلاء العلماء .
المسالة الثامنة :لو كان المصلي اخرسا فما الذي يصنعه ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة مع اتفاقهم على انه يكبر بقلبه أي بالنية طبعا، لكن الخلاف واقع هل يحرك شفتيه مع نية قلبه ؟
قولان لأهل العلم قال بعض العلماء لابد أن يحرك شفتيه مع نية التكبير في قلبه وذلك لانه لما سقط القول بقي التحريك الذي هو الوسيلة
القول الثاني: انه لا يحرك شفتيه وذلك لانه لا فائدة من هذا التحريك فانه لو حرك مع عدم وجود القول فانه لا يسمى قولا ولذا القول في اللغة وفي الشرع هو ما كان في القلب مع التلفظ باللسان وإذا أريد بالقول ما كان في النفس قيد و أما اذا أطلق القول والكلام فانه يشمل الأمرين القلب والقول ، المعنى واللفظ ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لما أراد إطلاق القول على ما في القلب { إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها }ثم قيد {ما لم تعمل أن تتكلم } فالقول والكلام عند الإطلاق يراد منه المعنى واللفظ ولذا ذهبت طوائف ضلت في باب صفه كلام الله فقالوا إن الكلام هو ما كان في المعنى لذا قالوا إن الله لا يتكلم بكلام مسموع فكلامه معنى في نفسه تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا والمسألة في العقائد , وهذا هو الصواب وذلك لان تحريك الشفتين من باب الوسائل إلى النطق والنطق غير حاصل
المسأله التاسعه .
اختلف العلماء أيجب على الإمام أن يرفع صوته حتى يسمع من خلفه أو لا ؟ فقال بعض العلماء يسن له أن يرفع صوته بالتكبير ولا يجب عليه وذلك لان الوجوب يحتاج إلى دليل والدليل والوارد إنما هو فعله عليه الصلاة والسلام كما في المسند وغيره
القول الثاني انه يجب عليه وهذا هو الصواب لما يلي :
أولا :أن هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم المستمر وقال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري { صلوا كما رأيتموني أصلي } .
الثاني : أن متابعة الإمام واجبه ولا تتم متابعة إلا برفع الصوت والقاعدة الشرعية تقول [ ما لا يتم الواجب به فهو واجب ] لاسيما انه قال عليه الصلاة والسلام { إذا كبر الإمام فكبروا }
ثالثا : ما جاء في الصحيحين من أن النبي عليه الصلاة والسلام في مرض موته لما وجد نشاطا وكان أبو بكر رضي الله عنه يصلي بهم جاء فصلى فكان أبو بكر عن يمينه وكان الصوت منه ضعيفا عليه الصلاة والسلام فجعل يكبر وجعل أبو بكر يكبر حتى يسمع الناس التكبير وهذا كما يسمى بالتبليغ
المسألة العاشرة : التبليغ سواء فيما يتعلق بتكبيرة الإحرام أو في بقية ألفاظ الصلاة اختلف العلماء فيه
القول الأول : يكره أن يبلغ من غير حاجة أما إذا وجدت حاجة فيجوز و الدليل ما جرى للنبي عليه الصلاة والسلام في مرض موته
القول الثاني: قالوا يحرم إذا لم توجد حاجة بل تجاوزوا هذا وقالوا لو بلغ بطلت صلاته .
القول الثالث: انه بدعة وهذا ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله وهو الصواب لما يأتي:-
أولا : أن بلالا وغيره من المؤذنين كما قال شيخ الإسلام رحمه الله لم ينقل عنهم البتة انهم بلغوا خلف النبي عليه الصلاة والسلام
ثانيا : قال رحمه الله لم ينقل أن خلفائه كان يبلغ عنهم في الصلاة من غير حاجه وما كان على غير طريقته وطريقه أصحابه فهو بدعه
لكن أتبطل الصلاه ؟
لم يتعرض شيخ الإسلام رحمه الله حسب علمي عن بطلان الصلاة لكن بطلانها قد لا تبطل لم ؟ لانه وان أتى بشيء محرم فانه ليس محرما لذاته و إنما هو محرم لموضعه فمثل هذا التكبير موجود في الصلاة لكن موقعه هنا في التبليغ ولذا ستأتي معنى مسألة تنازع فيها العلماء وهي لو قرأ القرآن هو راكع أو ساجد والنبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم قال { ألا و إني نهيت أن أقرأ القرآن راكع أو ساجد } كما في حديث علي
لكن لو قال أتبطل صلاته أم لا ؟
القول فيها من حيث النزاع ومن حيث الدليل كالقول فيما سبق مع اتفاق هؤلاء العلماء في أن التبليغ من غير حاجة ليس مأمورا به و إنما منهي عنه مع اتفاقهم ببطلان صلاة المبلغ الذي لا يطمئن في صلاته وهذا من اجل اختلال ركن من أركان الصلاة
المسألة الحادية عشرة
أيكلف بالإتيان بالحروف مع تحريك الشفتين أم لابد من قدر زائد وهو أن يسمع نفسه ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة
القول الأول : يكتفي بذكر تكبيرة الإحرام بإتيانها بالحروف ولو لم يسمع نفسه كما لو قال محركا شفتيه ولسانه كبر هو الان لكنه لم يسمع نفسه بينما اسماع النفس ان يقول الله اكبر فهنا اختلف العلماء فبعض العلماء يقول يكتفى بتكبيرة الاحرام باتان الحروف ولو لم يسمع نفسه
القول الثاني : لابد من أن يسمع نفسه ولذا لم يقولوا لابد أن يسمع غيره لان إسماع الغير حتى في صلاة الجماعة مختلف فيها فما ظنك فيما لو صلى منفردا أو صلى مأموماً
والصواب هو القول القول الاول وذلك لان اشتراط هذا القدر يحتاج فيه إلى دليل لان الشرع أمرنا بمثل قوله عليه الصلاة والسلام { إذا كبر الإمام فكبروا }فاشترط التكبير ولم يشترط قدرا زائدا على التكبير ومما يعجب له أن من رأى اشتراط إسماع نفسه انهم لا يشترطون إسماع نفسه فيما لو طلق زوجته فلو قال لزوجته أنت طالق وأتى بالحروف ولم يسمع نفسه وهذا من العجب أولا لماذا هذا التفريق بين هذا وهذا فإذا اعتبرتم الطلاق لفظا مع عدم إسماع نفسه فكذلك اعتبروا التكبير لفظا .
ثانيا : إنكم شددتم في حق الخالق مع انه مبني على المسامحة وتساهلتم في حق المخلوق مع انه من باب المشاحة ثالثا انهم قالوا ما لم يحصل مانع يمنعه من السماع كان يكون هناك ضوضاء فمع وجود الضوضاء لا يمكن أن يسمع نفسه فيضقط ما اشترطوا ولو كان له دليل أو اعتبار أو اعتداد لما سقط إذ يقال له أخر الصلاة حتى تزل هذه الضوضاء أو ابحث عن مكان خال من الضوضاء . والملاحظ هنا في مثل هذه المسألة انهم اتفقوا بالإجماع على انه لابد أن يأتي بالحروف فدل على انه لو لم يأتي بالحروف و إنما آتى بالفظ معناً لم تصح بل لم تنعقد صلاته لما لان الكلام كما سبق لابد فيه من المعنى واللفظ و اللفظ هنا لم يوجد وهذه هي القاعدة في كل ذكر واجب تبرأ الذمة بالإتيان به فلابد أن يأتي بحروفه فمثلا أن قرأ الفاتحة فلا بد أن يأتي بالحروف فان قرائها في نفسه ترك ركناً وبالتالي لا تصح
أذكار الركوع الواجبة سبحان ربي العظيم لو أتى به في نفسه دون أن يحرك شفتيه ولسانه لم تبرأ ذمته فكأنه لم يأتي بالواجب وبالتالي يكون قد أسقط واجب من واجبات الصلاة عمدا فتبطل صلاته و هلم جرا وكذلك يشترط الإتيان بالحروف فيما هو من النوافل التي رتب الشرع عليها ثوابا حتى يؤجر عليه مثال ذلك لو قراء القران فان له بكل حرف حسنه كما جاء عند الترمذي والحسنه بعشرة أمثالها لكنه لو فتح المصحف وقراء القران في قلبه ولم يحرك شفتيه أيحصل على هذا الثواب ؟ لا يحصل على هذا الثواب . لكنه يحصل على ثواب فكره ونظره في الآيات وفرقوا بين الأمرين .
لو اعترض معترض فيما اتفقوا عليه من انه لابد من الإتيان بالحروف ولا يغني ما في النفس فقال قد جاء في الصحيحين في الحديث القدسي {من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي } فهنا الذكر في النفس وجعله جل وعلى ذكرا فلماذا لا تبرؤن ذمته إذا أتى بهذا اللفظ من حيث المعنى ؟ نقول لا وجود لهذا الاعتراض إذا قرأ باقي الحديث قال { وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه }فدل على أن الذكر في النفس هنا إذا كان خاليا بنفسه ليس معه أحد لأنه جعل الذكر صنفين فبينت الجملة الثانية من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملئ ذكرته في ملئ خير من ملئه .
المسألة الثانية عشرة :
السنة أن يرفع يديه عند تكبيره الإحرام قال النووي رحمه الله وغيره هذا إجماع على أن الرفع لليدين عند تكبيرة الإحرام مسنون لكنه في الحقيقة معارض بالخلاف الواقع فالمسألة فيها خلاف
القول الأول :
القائلون بالسنية ويستدلون على ذلك بحديث بن عمر رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة
الدليل الثاني :ما جاء في سنن النسائي حديث بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه عند تكبيره الإحرام ولم يرفع في غيرها
القول الثاني انه لا يسن ويستدلون على ذلك بما بلي:
حديث النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الحكم لا صلاة لمن رفع يديه الدليل الثاني : ما جاء في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال { علاما تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة } فهذا نهي عن الرفع مطلقا في الصلاة والصواب هو القول الأول أما ما جاء عند الحاكم فلا اصل له و أما ما جاء في صحيح مسلم فانه وارد على سبب يفسره الرواية الأخرى وهذا يدل على أهمية الروايات والإحاطة بها فان سببه أن الصحابة رضي الله عنهم إذا سلم أحدهم عن يمينه وعن شماله رفع يده فقال عليه الصلاة والسلام { إنما كان يكفي أحدكم إذا سلم عن يمينه أن يقول السلام عليكم وإذا سلم عن يساره أن يقول السلام عليكم فهذه تفسر الرواية السابقة فانه لا يشرع للمصلي إذا أراد أن يسلم أن يرفع يده اليمنى ولا إذا أراد أن يسلم عن يساره أن يرفع يده اليسرى ولكن يسكن في الصلاة