الدرس (22 ) باب الاستجمار والاستنجاء (1) ( الفرق بين الاستجمار والاستنجاء وشروط الاستجمار التسعة )

الدرس (22 ) باب الاستجمار والاستنجاء (1) ( الفرق بين الاستجمار والاستنجاء وشروط الاستجمار التسعة )

مشاهدات: 441

بسم الله الرحمن الرحيم

الفقه الموسع – الدرس الثاني والعشرون

فضيلة الشيخ زيد البحري

[ آداب الخلاء ]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة: [إذا فرغ من حاجته تنظّف بالحجر ثم بالماء وهذا أكمل،

وإن اقتصر على الماء فحسن،

وإن اقتصر على الاستجمار مع وجود الماء أجزأ مع تركِه الأفضل]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح/ هذه المسألة هي مسألة ما يفعله الإنسان بعد الفراغ من حاجته:

 

فما يفعله الإنسان بعد الفراغ من حاجته لا يخلو من ثلاث حالات مرتبة على الأفضل:

الحالة الأولى/ أن يستجمر بالحجارة ونحوها ثم يتنظفَ بالماء:

ودليل هذا: ما جاء عند البزار أن النبي ﷺ سأل أهل قُباء لماذا أثنى الله عليكم  إذ قال عز وجل:

{ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} ؟ فقالوا: كنا نتبع الحجارة بالماء ))

وهذا الحديث لو ثبت لكان كما قال الفقهاء في هذا الحال ولكن الحديث ضعيف كما قال البخاري وغيره.

ولكن يُستأنس لهذا:

أن الإسلام أمر بتجنب النجاسة مهما أمكن، ففي هذا الفعل تقليل لملامسة النجاسة، فإزالتها بالحجر أولا يُخفف من ملامسة اليد لهذه النجاسة فلهذا المعنى استحقت هذا الحال أن تكون هي الفُضلى.

 

الحالة الثانية/ أن يقتصر على الماء:

ودليل ذلك: ما جاء في سنن أبي داود: ” أن رسول الله ﷺ سأل الأنصار لماذا أثنى الله عليكم  لقوله تعالى:{ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}؟ فقالوا: كنا نستنجي بالماء “

وهذا الحديث ثابت لكن دون ذكر زيادة الحجارة

ويُستدل له أيضا: بما جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ” كنت أنا وغلام نحوي نحمل إداوة من ماء وعَنَزَة فيستنجي النبي ﷺ بالماء ” والعَنَزَة: عصا تشبه الرمح في ميلانه.

 

الحالةُ الثالثة/ أن يقتصر على الاستجمار

ودليلها: ما جاء في المسند وسنن أبي داود: ” أن الرسول ﷺ قال: إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تُجزئ عنه “

فقوله عليه الصلاة والسلام: ” فإنها تجزئ عنه “

ترفعُ الحَرَجَ الذي قد يُصيب الإنسان فيما لو استجمر بالحجارة مع وجود الماء، لكن استعمال الماء أفضل.

 

وهذه المسألة تعتبر مقدمة لمسائل الاستجمار والاستنجاء،

وإذا اجتمع في الكلام استنجاءٌ واستجمار:

 فالاستنجاء: بالماء، والاستجمار: بالحجارة ونحوها .

 

وقد يُطلق على الاستجمار استنجاءً:

كما جاء في حديث رويفع قال عليه الصلاة والسلام:

(( يا رويفع لعل الحياة تطول بك فأعلم الناس أن من تقلد وترا أو عقد لحيته أو استنجى بعظم أو رجيع دابة فإن محمدا بريء منه ))

 

والاستنجاء: مأخوذ من النجو وهو إزالة الأذى

أما الاستجمار: فلعله مأخوذ من الجِمار، وهي الحصى الذي يستجمر به.

 

ولذا: يُطلق على المكان المرتفع [نَجْوَة] وذلك لارتفاع وترفِّع هذا الإنسان عن هذا الأذى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة شروط الاستجمار:

أولا/ أن يكون طاهرا مُنقيا غيرَ عظمٍ وروث وفحم وطعام الآدميين وبهائمهم

ثانيا/ أن يكون الاستجمار بثلاث مسَحَات، فإن لم يُنقِ فبأكثر، ولا يجزئ أقل من الثلاث،

 ولا بما نُهي عن الاستجمار به -على الصحيح-

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الشرح/ هذه المسألة فيها تفريعاتٌ كثيرة:

 أولا/ من شروط الاستجمار أن يكون طاهرا:

وضِدُّ الطاهر النجِس، والنجسُ لا يزيد المَحَلَّ إلا تلويثا، والمعنى المقصود في الاستجمار: إزالة الأذى لا زيادته؛ ويدل لهذا أن النبي ﷺ:

” أمر ابن مسعود رضي الله عنه أن يحضر له ثلاثة أحجار فأحضر حجرين وروثة فقال عليه الصلاة والسلام: هذه رِكْس ” يعني: نجِس.

وقال عليه الصلاة والسلام عن العظم والروثة: (( إنهما لا يطهران ))

 

ومن ثَم: فإن ما عدا النجس وما استُثنى مما سيأتي يجوز الاستجمار به لأن الرسول ﷺ علق الحكم على التطهير، وهو حاصل بالحجر والأعواد والأوراق والمناديل ونحوها.

 

الشرط الثاني/ أن يكون مُنْقِيا:

وذلك لأن المعنى المقصود من الاستجمار هو الإنقاء، فإن لم يكن منقيا ولو كان طاهرا فوجودُه كَعَدَمِه.

 

الشرط الثالث/ أن يكون غيرَ عظم:

فلا يجوز الاستجمار بالعظام وذلك لتنجيسها على إخواننا من الجن، لأنه جاء في صحيح مسلم:

قال عليه الصلاة والسلام للجن: (( لكم كل عظم ذُكِرَ اسمُ الله عليه يكون أوفر لحما ))

فيكونُ استعماله يؤدي إلى تلويثه

ولذا/ سيأتي في الحديث الوارد عند أبي داود:

(( قالوا يا محمد انه أمتك أن تستجمر بعظم أو روث أو حممة ))

يعني فحما  (( فإن الله قد جعل لنا فيها رزقا ))

وقال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم: (( لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنها زاد إخوانكم ))

زاد الترمذي: (( فإنها زاد إخوانكم من الجن )) وورد بنحوه عند البخاري ،

وقد سيق في حديث رويفع ذكر الوعيد الشديد وهو براءة النبي ﷺ ممن استجمر بعظم إذ قال:

( فإن محمدا بريء منه )) وهذا يدل على أن هذا الفعل من الكبائر

 

فهذه العظام: طعامُ إخواننا من الجن، شريطة أن: يُذكر على هذه العظام اسمُ الله، أما ما لا يذكر اسم الله عليه من الأطعمة فإنه طعام الشياطين.

 

قال عليه الصلاة والسلام: ” إذا دخل الرجل بيته فقال بسم الله قال الشيطان لا مبيت لكم ، وإذا ذكر اسم الله على طعامه قال لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل الرجل بيته ولم يقل بسم الله قال الشيطان: “أدركتم المبيت ”  وإذا لم يقل: بسم الله على طعامه قال الشيطان: ” أدركتم المبيت والعشاء “

 

فلو قال قائل/ لو علمت أن هذا العظمَ لم يُذكر اسمُ اللهِ عليه، أيجوز أن أستجمر به ؟

الجواب: لا يجوز، لأن الأحاديث في النهي عن الاستجمار عامة كما في حديث رويفع

 

ولو قال قائل: أيجوز الاستجمار بالسن؟

الجواب/ لا يجوزُ الاستجمارُ بالسِّن،

 وذلك لأن النبي ﷺ نهى عن التذكية بالسن وقال ﷺ: ” أما السن فعظم “.

 

لو قال قائل: لو تيقنت بأن هذا العظم لم يذكر اسم الله عليه فهل يجوز أن استجمر به؟

فالجواب: أنه لا يجوز أن يستجمر به

ولا يتعارضُ هذا مع الحديث الذي عند مسلم: قوله عليه الصلاة والسلام:

(( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يكون أوفر ما يكون لحما ))

وذلك: لأن الأحاديث الواردة قد أتت بعموم النهي عن الاستجمار بالعظام:

ــ كما في حديث رويفع السابق

ــ وكما في قوله عليه الصلاة والسلام: (( لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام ))

 

ثم علل فقال عليه الصلاة والسلام: (( فإنه زادُ إخوانكم من الجن ))

وليست العلة في النهي عن الاستجمار بالعظام لكونه طعاما لإخواننا الجن، بل هناك علل من بينها:

قوله عليه الصلاة والسلام عند الدارقطني وصححه:

قال عن العظم والروثة: (( إنهما لا يطهران ))

وقال عليه الصلاة والسلام عن الروثة:

 كما عند البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (( إنها رِكس ))

ولا يمتنع أن يكون للحكم عدة علل.

 

ومِن ثَم: فلا يجوز  الاستجمار بالعظام:

ـــ إما لكونها طعاما لإخواننا من الجن

ــ أو لكون بعضِها نجِسا كما هي عظام ما لا يؤكل لحمه ، أو ما يؤكل لحمه مما مات حتْفَ أنفه

ــ أو لأنه قد لا يُطهر للعلة التي جاءت عند الدارقطني، لا لأنها نجسة في بعضها بل للزوجتها

ومِن ثَم: فجميعُ العظام لا يجوزُ الاستجمارُ بها

 

ولذا: فإن السن عظم كما قال عليه الصلاة والسلام، وبالتالي يندرج في الحكم مع العظام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرط الرابع/ أن يكون ما يستجمر به غير روث:

والروث لا يجوز الاستجمار به:

ـــ إما لنجاسته كما ألقى النبي ﷺ الروثة وقال: (( إنها ركس )) أي نجس

 أو لكونها طعاما لدواب الجن، وعلةُ كون الروثة طعاما لدواب الجن، دليلها:

ما جاء عند مسلم قال عليه الصلاة والسلام: (( و كل بعرة علف لدوابكم ))

 

وهذا الحديث يتعارض مع الأحاديث الأخرى التي جاءت بأن العظم والروث من طعام الجن:

ــ  كقوله عليه الصلاة والسلام: (( لا تستنجوا بالروث ولا بالعظم فإنها طعام إخوانكم من الجن ))

وهذا عند مسلم ، ما عدا زيادة (من الجن) فإنها عند الترمذي .

 

ومنها:ـ ما جاء في دليل النهي عن الفحم إذ قالوا: [( فإن الله قد جعل لنا فيها رزقا )]

 

وهذا التعارض في ظاهره: أودى بالألباني رحمه الله أن يضعف ما في صحيح مسلم، وشجّعه على ذلك أن في السند رجلاً فيه شيء من التدليس

 

ولذا: يرى أن العظام والروث طعام للجن ، وليس لدوابهم شيء ولم أر من وافقه أو من سبقه

ولذا:

فكلام العلماء -مما أعلم- من محدثين وفقهاء يقولون بما ورد عند مسلم

 

وبالنظر: نرى أنه لا تعارض وذلك لأن الجن غُلِّبُوا في الذِّكْرِ على دوابهم

والتغليبُ أسلوب من أساليب اللغة العربية .

 

ثم إن في رزق دواب الجن رزقا للجن أنفسِهم، وذلك لحاجتهم إلى دوابهم ، فالدواب رزقٌ لهم، فإذا كانت الدواب رزقا للجن فسببُ بقائها هو في الحقيقة سببٌ لبقائهم ورِزقهم

ولذا قال عز وجل: { وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }

فـ{ مِنَ السَّمَاءِ } قال المفسرون المطر و{ وَالْأَرْضِ } النبات

فجعل ما ينبت من الأرض وما ينزل من السماء رزقا للإنس، مع أن هذا المطر رزق حتى للدواب لشربها ورزق لهذه الدواب ، في إنبات طعامها، فجُعِلَ رِزقا لنا ولهم

 

وأما قوله عليه الصلاة والسلام:  في العظم والروث (( فإنها طعام إخوانكم من الجن ))

يحتمل أن الروث يكون هو بذاته طعاما للدواب؛

 ويحتمل أن يجعل الله عليه رزقا كما هو الشأن في العظام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الشرط الخامس/ أن يكون المستجمرُ به غير فحم:

لما جاء في سنن أبي داود:

(( قالت الجن انه أمتك أن تستنجي بعظم أو روثة أو حُمَمَة فإن الله قد جعل لنا فيها رزقا ))

وقولنا الفحم:

ليس هو الفحم المنحصر في عُرفنا، بل ما أبقَتْهُ النار بعد إطفائها مما احترق بسببها، كأعوادٍ ونحوها،

 ومع أن هذا الحديث ثابت عند أبي داود إلا أن الفقهاء لم يذكروه في جملة ما يُنهى عن الاستجمار به وعدم ذكرهم لا يدل على رفع هذا الحكم الثابت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الشرط السادس/ أن يكون به غير طعام للآدميين:

وذلك للأسباب التالية:

أولا/ أن الطعام نعمة ولذا قال عليه الصلاة والسلام: ” أكرموا الخبز “

والاستجمار بالطعام ليس إكراماً له.

ثانيا/ أن فيه إسرافاً وتبديدا للمال في غير وجهه المشروع، وقد قال تعالى { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا } فإذا نُهي عن السرف فماذا يقال في الاستجمار بالطعام! يقال سَرَفٌ وزيادة .

ثالثا/ أن طعام الجن لا يجوز الاستجمار به، فلا يجوز للإنس أن يستجمروا بطعام الجن، فعدم جوازه بطعامهم من باب أولى .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

الشرط السابع/ أن يكون المستجمرُ به غير طعام بهائم الإنس:

وذلك للعلل السابقة، ثم إذا كان الإنس يُنهون عن الاستجمار بطعام دواب الجن، فبطعامِ دوابهم من باب أولى؛ وذلك مثل: أن يستجمرَ بعشب، وهذا قد يحصل إذا كان شخص في برية ويتبول ويتغوط على مكانٍ مُعْشِب، ومثل هذا لا يجوز ، وهذا القياس قياسٌ على ما ورد عند مسلم.

 

ولو قال قائل: على القول بأن ما عند مسلم ضعيف كما يراه الألباني، فهل يبقى هذا الحكم ؟

نقول: نعم يبقى، لما ذُكر في السببين الأوليين في تحريم الاستجمار بطعام الجن.

 

وهنا فائدة عابرة وهي: أنه على القول بقول الألباني رحمه الله: أن العظم والروث طعام للجن، يكون في هذا دليل على أننا نختلف عنهم في بعض الأحكام الشرعية، وذلك لأن الروث لا يجوز لنا أن نأكله،

 بل إن ظاهر حديث النهي عن الاستجمار بالحممة يدل على أنه طعام للجن الذي هو الحُمَم، وهذا الحُمم لا يجوزُ أكْلُه لما فيه من الضرر الواضح البين على ابن آدم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الشرط الثامن/ أن يكون الاستجمار بثلاث مسحات:

ولو قال قائل: ما الدليل على هذا؟

فنقول: حديث سلمان، قال: نهانا رسول الله ﷺ أن نستجمر بأقل من ثلاثة أحجار.

 

ولو اعترض معترض فقال:

[ إن الحديث نص على الحجر ولم ينص على المسح، وأنتم تقولون -ويقصدوننا – وأنتم تقولون:

لو أن هناك حجرا ذا ثلاثِ شُعبَ فيجوزُ له أن يستجمر بكل شُعبة مع أنه حجر واحد، والحديث نص على ثلاثة أحجار، والنبي ﷺ قال كما في حديث ابن مسعود عند البخاري:

 ” فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار ” فما جوابكم ؟

الجواب/ نقول ما قلتم هو صحيح لو لم ترد رواية بالمسح، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام: نهى أن يُتمسح بعظم أو روثة ” كما عند مسلم؛ فهذه الرواية تُبين المقصود،

 أما إذا كان حجرا واحدا لا شُعَبَ له:

 فلا يجوز ولا يجزئ المسح عليها مرة أخرى، وذلك لو أنه أعاد المسح على هذا الموضع الممسوح به سابقا لزاده تلويثا، وهذا يُخالِفُ الإنقاء، ولذا فإن الثلاثة الاحجار قد لا تجزئ وذلك فيما لو لم يحصل إنقاء فيزيد حتى يُنقي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الشرط التاسع/ ولا يجزئ أقل من الثلاث:

وهذه مسألة خلافية بين العلماء:

فأبو حنيفة رحمه الله يرى أن الإنقاء لو حصل بواحدة أو اثنتين فيكفي، بقطع النظر عن عدد الأحجار

وله أدلة في هذا:

أولا: حديث ابن مسعود رضي الله عنه، إذ أتى بالحجرين والروثة فأخذ عليه الصلاة والسلام الحجرين وألقى الروثة، وقال عن الروثة إنها رِكس ، ولم يأمره بالإتيان له بحجر آخر.

الدليل الثاني: أن المقصود من الاستجمار هو الإنقاء، وقد حصل الإنقاء.

ولكن القول الصحيح: أنه لابد من ثلاثة أحجار فإن لم تنق فبأكثر، والدليل:

حديث سلمان: ” نهانا رسول الله ﷺ أن نستجمر بأقل من ثلاثة أحجار “.

 

الدليل الثالث/ حديث ابن مسعود رضي الله عنه فأمره عليه الصلاة والسلام  ابتداء أن يأتي له بثلاثة أحجار، أما قوله عليه الصلاة والسلام في الروثة بأنها ركس ولم يأمره بالإتيان بحجر ثالث

فالجواب: أن الحنفية غفَلوا عما جاء في المسند وهو أمْر النبي ﷺ: (( أن يأتي له بحجر ثالث))

قال ابن حجر رحمه الله في الفت: رجاله ثقات أثبات ،

وعلى التنزل بعدم وروده: فالأمر الأول وهو الأمر بالإتيان بثلاثة أحجار كافٍ عن أمر آخر متجدد

وذلك لأن القاعدة في الأصول: [( أن الأمر لا يقتضي التكرار )]

 

مثال ذلك: لو قلت لخادمك ( أعطني كأسا من الماء )فإن أحضره فلا يلزمه أن يأتي بكأس ثانٍ إلا بأمْرٍ آخَر؛ أما إذا لم يحضره فلا يلزم أن يقتضي الأمرُ الأول أمرا آخر

ولذا ابن مسعود هل أتى بالأمر الأول  ؟

الجواب: لم يأت به؛ فلا يحتاج أن يُعاد إليه الأمر مرة أخرى، هذا على القول مع التنزل بعدم صحة رواية أحمد،

 بل قد يقال مع هذا التنزل: لعل في أحد هذين الحجرين شعبا، فـاكتفى النبي صلى  الله عليه الصلاة والسلام بهذه الشعب؛ [ والدليل إذا طرأ عليه الاحتمال القوي بطل به الاستدلال ]

 

أما قولكم: بأن المقصود هو الإنقاء، فيقال: بأنه عليه الصلاة والسلام ما أكّد على ثلاثة أحجار إلا لوجود حكمة ومعنى، وإلا يصبح هذه الكلام حشوا وهو منزه عليه الصلاة والسلام

ثم لو قيل بما قلتم:

فإن عدة المطلقة التي تحيض: عدتها ثلاثُ حيض ، ومع ذلك قد يُستبرأ بما في رحمها بحيضة واحدة، والشرع لم يجعل هذا كافيا في الفراغ من العدة؛

 ولعله عليه الصلاة والسلام  أكد على الثلاث مبالغة في التنظف والتطهر حتى لو حصل الإنقاء بحجر أو حجرين، وذلك لأن الاستجمارَ ليس كالاستنجاء، أراد عليه الصلاة والسلام المبالغة في التنظف مع دفع المشقة عن أمته فيما لو زاد على الثلاث، فاكتفى عليه الصلاة والسلام بأقل الجمْع، وأقل الجمع: ثلاثة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

من فروع هذه المسألة: مسألة الاستجمار بما نُهي عن الاستجمار به:
قال بعض العلماء:

[ إن الاستجمار بما نهي عن  الاستجمار به: لا يجزئ لو حصل الإنقاء؛ وذلك لأن النبي ﷺ نهى عن هذه الأِشياء، والنهي كما هو مقرر في الأصول يقتضي الفساد ]

 

القول الثاني: إذا حصل الإنقاء فإن الاستجمار يكون صحيحا

وذلك هو رأيُ شيخ الإسلام رحمه الله، ولم يؤكد صراحةً وإنما نصُّ عبارته قال:

 [ يمكن أن يصح استجمارُ مَن استجمر بما نهي عنه، ويلزمه أن يطهره من هذه النجاسة ]

والأقرب: عدم الصحة، لأن في ذلك مصادمة لنهي النبي ﷺ

بل إن قوله عليه الصلاة والسلام: ” إنهما لا يطهران ” قاطع وفاصل في موضع النزاع

مع العلم بأن شيخ الإسلام رحمه الله يقول:

[ إن الاستجمار بالرجيع لا يجزئ، إما لنجاسته وإما لكونه طعامَ بهائم الجن  ]

 

وعدمُ الإجزاء أو صحةُ هذا الفعل لا ينفي حصولَ الإثم، فكلا القولين يرى أصحابُهما أنه آثِم،

 وليس هذا محلَّ نزاع، وإنما محل النزاع ما سبق، وقد سبق معنا: أنه لا يجوزُ أن يقضيَ حاجته على ما نهي عن الاستجمار به.