الدرس ( 27 ) خصال الفطرة (3) الختان ( مسائل مهمة متعلقة بالختان )

الدرس ( 27 ) خصال الفطرة (3) الختان ( مسائل مهمة متعلقة بالختان )

مشاهدات: 446

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس السابع والعشرون من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

باب خصال الفطرة – الخِتان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: [ الختان يجب على الصحيح على الرجال، وأما النساء فسنة،

 وقبل البلوغ أفضل سواء كان رجلاً أو أنثى،

 والمصلحة من الختان للرجال الطهارة، وأما المصلحة للنساء فإنه يخفف شهوتها،

ولا يُبالَغ في ختانها ولا يكره في اليوم السابع ولا قبله ولا بعده ]

الشرح:

الختان يسمى خِفاضاً لقوله ﷺ لأم عطية كما عند الطبراني:

” اخْفِضِي ولا تُنْهِكِي ” ويُسمى: إعذاراً.

 

وحكم الختان اختلف العلماء في وجوبه:

 فجمهور العلماء يرون أنه سنة وليس بواجب ويستدلون على ذلك بعدة أدلة:

 أولاً: ما جاء في الصحيحين قوله ﷺ “خمس من الفطرة” وذكر منها الختان.

ثانيا: قوله ﷺ كما في المسند “الختان سنة للرجال، مَكرمة للنساء”.

القول الثاني: أنه يجب على الرجال، أما النساء فيستحب لهن ويستدلون على ذلك بأدلة:

أولاً: ما جاء في الصحيحين “خمس من الفطرة ” والمراد بالفطرة أي الطريقة، وليس المراد منها الاستحباب.

ثانياً: ما جاء في المسند “الختان سنة للرجال مكرمة للنساء” فالتعبير اختلف في حكم الرجال واختلف في حكم النساء، فدل على وجوبه للرجال، فتكون السنة في هذا الحديث هي الطريقة، وليست السنة في هذا هي السنة التي تقابل الواجب.

الثالث: أن الله جل وعلا قال ﴿ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ حَنِیفࣰا﴾ [سورة النحل:123] وملة إبراهيم من بينها الاختتان، ولذا كما جاء في الصحيحين اختتن بالقَدُوم وهو ابنُ ثمانين سنة، بالقَدُوم بالتخفيف،

قال النووي -رحمه الله-: اتفق رواة مسلم على التخفيف، أما رواة البخاري رحمه الله فمنهم من خفف، ومنهم من شدد، (اختتن بالقَدُّوم)

ورواية التشديد تحتمل القرية أي أنه اختتن في قرية اسمها القدوم، ويحتمل أنها الآلة التي يُختتن بها.

 قال رحمه الله: والكثير على التخفيف وعلى إرادة الآلة.

 وقد جاء في صحيح ابن حبان أنه ﷺ أخبر عن إبراهيم ﷺ أنه اختتن وهو ابن عشرين ومائة سنة،

 وعاش ثمانين سنة.

قال ابن حجر رحمه الله، جامعا بين هاتين الروايتين: من روى الثمانين فقد حسب من أول ولادته، وتكون رواية الثمانين من مولده،

 وأما رواية ابن حبان فتكون من مَبعثه ﷺ، والأنبياء كما هو المشهور يُبعثون عند رأس أربعين سنة لقوله تعالى ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ [الأحقاف:15].

 

ويستدلون أيضا:

رابعاً: ما جاء في سنن أبي داود: أن النبي ﷺ قال لقيس بن عاصم لما أسلم:

” ألق عنك شعر الكفر واختتن ” فأمَره بالختان.

الدليل الخامس: أن الختان علامة تُميز المسلم عن الكافر.

سادساً: أن فيه كشفاً للعورة، وكشْفُ العورة يستلزم من ذلك وجوبَ الختان فلا تُكشف إلا لما هو واجب.

الدليل السابع: أن فيه قطعاً لعضو، وقطع العضو من الإنسان محرم، فلا يستباح هذا المحرم إلا لكونه واجباً.

وقد قال بعض العلماء: يحرم الختان قبل عشر سنين، وإنما مشروعيته بعد العشر، لقوله ﷺ:

 “مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر” وهذا الختان أشد في الإيذاء من الضرب، فيكون في حكمه إن لم يكن أولى.

 وبالنظر إلى ما ذكر يكون القول بالوجوب هو القول الصحيح في حق الرجال.

 أما ما استدل به أصحاب القول الأول فليس فيه دلالة على السنية إنما فيه بيان أن هذا الفعل من طرائق الفطرة.

 وأما من قال بتحريمه قبل بلوغه عشرَ سنين فيُرد عليه بأن الضرب ليس محرماً قبل عشر سنين فقد يؤدب الصغير قبل عشر سنين لمخالفته أو لإيذائه أو لأي معنى آخر، ولذا قال بعض السلف:

 (كانوا يضربوننا على العهد والشهادة ونحن صغار) فإذا أكثروا من العهودِ والشهادةِ وهم صغار ضُرِبوا

 

والنهي عن الضرب إنما هو في مَن تهاون من الصغار في أداء الصلاة.

 

 وأما أدلة من قال بالوجوب فليست كلها قوية فبعضها عليها مداخل،

فالدليل الأول لا يدل على الوجوب وهو قوله ﷺ “خمس من الفطرة” وذلك لأن خصال الفطرة ليست كلها واجبة، ولذا مر معنا بأن السواك من خصال الفطرة وهو سنة،

 وأيضا الانتضاح من خصال الفطرة وهو: أن يرش على سراويله أو مذاكيره ماء بعد الوضوء حتى يقطع عنه الوسواس.

 فعند تتبع هذه الخصال نجد أن منها ما هو سنة.

 

أما الدليل الثاني وهو الختان سنة للرجال، فهو حديث ضعيف فلا تقوم به حجة.

 

أما الدليل الثالث: وهو قوله ﷺ “ألق عنك شعر الكفر واختتن” فهذا حديث محل خلاف بين العلماء فمن مصحح ومن مضعف، وممن يضعفه النووي رحمه الله، وممن يصححه الألباني رحمه الله.

 

الدليل الرابع: أما قولكم إنه علامة تميز المسلم على الكافر فليس على إطلاقه وذلك لأن اليهود يختتنون.

 

وأما الدليل الخامس: وهو القول بأن فيه كشفاً للعورة ولا تُكشف العورة إلا لما هو واجب، قد يُدخل عليه بأن العورة تكشف للحاجة كالمداواة مثلاً.

 

وأما الدليلُ السادس: وهو أن الختان من سنة إبراهيم عليه السلام وأمِرنا باتباعه، فليس فيه صراحة وإنما هو فعل من إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والمقرر في الأصول أن فِعل نبينا ﷺ المجرد لا يدل على الوجوب إنما يدل على الاستحباب، فكيف بفعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

 فيكون أقوى الأدلة:

 1- الحديث الوارد المختلف فيه

2- والدليل بأنه قطعْ ُشيء من البدن لا يستباح إلا لواجب.

3- ويزاد في أدلة الوجوب وهو دليل قوي: أن عدم الختان للرجل حَبْسٌ للنجاسة في هذه القُلفَة وهو مأمور بالتنزه عن النجاسة لقوله ﷺ: “استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه”

ولقصة الرجلين الذين يعذَّبَان كما مر معنا كان أحدهما لا يستنزه من بوله

ولذا شدد فيه ابنُ عباس رضي الله عنهما فقال (لا تصح له صلاة ولا حج) وهذا قول صحابي يدل على رجحان القول بالوجوب.

 

وقد قال بعض العلماء وبالغ في قوله وهو عطاء رحمه الله قال:

إنه لا يصح الدخول في الإسلام إلا بالختان وهذا مخالف لأحاديثَ كثيرة من بينها قول النبي ﷺ:

 “من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل”.

 

 وعلى القول بالوجوب: فإنه يُسَن في الصغر حتى ولو قبل العاشرة خلافاً لمن حرمه قبل العاشرة،

 فيسن قبل البلوغ وذلك لأنه أسرع في البُرء، وأبعَدُ عن كشف عورة الكبير، فعورة الكبير ليست كعورة الصغير في الحكم الشرعي.

 وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: ويجب عند البلوغ

وعلى القول بوجوبه فإنه يسقط إذا وُجِدَ الضرر لقوله ﷺ كما عند ابن ماجه: “لا ضرر ولا ضرار” وللقاعدة الشرعية [الضرر لا يزال بالضرر]

فبقاؤها ضرر لكن في إزالتها ضررٌ أكبر من الضرر الأول

 

 وقد عد الفقهاء أن هذا من المواضع التي تكون السنة فيها أولى من الواجب وهو الختان قبل البلوغ.

 ومن بين ما ذكروا: الوضوء قبل دخول الوقت،

وذكروا من بين ما ذكروا: أن البداءة بالسلام أفضل من الرد

 وعلى اعتبار ما ذكروا فليس هذا المذكور مخالفاً لحديث النبي ﷺ في الحديث القدسي عند البخاري:

 “وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه” فيكون الفرض أحبَّ إلى الله ﷻ من السنة

 

فليس فيما ذكروا مخالفة لهذا الحديث وذلك لأن الإتيان بها إتيان بالواجب وزيادة،

 فيدخل في النصوص الآمرة بالمسارعة إلى الخيرات لكن إن اعتبرت لا ينبغي أن تطلق هكذا حتى توضح كما أسلفنا.

 

 وأفضل وقت للختان ما كان قبل البلوغ، وكلما كان في سن مبكرة كان أحسن.

وقد كره بعض العلماء أن يختتن في اليوم السابع وذلك حتى لا يتشبه باليهود، ولكن الصحيح: أنه لا دليل على المنع ولا دليل على أن اليهود كانوا يفعلونه في هذا اليوم، بل قال ابن عباس رضي الله عنهما في الصبي مما يعارض هذا القول: (من السنة أن يُسمى في اليوم السابع ويختتن) وهو حجة لو صَح،

 لأن قول الصحابي (مِن السنة كذا ) يكون مِن قبيل المرفوع حكماً، لكنه ضعيفٌ كما قال ابن حجر رحمه الله ومِن ثَم:

 لا كراهة لا في أول يوم ولا في اليوم السابع ولا بعده.

 

 وقد ذكر بعضُ أهل السير أن النبي ﷺ وُلِدَ مختوناً، وقال آخَرون: إنما خَتَنَه جدُّهُ عبدُ المطلب

 والأصلُ إلّا إذا وُجِدَ دليل: الأصل أنه ﷺ بشر كغيره من البشر ويعتريه ما يعتري البشر، إلا أنه ﷺ منزه عن سَفْسَاف الأقوال والأفعال.

 

 وطريقة ختان الرجل: إزالةُ الجِلدة التي على الحَشَفة، فبإزالتها يسهُلُ خُروجُ النجاسة،

 وهذه المصلحة من الختان وحسبك بها من مصلحة.

 وأما المصلحة من ختان المرأة: فهو لتخفيف شهوتها، ويكون ختانها: بإزالة جزءٍ يسير من اللحمة التي في أعلى الفرج التي تشبه عُرفَ الديك، ولا يَحسُنُ المبالغة في قَصِّها لقوله ﷺ لأم عطية:

” اخْفِضِي ولا تُنْهِكِي، فإنَّهُ أنْضَرُ للوَجْهِ، وأحْظَى عند الزَّوْجِ “

ولا تنهكي: يعني لا تُبالغي في استئصال القطع

” فإنَّهُ أنْضَرُ للوَجْهِ ، وأحْظَى عند الزَّوْجِ ” وذلك لأن المرأة في حال الجماع إن لم تكن متعايشةً مع الزوج فيه صارت بعيدة عن قلبِه فتزولُ هذه الحَظوة أو تقِلّ.

 

ودليل سنية الختان للمرأة: قوله ﷺ “خمس من الفطرة” وعند مسلم “عشر من الفطرة”

فلا يقتضي هذا السياق الحصرَ

 فقوله ﷺ “خمس من الفطرة” هذا عام يشترك فيه الرجال والنساء ولم يفصل ﷺ،

والقاعدة المقررة في علم الأصول [ترْكُ الاستفصال يُنَزَّل منزلة العموم في المقال]

ويستثنى من هذا بعض الخصال التي أخرجها الدليل

 وأيضا قوله ﷺ “إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل” وهذا يدل على أن من عادتهم أن تُخَتّنَ المرأةُ.

 وأيضا ما أخرجه الطبراني في قوله ﷺ لأم عطية:

” اخْفِضِي ولا تُنْهِكِي، فإنَّهُ أنْضَرُ للوَجْهِ ، وأحْظَى عند الزَّوْجِ “.