الدرس ( 3) أقسام المياه وأنواع النجاسات (حكم الوضوء بفضل طهور المرأة ـ غسل اليد والاستنثار بعد الاستيقاظ )

الدرس ( 3) أقسام المياه وأنواع النجاسات (حكم الوضوء بفضل طهور المرأة ـ غسل اليد والاستنثار بعد الاستيقاظ )

مشاهدات: 502

الفقه الموسع/ الدرس الثالث ـ باب المياه

فضيلة الشيخ زيدبن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل/

مسألة : يُكرَه أن يتوضأ الرجل بفَضْلِ طَهور المرأة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح /  صورة هذه المسألة عند الفقهاء:

أن تذهب امرأة فتخلو بإناء فيه ماء فتتوضأ منه دون أن يراها أحد، فيبقى من هذا الماء فَضْلَة

فهل يجوز أن يتوضأ الرجل من هذه الفضلةِ الباقيةِ في الإناء، أم لا؟

فأجابوا: بأنه يكره، ويستدلون على ذلك بما جاء في المسند والسنن  :

( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة )

 

وإنما اقتصروا على الكراهة مع أن النهي كما هو مقرر في أصول الفقه يقتضي التحريم،

 اقتصروا على الكراهة لأنه ورد صارفٌ يصرف هذا النهي عن التحريم إلى الكراهة

وهذا الصارف هو: ما جاء عند مسلم  :

(( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من فضل ميمونة  ))

 

ولما جاء في السنن: (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يغتسل من جَفنة قد اغتسلت منها إحدى نسائه، فقالت : يا رسول الله إني كنت جنبا

فقال عليه الصلاة والسلام  : إن الماء لا يُجنِب )) فهذا هو الصارف للنهي.

 

ولو قال قائل: إذاً/ ما الحكمة في هذا النهي؟

فنقول: الحكمة هي نهي الشارع

ومن ثم: فيجب على المسلم أن ينفذ ما شرعه الله له أو شرعه له رسولُه صلى الله عليه وسلم، سواءٌ اطّلَعَ على الحكمة أو لم يَطّلِع عليها

 

والسؤالُ عن الحكمة: لا عتبَ فيه، لكن العتب ألا يعملَ حتى تستبينَ له الحكمة، فبمجرد الأمْر تأتمِر وبمجرد ورود النهي تنزجر، علمتَ الحكمة أم لم تعلمها، فإن علِمتها فيكون أبلغَ في الاطمئنان، أي في اطمئنان قلب العبد إذ عَمِلَ عملا يعرف حكمته،

 وإن لم تعلمها فعملك لهذا العمل أبلغُ في الانقياد والتسليم لشرع الله عز وجل،

ولذا قال عز وجل: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فليس لك خيار

فمقتضى ومفهوم العبودية: هو الاستسلام والانقياد والقَبول

ولهذا: ” لما سألت -عن الحكمة- تلك المرأةُ عائشةَ رضي الله عنها كما في الصحيحين

قالت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟

فأجابتها عائشة رضي الله عنها بأعلى وأعظم وأجل الحكم قالت:

(( كان ذلك يصيبنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ))

فردتها إلى أمر الشرع

 

ومما يدل على جواز السؤال عن معرفة الحكمة، أدلةٌ كثيرة نذكر واحدا منها :

وذلك/ ” أنه عليه الصلاة والسلام لما أخبر بأن أكثر أهل النار النساء، قالت امرأة جَزْلَة ــ يعني: ذات فِطنَة وذكاء ــ لِمَ يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: بكفرهن

قالت أيكفرن بالله؟ فقال: ” لا  ، يكفرن العشير ــ يعني الزوج ــ  لو أحسن إلى إحداكن الدهرَ كلَّه ثم رأت منه شيئا قالت: ما رأيتُ منك خيرا قط ” أخرجه الإمام مسلم رحمه الله

ولم يعتب عليها عليه الصلاة والسلام حينما سألت عن الحكمة بل أجابها

 

فيا ترى ما الحكمة في هذا النهي؟

بعد المراجعة الطويلة في كتب الفقه والحديث ما وجدت كلاما لأحد العلماء يبين هذه الحكمة

ولذا/ قال في حاشية الروض: [ الحكمةُ تعبُديّة ]

يعني: يجب أن تتعبد لله مع علمك بأن هذه الشريعة تأتي بالمصالح وتدرأ المفاسد، فما من أمْرٍ أو نهي في الشرع إلا وله حكمة، لأنه جل وعلا لا يأمر ولا ينهى عبثا

ولذا/ قال عز وجل  : { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} ثم بين أن مشيئته نابعة من حكمة قال:

{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

 

وقد استثنى الفقهاء في ذلك [ التراب ] :

وقالوا  : ” إنه غير داخل في هذا النهي فلو بقي من هذا التراب الذي تيممت به فضلة فلا نهي هنا “

وكذلك استثنوا [ المرأةَ مع المرأة  ]:

فلو بقي من المرأة فضلة ما فيجوز لامرأة أخرى أن تتوضأ منه .

 

والعجيب فيما اشترطوه من الخلوة!

العجيب أنه ليس عليه دليل إلا قول عبد الله بن سَرْجَس:

(( أما إذا خلت به فلا تقربنه )) وهذا ليس بدليل كافي على التقييد

ومن ثم :

فإن النهي باقٍ ولو مع عدم الخلوة ، لعموم الحديث : (( نهي الرجل أن يتوضأ بفضل طهور المرأة ))

 

والعجيب أيضا: أنهم حصروا النهي في حق الرجل

مع أنه ورد حديث صححه ابن حجر رحمه الله  في البلوغ

(( نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل طَهور المرأة، وأن تغتسل المرأةُ بفضل طهور الرجل ))

 

ومقتضى هذا الحديث  :

أن الحكم عام في حق الرجل وفي حق المرأة، لكن إذا توضأ أحدهما بفضل طهور الآخر فإنه لا يأثم لأن النهي لكراهة التنزيه ووضوؤه يكون صحيحا لفعله عليه الصلاة السلام في الحديثين السابقين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة: [ يجب أن يغسل كفيه ثلاثا وأن يستنثر ثلاثا إذا قام من نوم الليل،

 أما نوم النهار فعلى الاستحباب خلافا لمن أوجبه ]

الشرح/ هذه المسألة لها شِقّان:

الشق الأول: غَسْلُ اليد بعد الاستيقاظ من النوم

الشق الثاني: الاستنثار بعد الاستيقاظ من النوم

 

أما الشق الأول: فيدل له حديث النبي ﷺ عند مسلم وعند البخاري بنحوه،

 قال عليه الصلاة والسلام:

” إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فلا يُدخِل يدَه فِى الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فإن أحدَكم لاَ يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ “

 

أفاد هذا الحديث: أن هذا النهي للتحريم وليس للكراهة

وأفاد أيضا: أن النبي ﷺ لم يتعرض لحكم الماء فيبقى على طَهوريته.

وأفاد أيضا: لزومَ غَسْلِ اليد ثلاثا.

وأفاد أيضا: أن هذا الحكم خاص بعد الاستيقاظ من النوم.

 

لكن لو قال قائل: ما ضابطُ هذا النوم؟

الجواب/ أنه النوم الذي يحكم فيه على الوضوء أنه منتقض وهو النوم الكثير، لأنه عليه الصلاة والسلام علل فقال: ” فإن أحدَكم لاَ يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ “، وصاحب النوم القليل يعلم أين باتت يده.

 

وأفاد هذا الحديث: عموم حالات النوم سواء كان نوم ليل أو نوم نهار

لأن كلمة (نوم) مفرد أضيفت إلى الضمير [ الهاء ] والمفرد إذا أضيف إلى معرفة يفيد العموم

وهذا هو أحد القولين.

 

والقول الثاني يقول: إن هذا الحكم خاص بنوم الليل: لأن الرسول ﷺ قال:

” فإن أحدَكم لاَ يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ “، والبيتوتة لا تكون إلا في الليل.

 

وأجاب أصحاب القول الأول عن هذا الاستدلال:

بأن ذِكْرَ البيتوتة ذِكر للغالب فلا يفهم منه أن نوم النهار خارج عن هذا الحكم

والقاعدة كما في الأصول:

[ أن النص إذا جاء في سياق الغالب أنه لا مفهوم له  ]

 

ورد هذا أصحاب القول الثاني، فقالوا:

 [ إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في حديث آخر:

” إذا قام أحدكم من نوم الليل فلا يدخل يده في الإناء ” الحديث

 

ــ ولأن الرسول ﷺ قال كما في الصحيحين:

” إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ “

فذكر البيتوتة مع ذكر الشيطان متلبسا بها

والشيطان: كما جاء في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام قال:

” يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ “

موضع الشاهد يقول: ” عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ ” وذكر هنا الليل.

 

وأيضا/ لما أخبر عليه الصلاة والسلام بأن رجلا نام حتى أصبح قال عليه الصلاة والسلام:

” ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ “

وذَكَر الشيطان متلبسا بهذا الرجل في نوم الليل، وهذا القول هو الصحيح.

ولأن النبي ﷺ ذكر البيتوتة بعد قوله (من نومه)  فدل على أن هناك تخصيصا لنوم الليل لأن كلمة نومه عامة فلما أتى بعدها بكلمة (بات) دل على أن المقصد هو الليل ولم يقل فإن الشيطان ينام على خيشومه.

فيكون مفهوم البيتوتة معتبرا

وذلك لأن الأصلَ في المفهوم اعتباره لاسيما مع وجود هذه الأدلة

والأحوط للمسلم: أن يغسل يديه ثلاثا بعد استيقاظه من نوم النهار، لأن أقل أحواله الاستحباب،

لأن للقول الأول شيئا من الوجاهة.

 

وأفاد هذا الحديث: ذِكْرَ الإناء، ومِن ثَم فتَخرُجُ الحِياضُ والأواني الكبيرة، وهذا قد قال به الصنعاني في سبل السلام.

والذي يظهر لي أن الحكم عام، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لم يتعرض للماء حتى يقال يُفَرّقُ بين الماء القليل والكثير، وإنما تعرض عليه الصلاة والسلام للأذى الذي قد يَلحق النائم بعدم غَسْلِه ليديه،

وحصول هذا الأذى يَصدُق على القليل والكثير، لأن نوعية هذا الأذى غيرُ مُدرَكةٍ وغيرُ مذكورةٍ في الحديث، لاسيما وأن هذا الأذى من العدو الكبير لبني آدم وهو الشيطان، فلا يَدّخِرَ هذا العدو وسعا وسبيلا في أذية ابن آدم.

ولأنه صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال له: ” أرأيت الحياض الكبيرة؟ فقال ابن عمر:

 ” أقول قال رسول الله وتقول الحياض كبيرة “.

 

وأفاد هذا الحديث: أن العلة مُصَرَّحٌ بها وهي:

 قوله عليه الصلاة والسلام: ” فإن أحدَكم لاَ يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ “،

خلافا لمن قال: ” إن العلة تعبدية ” ومر معنا: توضيحُ معنى الأمر التعبدي

 

فالعلة في هذا الحديث إذا ضُمَّت مع حديث وجوب الاستنثار اتضحت العلةُ اتضاحا لا لبس فيه

وذلك كما ذكر في الحديث السابق:

” إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ “

 

فتكون العلة: حصول الأذى من الشيطان فلربما أوصل هذا الشيطان أذًى إلى هذا النائم.

 

ومن ثم/ لو قال قائل: أنا أعرف أين باتت يدي!

قلنا: كيف؟ قال: أضعهما في قفازين أو أشد عليهما بوِثاق.

فنقول له: ” يجب أن تغسلهما وذلك لأن الشيطان قادرٌ على أن ينفُذَ إلى يديك فيؤذيهما وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: ” إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ “

وأما زيادة: ” فضيقوا مجاريه بالجوع ” فلا أصل لهذه الزيادة، فهو يجري من ابن آدمَ مجرى الدم.

 

قال بعض العلماء: يراد من هذا الحديث كثرةُ وساوسه.

وقال بعض العلماء: -وهو الصحيح- قالوا: إنه على ظاهره.

 

ولو اُعتُرِضَ فقيل: كيف ينفذ إلى ابن آدم وهو جرم؟

لأنه عليه الصلاة والسلام قد أمسك الشيطان حتى أحسَّ ببرد لعابه؟
فيقال: لا مانع من نفوذه في الجسم مع أنه جُرم، شأنه كشأن الروح

فروحُ ابن آدم: الصحيح أنها جرم لطيف

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه [ الروح ] مائة وستة عشر وجها تؤكد ذلك

من بينها: ما جاء في الأحاديث أنها تُكفن وتطيب ويتبعها البصر، وهذا لا يكون لشيءٍ معنوي وإنما يكون لشيء محسوس.

وبالتالي/ فيجب عليه أن يغسل يديه

 

وضابط اليدين، أو المراد من اليدين، هما: الكفان

فالقاعدة أن اليد إذا أطلقت في النصوص الشرعية دون تقييد، فالمراد بها الكف،

كقوله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} أي: الكف.

وكقوله عليه الصلاة والسلام في المسند:

مَن أفضى بِيَدِهِ إِلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ دُونَهُ سِتْرٌ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ “

والمراد الكف، وهنا أطلقت اليد، فيكون المراد هو الكف.

 

أما إذا قيدت اليد فهي على ما قُيدت به:

والدليل قوله تعالى: { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} فيجب غسل اليدين في الوضوء إلى المرافق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشق الثاني/ الدليلُ عليه قوله عليه الصلاة والسلام:

” إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ “

أفاد هذا الحديث: أن النائم يجب عليه أن يستنثر ثلاثا بعد استيقاظه من النوم

وهل هذا النوم هو نوم الليل، أم أنه نوم الليل والنهار؟

الكلام فيها كالكلام في المسألة السابقة، كما أن الكلام في ضابط النوم كالكلام في الضابط السابق.

 

وأفاد هذا الحديث: أن الاستنثنار يكون ثلاثا

وقد جاءت رواية في البخاري تدل على أن المستيقظ من النوم إذا أراد الوضوء، فإن استنثار الوضوء يكفي عن هذا الاستنثار، لقوله عليه الصلاة والسلام:

” إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ، فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ “.