الدرس الحادي والثلاثون
من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد البحري
صفة الوضوء
في مجملها صفة معروفة وذلك أن يغسل كفيه ويتمضمض ويستنشق ، ثم يغسل وجهه ثم يغسل يديه ، ثم يمسح رأسه ، ثم يغسل قدميه ،
مسألة :
التلفظ بالنية بدعة سواء كانت سراً أم جهرا
الشرح
النية هي الإرادة والقصد ، فمتى ما نويت الشيء فقد أردته ، والنية هي أسهل ما يكون على المكلف بخلاف ما يتوهمه الموسوسون من أن النية شاقة وليس كما توهموا ولذا قال بعض العلماء : لو كلفنا الله عز وجل ألا ننوي فعل الشيء الذي نريد أن نفعله لكان هذا من تكليف ما لا يطاق فمثلا ،لو أن الإنسان أراد الوضوء فقيل له لا تنو الوضوء لما استطاع وذلك لأن إرادته للوضوء هي النية والنية نوعان
فنية العمل / هي مراد الفقهاء .
وأما نية المعمول له / فهي مراد علماء العقيدة ، فيتحدث عن نية العمل الفقهاء ، ويتحدث عن نية المعمول له علماء العقيدة ،ونية العمل / لا يصح العمل عنها مجردا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمر رضي الله عنه في الصحيحين ( إنما الأعمال بالنيات )
وورد بدون أداة الحصر ، فهذا تأكيد منه وتحقيق بأن العمل لا يكون صحيحا إلا بنية والنية / شرط من شروط الوضوء ، وهي في الوضوء ومع الوضوء على أربع حالات
الحالة الأولى
أن يستصحب ذكرها ، ومعنى ذلك ألا يغيب خاطره عن ذكرها من بداية الوضوء إلى نهايته وهذا مستحب
الحالة الثانية :
أن يستصحب حكمها لا ذكرها وذلك بحيث أنه ينوي الوضوء في أوله ثم تغيب عن خاطره وهذا واجب
الحالة الثالثة :
ان ينوي قطعها وهذا يبطل الوضوء .
الحالة الرابعة :
تختلف عن الحالة الثالثة ، وذلك ان ينوي قطعها بعد الفراغ من الوضوء ، أما الثالثة فنيته أن يقطعها في أثناء الوضوء ، والقاعدة [ أن قطع النية بعد الفراغ من العمل لا يضر ] فلو أن إنسانا بعدما فرغ من وضوئه قطع نية الوضوء فلا اعتداد بهذا القطع وما فعله من عبادة كوضوء وصلاته فهي عبادات صحيحة والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث عمر ( إنما الأعمال بالنيات ) وليس ثمت عمل حتى يرتب عليه قطع هذه النية والتلفظ بالنية من البدع إذ لم ينقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن سلف هذه الأمة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم ( خير الهَدِي ) وضبط ( خير الهُدى ) خير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها ) وقد قال ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) وفي رواية النسائي ( وكل ضلالة في النار )
والمراد من الضلالة : صاحبها
والنصوص الواردة في التحذير من البدع كثيرة جدا ولو قال قائل : ورد في الحج التصريح بالنية ؟
وذلك أن يقول صاحب النسك لبيك عمرة أو لبيك حجا ـ والجواب عن هذا . أن هذا ليس تلفظاً بالنية وإنما هو إظهار لذكر ، وهذا الذكر هو التلبية ، وقد استوفيت هذه المسألة مسألة التلبية في دورة الحج ، فمن أراد الزيادة فليراجعها هناك ، ثم على افتراض أنها نية فهذا تخصيص من الشرع بإفراد الحج في التصريح بالنية ، هذا من باب التنزل وذلك لأن الحج كان الشرك فيه من الكفار ظاهراً حتى كانوا يشركون في تلبيتهم ، فعلى افتراض أنه تصريح بالنية ، فهذا من باب تقديم المصالح الكثيرة بارتكاب مفسدة واحدة انغمرت في هذه المصالح ، ومن ثم فلا يجوز التلفظ بالنية لا جهراً وكذا لا سراً ، خلافاً لبعض فقهاء الحنابلة ، الذين قالوا بجوازها سراً ، فقد ابطل شيخ الإسلام كلا مهم ، وذلك بعدم وجود الفرق بين الجهر بها والإسرار بها .
مسألة / الواجب في المضمضة إدارة الماء في الفم أدنى إدارة ، ولا يلزم إزالة ما بين أسنانه من بقايا الطعام ، ولو ابتدأ بالوجه قبل المضمضة والاستنشاق فإنه يجوز .
الشرح
المضمضة : اختلف العلماء في وجوبها . فقال بعض العلماء : إنها سنة .
واستدلوا بما يأتي :
عدم ذكرها في الآية قال عزوجل ( يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ـ الآية ) فذكر الله أول ما ذكر الوجه ، والآية إنما ذكرت الأركان ، وأما ما لم يذكر فهو من السنن وقيل بالوجوب وستدلوا بما ياتي.
1/ الآية السابقة ( فاغسلوا وجوهكم ) وهي من الوجه ، بدليل أن الصائم يجوز له أن يتمضمض فدل على أن الفم من الوجه الخارجي
2/ أن الرسولَ أستمر عليها ، واستمراره عليها مع الأمر بها لدخولها في الوجه يدل على وجوبها ، وهذا هو الصحيح . فالقول بأنها من سنن الفطرة لا ينفي وجوبها كما سبق تفصيل ذلك ، وهذه المضمضة يسبقها غسل الكفين ، وغسل الكفين من السنن ، وذلك لان الآية لم تذكره أما استمرار الرسول على فعله فلا يدل على الوجوب لانه فعل مجرد ، وهو لا يدل على الوجوب إنما يدل على الاستحباب ، ولكن غسلها يجب إن كان ثمت نجاسة حتى لا يتلطخ بهذه النجاسة ، أما إذا لم يوجد معنى لغسلها فهي سنة إلا في حالة واحدة وهي حالة الاستيقاظ من النوم كما سبق في مسائل كتاب الطهارة لقول الرسول ، كما في الصحيحين ( إذ استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) والواجب في المضمضة أن يدار الماء في الفم أدنى إدارة ، هذا إذا كان الماء قليلاً ، أما إذا كان الماء كثيراً فلا تلزم هذه الإدارة ، لوجود المعنى وهو استيعاب الفم لهذا الماء .
وبقايا الطعام : التي تكون بين الأسنان لا يلزم إزالتها ، وذلك لان حال الصحابة لايدل على التشديد ولان الرسول كان يلبس الخاتم ولم يصح الحديث الذي فيه انه يحركه إذا توضأ وكذلك لا يصح الحديث ( أنه إذا أراد الخلاء وضعه ) ومثل هذا الخاتم لاشك انه يمنع وصول الماء إلى بعض كف الإنسان أو اصبعه ، ولكن المعاهدة بما في الفم لتطهيره مسنون ، وحديثاً في الجواز وذلك لان الرسول ، قال كما في المسند ( لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء )
والعندية : تفيد القرب ، وأقرب شيء من أعضاء الوضوء ( الفم ) فيكون السواك عند المضمضة ، ولانه هو المحل للسواك ، ولذا جاء في المسند أن الرسول ( أدخل أصبعه في فمه وجعل يحركه ) وهناك مسألة ذكرها الشيخ ( ابن عثيمين) وهي مسألة الأسنان المركبة التي تركب أحيانا وتخلع أحيانا فهل يلزمه نزعها كلما أراد الوضوء ؟ أجاب رحمه الله ـ بأنه لا يلزم ، وذلك لشبيهها بالخاتم ولمشقة نزعها عند كل وضوء والذي يظهر لي أنه يجب أن تزال لان قياسها على الخاتم قياس بعيد ، فالخاتم يمنع جزء يسيرا أما هذه فتمنع جزءاً كبيرا / واما مشقة النزع فليست هناك مشقة كبرى ، ولذا الرسول كما في حديث ( المغيرة ) عند مسلم وغيره ، لما صب عليه الماء وأراد أن يرفع جبته ليغسل يده فما ارتفعت فأخرج يده من كمه ، ومثل هذه الجبة قد تبقى عليه لعدة صلوات ، وإذا تمضمض كما سبق في صورة المضمضة ، وبلع الماء ، فلا شيء عليه ، وذلك لان المقصود المضمضة وقد حصلت ، وإن كان الأولى أن يلفظ هذا الماء ولا يبتلعه ، وبعد ما يتمضمض ، يستنشق ، والاستنشاق واجب ، لدخوله في حدود الوجه ، ودليله الآية كما سبق وفعل الرسول ولقوله ( من توضأ فليستنثر ) ولا استنثار إلا باستنشاق والإستنثار قد جيب منفصلاً عن الوضوء وذلك إذا استيقظ من نومه كما سبق معنا ( إذا استيقظ أحدكم من نومه ـ الحديث ) والسنة في المضمضة والاستنشاق : أن يبالغ فيهما لما في السنن من حديث ( لقيط) قال الرسول : ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) وفي بعض الأحاديث ( وبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) فالمبالغة فيهما هي السنة ما لم يكن المتوضأ صائماً ولما كانت المضمضة والاستنشاق داخلين في الوجه ، فله أن يقدم الوجه عليهما ، فلو غسل وجهه ثم تمضمض واستنشق لجاز ، أو قدم الاستنشاق على المضمضة لجاز ، لكنه خلاف الأولى ، والإستنثار : السنة فيه أن يكون بيده اليسرى لما صح من فعل الرسول في سنن النسائي ، والشأن في المضمضة هو الشأن في الإستنثار في المسألة السابقة ، فلو أنه استنشق ولم يستنثر فوضوئه صحيح / وأما الأمر في قول الرسول . ( من توضأ فليستنثر ) فإنه أمر مسنون ، وذلك لان الآية لم تذكره وليس الإستنثار من الوجه ، أي من غسله لأن غسله قد حصل ، أعنى الأنف ، والإستنثار ليس بغسل ولان هذا هو قول عامة الفقهاء ، وما ذكر عن ( عطاء ) أنه أوجب الإعادة لمن تركه ،فقد رجع عن القول به كما ذكر ابن حجر في الفتح فأصبح بالإجماع سنه لكنه واجب بعد الاستيقاظ من النوم إلا إذا اكتفى باستنثار الوضوء ، لقول الرسول كما في رواية البخاري ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فتوضأ فليستنثر ثلاثاً ثم ذكر العلة فإن الشيطان يبيت على خيشومه ) والسنة في المضمضة والاستنشاق : أن يوصل بينهما في الغسل بكف واحد فيتمضمض ويستنشق بكف واحدة لما ورد من فعل الرسول في الصحيحين ، وأما فصل المضمضة عن الاستنشاق فلم يرد حديث صريح البتة في الفصل بينهما كما أفاد ذلك ابن القيم ولو فعل ففصل صح الوضوء لكنه ترك السنة . والاستنشاق : هو جذب الماء بنفسه إلى أنفه والمبالغة فيه أن يجذبه بنفسه إلى أقصى خيشومه / والواجب فيه أن يصل الماء إلى منخريه ، فإذا وصل الماء فدخل منخريه أجزاء وان كان الإنسان مريضاً بمرض في انفه ، وذلك كالمعاني من حساسية الأنف فلا ينصح بالمبالغة حتى لا يؤثر الماء على جيوبه الأنفية فيحصل معه احتقان ، والدليل على ذلك ، ما جاء عن الرسول أنه قال : ( لا ضرر ولا ضرار ) والنصوص كثيرة في منع الإنسان من الإضرار بنفسه .