الفقه الموسع
الدرس ( 34 )
باب الوضوء – ( ٥ )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة : يجب غسل بطون الأقدام .
” إذا فرغ من مسح رأسه فإنه يجب عليه أن يغسل قدميه، وذلك لأن غسل القدمين فرض من فروض الوضوء، وقد قال عز وجل: {وامسحوا برؤوسِكم وارجلَكم إلى الكعبين} بقراءة النصب.
وغسل القدمين: يكون من أطراف الأصابع إلى الكعبين، وقوله عز وجل: {وارجلَكم إلى الكعبين} فـ {إلى} هنا بمعنى: مع، وذلك بناء على أن ] إلى [ إذا كانت في سياق الحد فإن ما بعدها يدخل فيما قبلها فيكون الكعبان داخلَين في غسل القدم،
والرِّجْلُ: إذا أطلقت تكونُ من أطرافِ الأصابع إلى ما دون العَقِب، ولذا فالعَقِبُ لا يدخُلُ في قَطْعِ قدمِ المُحارب، قال تعالى: ] إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ) فتُقطَعُ يدُه اليمنى مع قدمِه اليسرى، ولكن العقب لا يدخل في القطع.
والكعبان هما: العظمان الناتئان أسفل الساق من جانبَيه.
والروافِضُ يُخالفون في هذا فيقولون: إن في كلِّ قدمٍ كعبًا واحدًا، ويستدلون على ذلك بأدلة! وهذا من العجب أن يستدلوا بكتابٍ هو في معتقدهم قد انتُقِصَ منه! ولكن هذه طبيعةُ أهلِ البدع، يأخذون من النصوص ما يوافِقُ أهواءَهُم، فلا يلتفتون إلى النصوص إلا إذا وُجِدَ ما يؤيدُ مذهَبَهم، شأنُهُم كشأن أهلِ الكلام يجعلون النصوصَ تابعةً لا متبوعة، فيقولون:
إن الآيةَ لم تذكُر إلا الكَعبين، ولم تقل إلى الكِعاب فدل على أن لكلِّ قدمٍ كَعبًا واحدًا،
وهذا الكعبُ هو الموضِعُ المرتفع أولَ القدم، لأن معنى التكَعُّب: الارتفاع، ولذا يُقال: تَكَعَّبَ ثديُ المرأة إذا ارتفع واستدار، فيقولون إن هذا المكان المرتفع هو الكعب، وهو الموضع الذي يلي الأصابع،
ثم هم مع ذلك لا يرون غَسْلَ القدم وإنما يرون المسح! آخذين بقراءة الخفض (وأرجلِكم ) فهم يمسحون على هذا المتكعب إذا كانت القدمُ مكشوفة، أما إذا كانت القدمُ مستورة فهم لا يرون المسح على الخفين!
وبالنظر إلى ما استدلوا به نرى أن صاحبَ البدعة كما قال شيخُ الإسلام رحمه الله لا يأتي بدليل إلا ويكون هذا الدليل حُجةٌ عليه عند التأمل، فيقال لهم: إن الله عز وجل لما ذكر القدمين قال إلى الكعبين، ولما ذكر اليدين جمَع فقال: إلى المرافق، فلو كان كما زعمتم لكان السياق: {وأرجلَكم إلى الكِعاب} قياساً على اليدين فإنه ليس في كل يد إلا مرفَقٌ واحد، فلما لم تأتِ الكعاب بصيغة الجمع دل على أن الكعبين تفترقان عن المرافق، فالتثنية كما هو مقررٌ في اللغة نصٌّ في عددِه لا يحتمِلُ وجهًا آخَر؛
فدل على أن التثنية راجعةٌ إلى كلِّ رِجل، فيكونُ في كل رِجْلٍ كَعبان.
ويرد عليهم بأن الصحابة رضي الله عنهم كما جاء عند البخاري ( كان يلزق أحدهم كعبه بكعب صاحبه في الصلاة ) ، وهل يمكن هذا في الكعب الذي ذكروه؟ الجواب / لا ، إنما صورة الإلزاق لا تحصل إلا في الكعبين اللذين في مؤخرة القدم عن جانبيه ، وأما الرد على قولهم بأن الكعب فرضه المسح وليس الغسل بناء على قراءة الخفض فنقول قد عميت أبصاركم فأخذتم بقراءة دون أخرى ، فأين قراءة النصب التي تظافرت الأدلة على وجودها وعلى ثبوت معناها ، وقد قال عز وجل ( وارجلكم إلى الكعبين ) فتكون قراءة النصب معطوفة على ،( فاغسلوا وجوهكم) ، واما قراءة الخفض فلها توجيهات وإنما لم نوجه قراءه النصب وكان توجيهنا على قراءة الخفض لأن قراءة النصب معناها مؤكد عليه في نصوص كثيرة فالنبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند مسلم ( ويل للأعقاب من النار ) فإذا كان الإنسان غاسلاً لقدمه وتاركاً لعقبه يحصل له هذا الوعيد مع انه غسل معظم القدم فما الظن بمن ترك الغسل كله ، بل قال عليه الصلاة والسلام كما في المسند ( ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار) فدل على وجوب استيعاب القدم ظاهرها وباطنها وعقيبيهما بالماء ، وأما قراءة الخفض فلها توجيهات :
الوجه الأول : أن يكون خفضها من باب المجاورة فلمجاورة هذه الكلمة لكلمة ( برؤسكم ) المخفوضة ، خفضت وهذا موجود في اللغة .
الوجه الثاني : لو قيل بأنها معطوفة على ( رؤوسكم ) ليس من باب المجاورة فنقول أن المسح هنا في القدمين مسح غسل والتعبير عن الغسل بالمسح موجود في اللغة يقال تمسحت للصلاة أي توضأت لها .
الوجه الثالث : انما خفضت لعطفها على ( رؤوسكم ) للتأكيد على عدم زيادة الماء وذلك لأن القدم يوطأ عليها ويسار بها وهي عرضه للاتساخ اكثر من غيرها ، فلربما زيد زيادة في غسلها على الحد المطلوب فجاءت هذه القراءة تشير على التخفيف في استعمال الماء عند الحد المشروع .
الوجه الرابع : أن هذه القراءة محمولة على ما إذا كانت القدم مستورة بخفين أو وجوربين ، فيكون المسح على الخفين له دليل من كتاب الله عز وجل ، و
” العجب أنهم -الرافضة- لا يرون المسح على الخفين مع أن إمامهم المقدس لديهم وهو علي رضي الله عنه روى المسح على الخفين كما عند مسلم؛ فنرى أن حججهم واهية، حتى أئمتهم الذين يبلغون بهم مرتبة الخالق عز وجل في الاستغاثة بهم وقضاء حوائجهم لا يأخذون بآرائهم ” ا.هـ
الفقه الموسع: ” الواجب في القدم: (الغَسْل) ويؤكد هذا أن النبي ﷺ كما حديث المستورد عند أصحاب السنن قال: ” كان النبي ﷺ يدلك أصابع قدميه بخنصره ” وهذا يدل على أن سنته عليه الصلاة والسلام في القدم إذا كانت مكشوفة هي: الغَسْل.
وهذا التخليلُ لأصابعِ القدم من السنة: ولذا قال ابنُ القيم رحمه الله: لم يواظب عليه النبي ﷺ.
وانما لم يجب لأن الماءَ سيّال فهو يصِلُ إلى هذه المواضع، لأن البعضَ قد يقول هذه أماكِنُ خفيّة لمَ لا يجبُ التخليل؟
فالجوابَ: أن الماءَ سيّالٌ بِطبْعِه له نفوذ.
وبالنظر إلى هذه الأحاديث نعرفُ خطأ من لا يتعاهد قدَمَه في الغَسْل كالبطونِ ومؤخرةِ القدم، لأن البعضَ قد يضَعُ قدَمَه تحت الصنبور دون أن يتأكد من وصول الماء إلى قدمه -من غير إمرار اليد- “
الحذر من الوسوسة
” قولُنا يتأكدُ من وصولِ الماء لا يعني أن يُبالِغَ في هذا إلى أن يُفضيَ به الشيطان إلى الوسوسة:
لأن الوسوسةَ داءٌ خطير، وذلك لأن الشيطانَ إذا أعياه ابنُ آدم في إيقاعِه في المعصية أتاه عن طريق الطاعة ليُفسِدَ عليه عبادَتَه، وهذا مصداق ما ذكَرَه الله عز وجل عنه قال:
{لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} وقال: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ} وقد قال النبي ﷺ كما عند مسلم: ” إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ “.
قال النووي: ” فيه التحذير منه والتنبيه على ملازمته للإنسان في تصرفاته، فينبغي أن يتأهب ويحترز منه، ولا يغتر مما يزينه له ” ا.هـ
” إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ”
فانظروا إلى حضورِه لابن آدمَ في كل شيء! عصمنا الله وإياكم منه،
وكم جرت الوساوس من مفاسدَ وويلاتٍ على أهلِها، حتى إنه من واقِعِ التجرُبَة التي نراها من هؤلاء الموسوسين في الالتقاءِ بهم والسماعِ إلى أحوالهم:
نلحظُ أن هذا الشيطان قد سيطَرَ على أفكارهم وحياتِهم، حتى إن الشيطان أودى بالبعض إلى أن يترُكَ صلاةَ الجماعة! ظناً أن هذا الباب مُستراحٌ له من هذه الوساوس!
بل إن بعضَهم قد لا يُقَبِّلُ أطفالَه الصغار ولا يحمِلُهم خيفةً من أن يتنجس!
حتى إن بعضَهم قد أصبح -في ظنه- بيتُه كلُّه نجساً وأصبح أهلُه وأولادُه وسيارتُه وثيابُه أنها نجسة!
فإن ذكروا الله عز وجل لم يجدوا طعماً ولا راحة؛ وإن صلَوا لم يشعروا بخشوعٍ ولا لذة،
ولذا جاء في حديثِ خِصال الفطرة (الإنتضاح) وهو أن يضع ماءً على مذاكيره، أي: على ذَكَرِه وأنثييه حتى يمنعَ هذا الوسواس، ولذا ابنُ عباس رضي الله عنهما لما جاءه رجلٌ فقال: إني أشعرُ بشيءٍ يخرُجُ من ذَكَري بعد الوضوء! فقال رضي الله عنه: ” صُبَّ الماءَ على سراويلك، فإذا جاءك هذا الوهمُ، فقل: إنه من الماء” وهذا من باب قَطْعِ الوساوس.
[[والعاقلُ هو الذي يقطعُ الطريقَ على الشيطان قبلَ أن يقطَعَ عليه الشيطانُ طريقَه إلى ربِّه عز وجل]]
وإنني لأعرفُ أن هناك من ترَكَ الاستقامةَ بسبب هذه الوساوس طالباً للراحة، نسألُ اللهَ العافية.
حتى إن البعضَ ليظل ساعةً أو ساعتين أو ثلاث ساعات في موضِعِ الخلاء!
والبعض تفوتُه صلاةُ الجماعة وهو مازال يتوضأ من أولِ دخولِ الوقت!
بل إن البعضَ لتخرُجُ عليه الشمسُ وتمضي ساعةٌ بعد طلوعِها ولم يستطع الدخولَ في الصلاة، يظل واقفاً ساعتين أو ثلاث يريدُ أن يكبر تكبيرةَ الإحرام فلا يستطيع، ظناً منه أنه لم ينو، أو ظناً منه أنه لم يأت بحرف من حروف التكبيرة!
[[والشيطانُ إذا وَجَدَ في القلب مَرْتَعًا زاد، ولذا تبدأ هذه الوساوسُ صغيرة، فإذا تابَعَها العبد زادَتْ معه]]
فلربما أتته في الوضوء، ثم ينساقُ معها، ثم إذا تمكنت منه أدخَلَتْهُ في الصلاة، ثم أدخَلَتْهُ في التطَهُّرِ من النجاسات، ثم ربما أدخلته في العقائد، حتى إن البعضَ ليأتي ويقول: قد خرجتُ من الدين! فيهجِسُ هاجسٌ في قلبي بأنه لا صلاةَ لك ولا عبادةَ لك وأنت تحمِلُ عقيدةً فاسدة!
وهؤلاء قد أدّت الوساوس ببعضِهِم إلى المصحاتِ النفسيّة!
وسبحان الله ما كان في الصحابة رضي الله عنهم من هذا الصنف أحد:
وسببُ هذا الأمر هو: الجهلُ بأحكامِ الله عز وجل.
فهذا الشيطانُ يأتيه ويقول: كيف تصلي لله مِن غيرِ وُضوءٍ كامل، فيخشى من عقابه عز وجل! فيُعيد الوضوء مرةً أخرى، أو يُعيد الغُسْل! أو يُعيد الصلاة! وهكذا دواليك.
وعلاج هذه الوسوسة:
حصرها ﷺ في أمرين: قال ﷺ كما في الصحيحين في وساوس العقائد:
” يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ : مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ حَتَّى يَقُولَ : مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ “
مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ فيقول: الله، حتى يقول: من خلق الله!
فقال ﷺ إذا أحس بذلك: ” فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ “
كلمتان تحملان معانيَ عظيمة، قال ” فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ “
” فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ” أي: ليلتجئ بالله عزوجل ولْيتوكلْ عليه ويعتصمْ به، ويُكثِر من الاستعاذة بالله عزوجل من الشيطان الرجيم.
الشرط الثاني من العلاج: قال: “وَلْيَنْتَهِ ” بمعنى: لا ينساق مع هذه الوساوس ولا يسترسل معها، بل عليه أن يقطعَها، فمثلاً : إذا كان في الوضوء، وبعدما وصَل مَسْحَ رأسِه قال: إنك لم تغسِلْ يدَك، لِيقُلْ: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ” ولْيستمِرْ في وضوئه، ولا يرجِعْ إلى غَسْلِ يدِه.
وإذا كان في الغُسل: وقال الشيطان إن هناك موضِعاً لم يُصِبْهُ الماء، أعِدهُ مرةً أخرى! فلا يُعِدْه.
[[ وإذا استمر على هذه الطريقة سيجِدُ الراحةَ من أولِ يوم ]]
لكن هذا يحتاجُ إلى توكلٍ على الله عز وجل وقوةِ إرادة، ولذا:
الصحابيُّ الذي شكى إلى النبي ﷺ تلبيسَ الشيطانِ عليه في صلاته كما عند مسلم:
” أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي، يَلْبِسُهَا عَلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ : خِنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا “. قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي.”
لماذا هذه السرعة في ذهاب الشيطان؟
الجواب: لأنه توكلَ على الله عز وجل، وكانت عنده إرادة قوية، ويقين بوصية النبي ﷺ.
ولذا لو أسمعتَ هؤلاء الموسوسين هذا الحديث ما كأنهم يعرِفونَه من قبل!
وإني أوصي الجميع -بما أن الله عزوجل مَنَّ علينا بطلب هذا العلم- أن يكون الواحد واسَعَ الصدر مع هؤلاء الموسوسين، ولْيحتَسِبْ لله عز وجل ما يبقى فيه معهم من وقت، ولْيستمع إليهم فإنهم مرضى
ويُسدي إليهم النصائح، والنصيحةُ ولله الحمد في كلمتين ” فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ “
فليس هذا علاجَك ولا علاجي إنما علاج النبي ﷺ،
ثم لْيُتابع مع هؤلاء: لِيوصيهم بأن يُعاوِدا المجيءَ مرةً أخرى إليه، بعد يوم بعد يومين، لأن الشيطان سيتلاعبُ به إذا انفرَدَ به!
وإني لا أحصي -ومن باب التشجيع ومن باب الإعانة على فعل هذا الخير- وإني لا أحصي مَن يأتي مِن هؤلاء الموسوسين ثم لا يخرُج من عندي إلا وقد شفاه اللهُ عز وجل! حتى كأنك إذا أوصَيتَهم ووجّهتَهُم وتوجّهوا: تخرجهم من حياة إلى أخرى، كأنهم في حياةٍ أخرى! فبعد الضيقِ سَعَة، وبعد الكرب تنفيس وبعد الهم فرج، وقد قال النبي ﷺ:
” خيرُ الناس أنفعُهم للناس” “وأفضلُ الأعمال سرورٌ تُدخِلُه على أخيك المسلم “
فهذه ثمرةُ العلم، لا بد من الصبر والمصابرة، لابد أن يحتسب الأجرَ من الله عز وجل
وذلك لأن بعضَ هؤلاء قد يأتي إلى طالبِ علم ويشكو له حالَه، فيقول له: هذه وسوسة اترُكها عنك!
ثم يمضي! مثلُ هذا المسكين المريض ما تنفع معه هذه الكلمات! الذي ينفعُ معه أن تبقى معه وتستمعَ إليه ثم تبدأ تعالِجُه وتتابِعُه، والموفق من وفقه الله.
ولا شك أن مثلَ الجلوس مع هؤلاء يأخُذُ وقتاً من وقتِ الإنسان، لكن هو على خير وفي عبادة، ولا يدري أحدُكم مدى آثار الفرح والسرور الذي يبدو على مُحيّا هؤلاء،
فهذا إخبارٌ وإن كنتُ لا أرغبُ في إفشائه ولكن من باب التشجيع والحرص لتخليصِ هؤلاء المساكين مما وقعوا فيه، لأنهم يقعون في إحراجات لا يعلمُ بضررها إلا اللهُ عز وجل، وأسَرُهُم تعاني، وأولادُهم يعانون، وأنت بمثابةِ الطبيب، ولو كنتَ مريضاً وأتيت إلى طبيب ثم كَشَفَ عليك وصَرَفَ لك دواءً دون أن يتحاورَ معك، ما وجدتَ لعلاجِهِ فائدة،
فنسألُ اللهَ عز وجل أن يجعلَ هذا العلم حُجةً لنا لا حجةً علينا، وأن يوفقنا إلى العملِ به، وإلا ما فائدةُ العلم إذا لم يُضَحِّ الإنسانُ بوقتِه وبجهده لله عز وجل:
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}