الدرس (37 ) باب الوضوء(8)(النية ـ موانع وصول الماء للبشرة ـ مقدار الماء ـ ومسائل أخرى

الدرس (37 ) باب الوضوء(8)(النية ـ موانع وصول الماء للبشرة ـ مقدار الماء ـ ومسائل أخرى

مشاهدات: 572

الدرس ( 37 )

من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

مسألة : والنية تحصل اذا قصد رفع الحدث أو ما تجب له الطهارة كالصلاة ، أو ما تسن له الطهارة كقراءة القرآن .

الشرح: النيةُ سَبَقَ الحديثُ عنها في مسألةٍ سابقة، وقلنا:

 إن النيةَ هي: القَصْدُ والإرادة، فمتى ما أرادَ شيئا فقد نواه.

 وتحقيقُ النيةِ في الوضوء يحصُلُ بواحِدٍ مِن ثلاثةِ أشياء:

الحالة الأولى: أن يقصِدَ رَفْعَ الحَدَث، وذلك أن يتوضأ لأجل أن يرفع حدثه: فهذا يرتفع معه الحدث.

 

الحالةُ الثانية: أن يتوضأ لما تجبُ له الطهارة، وذلك كالصلاة قال النبي ﷺ:

” لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ

فإذا توضأ لكي يصلي فقد ارتفع حدَثُه، وله أن يصليَ بهذا الوضوء ما شاء من الصلوات، وله أن يفعل بهذا الوضوء من العبادات ما يجبُ فيها الوضوء: كالطواف -على رأي الجمهور- وكمس المُصحف -عند الأئمة الأربعة- حتى لو نوى بوضوئه صلاةً معينة ارتفع حدثُه،

 وهذا حالُنا: قد يأتي أحدُنا فيتوضأُ لصلاة المغرب ثم يصلي العشاء بوضوءِ المغرب:

 فيرتفِعُ الحَدَث ويلتغي التخصيص، وذلك لأن الحدَث وصْفٌ ومعنى قائمٌ بالبدن، فمتى ما زال هذا الوصفُ لم يكن الانسان مُحدِثا؛ والشريعةُ علقت الأمر على الحدث قال النبي ﷺ:

 ” لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ “

 بل لو أنه حصل معه أسبابٌ شتّى للحَدَث، كريح وبول وغائط، ثم توضأ وقصد بنيته سببا واحدا من هذه الأسباب كالغائط مثلا؟

 ارتفع حدثه، حتى لو نوى ألا يرتفعَ غيرُه كالبول والريح، وذلك لأن الحَدَثَ شيءٌ واحد وهو:

 الوصف مهما تعددت أسبابه،

 وليست ثمّتَ معارضة مع قول النبي ﷺ كما في الصحيحين: ” إنما الأعمالُ بالنيات”

 ولذا/ لو أحدَثَ بغائط، ثم بعد دقيقة حصل معه بول، ثم بعد أخرى حصل معه ريح: فلا نقول إن بدنَ هذا الإنسان تعلّقَ به ثلاثةُ أحداث، لا نقول بهذا، إنما هو حَدَثٌ واحد لكنّ أسبابَه تعددت.

 

ثالثا: إذا توضأ لعبادةٍ تُسَنُّ لها الطهارة، وذلك مِثْلُ: وضوئه عند النوم، فهذا الوضوء قَصَدَ به الإتيانَ بِسُنَّةِ النوم، فلو لم يَقْصدْ إلّا هذا الأمر ثم بدا له أن يصلي فله أن يصلي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة: يجب إزالة ما يمنع وصول الماء الى البشرة كالبوبة مثلا، أما ما لا يمنع فلا يضر، أما إن كان يمنع فيضر إلا أن الوسخ اليسير

الشرح: “هذه المسألة تُعَدُّ شرطًا من شروطِ صحةِ الوضوء:

 فإذا وُجِدَ مانِعٌ في أحدِ أعضاءِ الوضوء يمنَعُ وصولَ الماءِ إلى البشرة، فإنَّ الوضوءَ لا يصح

 وذلك كالألوان التي لها جُرم كالبويةِ مثلا فإنها تمنعُ وصولَ الماء.

 ويُعفى عن اليسير منه عادةً -كما ذكر ذلك شيخُ الإسلام رحمه الله-

 وذلك لأن الصحابةَ رضي الله عنهم كانت بعضُ الاوساخ تعلَقُ في أقدامِهِم وما كانوا يتعاهدونها، فدل على التسامحِ في مثلِ هذا، لاسِيّما أن النبي ﷺ كان يتوضأُ وعليه خاتَمُه ولم يثبُت أنه كان يُحَرِّكُ الخاتَم، ومِثْلُ هذا يمنعُ وصولَ الماءِ إلى البشرة.

 أما إذا كان غيرَ يسير: فلا يصح الوضوء، لم؟

لأن الله عز وجل أمرنا بغَسْلِ هذه الأعضاء، ومع هذا المانع لا يحصُلُ غَسْلٌ لها، إنما الغَسْلُ يقعُ على هذا المانع. ولذا/ ما تضعه النساء مما يُسمى “بالمناكير” يمنع وصول الماء.

 

أما إذا كانت غيرَ جُرم: كألوانِ الاقلام ولون الحِنّاء فلا يضر، وذلك لأن النساء في عصر النبي ﷺ يتحنين، ولم ينقل أمرُه عليه الصلاة والسلام بإزالةِ هذا اللون، ولأن الماء يقع على العضو

أما الدهون: فيُنظَر: هل بَقِيَ لها جُرم على العضو أم لا؟ والتحقُّقُ من ذلك يحصُلُ بمباشرةِ الأصبُعِ لهذا الموضِع المدهون، فإن علَقَ بأصبُعِه شيءٌ منه: فهذا دليلٌ على وجودِ جُرم،

 أما إذا كانت فُقاعات تطفو على العضو: فلا تمنعُ صحةَ الوضوء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة: من حدثه دائم كمستحاضة ومن به سلس بول فلا يصح وضوئه إلا إذا دخل الوقت

الشرح

الأصل أن الوضوء يكون في أي وقت، بل مما ذكر العلماء ان السنة قد تفضل على الواجب في حالات وسبق التعليق والاشارة على هذه المسألة.

فذكروا من بين ما ذكروا من أنواع تفضيل السنة على الواجب /الوضوء قبل دخول الوقت، ولكن هذا الحكم ليس على عمومه لكل أحد فهناك من هو خارجٌ عن هذا الحكم وهو:

الذي حدَثُه دائم: كمستحاضةٍ ومن به سلسُ بول أو سلسُ غائط أو سلَسُ ريح، هذا الصنفُ من الناس له أحكام تستفيضُ بنا في باب الحيض لكن المقصود هنا:

 أن من حدثُه دائم كهؤلاء المذكورين لا يصِحُّ وضوؤه إلا إذا دَخَلَ الوقت

 فإذا توضأ بعد دخول الوقت: فله أن يصليَ ما شاء من نوافلَ وفرائض إلى أن يدخلَ وقتُ الصلاةَ التي بعدها؛ فإذا دخل وقتُ الصلاة التي بعدها: فلا يصلي بوضوء الفرضِ الأول بل عليه أن يتوضأ مرةً أخرى، إلا اذا توضأ لفرض الأولى ولم يخرُجْ منه شيء فله أن يصليَ لعدَمِ وجودِ الحَدَث

 وهذا قد يعرِضُ لبعضِ هذا الصنف، يمرُّ به وقتٌ لا ينزِلُ معه حَدَث، قال شيخ الإسلام رحمه الله:

 يدل على هذا -أي: على مسألةِ وجوبِ الوضوء عند وقتِ كلِّ صلاة – قال: تدلُّ أحاديثُ كثيرة، فلو توضأ قبلَ دخولِ الوقت فإن صلاتَه لا تصح، والمسألةُ لها مزيدُ حديث في بابها بإذن الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة : من شروط الوضوء انقطاع ما يوجبه

الشرح/ لو قيل: ما الذي يُوجِبُ الوضوء؟  الحَدَث، فلو أنه توضأ والحَدَثُ بقيت منه بقيّة فإن وضوءَه لا يصح، وهذا يُعَدُّ شرطا من شروط صحةِ الوضوء.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة : السنة التقليل من الماء في الطهارة

الشرح/ المقصودُ من الطهارة: الطهارةُ من الحدَثِ الأصغر والحدث الأكبر

 وعمومُ النصوص جاءت بالنهي عن الاسراف في كلِّ شيء قال تعالى:

 {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} وقال تعالى:

{وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا – إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}

وقال النبي ﷺ: ” كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ”

والنصوصُ كثيرة، لكن جاءت نصوصٌ بخصوصِ الاقتصار في ماء الطهارة: فقد جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ كان: ” َيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ ” والمُدُّ: ربع الصاع، لأن الصاعَ النبوي أربعةُ أمداد،

 ومقدارُ المد: ما يملأُ كَفَّي متوسطِ الخِلْقَة، وقد جاء في سنن أبي داود أن النبي ﷺ:

 “توضأ من إناءٍ يَسَعُ ثلثي مُد” ليس مُدًّا بل أقل؛ وفي هذا علاجٌ وفي نفس الوقت نَكيرٌ على الموسوسين الذين يرون أن مثل هذا لا يطهره.

 

تنبيه/ ما جاء في حديثٍ: ” أنه توضأ بثلث مد ” فقد قال عنه الصنعاني في سبل السلام: لا أصلَ له،

 فأقلُّ ما توضأ به النبي ﷺ: ” ثُلُثا مد”

 

 وأما الغُسْل: قد جاء في الصحيحين:

 ” أن النبي ﷺ كان يغتسل بالصاع إلى خمسة امداد ” ولذا لما قال رجل لراوي الحديث وأظنه جابر، قال له: لا يكفيني هذا الصاع فقال جابر: كان يكفي من هو أوفرُ وأكثر منك شعرا، واتقى منك لله عز وجل.

 

وقد جاء في الصحيحين ( أن عائشة رضي الله عنها قالت : اغتسلت أنا ورسول الله من اناء يقال له الفرَق ) وبعضهم سكن الراء ( الفرق ) وهذا ( الفرق ) جاءت رواية عند مسلم تبين أنه ثلاثة اصواع ،ومن ثم قال بعض العلماء :ان النبي كان يفعل هذا مرة وهذا مرة ،

وقال بعض العلماء :لا يعني ذكر (الفرَق )لا يعني انه يزيد عن خمسة امداد وذلك لأن سياق الحديث لا يدل على الزيادة قالت :  ( من اناء يقال له الفرَق )ولا يلزم ان يكون هذا الفرق ممتلئا
وهذا توجيه جيد، لكن ما المانع ان يقال: ان النبي – كما هو ظاهر الحديث- شاركته في الاغتسال والأحاديث الأخرى التي جاءت بذكر الصاع وخمسة امداد تدل على انفراده لهذا الماء عليه الصلاة والسلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة : لو نوى بوضوئه الطهارة وضم إليها ما لا ينافيها كالتعليم مثلا صح وضوءه

 

” هذه المسألة يمكنُ أن تصنفَ على ثلاثةِ أصناف:

الصنف الأول: ان ينويَ بوضوئه الطهارةَ فقط:

فهذا لا مِريةَ في صحة وضوئه.

الصنف الثاني: ألا ينويَ بوضوئه الطهارة:

فهذا لا مِريةَ فيه في عدم صحةِ وضوئه، وذلك كمن يغسِلُ أعضاءَ الوضوء مرتِّبًا لها ناويًا التبريد أو التنظيف.

الصنف الثالث: أن ينوي بوضوئه الطهارة ويُشرِك -ويضم- معها غيرَها مما لا يُنافيها:

وذلك كأن يتوضأ ويريد مع هذا الوضوء التبرد أو التعليم فهذا وضوؤه صحيح، لكنَّ ثوابَه لا يكونُ كثوابِ الصنف الأول لاسيما في مسألةِ التنظيف والتبريد،

 أما في مسألةِ التعليم: فعندنا دليل يُخرِجُ التعليمَ مما ذُكِر: وذلك صنيعُ النبي ﷺ فإنه صلّى على المِنبَر وقال: ” إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي ” فجمعَ معَ الصلاة نيةَ التعليم

 ويدلُّ لها وقائعُ كثيرة، توضأ فيها بعضُ الصحابةِ ممن رأى النبيَّ ﷺ يتوضأ: توضؤوا من أجلِ أن يُعلّموا غيرَهم،

وإنما قلنا أن يَضُمَّ معها ما لا يُنافيها: لكي نُخرِجَ ما ينافي الطهارة، وذلك كأن يتوضأ ويريدُ معها المراءاة: فهذا وضوؤه لا يصح.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة : من نوى وضوءا أو غسلا مسنونا ناسيا حدثه ارتفع كما ذكر ذلك بعض فقهاء الحنابلة رحمهم الله

 

الشرح/ هذه المسألة لم أر من ذكرها من فقهاء المذاهب الأخرى، وعدم الرؤية وعدم العلم لا يدل على العدم، فذكر بعض فقهاء الحنابلة هذه المسألة وهي من المسائل الغريبة،

وصورة هذه المسألة: أن يتوضأ انسان موقنا بأنه على وضوء سابق، فيريدُ بهذا الوضوء اللاحق أن يُجَدِّدَ وضوءه اتباعا للسنة، وهو في حقيقة الواقع مُحدِث لكن في يقينه أنه غيرُ مُحدِث،

 فلما فَرَغَ من هذا الوضوء الذي نوى به التجديد –والتجديدُ كما تعلمون سُنّة– فلما فرغ من هذا الوضوء تذكّر حَدَثَه:

قالوا: إن وضوءه صحيح

بينما لو صنع ذلك عامدا وهو عالم ذاكر: فإن وضوءه لا يصح لأنه متلاعب -ولم يذكروا دليلا على هذا

 

وقالوا في الغُسل كما قالوا في الوضوء:

 فلو أن إنسانا اغتسل مثلا لغُسْل الجمعة بناءً على أنه سنة -على قول – أو اغتسَلَ لصلاة العيد وهو ناسٍ أن عليه حدثًا أكبر، فلما فَرَغ تذكر،

قالوا: يرتفعُ حَدَثُه؛

 ومِن ثَمّ/ فإنه لو صلّى الجمعة مثلا وتذكّر بعدها: فصلاةُ الجمعة صحيحة.

 وقد ذكر هذه المسألةَ الشيخ ابنُ عثيمين ولم يُعلِّق عليها تعليقَ إنكار، ولذا في بعض فتاويه لما سُئل عما يشابه هذه: صَحّحَ العبادةَ المسؤولَ عنها.

ـــــــــــ

وقول الفقهاء رحمهم الله: من نوى وضوءا أو غسلا مسنونا ناسيا حدثه، ارتفع حدثُه

 

فالذي يظهر لي: أن ارتفاعَ هذا الحدث لوجودَ النيةِ له بدلالةِ قرينةِ الحال، وذلك لأنه لو أخبِرَ -بضم الهزة- حالَ وضوئه أو ذَكَرَ حال وضوئه حدَثَه السابق لنوى بهذا الوضوء عن ذلك الحَدَث

 فلما وُجِدَت هذه القرينَةُ وهي قرينةُ الحال مع صورةِ هذا الوُضوء المُتَعَبَّدِ لله عز وجل:

 وقَعَ هذا الوضوء موقِعَ الوضوءِ الواجب،

 هذا ما استبانَ لي في وجهَ إيرادَ الفقهاء لهذه المسألة، وارتفاعِ حدَثِ هذا الناسي لحدثِه، بدليل أنهم قالوا: مَن فَعَلَ ذلك عامدا فإن حَدَثَه لا يرتفع، لأنه لا نيةَ له حتى بقرينة الحال، والله أعلم.