الدرس ( 4 ) من شرح منهج السالكين ( كتاب الطهارة ـ باب الآنية )

الدرس ( 4 ) من شرح منهج السالكين ( كتاب الطهارة ـ باب الآنية )

مشاهدات: 609

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الطهارة ـ الدرس ( 4 ) باب الآنية

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آلة وصحابته وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد

 

ثم قال المصنف رحمه الله:( بَابُ اَلْآنِيَةِ)

الشرح: الآنية: جمع إناء.

 

لماذا يعقد الفقهاء بابَ الآنية بعد باب المياه؟

لأن الماء سيّال بَطَبعِه، فيحتاجُ إلى ما يضمُّه ويحتويه وهو الإناء.

 

ثم قال المصنف رحمه الله:( وجميع الأواني مباحة)

الشرح: قال: (وجميع الأواني مباحة)

لو سألت سؤالاً: ما الدليل؟ الدليل قوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} {البقرة:29}

ثم استثنى رحمه الله:

فقال المصنف رحمه الله: [ إلا أنية الذهب والفضة، وما فيه شيءٌ منهما، إلا اليسيرَ من الفضة للحاجة، لقوله ﷺ: ” لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ” متفق عليه]

 

الشرح: يستفاد من هذا ما يلي:

الفائدة الأولى: أن الآنية بجميع أنواعها مباحة، كالألماس والحديد والصُّفُر والنحاس والزَّبَرجَد والياقوت وما شابه ذلك.

 

الفائدة الثانية: أن آنيةَ الذهبِ والفضة مُحَرّمة في الأكل والشرب، لأن الحديث نص على ذلك فقال: ” لا تشربوا، ولا تأكلوا “.

 

الفائدة الثالثة: أن استعمال آنية الذهب والفضة في غير الشرب كغسل الملابس أو الاغتراف منها للوضوء مختلفٌ فيه بين العلماء، فمنهم من أجاز لأن الحديث لم ينص إلا على الأكل والشرب، ولكن الصحيح رأي الجمهور لأن النبي ﷺ إنما ذكر الأكل والشرب لأنه هو الغالب.

 

الفائدة الرابعة: أن الذهب يجوز استخدامه في السلاح لإغاظة الأعداء كما هي دلائل النصوص العامة التي تحث على إغاظة الأعداء، ومنها ما كان يصنعه عمر وغيره من الصحابة من تحلية سيوفهم بالذهب.

 

الفائدة الخامسة: أن الذهب لا يجوز استخدامه إلا للضرورة، لما جاء في السنن أن عَرفجة ابن اسعد رضي الله عنه قُطع انفه في الحرب فاتخذ أنفاً من فضة فأنتن (يعني: خرجت منه رائحة كريهة) فأذن له النبي ﷺ أن يتخذ أنفاً من ذهب.

لو سألتُ سؤالاً: متى يجوز استخدام الذهب؟

الجواب/ في حالتين:

الحالة الأولى: في تحلية السلاح لإغاظة الأعداء في الحرب على الصحيح من قولي العلماء.

الحالة الثانية: الضرورة.

 

ومن الفوائد: أن الحديث عمم بالأكل أو الشرب في آنية الذهب أو الفضة سواء كانت آنيةً خالصة لهذين الصنفين أو أن في هذين الإناءَين شيئا من الذهب أو الفضة، فلو كان هناك إناء من نحاس مموه بفضة أو بذهب فإن الحكم هو هو لعموم الحديث، ولرواية أخرى في غير الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: ” ولا في شيءٍ منهما “.

 

ومن الفوائد: أن النبي ﷺ ذكر العلة في تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة فقال:

” فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ” ولذا أصح ما قيل في الحكمة من النهي عن الأكل والشرب في الذهب والفضة قول ابن القيم رحمه الله إذ قال:

 ” إن الشربَ والأكلَ فيهما ينافي العبودية ويُنقصها من القلب ” ولذا لما انعدمت العبودية في قلوب الكفار ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ ” فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة “

وأما كونها تكسر قلوب الفقراء أو أن فيها إسرافاً: فهذا يتنافى مع الأواني الأخرى الباهظة الثمن.

 

ومن الفوائد: أن الفضةَ يجوز استعمالُها في الإناء المنكسر لإصلاحه، ولذا قال المصنف رحمه الله [إلا اليسير من الفضة للحاجة] واستُثني هذا من عموم الحديث المذكور لورود دليلٍ آخَر، فقد جاء

عند البخاري من حديث أنس رضي الله عنه:

” أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ ﷺ انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ “

حتى لو وجد من المعادن ما يُصلح هذا الكسر فيجوزُ له أن يستخدم الفضة لوجود الحاجة،

 أما لو أنه أراد أن يصلحها من أجل أن تكون زينة للإناء: فيدخُل في ضِمن التحريم

 ويستثنى من المذكور هنا الاستعمال الوارد به النص:

 يُستثنى استعمال الفضة الوارد به النص، مما ورد النصُّ به: اتخاذُ الخاتم من الفضة، لما جاء في الصحيحين من فعله عليه الصلاة والسلام، وثبت في الصحاح أنه كان يلبسه مرة في اليمين ومرة في اليسار،

 والصواب في لُبسِ خاتم الفضة: أنه ليس مستحبا وإنما هو مباح حسب عُرف الناس لأن النبي ﷺ لم يتّخذه أول أمره وإنما اتخذه كما جاء في الصحيحين:

 لما قيل له إن الملوك لا يقبلون كتاباً إلا بختم فاتخذه عليه الصلاة والسلام،

 وأما ما جاء في السنن من قوله عليه الصلاة والسلام:

” وَلَكِنِ الْفِضَّةُ فَالْعَبُوا بِهَا لَعِبًا ” فهو حديث صحيح، ويستدل به شيخُ الإسلام رحمه الله على أن الفضة يجوز استخدامُها واستعمالها في غيرِ الأكل والشرب، أما الأكل والشرب: فيرى ما يراه الجمهور، لكنه على قوله يمكن أن تستعمل أزِرَّة مِن فضة، كَبَكًا مِن فضة، قلمًا مِن فضة -على قوله رحمه الله- ولكنَّ هذا الحديث مع صحته ليس في مورِدِ إباحته للرجال إنما هو للنساء، لأن النساء كان الذهب عليهن محرما لقوله عليه الصلاة والسلام:

” َمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ حَبِيبَهُ ” وفي رواية: ” حبيبتَهُ ” ” سِوَارًا مِنْ نَارٍ فَلْيُسَوِّرْهُ سِوَارًا مِنْ ذَهَبٍ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا “

 فدل على أن الحديث إنما هو في حقِّ النساء لما حُرِّمَ عليهنّ الذهب أُبيحَ لهنّ الفضة،

 ثم بعد ذلك رَفَع النبي ﷺ الحريرَ والذهب:

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَفِي إِحْدَى يَدَيْهِ ثَوْبٌ مِنْ حَرِيرٍ، وَفِي الْأُخْرَى ذَهَبٌ، فَقَالَ : ” إِنَّ هَذَيْنِ مُحَرَّمٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ “.