الدرس السادس والأربعون
من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد البحري
باب نواقض الوضوء
الباب / تعريفه من حيث اللغة والاصطلاح سبق والناقض/ هو المبطل ،
فنواقض الوضوء هي مبطلات الوضوء ومتى بطل الوضوء حصل الحدث ،والحدث معنى قائم في البدن وليس أمرا محسوسا فإذا غسلت أعضاء الوضوء تبعدا لله ارتفع هذا الحدث ونواقض الوضوء منها ما هو متفق عليه ومنها ما هو مختلف فيه
فالناقض الأول /الخارج من السبيلين :والسبيلان هما القبل والدبر ، والقبل يراد منه فرج المرأة وذكرا الرجل ، وأصل هذا الناقض ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد ، ان النبي قال:في الرجل يخيل إليه أنه أحدث قال : ( لا يصرف حتى يسمع صوتا أو يشم ريحا ) وقال النبي كما في حديث صفوان بن عسال الذي سبق في المسح على الخفين قال 🙁 كان رسول الله يأمرنا إذا كنا سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة) ثم قال وهو موضع الشاهد ( لكن من نوم وغائط وبول ) فكل ما خرج من السبيلين فإنه يعد ناقضا والدليل / النص والاجماع ولكن وقع الخلاف في الخارج غير المعتاد هل ينقض الوضوء أم لا ؟ وذلك كأن يخرج ريح من ذكر الإنسان أو من فرج المرأة فهذه الريح خرجت من غير المعتاد وخروجها من الصور النادرة التي قد لا تخطر بالبال ، ومن ثم فقد قال بعض العلماء إنها ناقضة للوضوء ،فقد قال بعض العلماء :انها غير ناقضة للوضوء فليست ريح وانما هي اختلاج وذلك لأن الريح الحقيقية هي التي تخرج من الدبر ،
وقالوا : ان الريح التي تخرج من الدبر تختلف عن الريح التي تخرج من القبل فالتي تخرج من الدبر عينها طاهرة ولكنها لما مرت بهذا المحل النجس صارت ناقضة بينما الريح التي تكون خارجة من القبل لا تمر على محل نجس وهذه المسألة من احدى المسائل التي تدخل تحت قاعدة أصولية ، مختلف فيها وهي [ هل النص العام والنص المطلق يشمل جميع الصور حتى الصورة النادرة التي لا تخطر في باب التكلم أم لا ] ولها أمثلة منها لو أن شخصا لدغته عقرب فأمنى بشهوة أيجب عليه الغسل ؟
هذه صورة نادرة وقد قال الشنقيطي رحمه الله لما ذكر هذه المسألة في كتابه أضواء البيان قال : الصحيح من قولي علماء الأصول شمول العام والمطلق في الصورة النادرة ، وذلك لأن النص عام ويقتضي العموم ألا يدع جزئية من جزئياته سواء كانت نادرة أم غالبة وعلى هذا فالقول الصحيح أن الريح ناقضة للوضوء إذا خرجت من القبل لعموم حديث عبد الله بن زيد قال النبي ( لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) وكلمة ريحا شاملة ، لأنها نكرة في سياق النهي والنكرة في سياق النهي كما هو مقرر في الأصول يقتضي العموم فنخلص من هذا ان كل ما خرج من السبيلين ولو طاهرا كالمني على القول الراجح بطهارته انه ناقض للوضوء ،ولذا قال الفقهاء /كل ما أوجب غسلا أوجب وضوء إلا الموت ، فيقولون متى ما وجب الغسل وجب الوضوء ويستثنون الموت لأن الموت انما امر المسلمون بغسل الميت لا بوضوئه وللشيخ ابن عثيمين / تنظير لهذا القول فيقول ، ان لم يكن هناك اجماع يشهد لهذا القول وإلا ففيه نظر ، فتكون العبارة ( كل ما أوجب غسلا لا يوجب إلا الغسل فقط ) وذلك لأن من نوى في غسله رفع الحدث الأصغر ارتفع الحدث ثم قال : وكيف يستثنى الموت ؟مع ان النبي قال ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) قاله لأم عطية لما غسلت هي وبعض الصحابيات ابنته وهذا الأمر بالوضوء في تغسيل الميت سنة ، وله حديث في بابه ان شاء الله 0
ثانيا : من نواقض الوضوء الخارج من بقية البدن ، ان كان بولا أو غائطا أو ريحا ، وما عداها فلا على الصحيح
الناقض الأول / هو ما خرج من السبيلين أما هذا الناقض فهو ما خرج من البدن من غير السبيلين وقد اختلف العلماء في الخارج من البدن ان كان نجسا فقال بعض العلماء :ان كان كثيرا نجسا كالقيء على القول بنجاسته وكالدم وكالصديد والقيح على القول بنجاسته ، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد ان الكثير النجس ينقض الوضوء ويستدلون على ذلك بما جاء عند الترمذي ( أن النبي قاء فتوضأ ) فتكون الفاء هنا / فاء سببية ، أي قاء وبسبب القيء توضأ فيقاس غيره عليه ، وأما اليسير فإنه لا ينقض الوضوء وذلك لأن بعض الصحابة كان يعصر بصرة فيخرج الدم فيصلي ولا يتوضأ فهذا هو دليل التفريق بين الكثير والقليل عندهم ، وضابط الكثير / هو كل ما فحش في نفس كل أحد بحسبه والقليل ما عدا ذلك ،
والقول الآخر /ان هذا النجس الكثير لا ينقض الوضوء ، ويستدلون على ذلك بأدلة 0
الدليل الأول :عدم الدليل الصريح الصحيح في النقض ذلك بأن ما ذكروه مما أخرجه الترمذي ( قاء فتوضأ ) يرد عليهم بأنا لا نسلم بأن الفاء سببية فقد تكون تعقيبية فيكون معنى الحديث ( قاء ثم عقب هذا القيء بوضوء )
ثم ان الحديث ورد بلفظ آخر ، ( قاء فأفطر ) ثم ان هذا الحديث معارض بحديث آخرون كان ضعيفا ونحن نورد هذا الحديث الضعيف لكثرة الردود على هذا القول ، فقد جاء عند الدارقطني ان الرسول ( احتجم ثم صلى ولم يتوضأ ) والحجامة فيها خروج للدم ، ثم ان هذا الحديث لا نسلم بأن هذا القيء كثير فقد يكون قليلا وذلك لأن كلمة قاء مطلقة ومن ثم فقد يصدق على الشيء اليسير وإذا صدق على الشيء اليسير الزمتم بالقول بعدم النقض على قولكم وذلك لأن القاعدة الأصولية [ ان الفعل في سياق الاثبات لا يدل على العموم ] ثم لو سلمنا بأنه كان كثيرا فهو مجرد فعل منه صلى الله عليه وسلم والقاعدة الأصولية [ أن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب وإنما يدل على الاستحباب ] وقد كان يطلب الكمال صلى الله عليه وسلم
الدليل الثاني :قول الحسن كما جاء في البخاري ( كانوا يصلون ) يعني الصحابة ( في جراحاتهم )
الدليل الثالث :ان عمر لما طعن وسالت منه الدماء تابع صلاته .
الدليل الرابع : ما جاء عند أبي داود ان النبي لما قفل من إحدى الغزوات قال لعمار بن ياسر وبشر بن عقال ( من يكلأنا الليلة ؟ فانتدبا لها بشر بن عباد وصاحبه فنام عمار وجعل بشر يصلي ، وكان المسلمون قد سبوا امرأة من الكفار فقال زوجها حالفا ألا يرجع حتى يصيب في جيش محمد دما فتبعهم فرأى بشرا يصلي ، فعرف أنه طليعة القوم فرماه بسهم واستمر في صلاته ثم رماه بآخر واستمر في صلاته ثم رماه بثالث حتى أكمل صلاته ثم أيقظ صحابه فقال ألا أخبرتني فقال كنت في سورة فقال كنت في سورة ما أحببت ان أقطعها ) فهذه السهام قد أحدثت فيه جروحا ومع هذا استمر في صلاته ومع مشهد من النبي فهذا هو القول الصواب من أن النجس الكثير اذا خرج من غير السبيلين فإنه لا ينقض الوضوء انما يستحب فيه الوضوء ويستثنى من هذا الخارج البول والغائط فلو ان انسانا انسد مخرجه المعتاد وأجريت له عملية وخرج هذا الغائط وهذا البول من هذا المخرج فإن وضوءه ينتقض سواء كان هذا المخرج في أعلى المعدة أو في أٍسفلها العموم حديث النبي الذي رواه صفوان بن عسال قال ( لكن من غائط وبول ) وقد اختلف العلماء في الريح اذا خرجت من هذا المخرج والصحيح ان هذه الريح كالغائط والبول في حكم النقض لقول النبي كما في حديث عبد الله بن زيد ، ( حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) وقد قال بعض العلماء / ان كانت هذه الفتحة في أعلى المعدة فتأخذ هذه الفضلات حكم القيء ، وان كانت في أسفل المعدة فتكون ناقضة للوضوء ولكن الصحيح العموم سواء كان الخارج من أعلى المعدة أو من أسفلها ولا دليل على هذا التفريق ،
مسألة :
إذا انسد المخرج وفتح غيره لم يثبت له أحكام المخرج المعتاد ،
الشرح
هذه المسألة كما قلنا لو انسد المخرج المعتاد وفتح مخرج آخر فإن هذا المخرج لا يأخذ حكم المخرج المعتاد والصور له ستأتي في باب الغسل وانما اخذ هذا المخرج حكم المعتاد في الخارج من البول والغائط والريح لوجود الدليل
الناقض الثالث :زوال العقل بجنون ونحوه قل أم كثر أما النوم فينقض منه الكثير دون اليسير هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل فإن كان زوال العقل يجنون أو اغماء أو سكر ، فإن هذا الوضوء ينتقض ولو قال هذا الزوال وذلك بناء على الأصل والأصل ان زوال العقل وغيابه يفقد الانسان شعوره ولذا اخبر النبي في أحاديث عدة ان النوم ينقض الوضوء ،فيكون ما عداه مما هو أعظم من كالجنون والسكر ونحوه من باب أولى قال النبي ( العين وقاء السه ) يعني الدبر ( فمن نام فليتوضأ ) ولا يتعارض هذا مع ما أخرجه البخاري ، أن أسماء صلت خلف النبي صلاة الكسوف فكان إذا أصابها الغشي وهو نوع من الإغماء صبت على نفسها الماء ) فهذا لا يتعارض من ما ذكر ، وذلك لأن الغشي بداية الإغماء وليس هو جزء من ولذا كانت تشعر بنفسها والمغمى عليه لا يشعر بنفسه حتى يصل به الحال ان يصب على نفسه الماء ، ولذا قال النبي ( رفع القلم عن ثلاثة ) ذكر منهم المجنون حتى يفيق ، وذلك لزوال عقله وذهابه فهو لا يشعر لا بالأمر ولا بالنهي ، وأما ان كان ذهاب العقل بنوم فقد اختلف العلماء في ذلك فقد قال بعض العلماء ( إن النوم ناقض للوضوء ) وذلك لأن الأحاديث قد وردت بالأمر بالوضوء منها حديث صفوان بن عسال وموضع الشاهد منه ( لكن من بول وغائط ونوم ) ومنها قول النبي ( من نام فيتوضأ ) ومنها قول النبي ( رفع القلم عن ثلاثا ) ذكر منهم ( النائم حتى لا يستيقظ ) وغيرها من الأحاديث الآمرة بالوضوء من النوم ولذا انقسم هؤلاء إلى قسمين ممن يقول بالنقض في القليل والكثير
فقال بعضهم / ان النوم حدث وكونه حدثا فينقض الوضوء مثل البول ومثل الغائط القليل والكثير منه وقال البعض الآخر / ان النوم ليس حدثا انما هو مظنة الحدث ذلك بأن النائم إذا نام استرخت مفاصله فيغلب على الظن مع استرخاء فعلق الحكم بالمظنة .
وعندنا القاعدة الفقهية ( اذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن ) ولما كان النوم مظنة الحدث والتحديد والضبط في القليل ليس بمتيسر قلنا بالنقض في النوم قل أم كثر ،
القول الثالث /ان النوم مظنة الحدث لكن ان نام وهو على غير صفة الاضطجاع فإذا نام مضطجعا فإن النوم ينقض الوضوء ، ويستدلون بحديث ابن عباس كما عند الترمذي ( ليس في النوم وضوء إلا ان ينام مضطجعا فإذا نام مضطجعا استرخت مفاصله )
القول الرابع /ان النوم مظنة الحدث ولا ينقض منه اليسير وهذا هو القول الصحيح جمعا بين الأدلة فأحاديث الأمر بالوضوء من النوم التي سيقت آنفا يعارض ما جاء عند مسلم ( ان الصحابة كانوا ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون ) وعند أبي داود ( يضعون جنوبهم ) وفي حديث آخر ( ولهم ) ومنها ما جاء في الصحيح ان ابن عباس في صلاته بالليل مع الرسول قال ابن عباس في صلاته بالليل مع الرسول قال ( حتى إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني ) فدل على ان النوم اليسير ليس بناقض للوضوء اما الكثير فينقض ، ولو قال مريد النوم الكثير : سأحكم المخرج احكاما شديدا فهل يلزمني الوضوء بعد هذا النوم ؟
فالجواب / نعم ،وذلك لأن النائم لا يشعر بنفسه ،
ولكن ما هو ضابط هذا اليسير من النوم ؟
قال بعض العلماء / هو اليسير عرفا من قائم أو من جالس متمكن من جلسته
فإذا نام نوما يسيرا في العرف وكان هذا النوم حالة القيام أو في حالة الجلوس كحالة التربع مثلا ، فإن النوم بهذا القدر لا ينقض الوضوء ، لكن لو نام وهو جالس كحالة الاضطجاع فإن الوضوء ينتقض ، ولعلهم يستدلون بما جاء عند الترمذي من حديث ابن عباس ( فإذا نام مضطجعا استرخت مفاصله ) وذلك لأن عدم النقض في هذه الصور لغلة عدم ذهاب شعوره بخلاف المضطجع 0
القول الآخر ممن يقول بعدم النقض في اليسير قال : إن اليسير ألا يذهب شعوره وهو اختيار شيخ الإسلام قال النبي كما عند مسلم ، وعند البخاري بنحوه قال ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا )
موضع الشاهد 🙁 فإن أحدكم لا يدري اين باتت يده ) فقوله ( لا يدري ) يدل على أنه في نوم كثير فيكون اليسير خلافه وضابط اليسير على هذا القول
( أن يغفوا إغفاءة يشعر فيها بما يجري حوله دون أن يشعر بتفاصيل وجزئيات ما يحدث حوله ) وذلك كأن ينام فيسمع أصواتا لكن ما يدري ما فحو فهذا الصوت وما فحو هذا الكلام .
وهذا هو الصواب / أما حديث ابن عباس عند الترمذي فإنه حديث ضعيف ولو ثبت لكان هو المعتمد .
وأما القول بأنه حدث فلا يسلم لكم هذا لعدم الدليل على انه حدث ولأنه لا مشابهة بين هذا النوم وبين الغائط والبول والريح ونحوه وأما قول من يقول بأنه مظنة الحدث ولا يضبط اليسير فنقول
قولكم معتبر لولا وجود النصوص الصريحة الصحيحة في عدم النقض باليسير ، ويشبه النوم ، يشبهها الحجامة على القول بأنها مفطرات الصوم ،
وقد قال النبي / ( أفطر الحاجم والمحجوم ) فلو قال قائل / هذا المحجوم فما بال الحاجم فيجاب أن هذا الحاجم لما كان يسحب الدم بنفسه لا يأمن من ان ينزل شيء إلى جوفه فلما كان علة الحكم خفية علق الحكم بمظنتها