الدرس ( 47 ) باب نواقض الوضوء ( 2) ( مس ذكر متصل ـ مس المرأة بشهوة ـ غسل الميت وحمله )

الدرس ( 47 ) باب نواقض الوضوء ( 2) ( مس ذكر متصل ـ مس المرأة بشهوة ـ غسل الميت وحمله )

مشاهدات: 472

الدرس السابع والأربعون

من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

 

الناقض الرابع /

مس ذكر متصل ، وكذا الفرج والدبر بكفه ولا مس المرأة بشهوة على القول الراجح ومثله غسل الميت وحمله على القول الراجح بل يستحب أما غير الآدمي فلا يدخل هنا كالبهائم .

الشرح

فقولنا مس ذكر متصل هذه لها أصل وأصلها ما جاء في المسند وعند أهل السنن  أن النبي قال كما في حديث بصرة ( من مس ذكره فليتوضأ )

وهذه المسألة اختلف فيها العلماء هل مس الذكر ناقض للوضوء ام أنه غير ناقض له  ؟

القول الأول :ان مس الذكر ليس ناقض للوضوء ، ويستدلون على ذلك بما جاء في المسند من حديث طلق بن علي انه أي النبي ( سئل عن الوضوء من مس الذكر فقال إنما هو من بضعة منك )وفي رواية ( مضغة منك ) فورود هذا الحديث والحديث الآخر ، ( من مس ذكره فليتوضأ ) حصل النزاع بين العلماء فهذا هو القول الأول / وهو ان مسح الذكر ليس بناقض للوضوء ويقولون ان حديث طلق هو أصح من حديث بسرة ويكون حديث بسرة منسوخا بحديث طلق

القول الثاني :ان مس الذكر ناقض للوضوء لحديث بسرة ،

القول الثالث /ان مسه بشهوة ناقض للوضوء وان لم يمسه بشهوة فليس بناقض ، ودليلهم هو الجمع بين الحديثين فإن قول النبي ( انما هو بضعة منك ) يشعر بهذا فإذا مسه بغير شهوة صار مسه كمس أحد أعضائه كيده وقدمه ،

القول الرابع :ان تعمد مسه فينتقض من الوضوء ، وان لم يتعمد فليس بناقض ،

القول الخامس :ان الأمر بالوضوء في مس الذكر صرف من الوجوب إلى الاستحباب جمعا بين الأدلة

والراجح والعلم عند الله :ان مس الذكر ناقض للوضوء مطلقا وذلك للأدلة التالية :-

الدليل الأول :أن النبي صلى الله عليه وسلم قال 🙁 لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ) فلو كان الذكر كبقية الأعضاء لكان مسه باليمين جائزا فكونه ينهي ان يمس الذكر باليمين حال البول يدل على انه ليس كسائر الأعضاء فلعل قوله ( من مس ذكره فليتوضأ ) عقوبة لمن أقدم على مس ذكره بيمينه

الدليل الثاني :ان حديث بسرة أصح من حديث طلق من وجوه

الوجه الأول / أن أئمة الحديث كالبخاري صححوه قال البخاري ليس في الباب حديث أصح منه

الوجه الثاني /ان بعض الصحابة كأبي هريرة وعبد الله بن عمرو قد رويا هذا الحديث

الوجه الثالث :جاء في رواية أبي داود ، ان السؤال وقع على مس الذكر حال الصلاة ومعلوم ان مس الذكر حال الصلاة لا يمكن ان تقع صلاة إلا بستر للعورة فيكون هذا المس للذكر باليد مسا بحائل ، ولذا جاء في المسند قال الرسول ( إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره من غير ستر فقد وجب الوضوء )

الوجه الرابع :ان حديث بسرة ناسخ لحديث طلق وبيان هذا النسخ من أمرين

1- ان طلق قدم على النبي من بني حنيفة والنبي يبني المسجد أول قدومه من مكة وأما حديث بسرة فمتأخر ولو قال قائل :ما الذي أدركم أنه متأخر  ؟

فنقول أن رواية أبي هريرة وهو من أسلم متأخرا في السنة السابعة من الهجرة ورواية عبد الله بن عمرو وهو ممن أسلم متأخرا تدل على النسخ ،

ولو اعترض فقيل لعل أبي هريرة وعبد الله بن عمرو قد روياه عن بسرة فيكون حديثهما حديث مرسلا

فالجواب / ان الأصل عدم الارسال وليس هناك دليل على أنهما أرسلا الحديث ،

2- ان طلق قد روى حديث من مس ذكره فليتوضأ

الوجه الخامس /ان القاعدة الأصولية تقول :[ اذا اجتمع مبيح وحاظر قدم الحاظر تغليبا له وأبرأ للذمة ] فحديث طلق يبيح عدم الوضوء ، وحديث بسرة يوجب الوضوء ، فمجموع هذه الأدلة تقتضي بأن مس الذكر ناقض للوضوء ،وممن يختار الاستحباب تارة أو وجوب الوضوء حال الشهوة شيخ الإسلام رحمه الله ،ولا يتعارض هذا مع قاعدة ( اعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ) ذلك بان النسخ واضح في هذه المسألة وإذا لم يقبل الكلام في النسخ فإن الجمع بين الدليلين ممكن ، وذلك أن يحمل حديث طلق على مس الذكر بحائل وحديث بسرة على مسه من غير حائل وذلك لحديث ( إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره من غير ستر فقد وجب الوضوء ) لإحدى الروايات في سنن أبي دواد يصححها الألباني  ( أنه سئل عن مس الذكر في الصلاة فقال : إنما هو بضعة منك ) وإن لم يقبل هذا الجمع فإن حديث بسرة مقدم على حديث طلق لما تقدم ويزاد في ذلك ان حديث بسرة ناقل عن الأصل وحديث طبق مبقي على الأصل والقاعدة في الأصول [ ان الناقل عن الأصل مقدم على المبقي على الأصل ]  وعلى هذا القول فيشترط في هذا الذكر ان يكون متصلا فلو مس ذكرا منقطعا فلا ينتقض وضوءه ذلك لأن الذكر المقصود في الحديث هو الذكر المتصل فبعد قطعه لا يعد ذكرا ولهذا لو مس محل هذا الذكر المقطوع فلا ينتقض وضوءه ، والمراد المقطوع من أصله فإن بقية منه بقية فيبقى الحكم ولا يدخل في ذلك مس الخصيتين العجيزة لأن الحديث حصر الحكم على الذكر ، أما حلقة الدبر ، مسها يوجب الوضوء ، للرواية الأخرى ( من مس فرجه ) والفرج يطلق على الدبر والذكر ، وكذا يدخل في الحكم مس فرج المرأة ، فإذا مس ذكره أو ذكر غيره فإن وضوءه ينتقض ، وادخال ذكرالغير في هذا الحكم من باب أولى فإذا كان مس ذكره يوجب الوضوء ، فذكر غيره من باب أولى ،

وذلك أن الانسان قد يحتاج اذا مس ذكره فإذا كان مسه لذكره لا يعفى عنه فذكر غيره من باب أولى ،ولا يدخل في هذا الحكم الممسوس ذكره إنما الحديث علق الحكم بالماس فالذي مس هو الذي ينتقض وضوءه أما الممسوس ذكره فلا ينتقض وضوءه ، ويشترط  في ايجاب الوضوء ، ألا يكون بحائل ، فإن كان بحائل فلا ينتقض الوضوء ، لما في المسند وغيره ، ( إذا أفضى أحدكم إلى ذكره من غير ستر فقد وجب الوضوء  ) ولا يدخل في هذا الحكم مس فروج البهائم ، لأن الحديث جاء في شأن الآدميين ولا يدخل في هذا من مسه بأحد أعضائه غير الكف ، ولذا لو مسه بمرفقه أو بساعده فلا ينتقض الوضوء ، وإنما الحكم معلق بالكف ، لأن اليد إذا اطلقت فالمراد منها الكف وهنا اطلقت اليد ، ( إذا أفضى أحدكم بيده ) بينما إذا قيدت فعلى حسب ما قيدت به ويستوي في ذلك باطن الكف وظاهرها فمن ، مس الذكر بباطن كفه أو بظاهر كفه فالحكم سواء ، لأن اليد نكرة أضيفت إلى معرفة فتفيد العموم فبأي جزء مس هذا الذكر بكفه بأي جزء من الكف ينتقض الوضوء ، ويستثنى الفقهاء / الظفر ، فلو مسه بظفر كفه ما انتقض وضوءه مستدلين بان الظفر في حكم المنفصل وما هو في حكم المنفصل لا يترتب عليه حكم ،

 

الناقض الخامس :عن بعض العلماء / مس المرأة بشهرة ، ومس المرأة بشهوة اختلف في ذلك العلماء ،

القول الأول /ان مس المرأة مطلقا ينتقض منه الوضوء ، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى { أو لامستم النساء } وفي قراءة ( أو لمستم النساء }

وهذا عام يشمل مسها بشهوة أو بغير شهوة ويشمل الصغيرة والعجوزة والجميلة والقبيحة ويشمل حتى ذات المحرم كابنته وأخته ،

القول الثاني /ان مسها ان كان بشهوة ناقض للوضوء ، ما من غير شهوة فليس بناقض للوضوء ويستدلون بالآية المذكورة آنفا ،

القول الثالث /ان مس المرأة مطلقا بشهوة او بغير شهوة ليس ناقض للوضوء ،وهذا هو القول الراجح وبيان رجحانه من وجوه ،

  • ان الأصل براءة الذمة ، فليس هناك دليل صريح يوجب الوضوء ، من مس المرأة
  • ان طهارته ثبتت بمقتضى دليل شرعي فلا تنتقض إلا بمقتضى دليل شرعي ،
  • ان الرسول كما جاء في السنن ،

( ان النبي قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ) وهذا الحديث يضعفه بعض العلماء كالبخاري ويحسنه البعض كالألباني ، وعلى القول بعدم صحته فإن الأصل بقاء الطهارة ،ولذا النبي قال كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد ( لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا )

فلابد من اليقين في انتقاض الوضوء ،

وأما قول من يقول بأن مس المرأة مطلقا ناقض للوضوء ، فضعفه ظاهر ذلك ان النبي قبل وليس مسا وكان يمس نساءه حتى في الصلاة فقد كانت عائشة كما في الصحيحين  ( تمد قدميها في قبلة النبي فإذا أراد أن يسجد غمزها ) فلو كان مس المرأة مطلقا ينقض الوضوء ، لما استمر الرسول في صلاته

وأقوى منه القول الثاني :ولكن ما استدل به من الآية فقد فسرها ابن عباس واذا جاءك التفسير من ابن عباس فحسبك به ،

وقد قال بعض السلف : إذا جاءك التفسير من مجاهد فحسبك به وذلك لأن مجاهد قد أخذ التفسير من ابن عباس عرض عليه القرآن ثلاث مرات يوقفه عند كل آية ويسأله عنها ، فقد فسرها ابن عباس بالجماع ، ويدل لهذا التفسير قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقوتموهن من قبل أن تمسوهن } وفي قوله { وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن }

ثم ان هذه الآية جاءت في آخر آية الوضوء ، التي في سورة المائدة

{ أو لامستم النساء } فقوله { وان كنتم جنبا } يدل على الحدث الأكبر ، وقوله { فاغسلوا وجوهكم } يدل على الحدث الأصغر ومن متقتضى بلاغة القرآن ان يذكر لكل طهارة سببا لها فلما ذكر سبب الطهارة الصغرى في قوله { أو جاء أحد منكم من الغائط }  ذكر سبب الطهارة الكبرى في قوله { أو لامستم النساء } فلو قيل ان قوله { أو لامستم النساء } انه مس المرأة بشهوة لكان في القرآن ذكر لسببين للطهارة الصغرى ولم يذكر سبب الطهارة الكبرى مع انها أي الطهارة الكبرى مذكورة في الآية ،

ومن ثم فإن مسه للمرأة بشهوة أو بغير شهوة  ليس بناقض للوضوء إلا إذا خرج منه شيء فيجب الوضوء بناء على هذا الخارج وسبق ان الناقض الأول من نواقض الوضوء هو الخارج من السبيلين ومن يقول بأن مس المرأة بشهوة ينقض الوضوء قاس المرأة على الرجل ، فلو ان المرأة مست رجلا بشهوة فإن وضوءها ينتقض ولكن لا عبرة بهذا القياس حتى ولو قيل برجحان هذا القول وذلك لعدم وجود الدليل ، وقالوا أيضا / إن الملموس بدنه ليس بداخل في الحكم فإن الحكم محصور في اللامس هذا على القول برجحان قولهم لكن قولهم كما قلنا قول مرجوح

 

 

الناقض السادس :عن بعض العلماء : غسل الميت وحمله ، لما جاء في سنن أبي داود قال النبي /  ( من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله ، فليتوضأ )

وهذا أمر يقتضي الوجوب وهذا الحديث صححه جماعة من المحدثين لكن هذا الأمر ، أمر للاستحباب ووجه صرف هذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب ،

قال بعض العلماء :ان الحديث في ضعف يسير وإن كان فيه ضعف يسير فيجعل في منزلة بين منزلتين فيكون الأمر فيه أمر استحباب والنهي فيه نهي كراهة .والأمر في هذا الحديث أمر استحباب بناء على هذه القاعدة

وأما التوجيه باعتبار صحة الحديث يكون ، الصارف ليس هو الضعف وإنما فعل الصحابة فقد صح عن ابن عباس وابن عمر ، أقوال في هذا

قال ابن عباس :  ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إنما يكفيكم ان تغسلوا أيديكم ). وقال ابن عمر : ( كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل ) والمراد من الغاسل : هو الذي يباشر تغسيله ولو مرة واحدة وذلك أن يقلبه أو يدلكه أما صاب الماء لا يعد غاسلا وكذلك التيمم على القول بأن الميت إذا تعذر غسله تيمم لو يمم الميت فلا يعد الميمم له غاسلا .