الدرس (5)أقسام المياه وأنواع النجاسات( تطهير النجاسة التي وقعت على الأرض ـ نجاسة الكلب )

الدرس (5)أقسام المياه وأنواع النجاسات( تطهير النجاسة التي وقعت على الأرض ـ نجاسة الكلب )

مشاهدات: 521

بسم الله الرحمن الرحيم

الفقه الموسع – كتاب الطهارة – باب المياه

الدرس الخامس

بحث في الطهارة  ( أقسام المياه والنجاسات )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ النجاسة المغلظّة:

[ أيُّ نجاسة مغلظة أو مخففة أو متوسطة وقعت على الأرض فيجزئ في تطهيرها غسلة واحدة تُذهب بعين النجاسة]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح/ أفاد هذه الكلام أن النجاسة الحكمية تنقسم إلى ثلاثة أقسام ، وقد سبق معنا أن النجاسة تنقسم إلى نوعين نجاسة عينية ونجاسة حكمية، وحديث الفقهاء في النجاسة الحكمية

وهذه النجاسة الحكمية تنقسم إلى ثلاثة أقسام  :

1ــ نجاسة مغلظة

2ــ نجاسة مخففة

3ــ نجاسة متوسطة

 

فالنجاسة المغلظة :

هي نجاسة الكلب ، ويلحق به الخنزير على قول وسيأتي لها حديث منفصل بإذن الله تعالى

النجاسة المخففة :

هي بول الغلام الذي لم يأكل الطعام وسيأتي لهذه المسألة مزيد حديث مستقل بإذن الله تعالى

النجاسة المتوسطة :

هي ما عدا هاتين النجاستين وذلك كـ (عَذَرَة الإنسان وبوله ونحوهما )

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

وصورة هذه المسألة:

هي أن الأرض إذا وقعت عليها نجاسة كلب أو نجاسة خنزير أو بول رضيع ذَكَر لم يأكل الطعام أو عَذَرَة إنسان، فيكف يتم تطهيرها؟

الجواب/ يتم تطهيرها بإزالة جُرمها إن كان لها جرم، ثم يُصب عليها الماء حتى يَذهب أثرُها،

 وإن لم يكن لها جُرم: كالبول مثلا فيكفي صب الماء عليها حتى يُذهِبَ أثرَها، ولا يلزم أن يُزيلَ الماء الذي خالط هذه النجاسة.

 

ودليل هذه المسألة: ما جاء في الصحيحين أن أعرابيا أتى فبال في المسجد فقال عليه الصلاة والسلام:

” أريقوا عليه ذنوبا من ماء “

 

وقد ألحق الفقهاء بالأرض ما يتصل بها كالصخور والأحجار ونحو ذلك لأنها تابعةٌ للأرض

والقاعدة الفقهية تقول: [ يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا ]

 

وأما حديث: ” أمرنا بغسل الأنجاس سبعا ” فهو حديث ضعيف

 

ومِن ثَم: فإن هذه النجاسةَ الواقعةَ على الأرض إن زالت بغسلة واحدة فبها ونعمت، وإلا زيد عدد الغسلات حتى يذهب الأثر.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة : [ نجاسة الكلب نجاسة مغلظة، تُغسَلُ سبعَ مرات أولاهن بالتراب

وهذا شاملٌ لكل كلب، وما تولّدَ من الكلبِ وغيرِه فكهو، ومِثلُ لُعابه بقية فضلاته

ولا يُجزئ غير التراب إلا إذا عُدم أو خُشي فسادُ الإناء

ولا يصح على الصحيح قياس الخنزير عليه، ويعفى عما صاده الكلب ]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح/ هذه المسألة لها عدة تفريعات

الفرع الأول:

أن نجاسة الكلب نجاسة مغلظة وذلك بأن تغسل سبع مرات من بين هذه السبع التراب .

والدليل: ما جاء عند الجماعة وهم :[ أصحاب السنن والبخاري ومسلم والإمام أحمد ]  :

ما جاء عند الجماعة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( ( طُهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ) )

وقد جاءت رواية : ( ( أخراهن بالتراب ) )

فأي هاتين الروايتين تقدم  ؟

قال ابن حجر رحمه الله :

(( إن رواية أولاهن أرجح من رواية أخراهن ، وذلك من حيث الرواية ومن حيث المعنى،

 فأما من حيث الرواية: فرواة أولاهن أكثر وأحفظ بخلاف رواية أخراهن ،

وأما ترجيحها من حيث المعنى: فلأن رواية أولاهن لا يحتاج بعدها إلى غسلة ،

أما رواية أخراهن فيحتاج بعد هذا التراب إلى غسلة )) انتهى كلامه رحمه الله

 

وقد جاءت رواية عند مسلم/ قال عليه الصلاة والسلام : (( وعفروه الثامنة بالتراب ))

وتوجيه هذه الرواية  كما قال النووي رحمه الله  :

( أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوقع التراب موقع غَسْلَه فصارت ثمانيَ غسلات ))

وهذا التوجيه من أجل البُعدِ عن تغليطِ الرواة الثقات

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرع الثاني/ أن الكلبَ في الحديث مُحلّى بالألف واللام  :

و [ ال ] في أصلها تفيد العموم، فتكون جميع الكلاب داخلةً في هذا الحكم، فيشملُ أيَّ كلب سواء كان كلبا صغيرا أم كبيرا أسود أحمر يجوز اقتناؤه ككلب الصيد والماشية والزرع، أو لا يجوز اقتناؤه .

 

ولو قيل: إن الكلب الذي يجوز اقتناؤه يخرج من هذا الحكم

بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في الهرة: (( إنها من الطوافين عليكم ))

 

وهذا الكلب مما يطوف علينا فقوله عليه الصلاة والسلام عن الهرة

(( إنها ليست بنجس )) يقاس عليها الكلب الذي رخص الشرع باقتنائه!

فيرد على هذا القول :

بأن قوله عليه الصلاة والسلام : (( إنها من الطوافين عليكم )) يُخرج الكلب بدليل عموم الحديث السابق  ” طهور إناء أحدكم إ ذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب” ولم يفرق عليه الصلاة والسلام

 

ولو قيل إن الله عز وجل قال :{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ  }

وقال تعال  :{ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ  }

وقال تعالى  :{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }

 

والعلماء قد أخذوا من هذه الآيات قاعدة تقول: [المشقة تجلب التيسير ]

فلماذا لا ييسر في حق من اقتنى كلبا أجازه الشرع ؟

فيرد على هذا القول: بأنه يمكن تخصيص آنية لهذه الكلاب .

 

ويقاس على الكلب المَحْض :

الكلب المتولد من ذكر وأنثى من جنس الكلاب، يقاس عليه في هذا الحكم ما توّلد من كلب ومن حيوان طاهر، وذلك كأن ينزوَ الكلب على شاة فتلِدُ هذه الشاةُ بهيمةً، فحكمُ فضلات هذه البهيمة كحكم فضلات الكلب الصِّرْف؛ للقاعدة الفقهية  :

[( إذا اجتمع مبيح وحاضر على وجه لا يتميز فيه أحدهما غُلّبَ جانب الحضر )]

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرع الثالث/ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [( إذا ولغ الكلب ) ]

ويدخل من باب أولى بقية فضلاته كبوله وروثه وقيئه ومنيه

وهذا ما يسمى عند أهل الأصول بـ [ مفهوم الموافقة  ]

 

وسبق ذِكر هذا في كتاب التوحيد

وهذا المفهوم: أعني مفهوم الموافقة من النوع الأول الذي يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق

فالروثة والبول لا شك أنهما أشدّ من الريق

 

ولو قال قائل :

لماذا لا يكون هنا مفهوم مخالفة وذلك أن يكون ما عدا الريق غيرَ داخِلٍ في هذا الحكم؟

فنقول على التنزل بأنه مفهوم مخالفة فإن مفهومَ المخالفة كما قال الأصوليون إذا جاء لبيان الغالب فلا مفهوم له، فقوله عليه الصلاة والسلام: (( إذا ولغ )) فهذا هو الغالب، فغالب ما يفعله الكلب في الإناء  :

هو الولوغ لا التبول ولا التغوط،

والقاعدة الشرعية تقول :

(( إن الشريعة لا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين مختلفين ))

وبالتالي/ فجميع فضلاته داخلة في هذا الحكم .

 

لو قال قائل:

إن ريق الكلب قد ثبت من حيث الطب أن به دودة شريطية تعلَقُ بالإناء، فإذا شرب منه الإنسان علقت بمعدته وجاء الطب بأن هذه الدودة لا يقتلها إلا التراب

فلماذا لا يحصر الحكم في الريق  ؟

فالجواب/ أن الأحكام الشرعية لا تُعَلّقُ بالأبحاث الطبية ولا بالنظريات التجريبية، لأن أمثال هذه النظريات قد يحدث ما ينقُضُها من نظريات أخرى ومن ثم فلا وجه لإيراد مثل هذا الاعتراض .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أما الفرع الرابع :

[ولا يجزئ غير التراب إلا إذا عُدم أو خشي على الإناء من الفساد ]

 

ولا يجزئ غيرُ التراب: لورود النص به

ومِن ثَم:

فلو كانت هناك مواد في نظر الإنسان أقوى في التطهير فلا تجزئ، وذلك لأن هناك أشياءَ مُطَهِّرَة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كـ [ السدر والقَرَظِ ونحو ذلك ] ولم يُشِر إليها عليه الصلاة والسلام مع أنه عليه الصلاة والسلام يحب التيسير، فدل على أن التراب هو المعنيُّ بذاته.

لكن بعض العلماء استثنى تَرْكَ التراب في حالتين :

الحالة الأولى :

إذا عدم التراب فيستغنى عنه بمواد أخرى، لقوله تعالى:{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}

ولقوله عليه الصلاة والسلام : ” إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ” ولقوله تعالى :{ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}

ولقوله تعالى :{ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا  }

 

الحالة الثانية :

إذا خُشي على الإناء أو على المَحَل الذي يُرادُ تطهيرُه بالتراب، إذا خشي عليه من الفساد :

لقوله عليه الصلاة والسلام  : (( لا ضرر ولا ضرار ))

ولأن فيه إفسادا للمال، فيُستغنى عن التراب بالمواد الأخرى.

 

ولْتعلم/ أن هناك حالةً ثالثة يُستغنى فيها عن التراب :

وهي الحالة التي سَبَق ذِكْرُها، وهي:

[ إذا وقعت نجاسةُ الكلب على الأرض وما يتصل بها، فيكفي في تطهيرِها غَسْلَة  أو عدةُ غَسَلات حتى تُذهِبَ عينَ النجاسة،

 وأما ما عدا الأرض وما يتصل بها فهذا هو حكمها ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وأما طريقةُ استعمالِ التراب:

فإن بعض العلماء قال :

يُخلَطُ الماء بالتراب حتى يتكدر ويتغلظ، ولا يجزئ غيرُ هذا

ولهم وجهٌ في هذا القول بدلالة قوله عليه الصلاة والسلام : ( ( فليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ) )

فجعل التراب غَسْلَة

ويؤيده روايةُ مسلم التي وجهها النووي رحمه الله :

( وعفروه الثامنةَ بالتراب )

فإن خَلْطَ الماء مع التراب بهذه الصفة جَعَلَ التراب كأنه غَسْلَةً ثامنة

 

وقال بعض العلماء : يحتمل إجزاء ذر التراب ذرًّا

ولكن القول الأول هو القول الأوجه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

سؤال/ هل هذا الحكم  متعلق بالإناء فقط، أم أنه ينسحب على أي شيء بال عليه الكلب أو ولغ فيه؟

الجواب/ تخصيص الإناء في الحديث لأنه يتناسب مع الولوغ، فغالبُ ما يَلَغ الكلبُ في الإناء، لكن لا يمنع دخول غير الإناء في هذا الحكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سؤال/ ما هي صور فساد الإناء؟

الجواب/ من صور فساد الإناء:

ــ أن يبقى التراب، كأن يكونَ هذا الإناءُ فيه شقوق،

 فلو استُعمِلَ فيه التراب للصق به التراب ولا استُفيدَ منه

ــ كذلك: لو ولغ الكلب على ثوب الإنسان، وثوبُه خَلِق، ولو وَضَع الترابَ عليه لأفسَدَهُ.

وهذا ما نقله ابنُ قدامة رحمه الله عن أحد أئمة المذهب الحنبلي وهو ابن حامد رحمه الله يقول:

إذا فَسَد المَحَلّ فيُعدَلُ عن التراب.

وفي النفس من هذا شيء؛ يعني: أنه ليس مؤيدا تأييدا كاملا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الغسل سبع غسلات ولم يذكر فسادَ الإناء من غيره، وهَب أن الإناء فسَدَ! فلْيَفْسُد، فهناك أشياء قد تفسد ولم يلتفت إليها الشرع.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرع الخامس/ [ولا يصح على الصحيح قياس الخنزير عليه ]

هذه المسألة اختلف فيها؛ فقال بعض العلماء:

[ إن الخنزير يأخذ هذا الحكم، وذلك لأنه أخبث من الكلب وإذا كان أخبث فإنه يكونُ أولى بهذا الحكم  من الكلب ]

وقال بعض العلماء :

إن الخنزير لا يقاس على الكلب، وأما كونه أخبث فصحيح لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُدخل الخنزيرَ في هذا الحكم ولا أشار إليه مع أن الخنزير كان موجودا في عهده عليه الصلاة والسلام

وهذا القول هو الصحيح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرع السادس/ [ ويعفى عما صاده الكلب ]

الكلب المعلم للصيد يصيد بفيه، وإذا صاد بفيه قد يلامسُ هذا الصيد شيئا من لعابه

فهل يُلزم الصائد بغسل المصيد سبع مرات أولاهن بالتراب؟

الجواب/ أنه لا يُلزَم، وهذا مما تسامحت فيه الشريعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال كما قال في الصحيحين : (( إذا صدت بكلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ))

والسائلُ جاهل، لأنه سأله أي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد بالكلاب فأجابه بهذا الجواب ولم يذكر وجوب الغسل

ولأن الصحابة رضي الله عنهم لم يُنقَل عنهم فِعْلُ هذا

ولأنه قد يَخرج مع العَض ما لا يخرج مع الولوغ،

 فلم يقل عليه الصلاة والسلام (إذا عَضَّ) وإنما قال (إذا ولغ) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة/ [ يرجح شيخُ الإسلام رحمه الله طهارةَ شعر الكلب مطلقا]

الشرح/ وهذه المسألة تشعر بأن هناك قولا يخالف هذا القول

وبالفعل فهناك قول يخالف هذا القول:

فقد قال بعض العلماء: [ إن شعر الكلب نجس، فإذا لامس الصائدُ شعرَ الكلب ويده رطبة فإنها تتنجس]

 

وأما ترجيح شيخ الإسلام:

فإنه كما ذُكِرَ لكم لا يرى النجاسةَ في مثل هذه الحال

وليس معنى هذا :

أن شعر الكلب طاهر على إطلاقه وإنما المراد في صورة معينة وذلك إذا كانت يدُ الإنسان رطبة ولامست شعر الكلب.

والدليل على ذلك:

ما جاء في الصحيحين عن عدي بن حاتم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد بالكلاب فقال :

(( إذا صدتَ بكلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ))

ولم يأمره بتوخي الحذر من هذا الأمر ولا شك أن السائل جاهل

والقاعدة الشرعية تقول:

[ إن تأخير البيان عن وقت الحاجة منه عليه الصلاة والسلام لا يجوز في حقه ]

وعزا رحمه الله ونسَب هذا القول إلى الجمهور .