الدرس ( 5 ) من شرح منهج السالكين (كتاب الطهارة ـ باب الاستنجاء وآداب قضاء الحاجة )

الدرس ( 5 ) من شرح منهج السالكين (كتاب الطهارة ـ باب الاستنجاء وآداب قضاء الحاجة )

مشاهدات: 622

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الطهارة ـ الدرس ( 5 )

بابُ الاستنجاء وآداب قضاء الحاجة

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آلة وصحابته وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.. أما بعد

ثم قال المصنف رحمه الله [بابُ الاستنجاء وآدابِ قضاء الحاجة] يعني: وباب آداب قضاء الحاجة.

الشرح/ ويُسَمى عند البعض من العلماء [باب الاستطابة]

ويُسمى باب التخلّي، والأمر في التسمية واسع.

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ يستحب إذا دخل الخلاء: أن يقدم رجله اليسرى، ويقول: “بسم الله، اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث” ]

الشرح:

مَفادُ هذا: أنه إذا أراد الدخول، وليس في داخل الخلاء.

يُستحب له أن يُقدمَ رِجلَه اليُسرى، وذلك لأن اليُسرى تُقدم لما فيه القُبح والأذى، أما اليمين فتُقدم فيما مِن شأنه التكريم، ولذا قالت حفصة رضي الله عنها أن النبي ﷺ:

” َكَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَثِيَابِهِ وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ، وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ

 

ومِن السنة أن يقول (بسم الله)

وفائدة البسملة كما جاء في حديث عليّ رضي الله عنه:

” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” سِتْرُ مَا بَيْنَ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ أَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ

إذًا/ ما فائدة البسملة؟

الجواب/ أنها تستر العورة عن أعين الجن.

 

وهذا الذكر متى يقال؟ قبل الدخول.

 

[ويقول مما يُستحب: اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث]

الخبْث: بتسكين الباء، يعني الشر.

الخبائث: الشياطين (الذُّكران والإناث)

فهنا استعاذ من الشر(الخبْث) ومن أهله (الخبائث)

أما إذا ضممت الباء (الخبُث)

الخُبُث: ذكران الشياطين؛ والخبائث: إناثهم.

والتسكين أفصح وأعم وأشمل.

 

وهذا الذِّكْر بسم الله، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بالله من الخُبْث والخبائث “

يكونُ حتى في الصحراء لورود رواية أخرى تدل على ذلك.

ــــــــــــــــــــــ

ثم قال المصنف رحمه الله [وإذا خرج منه قدّم رجله اليمنى]

الشرح:

قدّم اليمين، لمَ؟ لأن إخراج اليمين مِن هذا المكان القذر تكريم. فتُقَدّم اليمين.

 

ثم قال المصنف رحمه الله [ وقال: غفرانك]

الشرح:

يستحب له إذا خَرَجَ أن يقول (غفرانك) يعني: أسألك غُفرانك.

ولماذا يقول هذا الذكر، هل أذنبَ ذَنْبًا؟

لا، لم يُذنب ذَنْبًا، ولكن الصواب مما قاله العلماء في الحكمة مِن ذكره، وهو رأيٌ لابن القيم رحمه الله كما في إغاثة اللهفان، قال:

لأن الله عز وجل لما أزال عنه الأذى في هذه الدنيا مِن بطنه، تَذَكّرَ الأذى الأعظمَ الذي يكونُ في الآخِرة وهو أذى الذنوب.

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [الحمد لله الذى أذهب عنى الأذى وعافانى]

الشرح/

هذا الحديث مختلف في صحته، ممن يضعفه الألباني رحمه الله وغيرُه،

وممن يحسنه الحافظ بن حجر رحمه الله، والأمرُ في هذا الذكر فيه سَعَة، ولا شك أن خروجَ الإنسان من هذا المكان القذر وإخلاء بطنه من الأذى نعمة تستوجبُ الحمدَ لله عز وجل.

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ويعتمد في جلوسه على رِجلِه اليسرى وينصب اليمنى]

الشرح/ فعند قضاء الحاجة ماذا يصنع في جلسته؟

يعتمد على رجله اليسرى وينصب اليمنى، يعني: يرفع اليُمنى

وقد ورد في هذا حديث لكنه ضعيف، ولعل ما ذَكَره الفقهاء من استحسان هذه الجلسة لأن فيها تكريماً لليمين،

وقد ذكر الأطباءُ بأن هذه الجلسة تساعد على إخراجِ الفضلات مِن ابن آدم، فإن صَحَّ ما ذُكِرَ عنهم فهذا يُفعل لا لأنه ثابت عن النبي وإنما لأن فيه منفعة صحية تعود على بن آدم،

لكن الحديث الوارد في ذلك ضعيف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

ثم قال المصنف رحمه الله (ويستتر بحائط أو غيره)

الشرح/

 وهذا الحكم ليس كالحكم السابق، ما ذُكِرَ حكمه الاستحباب،

 هنا: حكمه الوجوب، لأنه يجب على الإنسان أن يستر عورتَه،

والأحاديث كثيرة في فِعله عليه الصلاة والسلام في الاستتار، في الصحيحين وغيرهما.

ـــــــــــــــــــــ

ثم قال المصنف رحمه الله (ويبعد إن كان في الفضاء.)

الشرح/

يُنظَر/ إن كان قُربُه مِن رِفقته لا يترتبُ عليه النظر إلى عورته: فالبعد مستحب.

وأما إذا ترتب على قربه منهم أن يروا عورتَه: فالبعد واجب.

 ولذا في حديث المغيرة في الصحيحين: أن النبي ﷺ لما أراد أن يقضيَ حاجتَه، قال المغيرة:

” فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي “

 

لكن ما ضابط البعد المستحب؟

 ضابطه كما قال بعض العلماء: ألا يُسمعَ منه صوت، وألا تُشم منه رائحة،

 وكلما ازداد بُعدًا كان أفضل، لكن مقياس البُعد أن تكونَ في مكان لو قضيتَ حاجتَك ما سُمِعَ منك صوت ولا شُمّت منك رائحة.

ـــــــــ

ومن السنة من فِعل النبي ﷺ كما عند أبي داود:

” كَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً لاَ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ “

ما كان يرفعُ ثوبَه وهو قائم عليه الصلاة والسلام، وإنما إذا وصل إلى الأرض رفع ثوبَه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله (ولا يحل له أن يقضى حاجته في طريق)

الشرح/

(لا يحل) عبارة تنبئ عن التحريم، دليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:

 (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)

 

(ولا يحل له أن يقضى حاجته في طريق) الدليل ما جاء عند مسلم قوله النبي ﷺ:

” اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ” أي: الذي يجلبُ لَعْنَةَ الناس وغَضَبَهم.

” قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” الَّذِى يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ في ظِلِّهِمْ “

 

ثم قال المصنف رحمه الله (أو محل جلوسٍ للناس).

الشرح/

لا يجوز للإنسان أن يأتيَ إلى مكان يقصده الناس ويقضي فيه حاجتَه، لما في ذلك من الضرر الذي يعود عليهم،

 ولذا لم يترك النبيُّ ﷺ حقَّ الأموات، فليس هذا الحكم منحصرا في الأحياء بل حتى للأموات ولذا عند ابن ماجه قال عليه الصلاة والسلام:

” مَا أُبَالِي أَوَسْطَ الْقُبُورِ قَضَيْتُ حَاجَتِي، أَوْ وَسْطَ السُّوقِ ” فجعل الحكم فيهما سواء.

يقول ابن القيم رحمه الله (لأن أفنيتهم محل تزاورهم وتلاقيهم)

أفنيتهم: الأمكنة القريبة من قبورهم.

ــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله (أو تحت الأشجار المثمرة).

الشرح:

لما في ذلك من الضرر، وقد جاء حديث في هذا وفيه ضعف ولكنه من حيث المعنى صحيح لأن النصوص الشرعية العامة تدل على تحريم إيصال الأذى إلى الناس.

 

ثم قال المصنف رحمه الله (أو في مَحَلٍ يؤذى به الناس)

الشرح:

وذلك كقارعة الطريق، ولذا جاء في السنن قوله عليه الصلاة والسلام، والحديث فيه مقال لكن ممن يحسنه الألباني رحمه الله، قال النبي ﷺ:

اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ ، وَالظِّلِّ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ

 

” قارعة الطريق “: يعني الطريق الذي يُقرع ويُسلك، ولذا لو أتى في جانبٍ من الطريق لا إشكال في ذلك.

“وَالظِّلِّ”: ولكن ليس كلُّ ظِلٍّ يحرم فيه قضاء الحاجة، وإنما الظل الذي يُستفاد منه، ولذا ثبت عن النبي ﷺ أنه قضى حاجتَه مستترا بشجرة،

 فالذي لا يستفاد منه فالأمر فيه واسع، فليس معنى هذا أن كل ظل يحرم قضاء الحاجة فيه.

 

 وإذا كانت العلة (إيذاء الناس) فيسري ما يُشابه قضاء الحاجة، مثل: التنخم في طريق الناس! هذا مؤذي! وكذلك التقيؤ، فإنه ولو لم يرد به نص فإن فيه ضرراً على الآخرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله (ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها حال قضاء حاجته، لقوله ﷺ:

” إذا اتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها ولكن شرقوا او غربوا ” متفق عليه)

الشرح:

استقبالُ القبلة واستدبارها في حال الفضاء محرم، لدلالة هذا النص، وهذا النص يدخُلُ فيه البُنيان، لكن العلماء اختلفواْ في البنيان:

 أيجوز للمسلم أن يستقبل القبلة أو أن يستدبرها حال قضاء الحاجة في البنيان أم لا؟

 خلاف طويل، وسبب الخلاف أن النبي ﷺ كما في حديث ابن عمر-رضي الله عنهما- في الصحيحين قال:
” رَقِيتُ عَلَى بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ “

وحديث أبي أيوب في الصحيحين قال رضي الله عنه:

” فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ “

هذان الحديثان بسببهما وقع الخلافُ بين العلماء في حكم استقبال أو استدبار القبلة حال قضاء الحاجة في البنيان، والصحيح في هذه المسألة:

 أن قضاء الحاجة في الفضاء: يحرم؛

 وأما في البنيان: فالأحوط للمسلم ألّا يستقبلَ وألا يستدبرَ القبلةَ حال قضاء الحاجة، لحديث أبي أيوب، وفِعل الصحابة في الشام، لأن المسألة فيها أدلة كثيرة، والمسألة قوية،

 فيسلك المسلم جانب الاحتياط إذا جرى خلافٌ بين العلماء، وكانت أدلة كل قول فيها من القوة ما فيها كما في هذه المسألة.

 

 ولْتعلم أن قول النبي ﷺ: ” ولكن شرقوا أو غربوا ” هذا لمن يسكن المدينة أو مَن يشابههم، لأن قبلة أهل المدينة في اتجاه الجنوب، بينما نحن في الرياض لو شرقنا أو غربنا لاستقبلنا ولاستدبرنا الكعبة؛ إذًا نحن ” جنِّبوا أو شمِّلوا “.

 

ولْتعلم أن ما قاله بعض الفقهاء من النهي عن استقبال القمر أو الشمس حال قضاء الحاجة مردود بهذا الحديث إذ قال ” شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا “

وأين تُشرق الشمس؟ المشرق؛ وأين تغرب؟ من المغرب.

 فدل على أن ما ذكروه ليس بصواب، فيجوز أن تستقبل الشمس وأن تستدبرها، وكذلك القمر وليس هناك دليل على النهي.

 

وْلتعلم كما قال ابن حجر رحمه الله: أن الاستقبال أعظم من الاستدبار

 ولذا النبي ﷺ في حديث ابن عمر استدبر، قال: لأنه إذا استقبلها يجتمع أمران وهو البول والغائط اتجاه القبلة؛ لكن في حالة الاستدبار فشيء واحد وهو (الغائط).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله (فإذا قضى حاجته استجمر بثلاثة أحجار ونحوها، تُنقي المحلَّ، ثم استنجى بالماء، ويكفي الاقتصارُ على أحدِهما)

الشرح/ مِن جملة كلامه نفهم بأن الإنسان حال قضاء الحاجة له ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يستجمر بالحجارة أو نحوها، مثل: المناديل، مثل: التراب، فكل ما يُنَقِّي المِحِلّ يصح الاستجمارُ به، فليس محصوراً في الحجارة إلا ما ورد الشرع بالنهي عن الاستجمار به -كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى-

 فالحالة الأفضل والأكمل: أن يستجمر بالحجارة أو نحوها حتى يقلل النجاسة فلا تُلامس يدَه اليُسرى ثم يستنجي بالماء، وورد هذا عند البزار وهو الجمع بين الاستجمار والاستنجاء ولكنه حديثٌ ضعيف، فهذه الحالة هي أفضل باعتبار المعنى لا باعتبار الدليل لأن الدليل ضعيف، قلنا باعتبار المعنى وهو (زيادة في التطهر).

الحالة الثانية في الأفضلية: الاستنجاء بالماء، لما ورد مِن فعلــه عليــه الصــلاة والسلام في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه.

الحالة الثالثة: أن يقتصر على الاستجمار حتى ولو وجد الماء، فلو كنت في البر وعندك ماءٌ كثير وأردتَ أن تستجمر فقط مع وجود هذا الماء الكثير فلك ذلك، لقول النبي ﷺ كما في المسند وسنن أبي داود:

” إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ؛ فَإِنَّهَا تَجْزِئُ عَنْهُ “

ولكن الأكمل في ذلك هو الماء.

 

ومَفادُ ما ذَكَرَهُ رحمه الله:

 أن الاستجمار يكونُ بثلاثة أحجار فلا يَنقُص عن هذا العدد، لحديث سلمان رضي الله عنه في صحيح مسلم قال:

” نَهَانَا النبي ﷺ أَنْ نَسْتَنْجِىَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ “

حتى ولو أنقت الواحدة أو الثانية فلا يُجزئ إلا ثلاثة أحجار للحديث السابق:

” فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ ” دلَّ على أن ما دونها لا تُجزئ.

 

فائدة عرضية في جميع الدروس:

من الأفضل لطالب العلم ألا يأتي بمتن فيه شرح حتى لا يتشتت ذهنه، فالشروحات الأخرى يستفاد منها لكن إذا أراد الطالب أن يحصر ذهنه في معلومات ملقاة يقيد ما يسمعه ثم إذا ضبط ما أخذه يمكن أن يعود إلى الكتب المشروحة ويستزيد منها. ا.هـ.

 

ولْتعلم أنه يجوز أن يستجمر بحجر واحد إذا كان ذا شعب ثلاث:

 قد يكون الحجر مُتَشَعِّبًا، له حافّة جهة اليمين وجهة اليسار وفي الوسط؛ يمكن بشعبة أو بحافّة يستجمر، وبالأخرى هذه ثانية، وبالثالثة هذه ثالثة،

 لو قال قائل: الحديث نَص على ثلاثة أحجار، لماذا أجزأ حجر واحد ذو شعب ثلاث؟

الجواب: لأن الأحاديث الأخرى كما عند أبي داود وغيره بينت أن المقصود هو المسح وليس المقصود الحجر، ولذا لو مسحت ثلاث مسحات بحجر واحد، كل مسحه بشُعبة من هذه الشعب وأنقى: أجزأ.

 

ولْتعلم أنه رحمه الله قال (تُنقي المحل) ربما تكون ثلاث ما تُنقي المَحَل فلا بد من الزيادة،

ولو حصل الإنقاء برابعة فالسنة المأمور بها المسلم كما جاء في صحيح البخاري وغيره:

 أن يكون الاستجمار مقطوعًا على وِتر لقوله عليه الصلاة والسلام

” مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ” فلو أنقت الرابعة فيؤمر بخامسة.

 

ولْتعلم أن السنة الثابتة في سنن أبي داود مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

السنة إذا فرغت من الاستنجاء بالماء أن تغسل يدَك اليُسرى، لأنه كما تعلمون كما جاء في الصحيحين: لا يجوز الاستنجاء باليمين، فالسنة أن تغسل يدك اليسرى، وذلك لتطهيرها من الرائحة، لأنه عليه الصلاة والسلام لما استنجى كما في حديث أبي هريرة:

 (ضرب بيده اليسرى في الأرض ثم توضأ عليه الصلاة والسلام)

 ويزيده قوة: أنه عليه الصلاة والسلام في غُسل الجنابة لما أزال ما علق به من أذى ضرَبَ يده بالحائط؛ ويُغني عنه في هذا الوقت الصابون، فهذه من السنن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله ( ولا يستجمر بالروث والعظام، لنهي النبي ﷺ عن ذلك).

الشرح:

وهذا ثابتٌ في الصحيحين من النهي عن الاستجمار بالروث والعظام، قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن مسعود لما أتاه بروثة حمار قال: ” إِنَّهَا رِكْسٌ ” يعني: نجسة.

 وجاء في صحيح مسلم أنها علفٌ لدوابِّ الجِنّ، وهذه روثة ما يؤكَلُ لحمُه.

 

 إذًا/ الروث بجميع أنواعه محرم الاستجمار به:

 فإن كانت روثة ما يُؤكل لحمه كالغنم والإبل والبقر: فالعلة لأنها علف لدواب الجن.

 وإن كانت روثة حيوان لا يُؤكل لحمُه كالهرة والحمار: فلأنها نجسة.

 

وأما العظام: فلأنها طعام للجن، قال ﷺ للجن كما في صحيح مسلم لما التقى بهم، قال:

” لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعَرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ “

ولذلك لما ُنهي عن العظم دخل في نفس الحكم: السن، لأن النبي ﷺ قال:

” أمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ ” فدل على أن السن عظم.

 

وقد جاء عند أبي داود أيضا مما يُنهى عن الاستجمار به لأنه طعام للجن (الفحم)

أي: مخلفات النار مما يكون باقيًا بعدها، لقول الجن للنبي ﷺ:

” انْهَ أُمَّتَكَ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا.

 قَالَ: فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ “. ” حُمَمَةٍ ” فحما.

 

ولو قال قائل: لو استنجى بما يُنهى عنه وحصل الإنقاء؟

الجواب/ خلاف بين العلماء، والصواب: أنه لا يجزئ.

 

ومن هنا لما كان النهي عن الاستجمار بالعظام لكونها طعاماً للجن،

 ونُهِيَ عن الاستجمار بالبَعرة لكونها طعاما لدواب الجن، أخذ العلماء أن الاستجمار بطعام الآدميين وطعامِ دوابهم من باب أولى في التحريم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم قال المصنف رحمه الله (كذلك كل ما له حرمة)

الشرح:

أي شيء له حُرمة لا يجوز الاستجمار به، مثل: كتب العلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

لو قال قائل: لن أستجمر بالعظم أو الروثة لكن سأبول أو أتغوط عليهما؟

الحكم واحد لا يختلف، لأن النهيَ عن الاستجمار بهما من أجل ألا تُنَجّس، فإذا تغوّط أو بال عليهما حصلت النجاسة.

إذًا/ في وقت الربيع ماذا على المسلم إذا خرج إلى الصحراء والأرضُ مُعشِبَة، وأراد أن يقضي حاجتَه؟ عليه أن يبحثَ عن مكان ليس فيه عشب لطعام بهائمنا.