الدرس ( 65 )
من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد البحري
مسألة :
من أتاها الحيض اول أمرها فلا تتقيد بعدد فإن طال فهو دم حيض ما لم يتجاوز أكثر الشهر فإن تجاوز فلتعمل بالتمييز فإن لم يكن لها تمييز أو كان لها تمييز غير منضبط فتجلس غالب حيض نسائها .
الشرح
هذه المسألة هي عن المبتدأة والمبتدأة هي التي يأتيها الحيض لأول مرة أما لصغرها وأما لإياسها { والاتي يئسن من المحيض } فهذه المبتدأة اختلف العلماء في هذا الدم النازل بها فلفقهاء الحنابلة تفريع في حيض هذه المبتدأة وهذا التفريع لا شك أنه يوقع المرأة في حرج لاسيما وهي مبتدأة فقد تصعب هذه التفريعات على طالب العلم فضلا عن هذه المبتدأة فقالوا إذا أتاها الحيض فلتجلس أقله وهو يوم وليلة ثم بعد مضي اليوم والليلة تغتسل وتصلي وتصوم ولو كان هذا الدم مستمر معها فإذا بلغ أكثر الشهر وما دونه يعني خسمة عشرة يوما أو أربعة عشرة يوما أو عشرة أيام فإذا انقطع هذه الدم لأكثره فما دونه فلتغسل ثم تقضي ما وجب عليها وذلك لأن الاغتسال الأول من باب الاحتياط فإذا جاء الشهر الثاني فلتعمل بنفس هذا العمل وكذلك الشهر الثالث فلو أن الدم مثلا انقطع معها في اليوم التاسع ثم انقطع كذلك في الشهر الثاني ثم انقطع كذلك في الشهر الثالث فنقول : إن حيضتك تسعة أيام فما تكرر ثلاثا فهو حيض ثم عليها ان تقضي الصوم لأنه استبان إنها صامت بعد اليوم والليلة ثم وقت حيضتها فإن لم يتكرر ثلاثا وإنما انقطع في الشهر الأول في اليوم التاسع وانقطع في الشهر الثاني في اليوم الخامس وانقطع في الشهر الثالث في اليوم الرابع فتكون حيضتها أربعة أيام على الأخير ثم اذا اتى الشهر الذي يليه والذي يليه تنظر المتكرر ثلاثا هو حيض فيكون المتكرر هو العادة
القول الثاني :هو ما ذكره هنا بناء على قاعدتنا السابقة فنقول لها / ما دام هذا الدم الموصوف بأنه اذى معك فهو حيض ما لم يكن اكثر الشهر وذلك لأن العلماء يقولون : إذا اطبق الدم مع المرأة واستمر معها من غير استقرار فإن الأكثر ينزل في حكم الكل فيكون ما زاد على خمسة عشرة يوما استحاضة فلو أن هذه المبتدأة مثلا استمر معها الدم عشرة ايام فهذه هي عادتها ولو جاء الشهر الثاني ونزل بها الدم وانقطع في تسعة ايام فتسعة الأيام هي عادتها في هذا الشهر الثاني ، لأن الحكم مربوط بهذا الدم فإن استمر معها الدم أكثر الشهر فنقول إنك مستحاضة والمستحاضة كما سيأتي في عداد الطاهرات تصلي وتصوم ولها ما لغيرها من الطاهرات فنقول لها : اذا اتى الشهر الثاني فلتنظري إلى هذا الدم فإذا كان هذا الدم هو الموصوف بانه أذى فلتجلسه وما لم يكن فيه هذا الوصف فهو دم استحاضة
وبعضهم يقول : هو دم فساد فدم الفساد يدخل في دم الاستحاضة والدليل قول النبي كما عند أبي داود ( ان دم الحيض دم أسود يعرف ) وقال ابن عباس إذا رأت الدم البحارني يعني الغليظ فلا تصلي فإذا انقطع هذا الدم البحراني فلتغتسل ولتصلي ) فإن لم يكن معها تمييزا أو معها تمييز غير منضبط يأتي مضطرب فترى في يومها في بعض ساعاته دم الحيض وفي بعضها الدم الأحمر أو نحوه فهو تمييز غير منضبط فإن لم يكن تمييز أولها تمييز غير منضبط فتجلس غالب الحيض وغالب الحيض قد جاء النص بتحديده أما أقله وأكثره فسبق عدم الدليل في تحديده أما غالبه فقد جاء في السنن أن النبي قال للمستحاضة ( تحيض في علم الله ست أو سبع ) وقوله ( في علم الله ) قيل في حكم الله وقيل بينك وبين الله لقوله تعالى { ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } وقيل وهو الأقرب ليس المقصود التحديد وإنما المقصود ان تنظر في غالبه إلى نظائرها من نسائها كأمها وأخواتها وسائر قريباتها فغالب الحيض فيهن تعمل به فإذا كان غالب حيضهن سبعة أيام فلتجلس سبعة أيام وإن كان غالب حيضهن عشرة أيام فلتجلس عشرة أيام ولتعلم : ان التمييز لا يأخذ به الإمام أبو حنيفة أما لأن الخبر لم يبلغه او بلغه ولم يحكم بصحته ولكن الحديث صحيح ، وأما بقية العلماء فيرون العمل بالتمييز في المبتدأة وأما التمييز للمعتادة فقد اختلفوا
فخلاصة القول في المبتدأة على المذهب أن تجلس أقل الحيض ثم تغتسل وتصلي وتصوم فإذا انقطع لأكثره فما دونه فلتغتسل فإن تكرر ثلاثا فهو عادتها وتقضي ما وجب فإن تجاوز وعبر أكثره في مستحاضة تعمل بالتمييز فإن لم يكن لها تمييز أو كان لها ولكنه غير منضبط فتجلس ستة أيام أو سبعة وهي مخبرة بين الستة والسبعة هذا هو القول في المبتدأة على المذهب أما على القول الراجح / فإنها تمتنع عن الصوم والصلاة فإذا انقطع الدم فلتغسل ولتصلي ولا يلزمها شيء فإن تجاوز أكثر الشهر فلتعمل في شهرها القادم بالتمييز فما كان دم حيض فلتجلسه وما لم يكن فهو طاهر فإن لم يكن لها تمييز أو كان لها وهو غير منضبط فتجلس غالب حيض نسائها
مسألة :
إن زادت عادتها او تقدمت أو تأخرت أو نقصت فتعتبره حيضا
الشرح
هذه المسألة تنفصل عن مسألة المبتدأة وهي مسألة المرأة المعتادة التي سبق وأن حاضت فإن زادت عادتها كأن كانت عادتها مثلا ثمانية أيام فزادت في أحد الشهور عشرة أيام أ وتقدمت كأن يكون وقت حيضها في اليوم العاشر من الشهر ثم أتاها في أحد الشهور في اليوم الثاني أو تأخرت كأن يكون وقت حيضها في اليوم الثاني فلم يأتها إلا في اليوم العاشر ، أو نقصت كأن تكون عادتها عشرة أيام ثم انقطع معها في أحد الشهور في خمسة أيام فللمذهب قول في هذا قالوا : ان زادت عادتها أو تقدمت أو تأخرت فإنها تجلس حيضها المعتاد ثم ما زاد فإنها تغتسل وتصلي وتصوم كالمبتدأة فما تكرر ثلاثا فهو حيض وتقضي ما وجب وأما إذا نقصت عادتها فالنقصان طهر ففي مثالنا تغتسل بعد اليوم الخامس وتصلي وتصوم ولكن الصحيح أن المرأة اذا زادت عادتها أو تقدمت أو تأخرت أو نقصت ومعها هذا الدم الموصوف بأنه أذى فهو دم حيض بناء على القاعدة السابقة ولذا قال عز وجل { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } وهو ضمير فصل يفيد التخصيص أي هو أذى دون غيره .
مسألة :
المرأة المعتادة ان تغيرت عادتها واضطربت فهو حيض ما لم يتجاوز أكثر الشهر فإن تجاوز فلترجع إلى عادتها السابقة فإن نسيها فلتعمل بالتمييز
فإن لم يكن لها تمييز أو كان لها تمييز غير منضبط فتجلس غالب حيض نسائها
الشرح
صورة هذه المسألة ان تكون عادة المرأة مثلا عشرة أيام ثم يستمر معها الدم فماذا نقول ؟
نقول : انه دم حيض فإذا تجاوز أكثر الشهر فنقول لها إذا جاء الشهر الثاني فتجلسي عادتك السابقة التي هي عشرة أيام وما زاد عنها فهو دم استحاضة فإن قالت : نسيت عددها فنقول لتعملي بالتمييز فما كان أسود أو ثخين أو نحوه من صفات الأذى فهو دم حيض وما لم يكن فهو دم استحاضة فإن كان التمييز غير منضبط فتجلس غالب حيض نسائها ودليل ذلك قول النبي كما عند مسلم قال للمستحاضة ( اجلسي قدر ما تحبسك حيضتك ) فردها إلى عادتها الأولى
وأما الشافعية فيقولون : لا تنظر إلى عادتها وإنما إذا تجاوز أكثر الشهر فلتعمل بالتمييز لقول النبي ( ان دم الحيض دم أسود ) ولكن الصحيح أنها ترد إلى عادتها الأولى لأن في هذا القول جمعا بين الأدلة ولأن ردها إلى عادتها مع وجود السنة بذلك أسهل وأيسر لها ولأن الوارد عند مسلم أصح مما ورد في سنن أبي داود وهو حديث ( ان دم الحيض دم اسود ) فإذاً التمييز لا يراه ابو حنيفة مطلقا وأما بقية العلماء فيرونه في المبتدأة واما في المعتادة التي هي صلب مسألتنا فقد اختلفوا هل ترد في أول أمرها إلى عادتها ام إلى التمييز واما تلك الأيام التي زاد معها الدم فاعتبرت مستحاضة ردت إلى التمييز أو ردت إلى عادتها فهل تقضي ما كان عليها ؟
قول النبي للمرأة لما قالت ( إني استحاض فلا أطهر ) أمرها بان تغتسل إذا انقطع الدم وأمر الأخرى بأن تجلس عادتها وامر الأخرى بالتمييز في قوله ( ان دم الحيض دم أسود ) ومن ثم فقد قال بعض العلماء كما نقل ذلك ابن حجر رحمه الله في الفتح انها لا تلزم بقضاء ما سبق وذلك لأن النبي لم يأمرها وانما امرها وأرشدها بما جاء في الأحاديث الآنفة الذكر وهذا قول قوي لكن قد يعارضه ان هذا الحكم معروف لدى النساء وهو ان ما ليس بدم حيض فإن الصلاة فيه واجبة فالمسألة محتملة بين هذا وهذا ، والأحوط ان تقضي لأن القول الأول قول قوي فلولا هذا الاحتمال لقيل لا يجب عليها شيء