الدرس ( 68 ) باب الحيض (5)(من حدثه مستمر ـ أحكام مهمة للمستحاضة ـ رطوبة فرج المرأة )

الدرس ( 68 ) باب الحيض (5)(من حدثه مستمر ـ أحكام مهمة للمستحاضة ـ رطوبة فرج المرأة )

مشاهدات: 485

الدرس الثامن والستون

من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

 

مسألة :

من حدثه مستمر لا يصح وضوءه إلا إذا دخل وقت الصلاة ويجب عليه أن يغسل محل الحدث وأن يشده ما لم يتضرر

الشرح

هذه المسألة متعلقة بالاستحاضة والاستحاضة دم عرق ينزل من عرق يسمى بالعدل ، ودل الاستحاضة هو ما تجاوز أكثر الشهر أو ما لا يصح أن يكون دم حيض أو دم نقاس ولذا قال النبي للمستحاضة التي قالت ( إني استحاض فلا أطهر فأدع الصلاة  ؟ قال : إنما ذلك عرق فإذا انقطع عنك الدم فاغتسلي وصلي ) فهذه الاستحاضة ونحوها كمن به ريح مستمر أو سلس بول أو سلس غائط ومما شابه ذلك فإنه في حكم الطاهر فالمسحاضة تكون في عداد الطاهرات لكن لا يتم لها تطهر شرعي إلا إذا دخل الوقت وذلك لأن طهارتها طهارة ضرورية قياسا على التيمم عند الحنابلة فإنهم يرون التيمم كما سبق مبيح لا رافع فيجب عليها أن تغسل موضع الدم لقول النبي كما في الصحيحين ( فاغتسلي عنك الدم )

ثانيا : مما يجب عليها / أن تعصبه وهو ما يسمى بالاستثار وذلك بأن تتحفض بثوب أو خرقة أو نحو ذلك ولذا قال النبي للمرأة المستحاضة ( أنعت لك الكرسف ) يعني القطن ( تحتشين به  ؟ قالت : انه أعظم ، فقال اتخذي ثوبا قالت إنما أسجه سجا )  فأمر النبي لها يدل على الوجوب ، وذلك حتى تمنع نزول الدم ولا تعفى عن هذا إلا إذا كان الدم يحرقها لقول النبي كما في المسند  ( لا ضرر ولا ضرار ) أو كان لا يتمكن من عصبه ابتداء وذلك كصاحب البواسير فلا يلزم بهذا الشد لدفع الضرر فإذا غسلت موضع الدم وعصبته ولم تفرط ثم نزل الدم فلا شيء عليها لما جاء في صحيح البخاري ( ان احدى زوجات النبي اعتكفت معه والدم ينزل منها وهي تصلي والطست تحتها ) ولكن ان قصرت في الشد فيجب عليها إعادته مرة أخرى ولا تلزم إذا لم تفرط ابتداء لا تلزم بالغسل والعصب لكن صلاة

ثالثا : يجب عليها ان تتوضأ إذا دخل وقت الصلاة وذلك لأن طهارتها طهارة ضرورة والقاعة تقول ( الضرورة تقدر بقدرها )

ودليل هذه المسألة : قول النبي ( توضئي حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى ) وقد رد ابن حجر على من قال ان هذه الجملة وهي ( توضئي لكل صلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى ) رد على من قال انها مندرجة أو أنها موقوفة فدل هذا الحديث على أنها تكون طاهرة إلى ان يخرج وقت الصلاة التي تطهرت له  ، فمثلا لو تطهرت لصلاة العصر فلا يجوز لها أن تصلي بهذا الوضوء صلاة العصر ، وظاهر هذا الحديث ان الوضوء انما يحصل في صلاة فرض واحدة لا في جميع الصلوات

ومن ثم اختلف العلماء /

القول الأول : وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد وهو مذهب أبو حنيفة من أنها تصلي بهذا الوضوء في الوقت ما شاءت من فروض ونوافل قال ابن قدامة في المغني / مثل صلاة الفرض ، الصلاة الفائتة إذا تذكرتها فلها ان تصلي هذه الفائتة مع فرض وقتها

وقال الإمام مالك : ليس ذلك بواجب انما هو مستحب

وقال بعض العلماء : انها لا تصلي بهذا الوضوء إلا صلاة فرض واحدة لظاهر الحديث ( توضئي لكل صلاة حتى يجيء الوقت الذي بعده )

 

ودليل من أجاز الصلاة بهذا الوضوء ولو كانت أكثر من واحدة حديث رواه أبو حنيفة  ( توضئي لوقت كل صلاة ) فهذا الحديث أوضح حديث  ( توضئي لكل صلاة ) فإن المضاف حذف وأقام المضيف إليه مقامه ،

قال ابن حجر : ليس في طرق الحديث هذه الكلمة وانما رواها أبو حنيفة وتفرد بها ، وأبو حنيفية سيئ الحفظ كما قال ابن عبد البر ، ومن ثم فلا أثر لهذه الكلمة وهذا هو القول الصحيح انها لا تصلي إلا صلاة واحدة ، ولذا قال ابن حجر / عند قوله ( توضئي لكل صلاة ) ان من قال ان معناها ( توضئي لوقت كل صلاة ) يحتاج إلى دليل ومن ثم فإنها تصلي صلاة فرض واحدة ولها ان تصلي ما شاءت من النوافل ،

 

ولو قال قائل : اذا كانت لا تستطيع ان تنظف المحل بالماء ؟

فنقول يمكن ان تنظفه بشيء من الورق والمناديل فإن شق عليها وتضررت فالقاعدة تقول ( لا واجب مع العجز )

ولو قال قائل : لو توضأت قبل الوقت هل يصح وضوءها

فالجواب / كما سبق لا يصح إلا في حالة واحدة وهي أن تتوضأ قبل دخول الوقت ولم ينزل معها شيء واستمر هذا الانقطاع فإما ان توضأت ثم خرج شيء بعد دخول الوقت فإنه وضوءها لا يصح

لو قال قائل : لو انها تطهرت بعد دخول الوقت ثم خرج منها شيء

فالجواب / ان طهارتها صحيحة لكن لو انها تأخرت في أداء الصلاة لأمر لا يتعلق بمصلحة الصلاة ومن الأمور المتعلقة بمصلحة الصلاة ان تلبس الثياب أو أن ينتظر من به سلس بول الجماعة فإنه لو تأخر في أداء الصلاة بعدما توضأ في أول الوقت فإن صلاته صحيحة وأما اذا تأخر عن أدائها في أول وقتها لا لأمر يتعلق بالصلاة فإن طهارته مختلف فيها بين العلماء فقال بعض العلماء / ان وضوءه باطل ومن ثم فإن صلاته لا تصح لأن طهارته ضرورية وقد أخر الصلاة من غير عذر .

وقال بعض العلماء : ان صلاته صحيحة ونحن نسلم بأن طهارته ضرورية لكنها ضرورية مؤقتة بالوقت وهذا هو الأقرب من أن طهارته طهارة ضرورية متعلقة بالوقت كله الحديث ( توضيء لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ) ولم يتعرض النبي لتأخر ولم يفصل للمستحاضة فيما يخص مصلحة الصلاة وما لا يخصها

 

ولو قال قائل : إذا خرج وقت الصلاة فما حال طهارتها ؟

نقول ان طهارتها كما سبق باطلة لكن يضاف إلى بطلان طهارتها لخروج الوقت يضاف أمران ولو لم يخرج وقت الصلاة فملخص هذا القول نقول : إن وضوء المستحاضة يكون باطلا في حالات ثلاث

  • اذا خرج وقت الصلاة
  • اذا شفيت في الوقت
  • اذا أحدثت في الوقت حدثا آخر غير الحدث الذي مستمر معها . فلو أن ريح خرج منها فإن طهارتها باطلة

ولو قال قائل : لو اعتيد ان ينقطع دمها في الوقت زمن يسع وضوء وصلاة فيكف تعمل ؟

الجواب / انها تؤدي الوضوء والصلاة في هذا الوقت وجوبا لأن الضرورة قد زالت فقد أمكنها أن تؤدي الوضوء والصلاة في وقت لا حاجة بها

 

ولو قال قائل : لو انقطع دمها انقطاعا عارضا فهل تبطل طهارتها بمعنى جرت عادتها ان يستمر معها الدم فعرض عارض انقطع معه الدم لا بشفاء فهل تبطل طهارتها ؟

فالجواب / ان العلماء اختلفوا في هذا فقال : بعض العلماء : تبطل طهارتها لأنه لا يصدق عليها ان حدثها حدث مستمر

وقال بعض العلماء : لا تبطل طهارتها وقد أيده ابن قدامة في المغني وذكر أنه قول الإمام أحمد وأن الإمام أحمد أكد على طهارتها وهو القول الراجح لما يأتي

  • أن النبي لم يستفصل من المرأة أدمها ينققطع ولو في بعض الأحيان أو لا ينقطع .
  • أن أمثال هؤلاء يعرض معهم الانقطاع فقد جرى العرف بذلك
  • ان فيه مشقة ظاهرة فهؤلاء المبتلون عليهم مشقة وضرر بنزول هذا الحدث أيزاد على مشقتهم مشقة أخرى فهذا هو القول الراجح .

وهذه المستحاضة في عداد الطاهرات كما سبق والمستحاضة في عهد النبي بعضهم أوصلها إلى عشرة نسوة بعضهم أوصلها إلى سبعة عشرة امرأة وعلى كل حال فالمستحاضة في حكم الطاهرات ومن ثم أيجوز لزوجها أن يجامعها كما يجوز لها أن تصلي ؟

اختلف العلماء :

القول الأول : وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد يقول بالتحريم إلا إذا خشي العنت والمشقة بترك الجماع فيجوز له وإلا فالأصل هو التحريم وأدلتهم /

  • قوله تعالى { ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى } والدم الذي ينزل من المستحاضة أذى ، فدم الاستحاضة مقيس على دم الحيض .
  • ان ذكر الذكر سيتلوث بهذه النجاسة والنجاسة مأمور الانسان باجتنابها .
  • ان بعض الصحابة لا يقرب المرأة في حال استحاضتها

القول الثاني :

أنه يجوز وأدلتهم /

  • قوله تعالى { ويسئلونك عن المحيض قل وهو أذى } فقال هو ( وهو ) ضمير يفيد التخصيص يعني أن دم الحيض هو دم الأذى بعينه وليس غيره .
  • ان النبي لم يأمر أزواج المستحاضات أن يعتزلوا أزواجهن مع ان الحاجة داعية إلى هذا وهذا هو القول الراجح

أما ما استدلوا به فنقول : ان قياسكم قياس مع الفارق ان لم نقل قياس فاسد لمعارضته للنص واما قولكم بأنه نجاسة فنقول نعم هو نجاسة لكن ليس على كل حال يكون الانسان منهي عن ملامسة النجاسة فهو يلامسها بمقتضى الشرع حينما يزيل ما على فرجه من النجاسة حال استنجاء وأما فعل بعض الصحابة فهو مخالف بقول بعضهم كابن عباس إذ قال ( الصلاة أعظم ) فيجوز ان يجامعها لأن الصلاة تجوز وهي أعظم ولذا جاء عند أبي داود ان ( حمنة بنت ابي جحش ) وهي من المستحاضات قالت : ( كان زوجي يأتيني وأنا مستحاضة ) وان كان في هذا الأثر مقال فيكون فعل بعض الصحابة معارض بقول صحابي آخر فيطلب المرجح والمرجح مع من أجاز لا مع من منع إذ قد يحمل فعل بعض الصحابة على التنزه لا على التحريم ثم إن في استثائكم اضطراب في قولكم فيكف تقيدون مع خوف العنت والمشقة وأين الدليل على استثناء هذا .

مسألة :

الأقرب أن رطوبة فرج المرأة طاهرة أما النقص للوضوء بها فموضع خلاف قوي

الشرح

هذه المسألة مسألة رطوبة فرج المرأة

المرأة يخرج من فرجها افرازات وهي بعض السوائل بياضا تشبه بياض البيض قبل طبخه وهو يختلف مع النساء ، وهذا الاختلاف بين النساء في هذه الرطوبة أوقعت خلافا بين المعاصرين فبعض العلماء المعاصرين يقولون ان هذه الرطوبة تكثر عند بعض النساء وأنها تقل مع بعضهم وأنها تنعدم مع بعضهم وان كان الاطباء يقولون ان هذه الرطوبة لا تنفك عنها امرأة قد تقل قد تزيد حسب النساء لكن هذا شيء مستمر مع النساء ومن هنا خرجت مسألتان في رطوبة فرج المرأة .

أهذه الرطوبة طاهرة مع أنها خرجت من السبيل أهي ناقضة للوضوء مع أنها خارجة من السبيل ؟

فإما بالنسبة لطهارتها فقد اختلف العلماء في ذلك فقال بعض العلماء :

القول الأول : ان رطوبة فرج المرأة نجسة لأنها خرجت من السبيل وما خرج من السبيل فهو نجسة

القول الثاني : انها طاهرة والدليل ان النبي لم يذكر للنساء ان يتوقين هذه الرطوبة وأن يتطهرن منها ، والصحابة يجامعون زوجاتهم ولا شك ان هذه الرطوبة تتصل بالذكر حال الجماع ولم ينقل انهم كانوا يتوقون ذلك ، وهذا هو الراجح من ان رطوبة فرج المرأة طاهرة ، وأما القول بأن كل ما خرج من السبيل فهو نجس فليس على اطلاقه فقد مر معنا ثلاثة أشياء ليست نجسة ( المني – الريح – اليابس الذي لا يلوث المحل )

فتضاف رطوبة فرج المرأة إلى هذه الثلاثة ويرى في أحد القولين يرى ابن عثيمين انه ينظر في رطوبة فرج المرأة الى موضع خروجها فإن كان خروجها من مسلك الذكر فإنها نجسة وان كان خروجها من مخرج الولد فظاهره لأنها ان خرجت من مسلك الذكر فإنها مرت بالمثابة فتشبه البول وان نزلت من مخرج الولد فإنها مرت بالمثابة فتشبه البول وان نزلت من مخرج الولد فإنها تشبه المني

وقد سمعت أنه رحمه الله قد قال بطهارة فرج المرأة لوجود المشقة وقوله هذا/ يناقض قول الأطباء ان كان محل اجماع بينهم إذ قالوا / ان هذه الرطوبة لا تخرج من الرحم وإنما تخرج من موضع قربه فلا علاقة لها بالرحم مطلقا

وأما مسألة النقض هل خروجها ينقض وضوء المرأة أم لا ينقضه  ؟

فالعلماء اختلفوا في ذلك فجمهور العلماء يرون ان هذه الرطوبة ناقضة للوضوء وذلك لأنها خرجت من السبيل الذي مخرج الحدث .

وقال بعض العلماء :

وهو قول لابن حزم رحمه الله انها لا تنقض الوضوء وممن يرى النقض والنجاسة ابن باز رحمه الله

وقول ابن حزم قول قوي على القول بأن هذه الرطوبة مع كل امرأة وعلى القول بأنها لا تخرج من الرحم ومكمن قوته ان هذه الرطوبة اذا كانت تخرج مع كل النساء فإنه لم ينقل عن النبي ولا عن الصحابة الحكم بذلك مع ان الحاجة داعية إلى توضيحه فالنساء يطفن النساء يقرأن القرآن والنساء يصلين فمثل هذا الأمر يحتاج إلى بيان لو كان ناقض للوضوء وكذا لو كان نجسا بل لو كان ناقض للوضوء ومؤثر في طهارة المرأة لسألت عنه الصحابيات

 

فإن الاستحاضة قليل اعدادهن ومع ذلك سألن النبي فيكف بهذه الرطوبة التي هي مع جميع النساء ، بل حتى لو قيل انها مع معظم النساء فإن المشقة موجودة وحاصلة فيكف يوضح النبي أمر الاستحاضة وكيف يسأل النساء عن الاستحاضة ويترك هذا الأمر المستمر في صفوف النساء

والمسألة تحتاج إلى تقرير أطباء .