الدرس التاسع والستون
من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد البحري
باب النفاس
ثم ذكر الفقهاء باب النفاس
والنفاس له ارتباط بالحيض ولذا قال النبي كما في الصحيحين لعائشة لما حاضت أنفستي
والنفاس لغة : مستق من التفس وهو ما يخرج من الرئة ،
أو مشتق من التنفيس وهو الخروج من الكرب ،
وأما في الاصطلاح : فهو دم يخرجه الرحم عند الولادة أو معها أو قبلها بيسير مع طلق .
والنفاس كالحيض في الأحكام إلا ما استثني كما سيأتي
ومن اولى مسائل هذا الباب
مسألة :
النفاس لا يثبت إلا إذا وضعت المرأة ما تبين فيه خلق الإنسان
الشرح
هذه المسألة ينظر فيها إلى ما وضعته المرأة ، وما وضعته المرأة في هذه المسألة طرفان ووسط فالطرفان مجمع عليهما والوسط مختلف فيه
فأما طرفا هذه المسألة
1- إذا وضعت المرأة ما تم له أربعة أشهر فهو دم نفاس باجماع العلماء لأن هذا الموضوع إنسان ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه إذ قال ( حدثنا الصادق والمصدوق أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم علقة مثل ذلك ثم مضغة مثل ذلك ثم يأتيه الملك فينفخ فيه الروح … ) الحديث
الطرف الثاني :
ـ إذا وضعت المرأة نطفة فليس بدم نفاس بإجماع العلماء
أما الواسطة فهي وضع المرأة دما أو مضغة أو ما تبين فيه خلق إنسان
فالواسطة بين الطرفين فيما يثبت فيه النفاس ما يأتي
الحالة الأولى : إذا وضعت علقة والعلقة هي القطعة من الدم ، فقد قال بعض العلماء ان هذا الدم النازل هو دم نفاس وذلك لأن هذه النطفة قد تحولت إلى هذه العلقة فاستبان لنا انه انسان او قريب من الانسان
القول الثاني : ان العلقة لا يثبت بها نفاس ومن ثم فإذا وضعت هذه العلقة فإن هذا الدم دم فساد لا يلفت إليه يكون في حكم الطاهرات وهذا الدم المستمر معها شأنه كشأن المستحاضة تتوضأ عند دخول وقت كل صلاة وتعمل ما تعمله المستحاضة ونحوها كما سبق وهذا هو القول الصحيح بناء على أنه لم يتبين ان هناك خلق انسان
الحالة الثانية :
اذا وضعت المرأة مضغة والمضغة هي القطعة من اللحم فقد اختلف العلماء فيها على قولين كالقولين السابقين ، وعلتهما هي علة القولين السابقين والراجح انه لا يثبت به نفاس وذلك لأن النفاس يترتب عليه أحكام من ترك صلاة وصيام ونحو ذلك فيكون هذا الدم دم فساد وليس دم نفاس
الحالة الثالثة :اذا وضعت ما تبين فيه خلق الإنسان كيد ورجل ورأس ونحو ذلك فأكثر العلماء يرون انه دم نفاس وذلك لأنه تبين ان تلك النطفة مرت بمراحل الانشاء والخلق حتى وصلت إلى أعضاء وأجزاء انسان وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد والمشهور من الفتيا وهو القول الصواب للعلة السابقة
مسألة :
أكثر مدة النفاس أربعون يوما فإن انقطع الدم قبل الأربعين في طاهرة وان استمر فهو دم فساد ما لم يوافق عادتها
الشرح
هذه المسألة قد اختلف فيها العلماء واختلافهم بناء على ما جرت به العادة فقال بعض العلماء ان النفاس مدته أربعون يوما
القول الثاني : ان مدته خمسون يوما
القول الثالث : ان مدته سبعون يوما ،
القول الرابع : ان مدته ستون يوما .
وكل هذا الاختلاف منشأه على اختلاف العادة والعرف ، فقد وجد من يستمر معها الدم أكثر من أربعين إلى خمسين وإلى ستين وإلى سبعين ولكن القول الصحيح ان اكثر مدة النفاس اربعون يوما لما جاء عند ابي داود ان أم سلمة ( قالت : كانت النفساء تجلس على عهد النبي أربعين يوما ولا تؤمر بقضاء الصلاة )
وقد أجاب أصحاب الأقوال السابقة أجابوا على هذا الحديث فقالوا : ان هذا هو الغالب
ولذا فشيخ الاسلام يرى انه لا أقل لمدة النفاس ولا لأكثره ولكن الصواب انه محدد بالأربعين
لأن معنى هذا الحديث وهو حديث صحيح ثابت لكثرة شواهده ولا مطعن فيه لأن معنى هذا الحديث ( كانت النفساء تؤمر ) ولابد من هذا التقدير وإلا أصبح الخبر كذبا لأن هناك من لا يستمر معها الدم أكثر من أربعين يوما والصحابي إذا قال أمرنا فهو في حكم المرفوع فيكون هذا الحديث على هذا التقدير ( كانت النفساء تؤمر أن تجلس على عهد النبي أربعين يوما ) ويقرر ويؤكده ما جاء في الرواية الأخرى ( وقت للنفساء ان تجلس أربعين يوما ) ويؤيده وان كان فيها ضعف لكنها تشتد بالطرق الأخرى ان النبي قال ( ان طهرت قبل الأربعين ) فلتغتسل وان زاد معها على الأربعين فلتغتسل ) وعلى هذا ان انقطع معها الدم قبل الأربعين فهي طاهرة ومن ثم تغتسل وتصلي وتصوم وهي في عداد الطاهرات حتى لو لم تضل في نفاسها إلا أياما وان ولدت ولادة عارية عن الدم فقد سبق معنا الخلاف بين العلماء وعلى المذهب كما سبق انه لا يزمها غسل ومن ثم لو افترض وجود ولادة عارية عن الدم فإنها تتوضأ وتصوم وتصلي وأما ان زاد معها على الأربعين فينظر ان كان هذا الوقت التي طهرت فيه ليس وقت لحيضتها السابقة قبل الحمل فهو دم فساد تكون في عداد الطاهرات لها ما سبق من أحكام متعلقة بالاستحاضة في الوضوء والعصب وغسل المحل ونحو ذلك وأما ان وضاع وقت عادتها فتجلس وقت عادتها فلو كانت عادتها قبل الحمل تكون في اليوم الخامس من الشهر وانتهت الأربعون في اليوم الخامس من الشهر والدم مستمر معها . فيكون هذا الدم حيض لم تطهر بعد
ولو قال قائل : لو انها طهرت قبل الاربعين بمعنى ان الدم انقطع معها في عشرين يوما ثم تطهرت ثم عاد الدم بعد أيام فما حكم ما صنعته من عبادات ؟الحكم ان تلك الاعمال مقبولة ومبرأة للذمة لكن ما يقال في هذا الدم وهي ما زالت في الاربعين ؟
قال بعض العلماء وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد قالوا : هو دم مشكوك فيه فيجب عليها ان تغتسل وان تصلي وان تصوم ، ثم إذا انتهت الاربعين تغتسل مرة أخرى وتقضي ما وجب عليها كالصيام ونحوه فهذا الاغتسال يراد منه اليقين فقد يكون الدم السابق دم نقاس ومن ثم فلتغتسل مرة أخرى وتقضى ما فعلته بعد عشرين يوما من عبادات
القول الثاني : ان يقال للمرأة انظري هل هذا هو دم نفاس بصفته وهيئته فإن كان هو فليس بمشكوك فيه ومن ثم فإنها تنحبس عن الصلاة والصيام فإذا بلغت الاربعين اغتسلت وقضت ما وجب عليها ممن منعت منه حال النفاس كالصيام مثلا وليس هناك اضطراب ولاشك فهذا الدم هو الدم بعينه دم النفاس وان لم يكن على صفته وهيئته فلا يلتفت إليه فتعتبر دم فساد وإلزام المرأة بإعادة الصلوات وسائر العبادات لم يأت دليل ينص على ذلك
مسألة :
النفاس كالحيض فيما يباح وفيما يجب وفيما يحرم وفيما يسقط غير العادة ومدة الإيلاء .
الشرح
دليل هذه المسألة ان النبي سمى الحيض نفاسا في عدة أحاديث منها حديث عائشة لما حاضت بسلف وكانت متمتعة فقال ( انفستي ) فقد جعل العلماء النفاس كالحيض فيما يباح وذلك كالاستمتاع بالنفساء فيما دون الفرج وهذا مثال ولا يعني الحصر فيما يباح وفيما يجب ، والواجب على الحائض ان تقضي الصوم فكذلك النفساء وفيما يحرم ، وذلك كوطئها في الفرج وفيما يسقط ، كالصلاة وهذه الأمثلة هي أمثلة لا تحصر هذه المسألة بها ، ويستثنى من السقوط العدة فإن النفساء تختلف عن الحائض فإن النفاس لا علاقة له بالعدة البتة وأما الحيض فإن العدة مربوطة به قال تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } واستثني مدة الإيلاء ، والإيلاء ان يحلف الزوج على أن يترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر فهذا المولى إذا مضت الاربعة الاشهر يقال له إما ان تكفر عن يمينك وتطأ زوجتك وأما ان تطلق فلو قال ان زوجتي تحيض في كل شهر خمسة أيام فأريد ان تحسب فالأمهل عشرين يوما ، فنقول لا مهلة لك وذلك لأن الحيض معتاد فأخذ حكم الايام المضطربة وأما بالنسبة للنفاس فلو قال ان زوجتي قد بقيت في النفاس اربعين يوما وأريد ان تمدد لي المدة لهذا النفاس فتمدد وهناك أشياء أخرى تسقط في النفاس ولا تسقط مع الحيض ولعل الحديث يأتي عليها في ثنايا ذكر مسائلها وأبوابها ان شاء الله تعالى .
ومن بين هذه المسائل :
اختلاف العلماء في الطلاق هل يجوز طلاق النفساء أم يحرم كالحيض موضع خلاف بين العلماء يأتي في بابه ان شاء الله تعالى .