بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السبعون من الفقه الموسع: كتاب الصلاة
لفضيلة الشيخ/ زيد البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[بابُ الصلاة]
الباب / سبق تعريفُه.
وأما الصلاة: فلها تعريفان، من حيثُ اللغة، ومن حيثُ الاصطلاح.
أما من حيثُ اللغة: فالصلاةُ هي الدعاء، قال عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103]
{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} يعني: ادعُ لهم.
وأما من حيثُ الاصطلاح:
فهو التعبد لله عز وجل بأقوالٍ وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
وسمّيَت بهذا الاسم:
لاشتقاقها اللُّغَوي، لأن الصلاة الشرعية يكونُ فيها دعاء.
وقيل: اشتقاقُها مِن (الصَّلَوَين) وهما: عِرقانِ في جانِبَي الذَّنَب للرَّجُل، فإذا ركع أو سجد فإن هذين العِرْقَين يُحيطان بِذَنَبِه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصلاةُ أحدُ أركانِ الإسلام الخمسة، وقد ذُكِرَت كثيرا في كتاب الله عز وجل.
وفرضيتُها: اختُلِفَ في تحديد الوقت، ولكن المشهور عند المؤرخين: أنها فُرِضَت قبل الهجرة بثلاث سنين، فَرَضها اللهُ على نبيِّه محمد ﷺ ليلةَ الإسراءِ والمِعراج؛ ومِن هنا ظَهَرَت مكانتُها، فهي العبادةُ التي فُرِضَت مِن غيرِ واسطة، فَرَضها الرَّبُّ عز وجل على نبيِّه ﷺ مِن غيرِ واسطة، في أعلى مكان، في أشرَفِ ليلةٍ وأفْضَلِها في حقِّ النبي ﷺ
وكان عددُها: خمسين صلاة، لكنها خُففت إلى خمسِ صلوات بنصيحةِ موسى عليه الصلاةُ والسَّلام لنبيِّنا عليه الصلاة والسلام، إذ قال: ” إنَّ أُمَّتَكَ لا تُطِيقُ ذلكَ ” وقال: ” وإنِّي واللَّهِ قدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وعَالَجْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أشَدَّ المُعَالَجَةِ “
حتى لما مَرَّ عليه النبيُّ ﷺ وأعلَمَه بالخَمْس، قال:
” ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حتَّى اسْتَحْيَيْتُ، ولَكِنِّي أرْضَى وأُسَلِّمُ “
فهي كما جاء في الحديث الصحيح: ” هي خَمْسٌ وهي خَمْسُونَ “
يعني: هُنَّ خَمْسٌ بمثابةِ خمسين صلاة، وليس معنى ذلك أن الحسنةَ بعشر أمثالها، وإنما المقصود:
أن هذه الخَمس بمثابة خمسين صلاة، فهذه الخمسون تُضرَبُ في عشرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصلاةُ صلة بين العبد وربه، ولأهميتها فقد شُرِعَت في الأمم السابقة
قال شيخُ الإسلامِ رحمه الله: هي موجودةٌ في جميع المِلَل، لكنها لا تُماثل صلاتَنا لا في الهيئة ولا في عدد الركعات.
وأما والدليلُ على وجودِها في المِلَل السابقة:
فقد قال عز وجل لما ذَكَر كوكبةً مِن الأنبياء: إبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس وهارون، قال تعالى في سورة مريم:
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:59]
والدليلُ على وجودِها في عهْدِ نوحٍ عليه الصلاةُ والسلام، قولُه في الدعاء:
{رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} [نوح:28]
فعلى أحَدِ وجوه التفسير: {وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ} البيتُ هو: المسجد، وقد جاء عن النبي ﷺ وقد صححه الالباني في صحيح الجامع: ” المسجدُ بيتُ كلِّ تقيٍّ “.
ووجودُها في عهْدِ إبراهيم عليه الصلاةُ والسلام، قولُه:
{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم:40]
وقال عن إسماعيل: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم:55].
وقال عن موسى وهارون عليهما الصلاةُ والسلام:
{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [يونس:87]
وقال تعالى عن مريم: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43]
وقال عز وجل عن عيسى عليه الصلاةُ والسلام:
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم:31].
ومنها: ما جاء في قصةِ (جُرَيج الراهب) كما في روايةِ البخاري: ” فَتَوَضَّأَ وصَلَّى “
فكل هذه الأدلة تدل على أنها موجودةٌ في الأمم السابقة، قال ابنُ القيم رحمه الله:
الصلاةُ والنسيكةُ موجودتان في الأمم السابقة
فأما الصلاةُ فأدلتها كما ذُكِرَ لكم، وأما النسيكةُ وهي (الذبيحةُ) فقد قال عز وجل:
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا}.
ـــــــــــــــــــــــــــ
والصلاةُ جاءت أحاديثُ كثيرةٌ في بيانِ فَضْلِها:
منها: ما جاء في حديثِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما أنها أحدُ أركانِ الإسلام: ” بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ “
ومن فضائلها: أنها لا تسقط بأي حال من الأحوال، ولذا في حال الخوف قال تعالى:
{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} الآية [النساء:102]
ومن فضائل الصلاة: كما عند مسلم أن النبي ﷺ رأى موسى عليه السلام يصلي في قبره،
قال العلماء: ليست صلاة تكليف، وإنما هي تلذذ كما يتلذذُ أهلُ الجنة بالتسبيح.
ومن فضائلها: أن اللهَ عز وجل يكونُ في قِبلةِ المُصَلِّي كما صح بذلك الخبر:
” إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كانَ في الصَّلَاةِ فإنَّ اللَّهَ قِبَلَ وجْهِهِ ” الحديث، رواه البخاري
ومن فضائلها: أنها تَغسِلُ الذنوب غَسْلًا، ولذا صَحَّ عن النبي ﷺ:
” إنَّ العبدَ إذا قام يُصلِّي أُتِي بذُنوبِه فوُضِعَتْ على رأسِه أو عاتقِه فكلَّما ركَع أو سجَد تساقَطَتْ عنه”
ومنها أنه عليه الصلاةُ والسلامُ قال:
” أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ، قالَ: فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بهِنَّ الخَطَايَا “. رواه البخاري ومسلم.
” مِن دَرَنِهِ “: يعني: مِن وَسَخِه.
ومنها: أن الله عز وجل سمّاها إيمانًا، قال تعالى:
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} يعني: صلاتَكم [البقرة:143]
ولا يُمكن أن تُحصَرَ فضائلُها في دَرْسٍ أو في درسين فهذه النبذة المختصرة مرآةٌ يسيرةٌ لفضائلها.