الدرس ( 73 ) باب الصلاة (4)( حكم من جحد وجوب الصلاة وحكم من تركها تهاونا وكسلا )

الدرس ( 73 ) باب الصلاة (4)( حكم من جحد وجوب الصلاة وحكم من تركها تهاونا وكسلا )

مشاهدات: 490

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثالث والسبعون من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: [مَن جَحَدَ وجوبَ الصلاةِ فقد كَفَر، وكذا مَن تَرَكَها تهاونا وكسَلًا على القول الصحيح]

الشرح/ هذه المسألة من فرعين:

الفرعُ الأول: الجَحْدُ لوجوبِها

الفرعُ الثاني: الترْكُ لها تهاونا أو كَسَلا مِن غيرِ جُحود.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 فأما الفرع الأول: وهو جَحْدُ وجوبِها، فإنه كافرٌ بإجماع العلماء

 لأنه كذَّبَ اللهَ عز وجل الذي ذَكَر وُجوبَها في كتابه، وكذّبَ النبيَّ ﷺ الذي ذَكَر وجوبَها في سُنّتِه، وكذّبَ إجماعَ المسلمين الذين قال فيهم النبي ﷺ:

” إنَّ اللَّهَ لا يجمعُ أمَّتي – أو قالَ: أمَّةَ محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ – علَى ضلالةٍ “.

 

 فمن جَحَدها فقد كَفَر ولو صلّى، لأن العبرةَ ليست بالفِعلِ فقط، وإنما مع الفِعلِ أن يُضَمَّ إليه الاعتقاد، ونظيرُ هذا الحكم: مَن جَحَدَ ركنا مِن أركانِها قد أجمع العلماء عليه،

 وكلُّ هذا إذا لم يكن حديثَ عهْدٍ بِكُفْر، فإن مِثلَ هؤلاء يجهلون، أو مَن نشأ في باديةٍ نائيةٍ لا يسمعُ بشيءٍ عن الدين إلّا النزرَ اليسير فإنه لا يَكفُر، ولكنّه يُعَرّف ويُعَلَّم، فإن أصَرَّ على الجحود: كَفَر، وإذا كَفَر فإن حُكمَه القتل، لأنه مِن المرتدين، وقد قال النبي كما في صحيح البخاري: ” مَنْ بدَّل دينَه فاقتُلوه “.

 

وهل يستتاب؟ أي: يُحبس، ويُقال له: تُبْ، فإن لم يَتُب قُتِل؟ أو لا يَلزَمُ أن يُستتاب؟

حكمُ الاستتابةِ عموما في حقِّ مِن ارتِدَّ عن الدين اختلف فيه العلماء:

 فبعضُ العلماء يقول: بأنه يُستتاب، وذلك أن عمرَ- رضي الله عنه – أُعلِمَ بأن هناك رجلا ارتدَّ فَقُتِل، فقال رضي الله عنه: ” فهلاّ حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كلَّ يومٍ رغيفاً، واستتبتُموه لَعَلَّه يتوب ويُراجع أمر الله، اللهم إنِّي لم أحضرْ، ولم آمُرْ، ولم أَرْضَ إذ بلغني “.

 

القولُ الثاني: أنه لا يُستتاب، لأن النبي ﷺ قال ” مَنْ بدَّل دينَه فاقتُلوه ” ولم يقُل فاستتيبوه.

 

القولُ الثالث: أن الأمْرَ مَوكولٌ إلى ما يراه القاضي أو الحاكم، حسب ما تقضيه المصلحة،

وهذا القولُ قولٌ حَسَن، لأنه جَمَعَ بين القولين، مع العلم بأن أثَرَ عُمر قد ضَعّفه الالباني رحمه الله.

وتارِكُ الصلاة جحودا أو تهاونا أو كسلا: يُشاع أمْرُه، ويُذاعُ خَبَرُه، حتى ينزجِرَ هو وغيرُه.

 

وأما الفرع الثاني: أن تَرْكَها تهاونا وكسلا مع الإقرارِ بوجوبها:

 فقد اختلف فيه العلماء: هل يكفر أم لا يكفر؟

القوُل الأول: أن التارِكَ لها تهاونا وكسلا لا يَكفُر، وممن يرى هذا من المعاصرين الألبانيُّ رحمه الله، وهذا ما قرأتُه قديما له ولا أدري هل حصل تراجُعٌ أم لا؟ على كلِّ حال هذا قولٌ قديم، وهو أنه لا يكفر وأدلتهم ما يأتي:

أولا/ قولُه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48]

فيكون معنى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ} أي: ما سِوى ذلك، ومِن مما سواه: الصلاة.

الدليل الثاني/ قولُ النبي ﷺ كما في الصحيحين:

” فإنَّ اللَّهَ حَرَّمَ علَى النَّارِ مَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بذلكَ وجْهَ اللَّهِ “

 

الدليل الثالث/ حديثُ عُبادة بن الصامت:

” مَن شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأنَّ عِيسَى عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ منه، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ؛ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ علَى ما كانَ مِنَ العَمَلِ “

 وليس للصلاة ذِكْر، فقد يأتي ببعض العمل ليس فيها الصلاة مع توحيده فيدخُلُ الجنة.

 

الدليلُ الرابع/ ما جاء في سنن ابنِ ماجه أن النبي ﷺ قال:

” يَدرُسُ الإسلامُ كما يدرسُ وَشيُ الثَّوبِ “

” يَدرُسُ “: يعني يبلى، والوشي: يعني زخارف الثوب،

 ” يَدرُسُ الإسلامُ كما يدرسُ وَشيُ الثَّوبِ ” إلى أن قال:

” وتبقَى طوائفُ منَ النَّاسِ الشَّيخُ الكبيرُ والعجوزُ، يقولونَ: أدرَكْنا آباءَنا على هذِهِ الكلمةِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فنحنُ نقولُها فقالَ لَهُ صِلةُ: ما تُغني عنهم: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَهُم لا يَدرونَ ما صلاةٌ، ولا صيامٌ، ولا نسُكٌ، ولا صدقةٌ؟ فأعرضَ عنهُ حُذَيْفةُ، ثمَّ ردَّها علَيهِ ثلاثًا، كلَّ ذلِكَ يعرضُ عنهُ حُذَيْفةُ، ثمَّ أقبلَ علَيهِ في الثَّالثةِ، فقالَ: يا صِلةُ، تُنجيهِم منَ النَّار، ثلاثًا ” قالها ثلاثة.

 

 

فهذه الأدلة تدل على عدمِ كُفْرِه، ولأن الأصلَ في المسلم هو الإسلام، ولا نَخرُجُ مِن هذا إلا بيقين.

 

القولُ الثاني: أن تارِكَ الصلاةِ تهاونا وكسلا يكفُر، ويستدلّون بما يأتي:-

  • قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: ١١]، فدل على أن الصلاة إذا لم تؤدَّى فليسوا بإخوةٍ لنا في الدين، والأخوةُ الدينيةُ لا تنتفي بِفِسقٍ أو كبيرة، وإنما تنتفي بالكفر.
  • قول النبي ﷺ كما في مسلم: ” بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ” والبينية تقتضي القطعَ والمفارقةَ، فهي علامةٌ واضحةٌ بين المسلمِ والكافر.
  • ما جاء عند الترمذي وغيره: ” العَهدُالَّذي بيْنَنا وبيْنَهمُ الصَّلاةُ؛ فمَن ترَكَها فقدْ كَفَرَ ” فقوله: “فمَن ترَكَها فقدْ كَفَرَ ” مع تصديرِ الحديثِ بالعهد، يدل على: أن مَن تَرَكَ الصلاة فهو كالكافر لا عَهْدَ له ولا ذِمَّة.
  • ما جاء عند الطبراني ان النبي ﷺ قال: ” إنَّ أوَّلَ ما تَفقِدون مِن دِينِكم الأمانةُ، وآخِرَ ما تَفقِدون مِن دِينِكم الصَّلاةَ ” قال الإمامُ أحمد رحمه الله: ” إذا فُقِدَ آخِرُ الشيء فماذا بقِيَ منه “
  • قول النبي ﷺ: ” رأسُ الأمْرِ الإسلامُ، وعمُودُهُ الصلاةُ ” وإذا انهار العمودُ لم يَبْقَ لهذا البيتِ قائمة.
  • حديثٌ وان كان فيه ضَعف: ” أنه يُحشَر مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ ” وهؤلاء أئمة الكفر، فهذا يدل على كُفْرِه.
  • أن النبي ﷺ لما أخبَرَ عن الأمراء الظلَمَة، قال بعضُ الصحابة: ألا نُنابذهم بالسيف يا رسولَ الله؟ قال: ” لا، ما أقامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، لا، ما أقامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ “

فدل على أنهم إذا لم يُقيموا الصلاة فيجوزُ أن يُنابَذوا؛ فإذا ضُمَّ هذا الحديث مع الحديث الآخَر، قال ﷺ: ” إلَّا أنْ تَرَوْا كُفْرًا بَواحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فيه بُرْهانٌ ” فدل على أن ترْكَ الصلاة من الكفرِ البَوَاح.

  • صح في سنن الترمذي عن عبد الله بن شَقيق التابعي، قال:

” كان أصحابُ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يرَوْنَ شيئًا مِن الأعمال تَرْكُه كُفْرٌ غيرَ الصَّلاةِ “

 

وقد ثبت هذا عن ستةَ عشَرَ صحابيا يرون كفرَ تارِكِ الصلاة، من بين هؤلاء: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، هذه مُجمَلُ أدلة القولَين،

 والقولُ الراجحُ: أن تارِكَ الصلاةِ تهاونا وكسلا: أنه كافر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أما الجواب عن أدلة أصحاب القول الأول:

نقول أما قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48] فإن معنى {مَا دُونَ ذَٰلِكَ} أي: ما أقلَّ مِن ذلك، وليس معناها ما سوى ذلك، وذلك لو أن إنسانا سَبَّ الله عز وجل أو سَبَّ رسوله فليس هذا بشرك، وإنما هو كفر، ومع ذلك فهو غيرُ داخِلٍ تحت المشيئة،

 ثم على افتراضِ أن معنى {مَا دُونَ ذَٰلِكَ}  أي: ما سواه كما قررتم، فإن هذه الآية مِن قَبيلِ العام المُخَصص، وقد خُصَّ منه تَرْكُ الصلاة، لحديث: ” فمَن ترَكَها فقدْ كَفَرَ “

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما استدلالكم بقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عِتبان في الصحيحين:

” فإنَّ اللَّهَ حَرَّمَ علَى النَّارِ مَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بذلكَ وجْهَ اللَّهِ “

فيقال: إن هذا النص من قبيل المُطلَق المقيّد بتَرْكِ الصلاة، وكذلك يكونُ القولُ في مَثلِ هذا النص في حديثِ عُبادةَ بنِ الصامِت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما استدلالكم بحديث ” يَدرُسُ الإسلامُ كما يدرسُ وَشيُ الثَّوبِ “

الحديث، فإن هذه الحالة في حالةٍ عُذِرَ فيها الإنسان، فهو شبيهٌ بمَن لم يُدرِك الشريعةَ، أو لم يُدرِك إلا بعضَها، أو شبيهٌ بمَن أسلَمَ ثم مات قبل أن يتمكّنَ مِن العمل.

وهناك أحاديث يمكن أن تكونَ في تقويةِ هذا القول، منها:

 ما جاء في سنن أبي داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

” خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى، مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ، كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ “.

ومنها: حديث فُضالَة بنِ عبيدٍ كما في سُننِ أبي داود قال:

“علَّمَني رسولُ اللهِ ﷺ، فكان فيما علَّمَني: “وحافِظْ على الصلَواتِ الخَمسِ”، قال: قُلْتُ: إنَّ هذه ساعاتٌ لي فيها أشغالٌ، فمُرْني بأمرٍ جامعٍ إذا أنا فعَلْتُه أَجزَأَ عنِّي، فقال: حافِظْ على العَصرَيْن” -وما كانت من لُغَتِنا- فقُلْتُ: وما العَصرانِ؟ فقال: “صَلاةٌ قبلَ طُلوعِ الشمسِ، وصَلاةٌ قبلَ غُروبِها “.

 

فالحديث الأول: يدل على مَن لم يحافظ على الصلوات أنه تحت المشيئة

ولكن الجوابَ عنه: أن يقال إن الحديثَ تُفَسِّرُه الجُمَل التي بعده قال:

” مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ ” وليس المراد من عدم المحافظة (تَرْكَ الصلاة) فإن ظاهِرَ هذا الحديث أنه يصلّي، لكنه لم يُتم الركوعَ والسجودَ فيها والخشوع.

 

وأما حديث فُضالة: فالمراد منه: أمْرُ النبي ﷺ أن يصليَ الصلوات الخمس في أول وقتها، ولا بد أن يكون هذه هو المراد، فتعلل فُضالةُ بأشغال، فأكّد النبي عليه الصلاة والسلام على أن يأتيَ بالعَصرَين في أول وقتِهِما، ولو لم يكن كذلك فتكونُ العصران مجزئةً عن بقيةِ الصلوات

وكيف تكونُ صلاتان مُجزئتين عن بقيةِ الصلوات مع أن التصريحَ في النصوص الكثيرة جاء بفرضيةِ الصلوات الخمس ” خمس صلوات افترضهن الله على العبد ” وحديث ابن عباس في إرسال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ إلى اليمن قال:

” فإن هم أطاعوكَ لذلِكَ فأعلمْهم أنَّ اللَّهَ افترضَ عليْهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ “

والأحاديث كثيرة، فيكون المراد من هذا الحديث: التأكيد على أداءِ صلاةِ الفجر والعصر في أولِ وقتها، شأنُه كشأنِ حديث: ” مَن صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ “

والبردان: هما العصر والفجر، فالمراد التأكيد على هاتين الصلاتين، والسبب والله أعلم بالتأكيد على هاتين الصلاتين قول النبي عليه الصلاة والسلام:

” يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ “

 

ولهم حديثٌ آخَر وهو حديثُ الشفاعة، في قصةِ إخراج العصاةِ مِن النار، ففي آخِرِ الحديث بعد ما يشفع:

” فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ “

وكلمة ” خَيْرًا ” نكرة في سياق النفي فتعمُّ الجميع، ولكن هذا الحديثَ إما أن يكون مِن قبيل العام المخَصص، وإما أن يُحمَلَ على قومٍ أسلموا قبل أن يتمكّنوا من العمل، أو على هؤلاء القوم الذين ذُكِروا في حديث: ” يَدرُسُ الإسلامُ كما يدرسُ وَشيُ الثَّوبِ “.

 

 

 ولم يأتِ دليل على أن تارك الصلاة ليس بكافر، إنما جاءت النصوص بتكفيره،

وقد تعللوا بأن هذا الكفرَ ليس هو الكفرَ المُخرِجَ عن الملة، بل هو كفرٌ دون كفر، كفرٌ أصغر كحديث النبي عند مسلم: ” اثْنَتانِ في النَّاسِ هُما بهِمْ كُفْرٌ “، وما شابه ذلك هذا الحديث من أحاديث ذكرت الكفرَ، والمرادُ منه: الكفر الأصغر.

فالجوابُ عن هذا الحديث: ــ كما قال شيخ الإسلام ــ أن كلمة الكفر إذا دخلت عليها ( أل ) فإنها تفيد الاستغراق، أي الكفر المطلَق، بخلاف ما لو جُرِّدَت( أل ) ففرقٌ بين الاسم المطلق وبين مطلق الاسم، ولذا يقول السلف رحمهم الله في مرتكب الكبيرة: لا يُسلَبُ منه مُطلَقُ الإيمان، ولا يُعطي الإيمانَ المطلَق

 

 ثم لو قيل بعدم كُفْرِه لترتبَ أن يكون الإنسانُ كالبهيمة، وقد وصف اللهُ عز وجل الكفارَ بأنهم بهائم:

  { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ } وقال عز وجل: { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ }

فإذا قيل إنك لا تكفُر، وإنما هي معصيةٌ كبيرة، شأنُها كشأنِ شُرْبِ الخَمْرِ والزنا! لتَرَكَت بعضُ النفوس هذه الصلاة، وإذا تَرَكَتْها جازَ حينَها ألا يَجتنِبَ نجاسة، وألا يتطهّرَ مِن حدَثٍ أكبر ولا مِن حَدَثٍ أصغر، وأن لا يقرأ القرآن، فأصبحت حياتُه أكْلا وشُربا ونَومًا!

 

فالقولُ الراجحُ: هو القول بتكفيرِه، لِمَا ذُكِرَ مِن أدلةٍ قوية، وأما ما استدلوا به فهو من قبيل العام المخصص، أو المطلق المقيد، أو المحمول على حالةٍ يُعذَرُ فيها الإنسان.

 

ثم إن القولَ بتكفيره اختُلِفَ في العدد الذي يَكفُرُ بِتَرْكِه:

 أيكفُرُ بِتَرْكِ صلاة؟ أم يكفر بترْكِ صلاتَين؟ أم يكفر بترْكِ الصلاةِ كلِّها؟

( إذ لو كان يصلي أحيانا، ويدعُ أحيانا فإنه لا يكفر )

القول الأول: بعض العلماء يرى أنه يكفر بترْكِ صلاةٍ واحدة، لقول النبي ﷺ:

” بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ” (1)

وقال ﷺ كما عند الترمذي: ” فمَن ترَكَها فقدْ كَفَرَ “(2)

 

 

” بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ” فـ ( ال ) هنا ليست للعموم وانما للمعهود فهي ( ال العهدية ) فلا يكونُ العموم منطبقا عليها بدليل: أنه جاء عند البخاري أن الرسول ﷺ قال:

” مَن تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ فقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ “

 

وحبوط العمل لا يكون إلا مِن كُفر، لأن كلمة (عمل) مفرد أضيف إلى الضمير المعرفة فيُفيدُ حبوطَ العملِ كلِّه، ولذا جاء عند البخاري: ” من فاتتْهُ صلاةُ العصرِ فَكأنَّما وُتِرَ أَهلَهُ ومالَهُ “

 

والفواتُ لا يكونُ إلا بإخراجِها عن وقتِها، والمَوتُورُ في أهلِه ومالِه يألَمُ أشَدَّ الألم، فمن سُلِبَ منه أهلُه ومالُه، كان عناؤه شديدا، فكذلك مَن فاتته صلاةُ العصرِ، يجتمعُ عليه غَمَّان، كما يجتمعُ على مَن سُلِبَ مالُه وأهلُه، وهذان الغَمَّان في المَوتور هو غَمُّ الطلب، وغَمُّ الانتقام، فهو يريدُ إرجاعَ أهلِه ومالِه، وهذا غَمّ، ويريدُ أن ينتقِمَ لنفْسِه، وهذا غَمٌّ آخَر؛ فكذلك مَن فاتته صلاةُ العصر يجتمع عليه غَمّان، غَمُّ حصولِ الإثم، وغَمُّ فواتِ الأجْر.

 

وأما القائلون بعدم كُفْرِه إلا بترك الصلاة كلِّها: فيستدلون بنفْسِ الأحاديث السابقة:

” فمَن ترَكَها فقدْ كَفَرَ ” والأصل في (ال ) أنها تُفيد الجنس، أي العموم، فمن ترَكَ فمن ترك شيئا وفَعَلَ شيئا لم يحصُل كُفْرٌ منه، ولأن الأصلَ فيه الإسلام، ولا يَخرُجُ مِن هذا الأصل إلا بيقين، وهو اختيارُ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

 

فهذه المسألة الأدلةُ فيها قويّة، ولذا على المسلم أن يتقيَ اللهَ عز وجل، وأن يحرِصَ على أن يُحافِظَ على الصلواتِ كلِّها، لكن بالنسبة إلى ترجيح هذه المسألة، فهي مسألة قوية، ولكلِّ قول قوتُه، فيجب الحذر مِن تضييع أيِّ صلاة، والتساهل فيها بنومٍ أو شُغْلٍ أو نحوِ ذلك، واللهُ أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) ــ [ صحيح مسلم باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة رقم /82 ]

(2) ــ [ سنن الترمذي باب ترك الصلاة 5/ 13 ح /2621، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 6/ 121 ح /2621 ]