الدرس ( 82 ) باب شروط الصلاة ( 4) ( وقت صلاة المغرب ـ وقت صلاة العشاء)

الدرس ( 82 ) باب شروط الصلاة ( 4) ( وقت صلاة المغرب ـ وقت صلاة العشاء)

مشاهدات: 556

بسم الله الرحمن الرحيم

مواقيت الصلاة

الدرس الثاني والثمانون من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: [يلي وقتَ العصر وقتُ المغرب إلى مغيبِ الشفَق، فإذا غاب الشفقُ دخل وقتُ صلاةِ العشاء]

الشرح/ وقتُ صلاة المغرب متفقٌ على أنه يدخل بغروب الشمس، لكن الاختلاف بين العلماء وقع في بدايته بعد غروب الشمس:

 هل هو من حين غروبِ قرصِ الشمس كلِّه؟ أم أنه إذا حصلت الظلمة؟ او أنه إذا ظهر النجم؟

 فبعض العلماء يقول: أنه من غيابِ القُرص، ودليلُهم: ما جاء في قصةِ السائل الذي سأل النبي ﷺ عن الاوقات كما في حديث ابي موسى رضي الله عنه عند مسلم، ولإمامة جبريل بالنبي ﷺ.

القول الثاني: يكون الابتداء من الظلمة، ويستدلون بحديث النبي ﷺ:

” إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ “.

فَذِكُرُ غروبِ الشمس بعد إدبارِ النهار وإقبالِ الليل: يدل على ان هناك امرا زائدا عن غروب الشمس وهو وجود الظلمة بإقبال الليل وادبار النهار.

القول الثالث: ابتداؤه من طلوع النجم، ويستدلون بحديث ابي بُصرةَ كما عند المسلم والنسائي قال:

” صَلَّى بنَا رَسولُ اللهِ ﷺ العَصْرَ بالمُخَمَّصِ، فَقالَ ﷺ: إنَّ هذِه الصَّلَاةَ عُرِضَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فمَن حَافَظَ عَلَيْهَا كانَ له أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ. وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ “.

” وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا ” أي: صلاة العصر.

وهذا هو الشاهدُ من الحديث، قال: ” وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ “

وقد طعُنِ َفي الجملة الأخيرة، وقيل: أنها مُدرَجَة، لكن الاصل عدم الإدراج، والصحيحُ: أن الصلاة يعني: صلاة المغرب، تبدأ من غروب الشمس، من غياب القُرص لإمامة جبريل بالنبي ﷺ، ولقصة السائل في حديث ابي موسى رضي الله عنه، ولأن النبي ﷺ كما عند البخاري:

كان يصلِّي المغرب ” إذا وجبت ” يعني: إذا سقطت الشمس، قال النبي ﷺ كما في معجم الطبراني من حديث ابي محذورةَ رضي الله عنه، قال النبي ﷺ: ” إذا أذَّنْتَ المغرِبَ فاحْدُرْهَا مع الشمسِ حدْرًا “

ولحديث أبي رافع رضي الله عنه، كما في الصحيحين قال:

” كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ الْمَغْرِبَ، ثم نرجع الى رحالنا، فَنُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِنَا “

وأما ما استُدل به من أحاديث فليست فيها معارضة، فإن ظُلمةَ الليل وطلوعَ النجم علاماتٌ على غروب الشمس، فإيقاعُها في هذه الاوقات إيقاعٌ لها في وقتِها، فلا منافاةَ في حقيقة الأمْر.

وقد اختلف العلماء: هل لصلاة المغرب امتدادٌ إلى مغيب الشفق، ام أنه وقتٌ واحد يكون بعد غروب الشمس؟

القول الأول: أنه وقتٌ واحد، ويستدلون على ذلك ان جبريل لما نزل على النبي ﷺ في اليوم الاول صلى به المغرب بعد غروب الشمس، فلما جاء اليومُ التالي أتاه في نفس الوقت، وهذا وجهٌ عند الشافعية

وقال أكثرُ العلماء: أن الوقت يمتد الى مغيب الشفق لما جاء عند مسلم:

” وَقْتُ المَغْرِبِ ما لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفقِ ” حديثٌ مرفوع،

وهذا هو الراجح: أنه ممتد الى مغيب الشفق.

واما الجوابُ عن حديث جبريل:

فقد قال بعضُ العلماء: أنه متأخرٌ في مكة فيُقدمُ عليه ما كان في المدينة، ولأنه عند مسلم، أما إمامة جبريل فهي في مسند الإمام أحمد والسنن، وما في الصحيح مُقَدمٌ على ما في غيره .

وقال بعض العلماء: -وهو القولُ الحسن- أن فِعلَ جبريل من باب بيان الفضل لا من باب الحصر، فيكونُ أداءُ صلاةِ المغربِ بعد غروبِ الشمس أفضلَ مِن تأخيرها، ويدلُّ له: فِعلُ النبي ﷺ فقد كان يُعجلُ بصلاة المغرب، وقد جاء حديثُ ابي رافع -وسَبق إيرادُه-

( كانوا يصلون مع النبي ﷺ المغرب ثم يذهبون الى رحالهم فيرمون فيُبصرون مواقعَ نبالهم )

 

ولحديث: ” كان يصليها ﷺ إذا وجبت ” أي: الشمس.

ولحديث أبي محذورة عند الطبراني: ” إذا أذَّنْتَ المغرِبَ فاحْدُرْهَا مع الشمسِ حدْرًا “

ومن هذه الأحاديث يُسن تعجيلُها، ولعمومِ النصوصِ الآمِرةِ بالمسارعة الى الخيرات، ويُستثنى من ذلك الحاج إذا كان بمزدلفة، فإن السنة له تأخيرُ صلاةِ المغرب حتى يجمعها مع صلاة العشاء،

وقد أضاف بعضُ العلماء: أنه يُسن تأخيرُها من أجل تَحَقُّقِ غروبِ الشمس مع وجود الغيم، وسيأتي معنا: هل له ان يصلي قبل ان يتيقنَ دخولَ الوقت -سيأتي معنا بإذن الله تعلى قريبا- .

 

ولو قال قائل: إن قولَ النبي ﷺ لابي محذورة ” إذا أذَّنْتَ المغرِبَ فاحْدُرْهَا مع الشمسِ حدْرًا “

وإن فِعلِه ( يصليها إذا وجبت)، لو قال قائل: يُفهم منه: أنه لا فاصِلَ بين الأذانِ وأداءِ الصلاة لاسيما مع حديث بريدة: ” بينَ كلِّ أذانينِ صلاةٌ ما خلا المغربِ “، وقد سبق بيانُ ضَعفِ هذا الحديث، ومِن ثَم:

 فإن الفاصل موجود، وليست هذه الاحاديثُ على ظاهرها، لقوله ﷺ كما في الصحيحين:

بيْنَ كُلِّ أذانَيْنِ صَلاةٌ، بيْنَ كُلِّ أذانَيْنِ صَلاةٌ، ثُمَّ قالَ في الثَّالِثَةِ: لِمَن شاءَ “

وهذا يعم كل الصلوات، ولما عند البخاري قال النبي ﷺ:

” صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ المَغْرِبِ، قالَ في الثَّالِثةِ: لِمَن شاءَ ” وهذا يُبطِلُ تلك الزيادة: ” بينَ كلِّ أذانينِ صلاةٌ ما خلا المغربِ “

 

ولما جاء عند البخاري ( أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون قبل المغرب فيراهم النبي ﷺ فلم يأمرهم ولم ينههم )

ولما جاء في زوائد المسند: فإن عبدَ الله ابنَ الإمامِ أحمد روى أحاديث فوُجِدَت في مسند الإمام أحمد،

“قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لبلالٍ اجعلْ بينَ أذانِك وإقامتِك نفسًا قدرَ ما يفرغُ الآكلُ من طعامِه على مهلٍ ويقضِي المعتصرُ حاجتَه في مهَلٍ “، حسنه الالباني رحمه الله، وهذا شامل لجميع الصلوات

 فيكون لهذه الصلاة امتدادٌ لمغيب الشفق، وقد اختُلِفَ في هذا الشفق:

 هل هو البياض؟ ام هو الحُمرَة؟

 والصحيحُ: أنه هو الحُمرَة، لحديث: ” الشَّفق هُوَ الْحمرَة ” وقد صحح بعضُ العلماء وَقْفَه،

 وعلى كل حال: فإن كثيرا من الصحابةِ والتابعين يقولون: إن الشفق هو الحمرة،

فإذا غابت هذه الحمرةُ (لا البياض) فإن وقت صلاة المغرب قد خرج، ثم دخل وقت صلاة العشاء، وكما أسلفنا في الدرس الماضي: أنه ليس هناك فواصل بين الأوقات، لحديث أبي قتادة عند مسلم:

” أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى “

 

ومِن ثَم: فإن وقت صلاة المغرب ليس بينه وبين وقتِ صلاةِ العصر فاصل، وكذلك الشأنُ بين وقتِ ابتداءِ صلاةِ العشاء، فإذا غاب الشفقُ الاحمر دخل وقت صلاة العشاء دون ان يكون هناك فاصل.

 

 وصلاةُ العشاء: ابتداءُ وقتها من مغيب الشفق الأحمر، لكن:

 هل يمتد الى ثلث الليل الأول؟ ام الى نصف الليل؟ ام الى طلوع الفجر الثاني؟

ودليلُ مَن قال إنها الى ثلث الليل الأول: إمامةُ جبريل للنبي ﷺ،

 وكذلك في إحدى روايات مسلم قال النبي ﷺ:

” ثمَّ أمَرَهُ بِالعِشاءِ حِينَ وقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أمَرَهُ الغَدَ فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ، ثُمَّ أمَرَهُ بِالظُّهْرِ فَأبْرَدَ، ثُمَّ أمَرَهُ بِالعَصْرِ والشَّمْسُ بَيْضاءُ نَقِيَّةٌ لَمْ تُخالِطْها صُفْرَةٌ، ثُمَّ أمَرَهُ بِالمَغْرِبِ قَبْلَ أنَّ يَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أمَرَهُ بِالعِشاءِ عِنْدَ ذَهابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ، أوْ بَعْضِه“.

ودليلُ مَن قال إنها تنتهي بنصف الليل: قول النبي ﷺ عند مسلم:

” وَقْتُ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ “

وقال بعض العلماء: إن الوقت يمتد -وهو الوقت الضروري- يمتد الى طلوع الفجر الثاني، لحديث ابي قتادة ” ليس في النومِ تفريطٌ، إنَّما التفريطُ في اليقظةِ أنْ تؤخِّرَ صلاةً حتى يدخلَ وقتُ أخرى

 

فهذا يدل على أنه ليس هناك فاصل، وعلى هذا القول يكون للصلاة العشاء وقتان: وقتٌ اختياري، ووقتٌ ضروري

فالوقتُ الاختياري: إما الى ثلث الليل الأول، وإما الى نِصفِه.

 والوقتُ الضروري: من بعد نصف الليل الى طلوع الفجر الثاني،

 فتكونُ العشاءُ شريكةً للعصر في هذه المسألة، فالعصرُ لها وقتان:

 وقتٌ اختياري: الى اصفرار الشمس، أو الى مصير ظِلِّ الشيء مثلَيه كما سبق.

 ووقتٌ ضروري: وهو يمتد من اصفرار الشمس، أو من مصير ظل الشيء مثليه الى غروب الشمس.

وخلاصةُ القول: أن صلاة العشاء الصحيحُ أنها تمتد الى نصف الليل، وليس لها وقتٌ ضروري، وإنما هو وقتٌ واحد، فإذا انتهى النصفُ خَرَجَ وقتُ صلاةِ العشاء، ويكونُ ما بعد نِصفِ الليلِ الى طلوعِ الفجرِ الثاني فاصلٌ بين صلاة العشاءِ وصلاةِ الفجر، والدليل على هذا القول ما يأتي:-

 

أولا/ قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78] فأوضح عز وجل أن الصلاة تكون من الزوال الى غسق الليل، وغسقُ الليل: شِدةُ الظُلمة، ولا تكونُ هذه الظلمة الشديدةُ الا في نصف الليل وذلك ان الشمس قد توسطّت ليست الى المشرق وليست الى المغرب، ثم لما كان وقتُ صلاةِ العشاء منفصِلا عن وقتِ صلاةِ الفجر، ذَكَرَ صلاةَ الفجرِ بالعطف {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} أي: وقراءة الفجر، فدل على ان هناك فاصلا بين صلاةِ العشاءِ وصلاةِ الفجر، ودل على أن الصلوات الاربع تقعُ مِن وقتِ الزوال الى نصفِ الليل، إذ يحصُلُ فيه الغَسَق.

 

ثانيا/ ما جاء عند مسلم قول النبي ﷺ ” وَقْتُ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ “

وهذا توقيتٌ من النبي ﷺ ونَصٌّ صريح، وأما حديث التحديد بالثلث فلا يُنافي ما ذُكِر، فإن الأخذَ بالزائد أخْذٌ به وبالناقص، والأخْذَ بالناقص أخْذٌ به وإلغاءٌ للزائد،

فإذا قلنا بالنصف دخل فيه الثلثُ الأول، وإن قلنا بالثلث الأول لم يدخل فيه النصف، فنكونُ بذلك معطلين لبعض النصوص أو تاركين لبعض النصوص.

ويُحملُ القول بالثلث الأول: على أنه هو الأفضل لأداء الصلاة، وذلك لأن قول النبي ﷺ:

ثُمَّ أمَرَهُ بِالعِشاءِ عِنْدَ ذَهابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ، أوْ بَعْضِه“.

جاء ضِمنَ تأخير النبي ﷺ لها إلى هذا الوقت، وسيأتي حديثٌ عن سنيته تأخير صلاة العشاء،

ولشيخ الإسلام رحمه الله جَمْعٌ مبني على اختلاف، وهو: -أي هذا الاختلاف- هل الليل ينتهي بطلوع الفجر الثاني أم بطلوع الشمس؟

فقال رحمه الله: إن من قال بالثلث الأول بناءً على أن الليل ينتهي بطلوع الفجر الثاني، وأن القول بالنصف بناءً على أن الليل ينتهي بطلوع الشمس

 وهذا في اللغة موجود، فقد قال بعض أهل اللغة: إن الليل ينتهي بطلوع الشمس،

لكن الناظر في النصوص الشرعية يرى أن الليل يطلُعُ بطلوع الفجر الثاني

 ولو قال قائل: إن النبي ﷺ أخَّرَ صلاةَ العشاء حتى ذهب عامةُ الليل، فيكونُ هذا التأخير زائداً على النصف؟ فالجواب: أن قول الصحابي ” حتى ذهب عامة الليل ” أي: كثيرٌ منه لا أكثرُه، ولذا قال الشوكاني في نيل الأوطار: ” لم يقل أحد بفضيلة إيقاعِ الصلاةِ بعد نصف الليل “

 فالقولُ الراجح: أن وقتَ العشاء ينتهي بانتهاء نصف الليل.

 وأما الجوابُ عن حديث ( أبي قتادة ) ” ليس في النومِ تفريطٌ ” الحديث:

 فإن هذا الحديث خرجت منه صلاةُ العشاء، وبالنص الصريح عند مسلم: ” وَقْتُ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ “

كما أن صلاة الفجر خرجت منه بالإجماع، فصلاةُ الفجر ليست متصلةً بصلاة الظهر، فإنما وقتُها كما سيأتي: ينتهي بطلوع الشمس،

والقائلُ بأن الوقت يمتد، يقول هو وقتٌ ضروري كحائضٍ تطهُر أو مجنونٍ يَفيق أو كافرٍ يُسلم، فلا يجوزُ عندهم أن تؤخر الصلاة إلى ما بعد نصف الليل.

وعلى ما رجّحنا: فلو طهُرَت الحائضُ بعد نصفِ الليل فلا يلزمُها قضاء، لأنها لم تُدرِك وقتَ صلاةِ العشاء.

 وأما من يقول بامتداده إلى طلوع الفجر الثاني: فهي مُلزَمَةٌ على أحد الأقوال التي مرت معنا، ملزمةٌ بصلاة العشاء والمغرب، لأن المغرب والعشاء في حالةِ الجمع وقتُهما وقتا واحدا.

وحسابُه بالساعات: أن يُنظَر إلى الساعات التي بين غروب الشمس وطلوع الفجر الثاني، وتُقسَمُ على اثنين، والناتجُ يُضافُ على وقتِ دخولِ صلاةِ المغرب،

مثال/ فلو كان المغربُ يدخل في الساعة ( الخامسة ) ووقتُ صلاة الفجر يدخل في الساعة ( الخامسة ) فمجموع الساعات ( ثنتا عشرة ساعة ) النصفُ: سِت، فأضِفْها على الساعة ( الخامسة ) يكونُ النصف ينتهي في الساعةِ الحادية عشرة، وهو يختلف باختلاف الفصول مِن طول الليل وقِصَرِه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من المسائل المتعلقة بصلاة العشاء من حيث الوقت، مسألة:

يستحبُ تأخيرُ صلاة العشاء إلى العشاء إلى ثلث الليل الأول، إن سَهُلَ على المأمومين، فإما إذا شَقَّ عليهم، أوشَقَّ على بعضهم فإن الأولى تَرْكُه، ولذا قال النبي ﷺ كما عند مسلم لما أعتَمَ بهم ذات ليلة حتى رَقَدَ النساءُ والصبيان، فخرج فقال ﷺ: ” إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى “

 وقال: ” إنّكم تَنْتَظِرُونَ صَلاةً مَا يَنْتَظِرُها أهْلُ دِينٍ غَيْرَكُمْ “

وهذه السنية تشمُل حتى النساءَ في البيوت، لعموم النص، ولقول عمرَ رضي الله عنه منادياً النبيَّ ﷺ ” يا رسول الله، نامَ النساءُ والصبيانُ “

ــــــــــــــــ

 وصلاةُ العشاء هي أثقلُ الصلوات على المنافقين مع الفجر:

 وذلك لأنها تقعُ في هذا الجزءِ من الليل الذي يُستراحُ فيه، ولذا كانت أثقلَ الصلاةِ على المنافقين من هذه الحيثية، ولحيثيةٍ أخرى وهي: أنها تقعُ في ظُلمة، والظلمةُ لا يُفتَقَدُ فيها أحد،

 فلما كانت في هذا الوقتِ المُستراح كان لها مِن المَزيةِ في تأكيدِ حضورِها، وبيان فضْلِها، والتحذيرِ من الإخلالِ بها في قول الصحابي: كان النبي ﷺ: ” كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا “(2)

وذلك لأن النوم قبل العشاء يؤدي إلى تركِها جماعةً، أو يؤدي إلى إخراجِها عن وقتها.

 

 وأما الحديثُ بعدها: فإنه يؤدي إلى ترْكِ قيامِ الليل، أو يؤدي إلى ترْكِ صلاةِ الفجرِ جماعة،

ولذا قال الفقهاء:

 إن الحكم في هذين الأمرين: يُكره، وهذا هو منطوق الراوي ” كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا ” ولكن الكراهة في عُرف الشرع قد تأتي للتحريم، فأنه تعالى لما ذَكَر في سورة الإسراء المحرمات العِظام، قال بعدها: {كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: 38]

قال النبي ﷺ كما جاء عند البخاري: ” إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قيلَ وقالَ، وإضَاعَةَ المَالِ، وكَثْرَةَ السُّؤَالِ “

ومِن ثَم/ قال بعض العلماء: إن الكراهة تزول إذا كان هناك مَن سيوقِظُه لأن العلةَ قد انتفت،

وهذا إذا دلَّ دليلٌ على حصْرِ الحكم في الكراهة، وليس هناك دليلٌ يدل على عدم التحريم فيما نعلم إلا حديثُ عمر رضي الله عنه لما قال للنبي ﷺ ” نامَ النساءُ والصبيانُ “، فخرج النبي ﷺ، فلوكان النومُ محرماً لوضّحَ النبي ﷺ هذا الحكم، وهو رقود النساء والصبيان قبل فِعلِ العشاء

وما استدل به بعض العلماء: أن الصحابة كان تخفق رؤوسهم وكان لهم غطيط، وكانوا يضعون جنوبهم وكانوا يُوقَظون للصلاة “

” أن الصحابةَ رضي الله عنهم كانوا ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم فيصلون ولا يتوضؤون”

 كما مر معنا في نواقض الوضوء، فهذا النومُ ليس هو المراد، لأن هذا نومٌ خفيف، لكن الحديث في النوم المستغرِق الطويل.

 

 وأما الحديث بعدها: فمما يدل على الجواز فِعلُ النبي ﷺ، فقد كان يُحَدِّثُ بعضَ الصحابةِ أحياناً، كما جاء في الصحاح.

 قال عبد الله بن عمر: ” صَلَّى بنَا النبيُّ ﷺ العِشَاءَ في آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ: أرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هذِه، فإنَّ رَأْسَ مِئَةِ سَنَةٍ منها، لا يَبْقَى مِمَّنْ هو علَى ظَهْرِ الأرْضِ أحَدٌ “.

وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يسهران مع النبي ﷺ في مصالح المسلمين.

ومِن ثَم/  قال بعض العلماء: إن كانت هناك مصلحةٌ دينية سواءٌ كانت عامة أم خاصة فإن الحديث يجوز، وكأنهم يشيرون إلى أن النهيَ باقٍ إذا كان الحديثُ في غير مصلحة دينية، ولكن حديثُ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما كما عند مسلم، قال: ” حَدَّثَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ مع أهْلِهِ سَاعَةً، ثُمَّ رَقَدَ “

 

فالنهيُ إذا يزولُ إذا كانت هناك مصلحة، أما إذا لم تكن هناك مصلحةٌ فإن النهيَ باقٍ.

 

سؤال / يُكره الحديث بعد العشاء حتى لوكان من عادة البلد؟ الجواب: نعم، الحكم باق.

(2) ــ [ متفق عليه:  البخاري بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ برقم/599، ومسلم باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها برقم /647 ]